معد الجبوري
(1)
إن كانتْ حَوَّاءُ الجنَّةِ،
مِنْ سابعِ ضلعٍ
مِن أضلاعِكَ يا آدمُ،
قد ولِدَتْ
وهبطتَ إلى الأرضِ بها
مُذ أغوَتْكَ بِتُفَّاحَتِها الأولى
فأنا، مِنْ أوَّلِ ضلعٍ
في حوَّاء الأرضِ،
وُلِدتُ..
ومِن الهُوَّةِ،
بين الواحدِ مُذْ صارَ اثنين،
إلى فردوسِ الأنثى،
بحرائقِ روحي،
وجحيمِ العشقِ،
صَعَدْتُ..
(2)
لا منفى بعدَكِ،
يا حواء بلادي،
أنتِ فمي،
ودمي،
وطريقي،
وَخُطايْ..
دونَكِ لا أحدٌ مَنْفِيٌّ فِيَّ،
سِوايْ..
(3)
لمْ أَدَّعِ وَصْلاً بكِ،
يا ليلى
فأنا،
منذُ فتحتُ على الدنيا عَينَيَّ،
وأنتِ أمامي
وورائي أنتِ،
وحَولِي..
بَعْدِي أنتِ،
وقَبْلِي..
أمِّي ليلى،
وحفيدتيَ الأحلَى ليلى،
وشريكةُ عمري،
أدعوها: ليلى.
بهواكِ السَّاكِنِ فيَّ وفيكِ،
أميرُ العُشَّاقِ أنا يا ليلايَ،
تدورُ كؤوسي بينهُمُ،
ولهُمْ مُتًّكَأٌ في ظِلِّي..
وقتيلُ هواكِ أنا
أرأيتِ قتيلاً
يعشَقُ قاتِلَهُ،
مِثلِي؟!
(4)
أتهجَّى كَرْمَتَكِ الوارفةَ الغَنَّاءْ..
غُصناً غصناً
عُنقوداً عنقوداً
عُصفوراً عصفوراً
مِنْ أخمصِ حُبِّي
حتى أبعدِ نَجمٍ،
في الظلماءْ..
أتهجى أمطارَكِ،
وهي تنثُّ عَلَيَّ،
مِن الحاءِ
إلى الباءْ..
(5)
أأقولُ:
لو انَّ أموري بيَدَيَّ،
لأجَّلتُ مشيبي،
وأعَدْتُ إليَّ شَبابي؟..
كيفَ !
ونبضُ شبابي الدائمِ أنتِ،
وأنثى وَحْيٍ شِعْريٍّ
تخطفُني مِنْ شَطحاتي،
حين أناديها،
وعلى الرُّؤيا تفتحُ أبوابي..
أنثى توسِعُني عشقاً،
أملأُ ما زلتُ بكَوثرِهِ،
أكوابي..
(6)
حين تُعانِقُ عيناكِ
وَمِيضَ قصيدتِهِ
لحظةَ مولِدِها
يبكي الشاعرُ مِن فَرَحٍ
بدموعِ أناملِهِ القَلِقَهْ..
ويُشَكِّلُ،
مِمَّا يتخلَّقُ بينَ جوانحِهِ،
صُوراً تَقطرُ موسيقَى
وبراعِمَ ألوانٍ
حتى تندى الكلماتُ،
وتَخْضَلَّ الورَقَهْ..
(7)
مِنْ ألْفِ جَفافٍ
مَرَّ على العُشَّاقِ،
وقامَتُكِ الممشوقَةُ نافورَهْ..
تتدفَّقُ نبعَ زُلالٍ،
بين عيونِ الظَّمْأى
وهي، بما تكنزُ
مِنْ شَهْدٍ وعُطورٍ،
أجملُ قارورَهْ..
(8)
الشمسُ هي الأنثى في لُغتِي
والقمرُ الوَضَّاءُ،
هلالاً أو بدراً كانَ،
هو الذَّكَرُ..
ما أجملَ هذا،
بين لُغاتِ الأرضِ!
فلولا الشمسُ،
لما كانَ القَمَرُ..
(9)
صفحاتي،
في لحظاتِ الخَلْقِ،
إناثِي.
كلُّ الصفحاتِ إناثٌ،
مُذْ أودَعَتِ البشريَّةُ تحتَ الشمسِ
سُطورَ شرائعِها،
وملاحمِها،
وأغانيها
في رُقُمٍ مِنْ طينٍ،
أو ألواحِ رُخامٍ،
أو صفحاتِ البَرْدِي،
والرِّقِّ،
إلى آخرِ ما ابتكرتْهُ مِنَ الأوراقِ،
الأوراقُ إناثٌ،
والكلماتُ إناثٌ،
في أيِّ خِطابْ..
فإذا اجتمَعَتْ في ساعةِ طَلْقٍ
ولِدَتْ ذَكَراً،
هو خيرُ جليسٍ للإنسانِ،
نُسَمِّيهِ:
كِتابْ..
(10)
عينُ الرُّؤيا نَطَقَتْ
في قولِ الرسَّامِ الفَنَّانْ:
في التقليدِ،
وفي التجريدِ،
اللوحَةُ أنثى
ونساءُ الأرضِ،
هي الألوانْ..
**
عودة الى الصفحة الرئيسـة