عادات شعبية خاطئة في رعاية الأطفال
الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال - الموصل
باحث في تاريخ الطب العربي الإسلامي
ما نسميه القماط يسمى في مصر (اللفة) وفي الأردن (الكوفلية) وكلها تعني ما يستعمل لشد المولود بقطع قماش، وفي بعض القرى والأرياف يلف فوق ذلك حبل طويل من رقبته حتى أخمص قدميه .هذه العادة كانت معروفة منذ القديم في بلاد الرافدين ومصر القديمة ، وعمد الأقدمون إلى تقميط الطفل تحديداً لحركاته وخشية على مفاصله من الالتواء ، لأنهم كانوا جماعة رحلاً لا يستقرون ويخشون الغارات والغزو ، عندها يكون الطفل في متناول أيديهم ملفوفاً بالقماط يحمل في سلة أو في آنية أو على الظهر ، ولما استقرت الأمور واستتب الأمن لم تعد هناك حاجة لتقميط الطفل . إلاّ أن استعماله استمر حتى الآن في كثير من بلاد العالم ومنها العراق .ـ
وقد يكون في تقميط الطفل باعتدال ، راحة للوليد أثناء النوم وتسهيلاً للأم في حالة حمله ونقله خلال الأشهر الأولى من العمر . إلاّ أن الاعتقاد بأن التقميط يجعل الرجلين والأطراف مستقيمة ويحفظها من الالتواء اعتقاد خاطئ أثبت العلم الحديث عدم صحته.
ويجمع أطباء الأطفال ونحن معهم على أن لهذه العادة مساوئ عديدة منها:ـ
القماط يعيق الطفل عن الحركة الضرورية ويحول دون ممارسة الرياضة (ورياضة الطفل الرضيع رياضة عفوية ترتكز على تحريك الأطراف في جميع الاتجاهات والتقلب ذات اليمين وذات الشمال) ، وذلك يضايق الطفل ويحول دون نماء جسمه بشكل سليم .ــ
إن تقميط الطفل بشدة على البطن والصدر يؤثر سلبياً على فعالية الأعضاء في هذين الموضعين فيضيق بها التنفس وقد تتعطل حركات الأمعاء ويصاب بالإمساك وقد يؤدي ذلك إلى القيء .ـ
إن بعض الأطفال يولدون ولديهم خلع في مفصل الحوض أو عندهم قابلية لهذا الخلع بمعنى أن رأس عظم الفخذ لم يتخذ وضعه الصحيح في عظم الحوض . وربط الطفل في القماط يزيد مرضه صعوبة ويؤخر شفاءه ويجعل مشيته غير طبيعية تشبه مشي البطة . لذا ننصح بعدم تقميطه وننصح بوضع حفاظات ( خرقاً ) عريضة اثنتين أو ثلاثة بين فخذي الطفل لتكون كل فخذ في جهة بعيدة عن أختها وتلبسه بنطلون أو التبان المناسب ، وليكن ذلك من أول يوم من ولادة الطفل وأن لا تنتظر الأم حتى يومه الأربعين لتعمل هذا .ـ
وأخيراً أهمس في أذن كل أم متعلمة تؤمن بجدوى الأساليب التربوية العلمية الصحيحة أكثر من إيمانها بالموروث الخاطئ فاقول : دعي القماط جانباً ولا تقربيه فقد مضى عهده وولى وقد تركه المتعلمون في الغرب منذ أمد بعيد ، ولم نجد بينهم من اعوجت ساقه أو انحرف بدنه بترك القماط.ـ
ـ2 – الـــكي والتـــشــريــط
كم يحزنني منظر بعض الأطفال عندما أكشف ملابسهم عند الفحص ، فأجد عشرات البقع ( آثار حرق الكي ) على صدره وبطنه أو آثار تشريط في جبهته وصدغيه أو ظهره ، وعندما أسأل الأم عن ذلك تجيبني بأنها طب العرب . وعندما أتساءل هل وجد الطفل فائدة من هذه الحروق أو التشريط ؟ تجيبني كلا … ترى لماذا إذاً يعذب هؤلاء المساكين في الوقت الذي يمكن فيها معالجتهم بطريقة أسهل دون أن يتعرضوا لهذا الأذى البدني والنفسي
ولمسألة الكي جذور تاريخية ، فقد استعمله الأطباء اليونانيون على نطاق واسع ، وجاء الأطباء العرب فطوروا آلاته واستخدموه في علاج كثير من الأمراض الجراحية والباطنية . والكي كما تعلمون من الأساليب العلاجية التي لا غنى عنها اليوم في مختلف فروع الجراحة ( باستخدام آلات معقدة ) إما لإيقاف النزيف أو تخريب بعض الأنسجة غير السليمة . أما استعمال الكي كأسلوب في معالجة أمراض باطنية أو أمراض معدية فقد ترك منذ أن عرف الأطباء أسباب الأمراض من ( مكروبات ، فيروسات …. الخ ) .ـ
وأخيراً نقول أن استعمال الكي ونحن في القرن الحادي والعشرين جريمة في نظر الطب بحق الطفل وتعذيب له من دون فائدة ، وكذلك التشريط فهو عمل مرفوض ولا يجني منه الطفل سوى العذاب واحتمال حدوث التهابات في الجلد . وإذا صادف أن تشافى قلة قليلة من الأطفال بعد الكي أو التشريط ، والسبب ليس الكي أو التشريط ، وإنما هناك حالات مرضية يمكن أن يحدث فيها الشفاء بإرادة الله من دون علاج بعد أن يكمل المرض دورته.ـ
ـ3 - استعمال الكـحـل فـي الأطـفـال
عادة وضع الكحل على سرة المولود وتكحيله من العادات التي درج الناس قديماً عليها ولازال البعض حتى يومنا هذا يقومون بها ظناً منهم أن في الكحل فائدة وشفاءً. وقد ثبت أن في الكحل سماً لا شفاءً، فهو يحتوي على مادة (الجالينا) اللماعة، ومادة الجالينا هذه من مكونات الرصاص وأنها من أخطر الملوثات السامة التي عرفها الإنسان في تاريخه الطويل
لذا نؤكد على ضرورة تجنب استعمال الكحل نهائياً. وقد يقول قائل بأنه قد وردت أحاديث عن الرسول فيها ذكر للكحل . ولكنا نقول بأننا لا نعرف نوع الكحل الذي كان يستخدم في وقت الرسول، وأن ما وصل إلينا من كحل قد يكون فيه اختلاف كبير عن الكحل القديم ، مثل ذلك مواد كثيرة جداً فشتان ما بين العطر القديم والعطر الذي نستعمله نحن اليوم.ـ
ـ5 - قـص الصـفـار
في أحيان كثيرة عندما أذكر للأم بأن الطفل مصاب باليرقان (ما يسمى بالعامية أبو صفار) الذي يسببه التهاب الكبد الفيروسي . أواجه بسؤال ، هل هناك ضرورة لأخذه (لقص الصفار) ؟
وبعد الاستفسار من العديد منهن تبين بأنه هناك عوائل متخصصة بهذا العمل . والطريقة كما ذكرن لي هي أن يقوم المعالج ( امرأة أو رجل ) بتمرير إبرة أو موس على الجلد خلف الأذن دون أن يخدش الجلد ، ويقوم بعضهم بتخديش سطحي للجلد خلف الأذن ، أو بغرز عدة غرزات بالإبرة في نفس المنطقة ، مع قراءة بعض الأدعية . ثم يوصي بحمية قاسية جداً يمنعه من أكل أي شيء سوى الحلويات ، ويوصي بعضهم أيضاً بشرب ماء عين كبريت أو عين صفرا ( عين ماء خارج مدينة الموصل ) وعدم تناول الأدوية .ــ
وتبياناً للحقيقة لابد من ذكر وجهة نظر الطب كما نفهمه نحن أطباء القرن الحادي والعشرين فنقول:ـ
ـ1 . عملية تخديش الجلد بالإبرة أو الموس سواء بالغرز أو التمرير لا تخلو من خطورة نقل المكروبات ، وذلك يكون إما بنقل المكروبات من مريض لآخر أو تجعل فتحات في الجلد تسهل دخول المكروبات.ــ
ـ2 . فرض حمية قاسية على المريض والتي تحرمه من العناصر الأساسية التي يحتاجها الجسم لمقاومة المرض لا نوافق عليه ، وإن الحمية الخاصة بالمرض يعينها الطبيب .ــ
ـ3 . سقي ماء (عين كبريت) أو (عين صفرا) - وهما عينا ماء؛ حيث تقع الأولى على الضفة الغربية من نهر دجلة في مَدِينَة الموصل قرب مستشفى الزهراوي التعليمي (مستشفى الجمهوري) وهي غنية بالكبريت والمعادن، في حين أن الثانية تقع في قضاء برطلة بالقرب من جسر مندان - أمر مرفوض لما يترتب على ذلك من مضار حيث أن هذه المياه تحتوي على بعض المعادن الضارة وعلى رأسها الكبريت في حالة شربها
ـ ( وربما تفيد هذه المياه إن استحم بها في حالات مرضية أخرى ) ، كما أن لشرب هذه المياه ضرراً وهو كونها ملوثة بالجراثيم لوجود الأوساخ والقذارات قربها .ـ
4 . على الرغم من عدم وجود علاج جذري ضد فيروس المرض ، إلاّ أن الأطباء يصفون بعض العلاجات التي تزيد من مقاومة الجسم للمرض وتحول دون الاختلاطات .
وأخيراً أقول لمن يقوم بهذا النوع من العلاج دعوا المسائل الطبية للأطباء واكتفوا بالدعاء الشرعي ، إن فعلتم ذلك فلكم الأجر من الله ، وإلاّ فعليكم وزر الأضرار التي تسببونها أمام الله وأمام القانون .ـ
وأنت سيدتي حتى متى تركضين وراء كل من يبدي لك رأياً دون أن تحكمي عقلك .ـ
قص أبو صفار ( عدا الدعاء ) شعوذة …. سقي ماء عين كبريت أو ماء عين صفرة دجــل . اللهم اهد نسوتنا لما فيه إبعاد أطفالنا عن معالجتهم بالطرق المعوجة والبالية.ـ
ـ5 – الــريــحــة
نعيش اليوم بدايات القرن الحادي والعشرين ولا زالت بعض شرائح مجتمعنا تتعامل مع أطفالهم بعقلية قرون التخلف ، ويمعن في تثبيت تلك الأفكار أُناس منتفعون مشعوذون ، ومن هذه الأفكار التي تعتقد بها بعض الأمهات مسألة ( الريحة ) .فإذا ما أُصيب الطفل بالإسهال أو القيء فسببه الريحة ! وإذا أصيب بالحمى أو السعال فالمتهم الريحة ! !ـ
وقد يكون شم الأم للريحة هو سبب مرض الطفل لأنه يرضع منها ، فترى لتلافي ذلك يقمن بسد أنوفهن بخرق صغيرة عند دخولهن المستشفى أو عيادة الطبيب .ـ
والريحة في نظر المؤمنات بها متعددة الأنواع منها طيبة ، أو كريهة ، أو ريح نفاس ، أفكار وكلمات ما أنزل الله بها من سلطان ولا ذكرها عالم أو طبيب منذ عهد أبقراط حتى يومنا . ومن أين جاءت ؟ لا أدري .ـ
وأتساءل ترى هل يخلو بيت من رائحة سواءٌ أكانت طيبة أو كريهة ، إذاً لماذا لا يتأثر بها كل الأطفال ويتأثر بها البعض فقط . وريح النفاس إن كانت ذات ضرر لماذا دائماً تبنى في العالم قاطبة أجنحة وردهات الأطفال ملاصقة لردهات الولادة ، ألا يخشون على الأطفال من ذلك ؟
أعود لأقول بأن هذه الأفكار البالية يقوم بها ويروج لها أُناس يبغون من وراء ذلك الربح. وطريقتهم في علاج آثار الريحة تتلخص بفرض حمية قاسية على الأم المرضع ( تضر بها وبالطفل ) ، وسقي الطفل ما يسمونه ( السقوة ) ، والذي هو عبارة عن خليط من مساحيق بعض الأعشاب أو تلطيخ رأسه وجسمه بها. وزيادة في التفنن أخذ البعض من ممارسي هذه المهنة خلط تلك المساحيق بمساحيق بعض المضادات الحيوية التي توقف الإسهال ، وبذلك أخذوا يمعنون في تثبيت هذه الخرافات حتى في نفوس بعض المثقفين من الآباء والأمهات . وإذا نجحت حيلهم مع البعض فإن التأخر في أخذ الطفل للمستشفى أو الطبيب يؤدي في أغلب الأحيان إلى اختلاطات وعواقب وخيمة لدى الطفل كالجفاف وارتفاع في درجة الحرارة وبالتالي حدوث اختلاجات عصبية أو لا سامح الله الوفاة.ـ
لذا أُؤكد هنا بأنه لابد من الوقوف بصرامة في وجه مثل هذه المعتقدات الخاطئة وأن يفهم الآباء والأمهات بأن للأمراض أسباباً ثابتة علمياً ، يشفى بعضها بعد إكمال دورة المرض من دون علاج ، وللبعض الآخر علاجات طبية معلومة ، ولا داعي لسلوك هذه الأساليب التي لا يقبلها عاقل ولا صاحب فكر عصري .ـ
للعودة إلى الصفحة الرئيسة