تأليف الدكتور عبد الحكيم حكمت
ترجمه عن اللغة التركية العثمانية وعلق عليه
الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
في سنة 1992 تكرم الصديق العزيز الدكتور عبد الكريم أبو شويرب ( أستاذ طب الأطفال في كلية الطب – جامعة الفاتح – ليبيا ) فأهداني كتاب (( الطب الشعبي في ليبيا )) ، والكتاب من تأليف (د . عبد الحكيم حكمت ) وترجمة وتحقيق د . عبد الكريم أبو شويرب ، وذكر الدكتور عبد الكريم في مقدمته بأن (( الكتاب هو ترجمة لمخطوطة طبية عثمانية تمثل تقريراً طبياً كتبته هيئة طبية كلفت بزيارة خمسة من الولايات العثمانية سنة 1884 م وكتابة مسح طبي حول هذه الولايات هي طرابلس الغرب وبنغازي والحجاز واليمن وبغداد )) [i] .
وذكر أيضاً (( ما قمنا بترجمته وتحقيقه ونشره في هذا الكتاب هو الصفحات التي تتحدث عن طرابلس الغرب وبنغازي فقط . وتركنا الأقسام التي تتحدث عن اليمن والحجاز والعراق بالمخطوط الأصلي ، على أن يكون عملنا حافزاً لباحث آخر حتى يستكمل التعريف ببقية أقسام المخطوط )) [2].
حال تسلمي للكتاب حاولت بكل جهدي الحصول على صورة الميكروفيلم للمخطوط من جامعة اسطنبول ، ولكني لم أوفق حتى هيأ الله سبحانه أحد الأساتذة العراقيين في اسطنبول وهو الأستاذ إحسان قاسم الصالحي الذي صور لي الأقسام المتبقية من المخطوط وأرسله إليّ ، فله مني كل الشكر والامتنان .
وقد اعتمدت في إعداد الترجمة على هذه الصورة المستنسخة بالميكروفيلم ، وأن ما قمت به هو ترجمة الأجزاء التي لم يترجمها الأخ الدكتور عبد الكريم أبو شويرب من المخطوط ، والمتعلقة بولايات الحجاز واليمن وبغداد.
عدد صفحات القسم المتعلق بولاية الحجاز من المخطوط احتلت (46 ) صفحة ابتداءً من صفحة 103 وغاية ص 148 .
عدد صفحات القسم المتعلق بولاية اليمن كانت ( 71 ) صفحة ابتداءً من صفحة 150 ولغاية ص 220 .
عدد صفحات القسم المتعلق بولاية بغداد ( 147 ) صفحة ابتداءً من ص 222 ولغاية ص 368 .
لذا حفظاً لجهود بذلتها في ترجمة المخطوط ، ولفائدة المعنيين بالتاريخ العثماني ، رأيت إصدار الأجزاء التي قمت بترجمتها في كتاب مستقل ، فكان هذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ الكريم.
ولأجل إعطاء فكرة موجزة عن الكتاب ( التقرير) نقتطف بعض الفقرات من مقدمة رئيس الهيئة الطبية التي كتبت التقرير وهو الدكتور عبد الحكيم حكمت ( والذي كان في زمانه أستاذاً بكلية الطب في اسطنبول وعضواً في الجمعية الطبية العثمانية ورائداً في الجيش العثماني ) .
يقول الرجل : (( اقتضت الإرادة السنية [3] أن تقوم هيئة صحية بجولة في الولايات العربية وإجراء مسح طبي شامل فيها. وهذه الولايات هي طرابلس الغرب وبنغازي والحجاز واليمن وبغداد ، وذلك خلال ثلاث سنوات ونيف من التحريات والبحث والاستقصاء لدراسة كل جوانب هذا الموضوع البالغ الأهمية)).
(( فيما يلي التقرير المشترك الذي أعدته هذه الهيئة المؤلفة من ثلاثة أطباء … ))
(( ويسرنا أن نرفع تقريرنا هذا على هيئة كتاب سميناه (استكشافات طبية) وهو يعني
( دراسات طبية ) ولابد أن نذكر خلفيات هذه المهمة والهيئة المذكورة ، حيث وردت إلى كلية الطب مراسلات تتضمن استفساراً من الإرادة السنية حول طرائق العلاج المحلي في الولايات العربية ، وكذلك تطلب تفصيلات عن الحالة الصحية ومسحاً للأمراض المنتشرة وعوامل انتشارها في كل ولاية على حدة )) .
(( وقد قسّمنا كتابنا هذا إلى قسمين ، الأول حول المسح الطبي وسميناه الطوبوغرافيا الطبية لهذه الولايات ، الثاني عن الطب العربي المطبق في هذه الولايات وإبراز جوانبه التاريخية والاجتماعية والعلمية . وقد تناولنا وصفاً للطبوغرافيا الطبية لكل ولاية على حدة . وهذه تشمل جغرافية الإقليم ، جيولوجية الأرض ، المياه ، الحرارة ، الرياح ، المساكن ، الملابس ، الغذاء ، البنية الجسمية ، مزاج السكان ، العادات ، الحرف ، الأمراض المنتشرة ، مكان وهيئة المقابر . وحيث أن طرق العلاج التي يزاولها الأطباء العرب في مختلف هذه الولايات المذكورة هي طرائق متشابهة لذا رأينا من المناسب جمعها في قسم واحد وسردها دون تمييز وتجنب التكرار ما أمكن . كما راعينا منتهى الدقة والعناية عند جمع المعلومات وتدوين المشاهدات المختلفة خلال هذه المهمة حتى تكون الدراسة على أتم وجه من الصحة والحقيقة )) [4].
وبناءً على ما جاء في الجزء المتعلق بولاية بغداد من التقرير أن الهيئة قد عايشت موجة وباء الكوليرا في بغداد سنة 1305 رومية / 1889 م .
وجاء في الصفحة الأخيرة من المخطوط (( بأنه بفضل الله تم كتابة هذا الكتاب في شهر أيلول من سنة 1306 رومية )) وهو يقابل 1890 م .
لذا نستنتج مما سبق كله بأن بداية المسح الطبي للولايات الخمس كانت طرابلس ونهايتها بغداد وأن زيارة الهيئة لولايتي الحجاز واليمن كانت خلال 1304 رومية / 1888 م وإذا أخذنا التسلسل الذي ذكر في التقرير بنظر الاعتبار تكون زيارة اليمن بعد الحجاز .
أهمية المخطوط العلمية : نقول إن ما جاء في التقرير كان مصداقاً لما ذكر في المقدمة فقد تناول التقرير ثلاث مسائل مهمة هي: الأولى : الأمراض المنتشرة .الثانية : العوامل والعادات التي تساعد على انتشار الأمراض .الثالثة : طرق العلاج وأنواع الأدوية المحلية .
وبذلك أعطى التقرير صورة واضحة المعالم لأوجه الحياة الاجتماعية في المنطقة العربية ، وتأثير ذلك على صحة الإنسان ، كما حوى التقرير حالات مرضية وطرق علاجها ، وسرداً لبعض القصص التي شاهدتها الهيئة عن كثب وإشارات لبعض الروايات من المرضى ، كل ذلك جاء بشكل واضح وأسلوب سهل وكلام علمي يدل على خبرة الهيئة الطبية العالية ورأيها المعتدل وملاحظاتها الدقيقة المتعمقة في كل حالة تصادفها ، فلا نرى أي نقد لاذع لطريقة علاجية من طرق العلاج الشعبي ، بل يحاول (التقرير) دائماً إيجاد المبررات لعدم استعمال الوسائل الأخرى من الطب .
ويبدو أن ( التقرير ) قد أعطى أهمية خاصة لولاية بغداد حيث جاءت عدد الصفحات مشكّلِة ثلث عدد صفحات المخطوط تقريباً وحوالي نصف ما كتب عن بغداد كان دراسة مستفيضة عن وبائية مرض الكوليرا في ولاية بغداد سنة 1305 رومية = 1889 م ، وتعد هذه الدراسة في غاية الدقة العلمية ، والجداول والإحصائيات التي ثبتتها تضاهي دراسة وجداول سنو SNOW [5] عن موجة الكوليرا في لندن سنة 1854 م التي تدرس لطلبة الكلية الطبية في الوقت الحاضر ، وفي رأينا إن تدريس ما جاء في هذا ( التقرير ) يمكن أن يرجح باعتبار أن الإحصائيات نابعة من هذه المنطقة فيستوعبها الطلبة بشكل أسهل وأكمل .
المصادر :
[i] - أبو شويرب ، الدكتور عبد الكريم : الطب الشعبي في ليبيا ( طرابلس الغرب – 1989 ) ص 5 .
[2] - المصدر نفسه ، ص 15 .
[3] - يقصد السلطان عبد الحميد الذي حكم من الفترة ( 1876 – 1909 م ) .
[4] - المخطوط : المقدمة ، ص 2 – 8 .
[5] - (( On the Mode of Communication of Cholera )) secend Edition ,1854
(snow on cholera , The common Wealth Fund , New York , 1936 )
snow on cholera , Hafner , New York , 1965 .
للعودة إلى الصفحة الرئيسة