الدكتور محمود الحاج قاسم
طبيب أطفال – الموصل
على الرغم من التقدم الهائل في مجالات التربية البدنية والرياضية الذي نشاهده اليوم نتيجة التطور التكنولوجي والعلمي والصحي إلاّ أننا لا نجد بوناً شاسعاً بين كتابات الأطباء العرب والمسلمين قبل ألف سنة وبين ما ينادي به أطباء وعلماء التربية المعاصرون .ـ
وقد تناولنا ما كتبه الأطباء العرب والمسلمون حول الرياضة بالتفصيل في كتابنا
ـ (( الرياضة في الإسلام ))1
. وحسب ما يقتضيه المقال هنا سنكتفي بذكر آراء اثنين من أطباء الموصل في ذلك هما
ـ 1 - مهذب الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن هبل البغدادي ثم الموصلي ( 515/ 1213 - 610 هـ/1213 م ) في كتابه المختارات في الطب .ـ
ـ 2- أحمد بن محمد بن يحيى البلدي ( من مدينة أسكي موصل ) ( كان حياً حتى سنة 368 هـ / 978 م ) في كتابه تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم .ـ
وبمكن إيجاز آرائهم حول الرياضة بما يلي :ـ
ـ1 – مفهوم الرياضة : يقول ابن هبل (( الرياضة ركن من أركان حفظ الصحة إذا أصيب منها المقدار المعتدل ومغنية عن كثير من الأدوية . . . والرياضة المعتدلة تحلل فضل كل طعام يتقدم وتسيله وتهيئه للخروج من مسالكه وتنعش الحرارة الغريزية وتعد الأبدان لقبول الأغذية وتصلب المفاصل وتقوي الأعصاب )) ... (( ومن الرياضات ما يقع بالاتفاق كحركات الناس في حوائجهم ومهامه ، وقد يكون بالقصد والإرادة )) [1].ـ
وبذلك يكون مفهوم الرياضة عنده هو كل حركة تمارس سواءً من غير قصد ( كالاشتغال بعمل ما كقضاء حاجة معينة أو مهنة ) أو بقصد الرياضة أي أن يأتي الشخص الحركة وهو يريد بها الرياضة وهو موضوع بحثنا هنا .ـ
ـ2 – أنواع الرياضة : تناول الأطباء العرب والمسلمون أنواع الرياضة بشكل تفصيلي ، فتكلموا عن حاجة أجزاء وأعضاء الجسم المختلفة للرياضة وحددوا لكل جزء ما يحتاجه منها وما يجب تحاشيه .ـ
وقد استعرض ابن هبل في كتابه المختارات أنواع الرياضة فقال (( وأنواعها كثيرة تختلف بالشدة والضعف والقلة والكثرة والسرعة والبطء وبحسب العضو المرتاض كحركة اليدين والرجلين أوالتنفس أو حركة جميع البدن ، كالمصارعة ، والمباطشة وهي أنواع ، وكالعدوي والمشي السريع والحجل على الرجل الواحدة ، والمثاقفة بالشطب والسيف ، ولعب الرمح ، وركوب الخيل ، واللعب بالكرة راجلاً وفارساً ، واللعب بالطبطاب ، وقفز الغزال ، والقفز إلى فوق ، والترجح بالأراجيح ، والقعود في المهود والكجاوات ، وإشالة الحجر والمقيرات ، وجذب الشيء ، والمشابكة ، والمراكزة ، والدوران ، والرقص ، والملاطمة والملاكمة ، والمصادمة .ـ
ومن الرياضات اللطيفة الترجح بالأراجيح ، ومن الرياضات الفاضلة مبادلة الرجلين مكانيهما بسرعة مع قفزات إلى خلف تتخللها قفزات إلى قدام والعدو والرجوع فيه القهقرى ، ورياضة الصدر بحركة اليدين وحصر التنفس ، والرجلين بتحريكهما وسكون البدن ، وأجود الرياضات المتفننة الحركة .ـ
ومن الرياضات الجيدة إلصاق الواحد ظهره إلى ظهر صاحبه وإدخال يساره إلى يمينه ويمينه إلى يساره وتشابكهما كذلك وانثناؤه كل واحد منهما وانحناؤه ، وأجود هذه الرياضات إن يكون وجهه إلى وجهه ويسار مباطنه يسار صاحبه ويمينه مباطنة يمينه وانثناؤهما وانحناؤهما ، والعدو في الميدان والرجوع فيه القهقرى من الرياضات الجيدة ، وسرعة الحركة بالمسبلتين في اليدين متيامنة ومتياسرة بينهما مقدار الباع رياضة نافعة للصدر ، ولكل نوع من الرياضات حد في الانتفاع به ، ولنصيب كل عضو متحرك وما يقاربه أو يباعده حد منها . . والرياضة نافعة بحسب الأبدان المرتاضة وحاجتها إلى مقدار التحلل ، وبحسب العضو المرتاض وبحسب مقدار ما يتحلل فيها من العرق والبخار ، وما هيئ من خروج الفضلات ومن اعتاد الانتفاع برياضة فليلزمها )) [2].ـ
ـ3 - شروط ممارسة الرياضة :ـ
أ – الرياضة حسب العمر : من المعروف أن الإنسان منذ ولادته يمر بمراحل وحالات مختلفة وأن لكل حالة أو مرحلة صفات وخصائص واحتياجات تميزها عن غيرها وقد استوعب الأطباء العرب والمسلمون تلك الخصائص والاحتياجات استيعاباً تاماً وأدركوا أن ممارسة الرياضة بالنسبة للفرد يجب أن تكون ملائمة للحالة أو المرحلة التي يمر فيها ، وأكدوا أيضاً أن لكل فرد رياضة تلائم سنه فمثلاً عن رياضة الأطفال يقول البلدي :ـ
ـ (( وأصناف الرياضة ثلاثة وذلك أن الرياضة لما كانت حركة من الحركات إما أن تكون من أنفسنا وإما أن تكون من غيرنا وإما أن تكون بالأدوية … فأما الحركة من غيرنا كحركة ركوب الخيل وركوب السفن والمهود والأسرّة والمراجح وعلى الأيدي فليس جميعاً بموافق لجميع الأبدان في جميع الأوقات … وللذي يحتمله الأطفال من هذه الحركات ما كان منها حركة المهود على الأسرّة وعلى الأيدي وما جانس ذلك ما داموا أطفالاً .ـ
وأما الحركة عن النفس فأول ما يقوي الصبيان على أن يتحركوا من قبل أنفسهم فمنذ يبتدئون يجسرون ويزدادون قوة على ذلك أذن في المشي … فقد يدلك طلب الصبيان للحركة في هذه السن على مبلغ ملائمة طبائعهم الرياضة فإنك لن تقدر على منع الصبي من أن يركض برجليه ويطفر بيديه . فإذا أتى المولود … ثلاث أو أربع سنين احتمل ما كان من الحركة والرياضة بالسفر بمقدار معتدل ، فإذا تجاوز حتى تأتى له ست أو سبع سنين فقد يحمل من الحركات ما هو أقوى من ذلك حتى أنه يصير قوياً على أن يألف ركوب الخيل ))[3]ـ
ويؤكد ابن هبل حاجة الشباب إلى الرياضة أكثر من الآخرين فيقول : (( أما الشبان فيجب أن يزيدوا في الرياضة فإن الفضول تزيد في أبدانهم لقلة نموهم … فإن كانوا أصحاب رياضات قوية فيتعاهدوا لين أبدانهم بالدلك . . وأما الكهول فيجب أن يكونوا في مواضع معتدلة الهواء وأن يقللوا من الكد والتعب . . ويكثروا من الاستحمام والجلوس في الإبزن ويخرجوا منه إلى سكون ودعة . . وأما الشيوخ فيدبرون تدبيراً رفيقاً كتدبير الأطفال . . ويمنعوا الكد والتعب وتكون رياضتهم إن كانوا أقوياء بالمشي الرفيق وإن كانوا ضعفاء بالركوب )) [4].ـ
ويؤكد البلدي على ضرورة ممارسة الحامل لبعض أنواع الرياضة المناسبة لها حفاظاً على الجنين من الإسقاط وتسهيلاً لولادة أطفال أقوياء فيقول : (( وبحسب الزيادة في الغذاء يجب أن تكون زيادتهن في الرياضة والحركة … فإن الحركة والرياضة والتعب والأعمال مع إعانتها على الهضم وإثارة الحرارة الغريزية تقلل الفضول وتخففها من البدن … ومن تتعب وتعمل الأعمال في أيام الحمل يكون بدنها أخف وأصح ، والحبل أسهل ، وكذلك الولادة ويلدن أولاداً أقوياء كباراً سماناً … وينبغي للحامل أن تتوقى الوثوب وحمل الشيء الثقيل والانكباب ومن الصوت الشديد))[5]، كل ذلك حفاظاً على الجنين من الإسقاط.ـ
وعن رياضة المرضع يقول البلدي (( وينبغي أن تستعمل من أصناف الحركة والرياضة ما ينبغي أن تعملها من التردد وبالمشي وحمل الطفل والطحن والغسل والعجن والخبز والغزل وغير ذلك من الأعمال فان الحركة والرياضة بالأعمال تقوي الجسد وتنمي الحرارة الغريزية وتخفف الفضول عن الجسم وتخرجها وتعين المعدة على الهضم وحركة الأيدي أوفق لها من غيرها وترددها في المشي مع حمل الطفل أنفع لها من غيره وفي ذلك رياضة للطفل ونفع له وفي رفعه إلى الهواء وشيله وحطه عن اعتداله رياضة له موافقة لجسده )) [6].ـ
ب – التدرج في ممارسة الرياضة والتدرج في قطعها : يقول ابن هبل (( يجب أن يبتدئ الإنسان بالرياضة قليلاً قليلاً إلى أن يبلغ بها غاية الاحتمال ، والوقت المعتدل في تركها عندما يحس الإنسان بالإعياء ويكثر انصباب العرق ولا يجب أن يقطعها بغتة بل يتدرج في قطعها ، ويستعمل عقيبها صب الماء الفاتر العذب على الأعضاء ويدهن بالأدهان الطيبة . ـ. والدلك والتمريخ بعد الرياضة نافع ، وهو محسوب من جملة الرياضة . . والدلك قد يكون قبل الرياضة مهيىء لها ويسمى ذلك الاستعداد ، ويكون بعد الرياضة . . ويسمى الاسترداد )) [7].ـ
المصادر :ـ
-----------------------------------
ـ[1] - ابن هبل ، مهذب الدين أبي الحسن علي بن محمد : المختارات في الطب – دائرة المعارف العثمانية ، حيدر آباد – الدكن ، 1362هـ ، ج1 ص 205 – 206 .ـ
ـ[2] - المصدر نفسه ص 206 .ـ
ـ[3] - البلدي ، أحمد بن محمد بن يحيى : تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم – تحقيق الدكتور محمود الحاج قاسم محمد ، دار الشؤون الثقافية ، الطبعة الثانية ، بغداد 1987 ، ص 214 – 215 .ـ
ـ[4] - ابن هبل : المختارات – المصدر السابق ، ج 1 ، ص 198 - 199.ـ
ـ[5] - البلدي : تدبير الحبالى والأطفال – المصدر السابق ، ص 130 – 131 .ـ
ـ[6] - المصدر نفسه : ص 190 – 191 .ـ
ـ[7] - ابن هبل : المختارات ، المصدر نفسه ، ج 1 ص 207 .ـ
عودة الى الصفحة الرئيســة