صبحي صبري
منذ كنت طفلاً صغيراً كان حب التمثيل يلازمني أينما ذهبت، لا أعرف من أين جاء هذا الحب . . هل كان رداً على تحدي الفقر وسط عائلة كادحة تحكمها البساطة والطيبة المفرطة ؟ . . و هل كان هروباً من دافع مادي قاس؟ . . لا أعرف . . لكنني أعرف إن الحي الشعبي الذي ولدت فيه (الشيخ فتحي) .. حيث كان يتسم هذا الحي بروحية خاصة وفيه مقامات العديد من الاولياء والمشايخ وتلك المزايا والسجايا الكريمة المتأصلة في نفوس الناس الطيبين الذين يسكنون هذا الحي قد جعلني، اضع يدي على نماذج منفية معذبة قدمتها فيما بعد على خشبة المسرح وفي الاعمال التلفزيونية التي كتبتها للتلفزيون مثل:ـ
تمثيلية البرقية: إخراج الراحل حكمت الكلو،
و تمثيلية بشرى: إخراج الراحل خليل ابراهيم،
و تمثيلية عند الفجر انطلق الرفاق: إخراج محمد نوري طبو،
وتمثيلية ليلى: إخراج طبو أيضاً،
و ثلاثية الحلم: إخراج صباح ابراهيم ..
ما ان هذا الحي قد انضج تجربتي الفكرية بحكم وجود عدة ادباء وفنانين متميزين فيه كالدكتور القاص نجمان ياسين، والاديب والاعلامي ثامر معيوف، والدكتور المترجم حسيب الياس حديد، والاديب القاص حسب الله يحيى، والكاتب عبدالباري عبدالرزاق النجم، والكاتب المسرحي الراحل محمود فتحي، والفنان والاعلامي الراحل محمد زكي اسماعيل وسواهم . . وبمرور الايام ازداد حبي وتعلقي بهذا الفن الجميل ففي عام 1968 وكان لهذا العام نقطة تحول في حياتي .. حيث اصطحبني المخرج الاذاعي الفنان الراحل يوسف سواس الى نادي الفنون بالموصل وحين ذاك اوشك الخوف ان يقتلني، ودخلت النادي واختبرني المخرج الفنان الكبير الراحل شفاء العمري ونجحت فأسند اليّ دوراً في مسرحية (أوديب ملكاً) للكاتب اليوناني سوفكلس وترجمة الدكتور طه حسين، اذكر اول يوم لعرض المسرحية، فقد اجتاحني خوف كبير وأخذتُ أحدث نفسي: كيف ستمثل يا صبحي امام هؤلاء الناس الذين اخذوا يدخلون الى صالة العرض ؟ . . وبقيت اراقب الجمهور من وراء الحواجز (الكواليس) وعندما غصت الصالة بالجمهور طلبت من المخرج الفنان الكبير شفاء العمري اعفائي من تمثيل الدور، واذكر انه كان دور (الكاهن زيوس) واخذ العمري يصرخ في وجهي وقال لي جملة مشجعة، كانت انعطافا في مسيرتي الفنية : اذا اردت ان تصبح ممثلا يشار له بالبنان فأد الدور بلا تردد .. وخرجت بعد ان قرأت سورة الفاتحة لاؤدي دور (الكاهن زيوس) ونجحت بإجماع الجمهور الكريم والسادة النقاد كالناقد الدكتور الراحل عمر الطالب والناقد والكاتب طلال حسن والناقد السينمائي الراحل سالم العزاوي والناقد والكاتب عبدالباري عبدالرزاق النجم والناقد مثري العاني والناقد والكاتب مؤيد الياس بكر وبدأت اقرأ القصة والرواية والشعر لكتاب عراقيين وعرب واجانب اضافة الى الكتب الفنية التي تحكي عن التمثيل والمسرح ثم واصلت مسيرتي الفنية بجهد جهيد فشملت العديد من النتاجات المتميزة في المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون ففي المسرح شاركت في العديد من الاعمال المسرحية العالمية والعربية والمحلية ، اذكر منها:ـ
(في انتظار اليسار) تأليف الكاتب الامريكي كليفورد اوديتس،
و(المسيح) تأليف الشاعر الراحل سالم الخباز،
و (مأساة جيفارا) تأليف الشاعر الفلسطيني معين بسيسو،
و (انت اللي قتلت الوحش) تأليف الكاتب المصري علي سالم،
و (فرح شرقي) تأليف الكاتب السوري وليد اخلاصي،
و (شموكين) تأليف الشاعر العراقي معد الجبوري،
و (عجيب غريب) اعداد شفاء العمري،،
و (محلتنا) تأليف شفاء العمري،
وهذه المسرحيات جميعها من اخراج الفنان الكبير شفاء العمري الذي كان له الدور الكبير والفاعل في ترسيخ اقدامي على خشبة المسرح العراقي . . وهناك مسرحيات اخرى اخرجها لي عدد من المخرجين المجدين في الموصل منهم الفنان محمد نوري طبو والدكتور الراحل جلال جميل و المخرج الراحل عبدالرزاق ابراهيم ..
وفي السينما فقد شاركت في خمسة افلام روائية ابرزها:ـ
فلم ( الانتفاضة ) وهو من اخراج المخرج السوري منير فنري،
وفلم ( عملية بلا رقم ) اخراج المخرج اللبناني نوفل فرحات،
وفلم (ويقتلون الطيور) اخراج المخرج العراقي طالب جميل،
والافلام الخمسة كانت من انتاج وحدة الانتاج السينمائي في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون في سبعينات القرن المنصرم .. التي عرضت في مهرجان افلام و برامج فلسطين الدولي الذي اقيم في بغداد وفي بعض العواصم العربية و العالمية و عبر تلفزيون بغداد و بعض محطات التلفزة العربية ..
اما مشاركاتي في مجال التمثيل التلفزيوني فقد شاركتُ بتمثيل العديد من الشخصيات الرئيسية في المسلسلات والسهرات التلفزيونية ، اذكر منها:ـ
مسلسل (النعمان بن المنذر) اخراج المخرج الاردني موفق صلاح،
ومسلسل (نادية)،
ومسلسل (الهاجس)،
ومسلسل (الغريب)،
وهذه المسلسلات الثلاثة كانت للمخرج العراقي صلاح كرم
وتمثيلية (عائد الى حيفا) عن قصة غسان كنفاني و إخراج محمد نوري طبو ،
و تمثيلية (الجلاد و المحكوم بالأعدام) اعداد و إخراج الراحل حكمت الكلو،
وتمثيلية (شعب الذرى) تأليف الشاعران معد الجبوري وعبدالوهاب اسماعيل وإخراج الفنان الراحل طارق فاضل السنجري، وتمثيلية (الحاجز) تأليف هادي جواد التميمي واخراج غازي فيصل،
وتمثيلة (الخيط) تأليف هادي جواد التميمي ايضا واخراج صباح ابراهيم،
اضافة الى العديد من اللقطات التلفزيونية التي كانت تقدم ضمن فقرات جريدة ام الربيعين التلفزيونية والتي كان ينتجها المجمع الاذاعي والتلفزيوني في نينوى بإشراف الشاعر العراقي الكبير معد الجبوري مدير المجمع آنذاك . . وفي الاذاعة لي مشاركة في تمثيل مسلسلين اذاعيين قدما من اذاعة بغداد الاول بعنوان :ـ
(العشاق) تأليف الكاتب الفلسطيني سعيد القدسي واخراج الفنان يوسف سواس،
والثاني بعنوان (البراء بن مالك) اخراج الدكتور فاضل خليل والذي تم انتاجه في المجمع الاذاعي والتلفزيوني في نينوى عام 1986 .
و هنا لابد لي ان أذكر و بكل فخر و اعتزاز ما كتبه نقاد المسرح و السينما من العرب و العراقيين و الادباء والصحفيين عن ادائي التمثيلي للشخصيات التي قمتُ بتجسيدها على خشبة المسرح و على شاشة السينما و التلفزيون :ـ
الاديب والناقد السينمائي سالم العزاوي كتب نقداً فنياً في مجلة (فنون) عام 1978 عن فلم (الانتفاضة) قال فيه :ـ
يحكى أن الفنانة البريطانية العالمية فانيسا راد كريف، سألت وهي تشاهد ممثلاً شاباً قاسي الملامح يؤدي دور ضابط إسرائيلي في فلم (انتفاضة) الذي أنتجته وحدة الإنتاج السينمائي في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون وأخرجه منير فنري .. سألت عن هوية هذا الممثل ألذي أعجبها تمثيله، وحينما بلغت كلمات راد كريف إلى صبحي صبري - وهذا هو أسمه – اعتبرها شهادة قيمة من فنانة كبيرة، أضافها على الشهادات الأخرى التي يعتز بها ..
وكتب الدكتور نجمان ياسين نقداً عن مسرحية (العريف أحمد) تأليف وإخراج شفاء العمري ، المنشور في الصفحة الثقافية في جريدة الثورة عام 1986 بعنوان ( العريف احمد .. بساطة النص وعمق الأداء والإخراج ) قائلاً :ـ
-اما التمثيل فقد كان اكثر من جيد إن لم أقل رائعاً ، فالفنان صبحي صبري الذي ادى دور (العريف أحمد) و كان قد أسهم في أداء أدوار عديدة في مسرحيات عربية و عالمية ، و مرة اخرى يبرهن لنا انه ممثل حقيقي مبدع استطاع ان يشد الجمهور بعمق أدائه و مرونته الجسدية و صوته المعبر الجيد ، بحيث اكد لنا اننا بحاجة اليه ، والى جهوده المخلصة لتطوير الحركة المسرحية في المحافظة .
وكتب الناقد المصري نبيل بدران في مجلة (آفاق عربية) العدد (8) السنة الخامسة / نيسان 1988 نقداً عن مسرحية (شموكين) تأليف الشاعر معد الجبوري وإخراج شفاء العمري تحت عنوان (الهواة أكثر صدقاً) التي قدمت على مسرح الجوال في بغداد ضمن المهرجان المسرحي القطري الاول لدائرة السينما و المسرح قائلاً :ـ
لقد فاجأ المخرج جمهور بغداد بتلك المواهب المتألقة القادمة من المحافظة نينوى وفي مقدمتهم (صبحي صبري) الذي أدى دور ( لوكال ) برسوخ ، وتمكن الممثلين أصحاب الخبرة العريقة في مجال التمثيل ... ساعده على ذلك أداؤه المسرحي البسيط والخالي من المبالغة والافتعال .
وكتب الشاعر رعد فاضل نقداً عن مسرحية (آدابا) تأليف الشاعر معد الجبوري وإخراج الدكتور جلال جميل تحت عنوان ، آدابا ، المنشور في جريدة ( العراق ) بتاريخ 13 /3/ 1988 العدد 3694 ، قائلاً :ـ
لقد كان المخرج موفقاً في إسناد دور (السيد) إلى الفنان صبحي صبري الذي تحول إلى كتلة من السطوة والفعل كما كان ماهراً في رشاقة أدائه حركة وإيحاء وصوتاً ، فأضفى هذا التألق الواضح مسحة مترامية الأطراف على جمالية الشخصية وأبعادها عن أدائه البارع لحظة سقوطه بطعنات ( المجموعة ) لا ينسى بسهولة .
اما الناقد عبد الحميد كاظم الصائح فقد كتب نقداً عن مسرحية (عجيب غريب) أعداد وإخراج شفاء العمري تحت عنوان (فرقة نينوى للتمثيل في إتمام الحكاية العربية) المنشور في جريدة الجمهورية في 2/ نيسان 1989 ، قال فيه :ـ
وقام صبحي صبري بدور (شيخ الحرامية) الذي كان مهيمناً على أدواته التمثيلية مانحاً شخصيته مرونة الأداء وخفة ظل أيضاً ، فهو ممثل ذو طاقة كبيرة يشار له بالبنان ..
وكتب الشاعر "امجد محمد سعيد" نقداً مسرحياً في مجلة (الجامعة) العدد الثاني من العام 1978 عن مسرحية (فرح شرقي) للكاتب السوري وليد إخلاصي ، وإخراج شفاء العمري تحت عنوان (متابعات في بغداد – مسرحية فرح شرقي على قاعة أكاديمية الفنون الجميلة) يقول :ـ
أما اختيار المخرج للممثلين فإنه كان متفاوتاً ، ففي الوقت الذي لم يستطع الأشخاص الأربعة أن يقنعونا ، فإن صبحي صبري ( الأب ) استطاع أن يوضح أقسى ما يمكن أن يكونه الأب وأخبث ما يكون ، وذو عقلية نفعية ومستغله ، كما استطاع أن يقنعنا بالنمط الاجتماعي الذي يهمل حتى حسن السلوك من خلال استخفافه بالخاطب والذي لا يفكر سوى ببناء الصروح الفوقية المتعالية ، صبحي صبري استطاع أن يثبت جدارته الفنية مرة أخرى ".
اما الناقد المسرحي حسب الله يحيى فقد كتب نقداً عن مسرحية (عجيب غريب) إعداد وإخراج شفاء العمري تحت عنوان (بين العجيب والغريب سقط مسرح التجارة والتخريب) المنشور في مجلة (الأقلام) عام 1989 و جاء فيه :ـ
هناك ثلاث شخصيات تتمثل في جلال جميل وصبحي صبري وسناء سيف الله، أمدت هذا العرض بالعافية وأعطته سمة الانتباه إلى مواهب قل أن نجد ما يماثلها في عدد من المسرحيات التي يسهم فيها مسرحيون وضعوا تحت الأضواء دون أن يكون لهم من النباهة في الأداء .. ما لهؤلاء الثلاثة الذين جسدوا عرضاً يرجح كفة النجاح على كفة الإخفاق بمسافة بعيدة.
وكتب الكاتب والصحفي فؤاد العبودي في جريدة العراق عام 2002 مقالاً بعنوان (صبحي صبري نكرهه بحب) قائلا :ـ
كان من الممكن للفنان صبحي صبري أن يصبح واحداً من أشهر الممثلين الذين يؤدون أدوار الشر بقدرة متناهية .. فقد أوتي (صبحي صبري) إمكانية على لعب وتقمص شخصياته إلى الحد الذي جعلنا من خلال ذلك أن "نكرهه" بحب وهذا "مجاز" في أن نكرهه بحب ... فليس هناك مفردة استطيع بها إقناعكم أن هذا الفنان يقوم بدوره وكأننا أمام شخصية شريرة "حقا" لا تختلف عن الواقع بشيء ..
هذا أنا مع فن التمثيل الذي احبني محبي و عشاق المسرح و السينما و التلفزيون طيلة اربعون عاماً و أحببتهم أنا أيضاً ، وهذا ما أسعدني و أفرحني كثيراً ..