( القسم الأول )
الـدكتور مـحمود الـحاج قاسم محمد
طـبـيـب أطـفال – الموصل/ العراق
جاء في لسان العرب لإبن منظور ( ج1 ، ص 791 ) في مادة (( ختن )) : ختن الغلام والجارية يختنهما . وقيل الختن للرجال والخفض للنساء ، ويسمى في الذكر إعذاراً أيضاً. والختان أو الختن هو قطع ( القلفة ) أو ( الغرلة ) وهي الجلدة التي تغطي حشفة الذكر ، والأقلف ( الأغرل ) من لم يختتن . وفي الأنثى هو قطع جزء من جلدة البظر. وجاء في تحفة المودود لابن القيم (ص 119 ) :
(( الختان اسم لفعل الخاتن … ويسمى به موضع الختن أيضاً … ويسمى بحق الأنثى
خفضاً ، يقال ختنت الغلام ختناً وخفضت الجارية خفضاً . ويسمى في الذكر إعذاراً
أيضاً ، وغير المعذور أعلف وأقلف)).
الختان في الأمم الأخــرى:
هناك من يقول بأن الإنسان الأول أبو البشر آدم عليه لسلام وهو أول نبي مرسل ، كان أول من فعله ( ففي إنجيل بر نابا أن سبب الختان أن آدم لما عصى ربه نذر أن يقطع من نفسه عضواَ إذا تاب الله عليه ، فلما قبلت توبته وأراد الوفاء بنذره احتار ماذا يصنع ؟ فدله جبريل على هذا الموضع فقطعه . ولعل أبناؤه تركوا هذه السنة حتى أمر الله إبراهيم بإحيائها ))
( عبد الوهاب النجار : قصص الأنبياء ، ص 94 )
(( إن قليلاً من الشعوب القديمة هي التي مارست الختان بأشكاله المتعددة كالمصريين القدماء والأثيوبيين … أما الفينيقيون والسوريون الذين قطنوا في فلسطين ، فإنهم يعترفون بأنهم تعلموا هذه العادة من الفراعنة ، رغم أن الفينيقيين لم يستمروا طويلاً فيها ، لأن أحفادهم ظلوا دون ختان ، وكل من المصريين والأثيوبيين مارسوا الختان منذ أقدم العصور بحيث لم يستطع المؤرخون تحديد من الذي نقله عن الآخر … ولكن يبدو أنها انطلقت من مصر ، ويؤكد المؤرخ الإغريقيالقديم ( هيرودوت ) ، الذي زار مصر ، في كتابه الثاني ( التاريخ ) ذلك إذ قال : إن عادة الختان نشأت عند شعوب وادي النيل ثم انتشرت عن طريق الاتصال بين الحضارات )) .
(( ولو تتبعنا أصل الختان بدقة أكثر ، فإن البحث سوف يقودنا إلى عهد الأسر الحاكمة
في التاريخ المصري القديم … ففي منطقة ( سقارة ) وعلى جدران إحدى المقابر الفرعونية التي يعود تاريخها إلى سنة 2400 ق . م ، يوجد رسم يمثل صبياً يقف خلفه رجل يمسك بمعصميه ، بينما ينحني الكاهن لإجراء عملية الختان … كما أن إثباتات أخرى على إجراء الختان قد وجدت في المومياءات المصرية المحنطة … هذه بعض الأمثلة المعروفة لكنها ليست أقدمها ، فأصل هذه العادة يتوغل في القدم قبل بدء الحضارة المصرية القديمة )).
(( ويؤكد بعض الباحثين أن قدماء المصريين كانوا يعتبرون الختان نوعاً من التضحية السحرية لضمان الحياة بعد الموت عوضاً عن التضحية بالفرد نفسه ، كما في حالة شعوب أخرى )) . كما أن المؤابيين ( أحد الشعوب السامية القديمة )، والعبرانيين ( شعب كان يقطن شرقي الأردن ) ، والأدوميين ( بين البحر الميت وخليج العقبة ) ، كانوا يمارسون الختان … أما الكنعانيون والصيدانيون فلم تنتشر بينهم هذه العادة طبقاً لما جاء في التوراة )) .
(( كما أن شعوب شرق أوربا القديمة والهند وجرمانيون والمغول كانوا يجرون العملية )) .
(( وفي القرن الثاني للميلاد منعت السلطات الرومانية في مصر الختان وجعلته قصوراً على الكهنة)) (هشام أبو عودة : مقال الختان – مجلة الفيصل العدد43 ، ص 107 ).
(( وكان الختان معروفاً في الأرخبيل الأندنوسي قبل ظهور الإسلام))( دائرة المعارف الإسلامية ص 220) .(( كما أنه كان عادة عند الأزتكيين- شعب متمدن حكم المكسيك قبل أن يستعمرها الأسبان)) .ه
Aztess
- ه ((وفي العصر الحالي يمارس الختان من قبل كل اليهود والمسلمين وسكان الأصليين
Aborigines
كذلك من قبل سكان جزر
Papua
. جزر شمال أستراليا - ))
ويقول ويستر مارك : (( والختن معروف عند بعض الجماعات البدائية ، وعند القبائل التي تعيش في ( غينيا الجديدة ) لا يزوج الشاب إلاّ بعد ختنه )).
(( وقد ذكر المؤرخ هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد أن عادة ختان الأنثى كانت تمارس بين الفينيقيين والحيثيين والأثيوبيين والمصريين ، ولا يعرف أحد أسباب ممارستها)).
وهنا يتبادر إلى الذهن ما هي الأسباب التي دفعت الأمم السابقة ( عدا الذين قاموا بذلك لأسباب دينية ) لإجراء عملية الختان منذ القدم ؟
للإجابة على ذلك نقول بأنه ليس هناك معلومات كافية وحقيقية حول ذلك . وأشار عدد من الباحثين إلى أنها بدأت عند الشعوب التي لم تعتني بالنظافة اليومية أو لأسباب صحية ، إلاّ أن كثيراً من التفسيرات تنفي أن الختان قد طبق لأسباب صحية بحتة ، لأن هذه العملية كانت تجري عند الشعوب المتحضرة والشعوب المتخلفة التي لم يكن لديها أدنى فكرة عن الفوائد الطبية للعملية.
ويعتقد بأن عملية الختان في المجتمعات الزراعية كانت مرتبطة بالرجولة ، وكان المقصود بالعلمية ضمان الإخصاب وإنجاب الأطفال لتوفير اليد العاملة التي كانت تحتاجها تلك المجتمعات … أما في المجتمعات البدائية الأخرى فكانت تنبع من إظهار رجولة الفرد ولتعويده على تحمل الألم المجرد ، وإخضاعه للنظام داخل القبيلة . كما ويؤكد بعض الباحثين بأن قدماء المصريين كانوا يعتبرون الختان نوعاً من التضحية السحرية لضمان الحياة بعد الموت ، عوضاً عن التضحية بالفرد نفسه .
الـخـتان عنـد العـرب قبـل الإسـلام :
(( لا مشاحة في أن الختان كان عادة شائعة في الجاهلية . ولم يرد ذكر الختان في القرآن الكريم ، وإنما ورد في الشعر القديم وحديث النبي ) ( دائرة المعارف الإسلامية ، مجلد 8 ، ص 215 ). فقد كان العرب في جاهليتهم يختتنون إتباعاَ لسنة أبيهم إبراهيم ، وكانت قريش على وجه الخصوص تختتن .وفيما يرويه البخاري عن هرقل تأكيد على أن العرب كانوا
متمسكين بعادة الختان ، تقول الرواية : (( أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس . فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناظور ، وكان هرقل حزّاءً ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه ،ني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة ، قالوا ليس يختتن إلاّ اليهود . فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبره فلما استخبره هرقل ، قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ، فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب هم مختتنون ، فقال هرقل هذا ملك الأمة قد ظهر ))
( صحيح البخاري، بيروت 1938 ، ص 90).
(( وكان العرب يزعمون أن من ولد في الليلة القمراء تقلصت قلفته حتى بدا كأنه مختون … وقد ظل هذا الزعم جارياً حتى الآن فيقال لمن بدا كأنه مختون إن ( طهوره قمري ) )) (ألترمانيني ، الدكتور عبد السلام : الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام
( سلسلة عالم المعرفة 80 ) ، الكويت 1984 ، ص 223 . ).
ولكن يبدو أن العرب لم يكونوا أجمعهم ملتزمين بإجراء الختان وذلك لأن بعض حاديث
الرسول الكريم تشير إلى وجوب القيام بالختان عند الدخول في الإسلام ، جاء عند ابن القيم ما يلي:
في حديث يرويه الإمام أحمد عندما أسلم أحدهم (( جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام
فقال : قد أسلمت ، قال : الق عنك شعر الكفر ، يقول احلق ، واخبرني آخر معه أن
النبي (ص) قال لآخر : الق عنك شعر الكفر واختتن )) .
وفي حديث آخر :قال حرب في مسائله عن الزهري قال ، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (( من أسلم فليختتن وإن كان كبيراً ))
( ابن القيم الجوزية : تحفة المودود ، ص 128)
ويروي الشوكاني هذا الحديث عن أبي هريرة وقال وقد ذكره الحافظ في التلخيص ولم يضعفه) .
عودة الى الصفحة الرئيسية