التأهيل الطبي للمعاقين في التراث الطبي العربي الإسلامي
الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
لم يألوا الأطباء العرب والمسلمون جهداً في اتخاذ الوسائل التي تساعد على شفاء المعاق أو الإقلال من معاناته ومساعدته للتأقلم مع وضعه الجديد . ويمكن تقسيم مساهماتهم في التأهيل الطبي للمعاقين إلى :
أولاً – المداخلات والجــراحـة: لقد تناولنا في بحثنا (( الجراحة التجميلية ( التقويمية ) عند الأطباء العرب والمسلمين - مجلة آفاق الثقافة والتراث ، الإمارات العربية المتحدة ، العدد 12 ، مارس 1996 ) أغلب ما جاء لدى الأطباء العرب والمسلمين عن أنواع جراحة العاهات والتشوهات في الجسم سواءً الخلقية منها أو التي تحدث نتيجة الحروب والحوادث . لا يتسع المقام لذكر تفاصيلها ، نكتفي هنا بتعدادها :
1 . معالجة شقاق الشفة = نقصان الشفة = فلح الشفة ( Hare Lip ) .
2 . إخراج العقد من الشفة والثآليل من الأنف .
3 . قطع الرباط تحت اللسان الذي بقاءه يعيق اللسان من الحركة والكلام .
4 . معالجات إصابات الحرب والحوادث في الوجه .
5 . المعالجة الجراحية لقصر الجفن أو ما يسمى الشترة ( Ectropion ) .
6 . المعالجة الجراحية لانسداد الأذن الولادي أو الحاصل نتيجة إصابة عرضية أو في الحرب.
7 . المعالجة الجراحية لتشوهات الأصابع الولادي ، أو الحاصلة نتيجة الحوادث والحروق
8 . استئصال العقد والأورام من مختلف الجسم .
ثانياً - الأدوات والآلات المساعدة: حاول الأطباء العرب والمسلمون ومنذ وقت مبكر تخفيف معاناة المصابين بعاهات في أعضائهم وذلك بتعويض تلك الأعضاء بأدوات صناعية ، وهي كما يلي :
1 . الكتابـة البارزة للمكفوفين: يذكر المؤرخون بأن ( برايل ) سنة 1839 استنبط هذا الأسلوب لتعليم المتقدمين من المكفوفين القراءة والكتابة . بينما الحقيقة غير ذلك حيث أن أول من استنبط هذه الطريقة هو زين الدين علي بن أحمد الآمدي ( عاش في حدود 700 هـ / 1300 م ) . وذلك لأنه كان إذا اشترى كتاباً أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل بها فتيلة وصنعها حرفاً أو أكثر من حروف الهجاء لعدد ثمن الكتاب بحساب الحروف ، ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من الداخل . فإذا شذ عن ذهنه ثمن الكتاب أمرّ يده فيعرف ثمنه على الأحرف الملصقة [1]. وقبله كان أبو الفرج ابن أبي الفتح يقرأ نقش فص الخاتم باللمس خاصة دون الرؤية . هذا الأسلوب بعينه هو الكتابة البارزة الخاصة بالمكفوفين .
2 . النـظارة الطبيـة: (( لقد ثبت أن الشرق أسبق من الغرب إلى معرفة النظارة أو ما يسمى ( العينية ) . فإن أول من عرف العدسة هو العالم العراقي ابن الهيثم
( ت 430 هـ / 1038 م ) . والشائع أن رجلاً إيطالياً اخترع ( النظارة ) بعد المائة الثالثة عشر للميلاد ، ولكن الواقع أنه حسّنها . فأول معرفة للناس بها كانت من ديار الشرق العربي الإسلامي ومنه انتقلت إلى الغرب . أنشد شهاب الدين محمد الشهير بابن العطار المصري ( ت 794 هـ / 1392 م ) :
أتـى بعد الصـبا شـيبـي ودهري رمـى بـعـد اعتـدالي باعوجـاج
كـفـى أن كـان لـي بصر حديـد وقـد صـارت عيوني مـن زجاج
ورشك أن الشاعر أراد بالعيون الزجاج ( النظارة ) وكان ذلك قبل أكثرمن 600 سنة )) [2].
ثالثاً – التعويـض الصناعي للأعضاء والأطراف: إن تركيب الأعضاء المصنعة للإنسان حينما يفقد الفرد عضواً من أعضائه ، كالرجل والأصابع والأنف والأسنان والشعر واللحية ليس جديداً وإنما نجد له إشارات في كتب التراث العربي الإسلامي .
على سبيل المثال عن الرجل المصنعة ذكر الزمخشري الفقيه اللغوي الشهير( ت 538 هـ / 1244 م ) أنه أصيب في رجله فقطعت واتخذ رجلاً من خشب .
وعن اليد والأصابع المصنعة ذكر ابن قتيبة الدينوري ( ت 272 هـ / 889 م ) في ترجمة خلف بن خليفة ، أنه كان (( أقطع اليد ، وله أصابع من جلود وكان شاعراً ظريفاً )) [3].
ومن الأمثلة الأخرى على اتخاذ رجل من عصا أو خشب ذكرها الجاحظ [4] :
ذكر سيّار بن رافع الليثي عرج أوفى بن مؤلة بعد أن اكتهل فقال شعراً
رأيت أوفـى بعيداً لـسـت من كـثـب وفي الدار يمشـي علـى رجـل من الخشب
ولما أهوى قرن أبي الزبير إليه بالسيف سقط على قفاه ورفع رجليه ولم يجد مضرباً إلاّ أخمص رجليه وعرج من ذلك . وكان إذا مشى أخذ عصاً بيمينه وعصاً بشماله .
ومن العرجان أبو راشد الضبي ، وكان أعرج ثم عَمي ، ثم أقعد من رجليه ، فقال حين
عَمي ، وقد كان ابن حبيب وهب له عصاً حين عرج وكان يمشي عليها :
وهَـبت عصا العـرجان عـوناً ومرفقاً فأيـن عصا العميان يا ابـن حـبـيب
فقـد صرت أعمى بعد أن كنت أعرجـا أنـوء علـى عود أصـم صـلـيب
وكان تعويض الأنف إذا انقطعت في الحرب بأنف من فضة أو من ذهب أمراً معروفاً وقديماً ويقال أن أول من صنع له أنفاً من معدن هو عرفجة بن سعد ، فقد أصيب أنفه في وقعة يوم كلاب وقد صنع له أنف من ورق ( أي من فضة ) فصدُءَ وتعفن أنفه ، فأمره الرسول r أن يتخذ أنفاً من ذهب لأن الذهب لا يصدأ )) [5].
وعن تعويض الأسنان المفقودة في حالة سقوطها ينصح الزهراوي بإعادة تثبيتها وتشبيكها بأسلاك الذهب أو تعويضها بأسنان مصنعة من عظام البقر يقول (( وقد ترد الضرس الواحد أو الاثنين بعد سقوطها في موضعها وتشبك كما وصفنا وتبقى ، وإنما يفعل ذلك صانع دَرِب دقيق ، وقد ينحت من عظام البقر فيصنع كهيئة الضرس ويجعل في الموضع الذي ذهب الضرس ويشد كما قلنا فيبقى ويستمتع بذلك )) [6].
إن ما جاء في هذا القول أول وصف في التاريخ لمحاولة نقل الأعضاء وتصنيع الأسنان [7].
وهكذا نأتي على موضوعنا الموجز الذي هو مجرد نظرة على التراث الشيق الذي خلفه لنا في مختلف مراحل تاريخنا الزاهر أقطاب الفكر وعلماء الطب والعرب والمسلمون بالنسبة لرعاية وتأهيل المعوقين .
المصادر :
[1] - الصفدي ، صلاح الدين : نكت الهميان في نكت العميان – مصر 1911 ، ص 207 – 208 .
[2] - عواد ، ميخائيل : لمحات من أثر الشرق في الغرب – مجلة المجمع العلمي العراقي ، مجلد 35 ، ج 2 نيسان 1984 ، ص 239 .
[3] - الدينوري ، ابن قتيبة : الشعر والشعراء – تحقيق مصطفى السقا ، ص 273 .
[4] - الجاحظ : كتاب البرصان والعرجان ، ص 26 ، 28 ، 193 .
[5] - مسند بن حنبل ، سنن البخاري .
[6] - الزهراوي ، أبو القاسم خلف بن العباس : التصريف لمن عجز عن التأليف مع الترجمة الإنكليزية - طبعة معهد ويلكم ، لندن 1937 ، ص 61 .
[7] - منصور ، أحمد مختار : مقال دراسة وتعليق على كتاب التصريف – الجزء الثلاثون – للزهراوي ، مجلة معهد المخطوطات العربية ، الكويت ، المجلد 26 ، ج 2 ، ص 522 .
للعودة إلى الصفحة الرئيسة