الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
أولى الأطباء العرب والمسلمون علم الأجنة عناية خاصة، فتناول كثيرون منهم الكتابة في ذلك. أما أول من كتب كتاباً مستقلاً في علم الأجنة فكان يحيى أو يوحنا بن ماسويه ( 161-243 هـ/ 777- 857 م ) في كتابه المسمى ((مقالة يحيى بن ماسويه في الجنين وكونه في الرحم )) والذي قمنا بتحقيقه (1) . ثم أعقبه في ذلك حنين ابن إسحق العبادي ( 194 – 264 هـ /809 – 879 م ) في كتابه ((المولودين))، وعريب بن سعد القرطبي الذي ألف كتابه ((خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين)) سنة 353هـ/ 964 م ، وأبي سعيد بن هبة الله بن الحسين (436 -487 هـ/ 1004 – 1094 م ) في كتابه (( خلق الإنسان ))، وأحمد بن محمد البلدي ( كان حياً 368 هـ / 978 م ) في كتابه (( تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم )) (2) الذي حققناه وطبع سنة 1980 وغيرهم .
كيفية تخلق الجنين في التراث الطبي العربي الإسلامي
إن مسألة أسهام كل من الرجل والمرأة في مسألة التناسل كان مدار نقاش في علم الأجنة اليوناني ، حيث رأت مجموعة من العلماء بأن دور المرأة لا يقتصر على الجنين فحسب بل تقوم بجانب ذلك بتهيئة التغذية له أيضاً، بينما رفض آخرون فكرة إشتراك الجنسين في إفراز النطفة . (( حتى كان القرن الثالث الميلادي حيث أكد المشرح السكندراني هيروفلس الملقب بأبي التشريح لأنه أول من شرح جسم إنسان، أن عمل المبيضين مناظر لعمل الخصى في الرجل وان نطفة المرأة تنتقل من المبيض إلى الرحم عبر أنابيب التي تقابل قناة المني في الرجل)).
ويؤكد ابن ماسويه في مقالته في الجنين على (( أن أول ابتداء الإنسان نطفتان تجتمعان في الرحم من الرجل والمرأة، وان نطفة الرجل غليظة مجتمعة ونطفة المرأة دقيقة كنطفة الخصي))(3)، و يؤكد البلدي في كتابه تدبير الحبالى والأطفال، على كون الرجل والمرأة (بمشيئة الله تعالى) كليهما مسؤولان عن صفات الطفل وجنسه ليس الرجل وحده لأنه يرث والديه وعن كيفية تكون الجنين وتصوره وتركيبه وخلقته يقول: ((وتكون الجنين وخلقته يكون إذا اجتمع مني الرجل ومني المرأة في الرحم واختلطا وامتزجا وصارا كالماء الواحد واستقرا واحتوى عليهما وانطبق فمه دونهما واختلطا واستحال بعضهما إلى بعض وصارا كالذات الواحدة والماء الفرد وأضاف كل شيء منهما إلى شبهه ومجانسه وصاحبه)) (4).
ويقول علي بن العباس المجوّسي في ذلك : (( إن الجنين إنما يتم بامتزاج مني الذكر بمني الأنثى ويتولد من المني في الغشاء عند المنافذ التي يجري فيها الدم إلى الجنين عروق وشرايين أفواهها متصلة بأفواه العروق والشرايين التي تصير إلى الرحم فيتصل العرق منها بفم العرق والشريان بفم الشرايين)) (5)
ويستعرض إبن هبة الله آراء القدماء فيما منه يتكون الجنين وهي خمسة، اربعة منها تنفي علاقة المرأة في تكون الجنين ، ثم يقول (( والخامس رأي من يرى أن للمرأة نطفة كما أن للرجل نطفة وأن له حظاً في التوليد، وأن تكون الجنين من ثلاثة أشياء وهي نطفة الرجل والمرأة ودم الطمث، وأن لثلاثتها حظاً في المادة التي منها يتكون الجنين )) (6)
مراحل تطور نمو الجنين في التراث الطبي العربي الإسلامي
إن التطور الذي يمر به الطفل لاشك يبدأ مع بداية الحمل ثم يستمر بعد الولادة وقد تناول ذلك أغلب من كتب في هذا الموضوع من الأطباء العرب والمسلمين إلا أن البلدي كان خير من كتب وأسهب في دراسة تطور ونمو الجنين في الرحم نذكر فيما يلي خلاصة لآرائه مع مقارنتها بالطب الحديث (7)
رأي البلدي (( ففي اليوم السادس منه سقوط في الرحم يصير المني زبداً لتحركه )) [8]. (( اليوم السابع ينشأ من وسطه أصل وعرق ملقية عند فم الرحم ليجتذب من تلك الأفواه ما يحتاج إليه ككما تلقي ، الغروس المغروسة في الأرض عرقاً تجتذب بها الرطوبة من الأرض )) [9]. واتفق المشرحون جميعاً على أن المني يتلين على الرحم ويصير منه غشاء وإنه أول ما يتبين في خلق جسد الحيوان شبيه ثلاث نقط متقاربة بعضها من بعض يتوهم أنها رسم الكبد والقلب والدماغ ثم يزداد بعضها من بعض بعدما امتدت أيام الحمل )) ثم يقول : (( فأما أن هذه النقطة التي هي أصول هذه الأعضاء الثلاثة أقدم فليس يستدل من التشريح عليها وأما الطبيعي إذا يوجب أن يكون أول الأعضاء المخلوقة الكبد ثم الدماغ )) [10] . (( وإلى تمام أربعة أسابيع يظهر الجسد كله مفصلاً ويكمل ذلك أكثر وإلى تمام أربعة وأربعين ليلة )) [11]. ومع ابتداء الفقار وعظم الرأس يبتدر المخ والدماغ والأعصاب وعند ذلك يتكون اللحم والشرايين والأوردة من القلب والكبد وتنتشر في جميع الجسد وتلتف وترتبط بالعظام وتتصل وتجتمع بعضاً إلى بعض ويتلوها بعد ذلك الجلد فتكتمل الصورة ويتم الخلق وتتميز العينان والأنف والفم وجميع الأعضاء ويجري فيه الروح الحياة )) [12]. (( ويتحرك في تمام سبعين يوماً ومنه ما تكون حركته في ثمانين يوماً ومنه في تسعين يوماً ومنه في ماية يوم أكثره ))[13] . (( فأما في الثلاثة أشهر الثانية والثلاثة أشهر الأخيرة أحرى فيهن أن يتولد فيها الشعر )) [14]. | الطب الحديـث انتقال البيضة خلال القناة و طفوها في الرحم تغرس البيضة نفسها في بطانة الرحم تنقسم الخلايا إلى مجموعتين 1 – ENTODERM الأديم الباطني 2 – ECTODERM الأديم الظاهر خلال الأسبوع الثالث تضاف المجموعة الثالثة . 3 – MESODERM الأديم الأوسط تعتبر هذه المجاميع أساس تكون أجهزة الجسم المختلفة . وضح جميع فقرات السلسلة الفقرية ، وأنسد الحبل الشوكي ظهر للجنين ذنب واضح وبدأت الأطراف : الذراعان والساقان تظهر تم تكوين الصدر والبطن ، بدأ تكوين أصابع اليدين والقدمين واتضحت العينان . الوجه والملامح تتكون تكوين الأذنين . الذراعان والساقان واليدان والقدمان وأصابع الأطراف تكونت كلياً تماماً وظهرت الأظافر وتكونت الأذنان تماماً وتبدأ الأعضاء الحسية الخارجية في الظهور ويبدأ اختلاف الذكورة والأنوثة . يستطيع الملاحظ العابر تمييز جنس الجنين في هذا الوقت مع حركات الجنين ودقات قلبه . في نهاية الشهر يظهر شعر دقيق فوق سطح الجلد . | التـــاريـخ الأسبوع الأول بعد الإخصاب بعد الأسبوع الثاني حتى نهاية الثالث نهاية الأسبوع الرابع خلال الخـامـس خلال السـادس نهاية الشهر الثالث نهاية الشهر الرابع |
أما عن علامات قوة الجنين وضعفه وصحته فيؤكد البلدي على ثلاث نقاط أساسية و مقبولة علمياً اليوم ، يقول :
1. (( يكون من حال الحامل في بدنها ومزاجها وما يعرض لها من الأمراض والأعراض لأن أحوال الأجنة متصلة بأحوال الأمهات بسلامة الحبالى في أبدانهن وتمام صحتهن … وقلة تشكيهن … وطيب نفوسهن …. وقلة الأفعال الطبيعية والنفسانية فيهن … تدل على قوة الأجنة وصحتهن وسلامتهن )) [1].
2. (( واكتناز الثدي يدل على صحته وكذلك ضمور الثديين دل على رداءة حال الطفل)) [2].
3. (( وكذلك جريان الطمث من الحامل في أوقاته يدل على ضعف الطفل وقلة إغتذائه)) [3].
المصادر :
[1] - ثلاث رسائل في الطب العربي الإسلامي : تحقيق الدكتور محمود الحاج قاسم محمد ، إصدار بيت الحكمة – بغداد 2001 .
[2] - كتاب تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم : تأليف أحمد بن محمد بن يحيى البلدي ، تحقيق الدكتور محمود الحاج قاسم محمد ، دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد ، الطبعة الأولى 1980 . الطبعة الثانية 1987 .
[3] - ثلاث رسائل في الطب ( مصدر سابق )ص 57 – 58 .
[4] - البلدي : تدبير الحبالى والأطفال والصبيان ، ( مصدر سابق ) ، ج 2 ، ص 99 .
[5] - المجوّسي ، علي بن العباس : كامل الصناعة الطبية ، المطبعة الكبرى بالديار المصرية / 1294 هـ ، ج 1 ، ص 117 .
[6] - إبن الحسين ، أبي الحسن سعيد بن هبة الله : كتاب خلق الإنسان ، تحقيق الدكتور كمال السامرائي ، دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 1990 ، ص 91 .
[7] - البلدي : تدبير الحبالى والأطفال والصبيان ، ( مصدر سابق ) القيمة العلمية للكتاب ، بقلم المحقق ص 18 - 19
[8] - البلدي : المصدر نفسه ، ص 100 .
[9] - البلدي : ( مصدر سابق ) ، ص 101 .
[10] - البلدي :المصدر نفسه ، ص 106
[11] - البلدي : المصدر نفسه : ص 102 .
12 _ البلدي : المصدر نفسه : ص 102
13 – البلدي : المصدر نفسه ص 100 .
14 - البلدي : المصدر نفسه ص 103 .
[15] - البلدي :المصدر نفسه ، ص 126 .
[16] - البلدي : المصدر نفسه : ص 130 – 131 .
[17] - البلدي : المصدر نفسه : ص 180 .
| يرجى تحميل المقال كما وردنا على برنامج الوورد |