الختان عبر العصور
القسم الثالث
الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
قبل الدخول في تفصيل ذلك لابد من ذكر شيء عن ختان النبي محمد (ص) : يقول ابن القيم
((وقد اختلف فيه على أقوال ، أحدها : أنه ولد مختوناَ ، والثاني : أن جبريل ختنه حين شق صدره ، الثالث : أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب في ختان أولادهم)) . وبعد أن يستعرض الأحاديث التي جاءت في ذلك نجده يميل إلى أن جده عبد المطلب قد ختنه في طفولته الباكرة.
بعد هذا نقول لقد سن الرسول الختان للمسلمين حيث وردت أحاديث عديدة عن الختان. وقد اعتبر الرسول الختان أحد الأمور التي تميل إليها النفس البشرية بفطرتها السليمة.
فقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين: عن أبي هريرة (رض) قال: سمعت رسول الله يقول: ((الفطرة خمس : الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط)). وقد سبق ذكر أحاديث أخرى ( عندالحديث عن الختان عند العرب قبل الإسلام ) حول وجوب إجراء الختان على كل من يدخل الإسلام .
وجـوب الخـتـان واستحبـابـه : يقول ابن القيم : (( اختلف الفقهاء في ذلك ، فقال الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والشافعي وأحمد : هو واجب ، وشدد فيه مالك ، حتى قال من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته ، ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة، حتى قال القاضي عياض : الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة ، ولكن السنة عندهم يأثم تاركها ، فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض وبين الندب وإلاّ فقد صرح مالك بأنه لا تقبل شهادة الأقلف ، ولا تجوز إمامته .ونص أحمد في رواية أنه لا يجب على
النساء )) (ابن القيم : تحفة المودود ، ص 127 – 128).
وقــت الخـتـان:
هناك اختلاف بين الفقهاء بالنسبة لموعد إجراء الختان وقد استعرض ابن القيم الآراء المختلفة . فمنهم من يفضل الختان يوم السابع بناءً على بعض الروايات . فقد روي عن أبي جعفر : أن فاطمة كانت تختن ولدها يوم السابع .
وفي سنن البيهقي من حديث زهير بن محمد ، عن محمد بن المنكدر عن جابر:
((عن رسول ا لله عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام)) .
بينما كره طائفة ختن الصبي يوم سابعه منهم الحسن والحسين ويقول ابن المنذر: ليس في هذا الباب نهي يثبت وليس لوقوع الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تستعمل فالأشياء على
الإباحة ، ولا يجوز حظر شيء منها إلاّ بحجة ، ولا نعلم مع من منع أن يختتن الصبي لسبعة أيام حجة )) ( المصدر نفسه ص 144 ).
ويقول الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: (( واختلف في الوقت الذي يشرع فيه الختان قال الماوردي : له وقتان
1 . وقت وجوب
2 . وقت استحباب .
فوقت الوجوب البلوغ ، ووقت الاستحباب قبله ))
(العسقلاني، ابن حجر : فتح الباري في شرح البخاري – 1 / 342 .).نخرج من كل ذلك إلى أنه ليس هناك تحديد لوقت إجراء الختان في الإسلام ، والأفضل أن يكون في الطفولة وقبل البلوغ . ونحن نفضل طبياً إجراءه خلال الثلاثة أشهر الأولى من عمر الطفل .
الفوائد الصحية لختان الذكور:
إن ختان الأطفال خلال الأشهر الأولى فيه فوائد صحية كثيرة أهمها :
1 ـ الوقاية من الالتهابات الموضعية في القضيب الناتجة عن وجود القلفة حيث يحدث في
غير المختونين ضيق القلفة
(Phimosis )
، والتهابات الحشفة
(Balanitis)
وهذه الالتهابات تستوجب الختان لمعالجتها .
2 ـ الوقاية من التهابات المجاري البولية :حيث تشير الأبحاث العديدة على أن غير المختونين يتعرضون لالتهابات المجاري البولية أكثر من المختونين بعشرات المرات.
3 ـ الوقاية من سرطان القضيب : لقد أجمعت الدراسات على أن سرطان القضيب يكاد يكون منعدماَ لدى المختونين بينما نسبته لدى غير المختونين ليست قليلة ، ففي الولايات المتحدة
على سبيل المثال أن نسبة الإصابة بسرطان القضيب لدى المختونين صفر بينما هي لغيرهم
2,2 /100
4 ـ الوقاية من الأمراض الجنسية : لقد وجد الباحثون أن الأمراض الجنسية التي تنتقل عبر الاتصال الجنسي (غالباَ بسبب الزنا واللواط) تنتشر بصورة أكبر وأخطر لدى غير المختونين، وخاصة الهربس ، القرحة الرخوة ، الزهري ، الكانديدا ، السيلان ، الثآليل الجنسية لإيدز . علماَ بأن الختان لا يمنع الإصابة إذا تعرض للعدوى نتيجة اتصال جنسي مع مصاب بالإيدز
5 ـ وقاية الزوجة من سرطان عنق الرحم : يشير الباحثون بأن زوجات المختونين أقل تعرضاَ للإصابة بسرطان عنق الرحم من غير المختونين .
6 ـ إن عملية الختان في الطفولة عملية بسيطة وسهلة وغير مكلفة ومضاعفاتها ضئيلة إذا تم إجراؤها بيد طبيب مجرب .
خــتــان البــنــات
جاء في دائرة المعارف البريطانية ( طبعة 1987 ) :(( يمارس ختان البنات بشكل واسع في العديد من البلدان كأستراليا وغينيا الجديدة، وأثيوبيا ومصر وعدد من المناطق الأخرى من أفريقيا وجنوب أوربا وأمريكا الجنوبية كما يمارس من قبل المسلمين في غرب آسيا الهند )). إذا فالختان عند البنات ليس مقصوراً على المسلمين ، فهو يجرى من قبل أقوام أخرى .
وتتابع دائرة المعارف القول : (( عن عملية الختان عند الإناث تشمل قطع جزء أو كل الأعضاء التناسلية الخارجية عند البنات . ومن المحتمل أن يكون ختان الأنثى قد سبق تاريخياً الختان عند الذكور )) .
الحكم الشرعي في ختان البنات :
أما ختان المرأة ( الخفض ) فهو ليس بواجب على رأي أكثر العلماء، وحجتهم ما روي عن رسول أنه قال: ((الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء)) رواه أحمد عن شداد بن أوس مرفوعاً .
(( وقد اختلف الفقهاء في حكمه ، فذهبت الشافعية ، إلى أنه واجب في حق الذكور وفي حق الإناث ، واستدلوا على ذلك بأدلة لم تسلم من القدح والاعتراض .قال الشوكاني في نيل الأوطار (( والحق أنه لم يقم دليل صحيح على الوجوب )) وذهبت المالكية إلى أن الختان سنة للذكور مندوب للإناث . وذهبت الحنفية والحنابلة إلى أنه سنة للذكور مكرمة للإناث ))(حسان شمسي باشا : أسرار الختان ، ص 88 – 89.
وحول ختان البنت يقول الدكتور زكريا البري رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق – جامعة القاهرة: (( الرأي المشهور من آراء علماء المسلمين ، إن ختان البنت ليس واجباً دينياً كما يقول بعض الفقهاء ، وإنما هو مكرمة فقط ، أي عمل كريم يحسن فعل، في اعتدال دون مبالغة ولا استئصال ومع هذا ذهب بعض العلماء إلى أن كثيراً من النساء لا حاجة لختانهن لاعتدال خلقتهن الطبيعية وعدم وجود الفضلة التي تكون محلاً للختان ))( المصدر نفسة ص 96 )
ويقول الدكتور محمد علي البار بأن لختان الإناث فائدة هي (( ذهاب الغلمة والشبق ، وفي ذلك من المحافظة على العفة على ما فيه … ولا ريب أن الختان وحده لا يمنع عهراَ ، ولكنه مع التربية الحسنة يساعد مساعدة مهمة في ذلك ))
(البار ، الدكتور محمد علي : الختان ، دار المنارة للنشر والتوزيع ، جدة ، الطبعة الأولى 1994 ، ص 73 )
وأخيراً نقول : إن عدم ختان المرأة لا يترتب عليه إثم ديني إذا كان على ما يرجحه المسلم ويطمئن إليه، على ضوء النصوص الدينية، ونصيحة الأطباء .
أما أضرار ختان البنات فهذا أمر شبه متفق عليه وذلك لما لهذه العملية من أضرار بليغة على المرأة ، قسم الدكتور نجم عبد الله عبد الواحد في بحثه الذي قدمه أمام مؤتمر الطب الإسلامي عام 1986 المضاعفات الناجمة عن ختان المرأة – كما يُجرى حالياً في أرياف بعض البلاد العربية – إلى ثلاثة أقسام:
1 – مضاعفات خاصة بالمرأة وبجهازها التناسلي :وتنقسم هذه المضاعفات إلى :
أ – مـضاعفات حـادة : فمن مضاعفات عملية الختان المباشرة النزيف والالتهاب والتي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة .
وحيث لا توجد أي إحصائيات علمية عن عواقب الختان عند المرأة ، فإن احتمال حدوث ضحايا كنتيجة مباشرة لختان المرأة أمر وارد .
وإن حصول نزيف أو التهابات من جراء الختان هذا بحد ذاته يسبب خطورة على الحالة الصحية للمرأة . وهذا ضرر محتمل خصوصاً بوجود وسائل العلاج البدائية ، فهذا مما يزيد الأمر تعقيداً وخطورة.
ب – مضـاعفات خطرة : كالالتهابات المزمنة للمنطقة التناسلية الخارجية أو المهبل أو الرحم . وقد تمتد هذه الالتهابات إلى المجاري البولية أو الكلى أو سائر الجسم جميعاً .
2 – مضـاعفات خاصة بالتناسل : وتنقسم هذه المضاعفات إلى نوعين :
أ – صعوبة الحمل :
وتكون بسبب الالتهابات التي أصابت المنطقة التناسلية فهذه الالتهابات قد تسبب انسداداً في قناة فالوب ، أو قد تسبب تلفاً في الرحم وبالذات الغشاء المبطن له ، فلا تستطيع البيضة الملقحة أن تستقر فيه .
ب – صعوبة الولادة :
وغالباً ما تنجم عن انسداد فتحة الفرج بواسطة ألياف غضروفية سميكة حلت محل الأنسجة
والخلايا الانتعاظية ، وكذلك تنجم عن نقص عضلات الشفرين الكبيرين . وهذه الأسباب
تجعل الولادة عسرة وتحتاج إلى تدخل طبي جراحي لإجراء عملية الولادة … والمصيبة
تكون أكبر إذا لم تتوفر مثل هذه العناية الفائقة، كأن تكون المرأة في قرية نائية فما مصيرها؟ وما مصير ولدها ؟
3 – البــرود الجـنـسـي:
يعرّف البرود الجنسي بأنه الجماع الذي لا تشعر به المرأة باللذة أو المتعة الجنسية، بالإضافة إلى عدم توفر الرغبة الجنسية . ويسبب ختان المرأة البرود الجنسي بعدة وسائل :
أ – الضـرر النفسـي :
إذ قد يحدث عند المختونة صراع نفسي مرير ، فالعقل الباطن يقول لها ما هو الذنب لهذا
العقاب ؟ ويختلف هذا الصراع النفسي بدرجة الضرر البدني .
ب – الضـرر البدني :
ويحصل هذا بسبب إزالة معظم مناطق الإحساس والإثارة الجنسية عند المرأة . فالبظر هو
المكان الوحيد لدى المرأة الذي به مستقبلات تستجيب لهرمون الذكورة (تستسترون ) وهو
الهرمون الوحيد عند المرأة والرجل الذي يثير الشهوة الجنسية . والبظر هو أكثر الأعضاء الجنسية حساسية عند الأنثى، وإن استئصاله يؤدي إلى حرمان المرأة من الإثارة الجنسية . وإن إزالة الشفرين الصغيرين أيضاً يتسبب في إزالة التلذذ بالعمل الجنسي إضافة إلى إزالة وظيفة أخرى، وهي توسعة الفرج عند الجماع ، بما فيهما من عضلات يتسبب أيضاً في فشل حدوث التقلصات الجنسية وبالتالي احتمال حصول البرود الجنسي .
ج – الجمـاع المـؤلـم: ويحدث هذا بسبب تضيق أو انسداد الفرج فتصبح عملية الجماع مؤلمة. (( ومن هذه الأسباب الثلاثة نجد أن ضرر حصول البرود الجنسي هو ضرر شرعي بحد ذاته، لأن الإسلام قد كفل حق كل فرد ذكراً كان أو أنثى بالمتعة الجنسية بعد النكاح الشرعي فإذا كان ختان المرأة قد تسبب في البرود الجنسي، وهو بحد ذاته ضرر شرعي فيكون ختان المرأة بعيداً عن الفطرة السليمة، وإن هذا الضرر قد تحقق فعلاً بأبسط أنواع
الختان)) (د . نجم عبد الله عبد الواحد : ختان المرأة – بحث، المؤتم
عودة الى الصفحة الرئيسية
نشر في بيت الموصل في : 13-6-2013