يطلق حرائق كتابه الحادي والعشرين
صبحي صبري
فبعد مسيرة شعرية حافلة بالعطاء بدأها بمجموعته الأولى (اعترافات المتهم الغائب) عام 1971 ومسرحيته الشعرية (آدابا) حتى صدور كتابه العشرين ( أوراق من الضفة الثالثة عام 2013 ) يكلل الجبوري حضوره الشعري بمجموعة جديدة، هي (وقت لحرائق الكلمات) صدرت مطلع هذا العام 2014 عن مطبعة الديار بالموصل في (140) صفحة من الحجم الوسط ( 20× 14 ) وضمت 25 قصيدة. والمجموعة التي هي كتاب الشاعر الحادي والعشرون، نفذ غلافها الأنيق وطرز يغض صفحاتها الداخلية بتخطيطاته الجميلة الفنان عضيد طارق.
مما يميز قصائد المجموعة أسلوب الشاعر الذي يقوم كما يشير النقاد على (التكنيك المحكم الذي يُعنى بالإيصال، عبر الإيحاء والترميز الأخّاذ، والتعبير بالصورة والمفردات التي تتناغم فيها الأصالة والابتكار، والتجديد في بنية الإيقاع ). فالقصيدة لدى الجبوري كما يقول هو: ( تبدأ من شرارة تقدح فجأة لسبب ما، فتشعل حرائقها في كياني، عندها أصاب بحمى لحظات الخلق ولا أهدأ حتى تبينَ ملامح الجنين فأعمل بخزين رؤاي وتراكم خبرتي على تعميق قسمات تلك الملامح .. فيما أسمح للقصيدة أحيانا، بعد ولادتها، أن تطل على المتلقي بدفئها وشوائبها ثم أدير ظهري بانتظار شرارة أخرى) .
في المجموعة نقرأ وجع الشاعر الوطني والإنساني ، ونرى أن للأنثى صوت عالٍ في المجموعة .. وعند استفسارنا من الشاعر معد الجبوري عن حضور المرأة في قصائد ديوانه هذا، أجاب قائلا: ( إن تشابكي مع المرأة في نصوصي تشابك هوية وصراع وتناغم، فهي نسغ حلمي وقلقي وفضاء الأنوثة والخصب والحرية والجذوة التي تتأجج في نصوصي وتشعل فيها الحرائق، وهي مأواي الدافئ الذي دونه المنفى والضياع).
ومما تجدر الإشارة إليه أن معد الجبوري الشاعر المجدد المعروف ، هو في الوقتِ نفسه من المؤلفين الروَّاد في ميدان المسرح الشعري في العراق، وله في هذا الاتجاه أربع مسرحيات شعرية حظيت بعشرات العروض داخل العراق وخارجه لمخرجين عراقيين وعرب، خاصة (آدابا ) و (شموكين)، وقد ترجمت نصوصه الشعرية والمسرحية إلى العديد من اللغات الأجنبية، وتناولها بالنقد والدراسة عشرات النقاد والباحثين.
وهذا نص من مجموعة ( وقت لحرائق الكلمات ) للشاعر معد الجبوري:
( ترنيمة أوروك )
ريح .. ريح .. ريحْ..
ظَبْيٌ مذبوحْ..
وضِباعٌ والِغةٌ في دَمِهِ،
تنهشُ حتى العظمَ،
ولِلغدْرِ دَبيبٌ وفَحيحْ..
والشعبُ ينوحْ..
ريح .. ريح .. ريحْ..
مُذْ داهَمَ خَمْبابا أوروكَ،
تداعَتْ أبراجٌ وصروحْ..
نزحَتْ عنها حتى الطيرُ:
يَماماً وشَواهينَ،
وغَصَّتْ بالغِربانِ السُّوحْ..
والشعبُ ينوحْ
ريح .. ريح .. ريحْ..
قُمْ يا مَنْ باسمِكَ غَنَّتْ أوروك،
بلادُكَ صارتْ بِرْكَةَ حِيتانٍ
وتماسيحْ..
وأفاعي خمبابا
سَرقَتْ عُشْبَةَ نُوحْ..
والشعبُ ينوحْ.
ريح .. ريح .. ريحْ..
ما زلتُ أنا أوروكَ الشمس،
ولي أن أنهضَ مِنْ وَجَعي،
وأصيحْ:
وَعْدُ الغَيظِ الخَلاَّقِ أنا،
والبرقُ الطالعُ مِنْ جُرحٍ مَفتوحْ..
فاطلع يا كلكامشُ،
مِنْ أوجاعِ المَنفَى،
وانهضْ يا أنكيدو،
مِنْ دمِكَ المَسفوحْ..
لنسوقَ إلى أيِّ ضَريحْ
حَشْدَ ضِباعٍ خَلَّفَها خَمْبابا،
ما زالتْ تنهشُ حتى الروحْ..
والشعبُ ينوحْ..
-
للعودة إلى الصفحة الرئيسة