القاص الكبير الراحل محمود جنداري
صبحي صبري
استذكرنا في الايام الماضية ، عدد من الادباء و الفنانين الذين لهم حضورهم المتميز ضمن المشهد الثقافي والفني لمدينة الموصل .. اليوم نستذكر القاص الراحل محمود جنداري ، من خلال الحوار الذي كنا قد أجريناه معه في الخامس من شهر ايلول لعام 1993 و نشر كمادة رئيسية في الصفحة الاخيرة من جريدة (العراق) تحت عنوان (القاص محمود جنداري : وساعة بدء الكتابة) .. وفي ما يأتي نص الحوار :
القاص الكبير محمود جنداري يعد من بين أبرز كتاب القصة الحديثة، لا في العراق وحده بل في الوطن العربي أيضا.. حياته القصصية تعدى عمرها الثلاثين عاما ازدانت بصدور ثلاث مجموعات ورواية واحدة وإنجاز عدد من النصوص الحديثة.
ميزته البارزة هي الهدوء العميق وتواضعه المعروف وميله إلى الصمت.. وهذا الحوار هو أحد مرات خرقه للصمت احتراما للمحبة والإبداع، وفيما يلي نصه:
* منذ متى تكتب القصة؟
- بدأت كتابة القصة في عام 1964 وأول قصة قمت بنشرها، في العام 1965 وكانت تحت عنوان(النافورة) ونشرت في مجلة (العاملون في النفط) التي كانت تصدر آنذاك.
* ماذا تعني القصة لمحمود جنداري؟
- الانتهاء من كتابة قصة يعني إنهاء الاحتدام المرير بين النفس وما علق بها، ووضع حد لجملة أوضاع نفسية وذهنية وفكرية، وحاجات روحية تريد ان تعلن عن نفسها من خلال اللغة ومن خلال القصة في نهاية المطاف.. أما القصة كفن فهي تعني الطريق الأصعب بين فنون الكتابة والطريق الذي تسير فيه وأنت لا تعرف إلا القليل عما تحتاجه من أسلحة وأفكار وأشكال، لذلك فهي من أكثر الفنون مقدرة على التطور والتجدد والظهور بأشكال مختلفة.. المهم فيها أن تظل قصة قصيرة على الدوام.
* وما الفرق بين كتابة القصة القصيرة والرواية؟
- تكثيف اللغة.. تكثيف الأحداث.. تركيز الفكرة واختزالها، هذه هي علامات القصة القصيرة، في حين أن الرواية هي الأشمل والأوسع في استخدام المفردات الحياتية وحركة الأشخاص والأحداث والمضي بها إلى نهايتها التي وضعتها الرواية في حسبانها، لتقول بوضوح ما تريد قوله من خلالها.
* في أي وقت تكتب القصة؟
- ليس هناك وقت محدد للكتابة وخاصة كتابة القصة، فأنا ليس لديّ طقوس معينة أو مستلزمات باستثناء الورقة والقلم.. أسألك يا صديقي، متى يفيض النهر؟ لن تستطيع أن تحدد لي وقتا معينا، لكننا متفقون على أن فيضان النهر ينبغي أن تسبقه أشياء.. مسببات، وأهمها ارتفاع المناسيب والروافد والأودية التي تصب فيه.. يفيض عندما يصبح الماء أكبر حجما من استيعاب أجراف النهر الاعتيادية.. قد يكون المثل غير دقيق، لكنني أردت أن أقول: إن ساعة بدء الكتابة أمر مرهون بما في داخل الكاتب.
* لمن يكتب محمود جنداري قصصه؟
- بالتأكيد للناس، كما يفعل الموسيقي أو الشاعر أو المغني وإلا لمن
يشتغل هؤلاء؟ أكتب للناس ولكن من واقع الوعي الذي أملكه بهذا الفن الجميل، لا تلبية لطلبات القراء.. قد تحدث أحيانا فجوة أو ضعف في التواصل مع الذائقة الفنية السائدة، وهذا لا ينفي أن هدف الكتابة هو الوصول إلى الناس.
* وما هي أجمل قصص جنداري؟
- إن مقاييس الجمال ليست ثابتة، وكل نص قصصي له جمالياته التي تمنحه تميزه عن غيره، ولكن بصورة عامة، فإن أجمل القصص هي التي تحقق أكبر قدر من الانعطاف عن المسار التقليدي لي وللقصة عموما.. إن القصة الجميلة، هي التي يضيق بها خط سكة حديد القصة.
* لو طلبنا من القاص محمود جنداري أن يقول لنا كلمة، فما الذي سيقوله في هذا الحوار؟
- أقول: أنا حزين جدا لأنني لم ألتق بجمهور اتحاد الأدباء في بغداد قبل أيام بسبب ظرف صحي طارئ وبسبب تغير الموعد أكثر من مرة، فشكرا لكل الأصدقاء والمحبين الذين حضروا.
* بعيدا عن القصة والرواية، ماذا تحب في الحياة وماذا تكره؟
- أحب الهدوء، لأنه الحالة الوحيدة التي يستطيع المرء أن يراجع نفسه فيها. وأكره الإدعاء، فالادعاء كذب، والكذب آفة.
أخيراً نقتطف ما قاله القاص والصحفي عبدالستار البيضاني عن القاص الراحل محمود جنداري ، الذي نشر في مجلة (الف باء) العراقية الصادرة في الثامن من شهر شباط لعام 1989 :
كان يتمنى ان يصبح رساما لكن الحكاية اخذته ، وكان الغناء البدوي يعجبه وام كلثوم هي المطربة الوحيدة التي لم يحب سماعها واحب محمد عبد الوهاب وحضيري ابو عزيز وناظم الغزالي وداخل حسن .. وقد احب امرأة جعلته رومانسيا في كل حياته حتى في السياسة ولم يكن يعرف غير القراءة كان يقرأ بعنف ، وكان مدمنا على السينما وفي ذهنه الممثلة الفرنسية ان جيراردو واروع الافلام التي اثرت فيه فيلم " زد " و " زوربا اليوناني " .. واضاف : انه عصبي المزاج ولا يميل الى الجدل وكان يحب السير في المطر ويأخذ على نفسه حبه المبالغ فيه للقرية ..قريته التي ولد فيها (اجميلة في الشرقاط ) ..و يستطرد قائلاً : انه كان يحرص دائما ان يكون مع اهله في القرية ويتمنى ان يأخذ احد بيده ليعود الى قريته النائية وكان لا يعتقد بوجود نجومية في الادب لكنه كان يؤكد على ان الادب تواصل مع الحياة وختم قوله انه عندما يحلم بالعودة الى القرية ، فأنه يروم العودة الى الطفولة والبراءة ...رحم الله القاص الكبير محمود جنداري لقد كان قاصا عظيما وانسانا رائعا ..
بقي ان نقول ان القاص محمود جنداري من مواليد سنة 1944 توفي 1995 وله مجاميع قصصية فضلا عن حالات اهمها "اعوام الظمأ " و"الحصار " و"الحافات " و" عصر المدن " و" احتمالات " و"مصاطب الالهة " وله دراسة بعنوان :" الاسطورة والنص القصصي الحديث " فضلا عن اعمال اخرى مبثوثة في الصحف والمجلات تنتظر من يجمعها ويدرسها وينشرها ..
للعودة إلى الصفحة الرئيسة