مدفع الافطار صوت ننتظره و نحن على مائدة رمضان
صبحي صبري
من تقاليد رمضان العريقة اطلاق مدفع الافطار لقذيفة يسمع صداها الصائمون على امتداد رقعة المدينة ، و يبدأون الافطار بعد سماعها ، و هي وسيلة من وسائل الاعلام عن اطلالة المغرب .. و قبل اختراع المدفع كان المسلمون يفطرون بوسائل اخرى مع الأذان الذي هو شرط مستمر لا يجوز تجاهله ، الا ان الأذان قبل اختراع اجهزة الصوت و ظهور الكهرباء لم يكن يصل الى الا مناطق مجاورة لمكان المؤذن و يعتمد على قوة حنجرة المؤذن و مدى علو صوته ، ثم ظهرت الطبول فيما بعد ، وما يسمى بالمعلن الجوال الذي يدور بطبلته بين الأزقة ليعلن توقيتات رمضان للناس ، و مع ظهور المدافع استخدمت هذه الاسلحة كوسائل بحكم صوتها و علوه و وصول مداه الى كل ارجاء المدينة ..
وكان الموصليون يسمعون المدفع (الطوب) و في بداية استخدامه وضع في موقع الثكنة العسكرية الحجرية خلف بناية المحكمة (دار العدالة) قرب ضفاف نهر دجلة ، ثم نقل فيما بعد الى موقع في احد مراكز الموصل المهمة ، وهو مدخل الدواسة ، في الموقع الذي تشغله حالياً (عمارة القدس) التابعة للوقف السني في الموصل ، و منه انتقل الى الضفة اليسرى لنهر دجلة قرب الجسر الحديدي العتيق منذ مطلع الاربعينات ، و بقي يرمي قذائفه في توقيتات رمضان من على تلك الضفة ، حيث كنا نزوره و نحن صغار لنسمع صوته الهادر .. و عادة ما يتم اختيار طاقمه من مراتب صنف المدفعية في الجيش ، اما سبب اختيار ضفة النهر فهو صلاحية الجو فوق المياه لعمل صدى عالٍ ينقل الصوت الى مسافات ابعد و لغاية امنية ايضا في سقوط المقذوف ان حدث أي سقوط لهذا السبب او ذاك .
اما حشوة المدفع فقد كانت تتكون ايام زمان من البارود مع حشو قطع من الخرق القماش البالية التي تتطاير من فوهة المدفع عند الاطلاق و بفضل تطور تقنيات صناعة الاسلحة فقد تم استخدام الحشوة الكاذبة (الخلب) التي لا تحتوي على رأس مقذوف فهي مجرد قذيفة بصوت عالٍ يعادل قوة القذيفة الحقيقية .
و عموماً فأن مدفع الافطار هو مدفع حقيقي استطاع ان يخرج من الحرب ببسالة ليخدم السلام و الامن و يعمل في ظل قدسية شهر رمضان المبارك ..و صوته العالي ليس مقلقاً بل هو صوت اليف ينتظره المسلمون من صغيرهم الى كبيرهم مع ان صوته معادل لصوت أي مدفع من مدافع القتال ، وقد اصبح جزءاً اصيلاً لطقوس من طقوس شهر رمضان نسمعه عند الافطار وعند السحور و عند الامساك وفي الاعياد و المناسبات الدينية و الوطنية ..ولكننا اليوم و مع الاسف الشديد افتقدنا صوت (الطوب) ذاك الصوت القوي الذي كان ينبعث من فوق ضفة نهر دجلة الخالد ..
***
الصور من ارشيف : المصور الفنان محمد عبدالرحمن
ملاحظة : المادة نشرت في موقع (ملتقى ابناء الموصل) في 18-8-2011
عودة الى الصفحة الرئيسية