الدكتور محمود الحاج قاسم
مقدمة : كنت قد نشرت جزاً من هذه القصة في البيت الموصلي ضمن مقال عن مجلة الطالب المصرية ، إلا أنني وجدت القصة كاملة وبصيغة أخرى في ( كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري ) ولطرافتها أعطيت لها العنوان التالي :
(( ذكاء الأعراب وفطنتهم))
ذكر الأمام أبو الفرج إبن الجوزي في الأذكياء وغيره، قال:
حضرت نزار إبن معد الوفاة، قسم ماله بين بنيه وهم أربعة مضر، وربيعة ، وإياد ، وأنمار وقال يا بني هذه القبة وهي من أدم حمراء وما أشبهها من المال لمضر، وهذا الخباء الأسود وما أشبهه من المال لربيعة، وهذه الخادم وما أشبهها من المال لأياد، وهذه البدرة والمجلس لأنمار يجلس فيه. ثم قال لهم إن أشكل عليكم الأمر في ذلك واختلفتم في القسمة فعليكم بالأفعى بن الأفعى الجرهمي وكان ملك نجران فبينما هم يسيرون إذا رأى مضر كلأ قد رعى فقال : إن البعير الذي رعى هذا أعور، فقال: ربيعة وهو أزور ، وقال: إياد وهو أبتر
وقال أنمار وهو شرود .
فلم يسيروا إلا قليلاً حتى لقيهم رجل فسألهم عن البعير
فقال مضر أهو أعور قال نعم
قال ربيعة أهو أزور قال نعم
قال إياد أهو أبتر قال نعم
قال أنمار أهو شرود قال نعم
قال نعم هذه صفة بعيري دلوني عليه، فحلفوا له أنهم ما رأوه فلزمهم وقال كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته، ثم سار معهم حتى قدموا نجران ونزلوا بالأفعى الجرهمي ،
فنادى الشيخ صاحب البعير فقال هؤلاء أصابوا بعيري فإنهم وصفوا صفته ثم قالوا لم نره أيها الملك. فقال الأفعى كيف وصفتموه ولم تروه.
فقال مضر: رأيته رعى جانباً وترك جانباً فعلمت أنه أعور
وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر فعرفت أنه أفسدها بشدة وطئه لإزوراره
وقال إياد: رأيت بعره مجتمعاً فعلمت أنه أبتر ولو كان ذيالاً لمصع به
وقال أنمار: رأيته رعى الملتف نبته ثم جاوزه إلى مكان آخر أرق منه فعلمت أنه شرود
فقال الأفعى للشيخ: ليسوا بأصحاب بعيرك فأطلبه، ثم سألهم من هم فأخبروه فرحب بهم، ثم قال أتحتاجون إلي وأنتم كما أرى، فدعا لهم بطعام وشراب فأكلوا وشربوا.
فقال مضر: لم أر كاليوم خمراً أجود لولا أنها على مقبرة، وقال ربيعة: لم أر كاليوم لحماً أجود لولا أنه ربي بلبن كلبة، وقال إياد: لم أر كاليوم رجلاً أسرى منه لولا أنه ليس بإبن أبيه الذي يدعى إليه، وقال أنمار: لم أر كاليوم خبزاً أجود لولا أن التي عجنته حائض.
وكان الأفعى قد وكل بهم من يستمع كلامهم فأعلمه بما سمع منهم فطلب صاحب شرابه وقال له الخمرة التي جئت بها ما قصتها، قال هي من كرمة غرستها على قبر أبيك لم يكن عندنا شراب أطيب من شرابها. وقال للراعي اللحم الذي أمرتك ما أمره، قال من لحم شاة أرضعناها بلبن كلبة ولم يكن في الغنم أسمن منها. ودخل داره وسأل الأمة التي عجنت العجين فأخبرته أنها حائض، ثم أتى أمه وسأل منها عن أبيه فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا يولد له فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلاً نزل بهم من نفسها فوطئها فأتت به فعجب من أمرهم ودس عليهم من سألهم عما قالوا .
فقال مضر: إنما علمت أنها كرمة غرستها على قبر لأن الخمر إذا شربت أزالت الهم وهذه بخلاف ذلك لأنا لما شربناها دخل علينا الغم.
وقال ربيعة: إنما علمت أن اللحم لحم شاة رضعت من لبن كلبة لأن لحم الضأن وسائر اللحوم شحمها فوق اللحم إلا الكلاب فإنها عكس ذلك فرأيته موافقاً له فعلمت أنه لحم شاة رضعت من كلبة فاكتسب اللحم منها هذه الخاصية.
وقال إياد: إنما علمت أن الملك ليس بابن أبيه الذي يدعي إليه لأنه صنع لنا طعاماً ولم يأكل معنا فعرفت ذلك من طباعه لأن أباه لم يكن كذلك، وقال أنمار إنما علمت أن الخبز عجنته حائض لأن الخبز إذا فت إنتفش في الطعام وهو بخلاف ذلك فعلمت أنه عجين حائض، فأخبر الرجل الأفعى بذلك فقال ما هؤلاء إلا شياطين.
ثم أتاهم فقال لهم قصوا قصتكم فقصوا عليه ما أوصاهم به أبوهم وما كان من إختلافهم، فقال ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر فصارت له الدنانير والإبل وهي حمر فسميت مضر الحمراء، ثم قال وما أشبه الخباء الأسود من دابة ومال فهو لربيعة فصارت له الخيل وهي دهم فسميت ربيعة الفرس، ثم قال وما أشبه الخادم وكانت شمطاء من مال فهو لأياد فصارت له الماشية البلق من الخيل وغيرها، وقضى لأنمار بالدراهم والأرض فساروا من عنده على ذلك
المصدر:
( . ) الدميري ، الشيخ كمال الدين : حياة الحيوان الكبرى ، نشر المكتبة الإسلامية ( بدون تاريخ ) ج 1 ، ص 31-32
للعودة إلى الصفحة الرئيسة