صبحي صبري
لمدينة الموصل ، نكتها الخاصة و جمالها المتميز... التجوال فيها دوماً يمنحني و يمنح سواي، عبقاً للروح و جمالاً للنفس .. واصلت التجوال بين رموزها الشاخصة من معالم اسلامية وحضارية و بين ازقتها التراثية العتيقة و اسواقها الشعبية ، حتى وصلت الى مرقد يحيى ابو القاسم المطل من الجهة اليمنى على نهر دجلة الخلود و الزلال الصافي .. وقفت هناك و عادت بي الذاكرة إلى وراء الوراء لأتذكر ما سمعته وما قراءته عن هذا النهر الذي هو من أعذب أنهار العالم .. فقد كان لدجلة أسماء كثيرة منها (وادي السلام) و (البحر الصغير) و (وزير البحر) و(الملك) وفي سنة (108هـ - 726م) بدأ والي الموصل الحرّ بن يوسف الأموي بشق وادٍ ليكون مجرى لدجلة قرب المدينة، استغرق في تنفيذه سبع سنوات أو أكثر وقد عرف هذا المجرى الجديد بالنهر المكشوف ثم بنهر الحر بن يوسف، وعرف في العصر العباسي باسم (نهر زبيدة) نسبة إلى زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد، التي ولدت في الموصل. و لدجلة أسماء محلية حيث جرت العادة أن يضاف اسم الحي الذي يمر قربه أو تحته مثل (شط المكاوي) و (شط الحصى )و( شط القلعة) و ( شط الجومي ) ..
و من أغرب الحوادث التي شهدتها مدينتي الموصل ، هي عبور الجراد على نهر دجلة وهو متجمد، زحفاً من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي، حيث قضى على المزارع سنة (1170م) وعادت مياهه إلى التجمد سنة (1248م) ولعمق ثلاثة أذرع عند ضفتيه لكنها في سنة (1620م) تجمدت بكاملها بحيث تمكن الناس من عبور دجلة مشياً أو مع دوابهم.
أما فيضانات دجلة فقد كان أقربها فيضان 1936 وفيضان 1963 حيث غمرت المياه كافة المناطق الرسوبية في الجهة الشرقية ومنها الفيصلية وحاذت جامع النبي يونس (عليه السلام) البعيد نسبياً عن مجرى النهر ..
آه .. آه .. يا مدينة الموصل الحدباء ، مدينة الاربعين نبياً .. كم هو جميل صباحك و مساءك أيتها الحبيبة الساكنة في الروح و القلب و الذاكرة ..