فــي أحـاديـث الكسوف
الـدكـتـور محمود الحاج قاسم محمد
السنن الطبيعية التي تلازم الشمس والقمر دليل على أن وراءها قوة مدبرة ، هي التي تسيرها وفق ناموسها الحكيم وقانونها المنظم ، فالتعاقب والاختلاف بين الليل والنهار بذهاب أحدهما ومجيء الآخر بحيث لا يفتران عن عملهما ولا يكلان عن تخالفهما ، برهان جلي على قدرة الله المتصرفة في الكون .
وكسوف الشمس ظاهرة كونية معجزة وهو عبارة عن حجب قرص الشمس عن الأرض عن طريق ظل القمر أي يقع القمر بين قرص الشمس والأرض فيحدث كسوف للشمس … ويوجد نوعان من كسوف الشمس هـمـا :
أ - كسـوف كـلـي : يحدث نادراً وفيه يقع القمر بين الشمس والأرض ويكون الجميع في مستوى خط واحد حيث يمتد ظل القمر خلفه على وجه الأرض في شكل مخروط حيث تنتهي ببقعة سوداء على سطح الأرض … ونادراً ما يزيد الكسوف الكلي للشمس في الوقت الحالي عن سبع دقائق ونصف .
ب - كسـوف جـزئي : يحدث في الحالة التي يكون عليها القمر بعيداً عن الأرض لاتصل البقعة السوداء إلى الأرض فلا يحدث كسوف كلي وإنما يشاهد أهل الأرض الموجودين تحت الظل كسوفاً حلقياً ( كسوفاً جزئياً ) لأن قرص القمر يكون أصغر من أن يغطي قرص الشمس تغطية كاملة فتظهر منها حلقة من الأشعة حول قرص القمر المظلم . والكسوف الجزئي كثير الحدوث في هذه الأيام بعكس العصور السابقة .
وكانت قد أكدت الحسابات الفلكية بأنه في الحادي عشر من شهر آب في العام 1999 سيحدث كسوف كلي للشمس وهو أهم كسوف من نوعه في القرن العشرين فوق مدينة الموصل وسيستمر لمدة ( 2.10 ) دقيقتين وعشر ثواني حيث سيتحول النهار إلى ليل وظلام دامس وسوف تظهر العديد من النجوم المحتجبة خلف الشمس والتي لا ترى في الأيام الأخرى ، كما سيظهر كوكبا الزهرة والمشتري . وحدث فعلاً الكسوف في حينه واستمر لمدة أقل من دقيقتين وليس كما تنبأ الفلكيون. حذر الأطباء حينها من مخاطر النظر بالعين المجردة إلى قرص الشمس من قبل الكبار والصغار أثناء الكسوف الكلي وبعده لأن الخطر هو في مواصلة النظر بعد خروج الشمس من خلف القمر لاحتمال تسببه في حدوث تلف الشبكية وحدوث ما يسمى ببهر العين Photoretinitis
الذي يؤدي إلى العمى الكلي المستديم أو الجزئي الذي قد يتشافى بعد أشهر .
فنصحوا حينها من يود المتابعة والمشاهدة الاستعانة بالمرشحات البصرية المناسبة أو بقطعة أشعة طبية محروقة = تالفة ، للنظر من خلالها وتغطية العين بها وحمايتها من الأشعة تحت الحمراء ،علماً بأن النظارات الشمسية لا تجدي نفعاً كما يتوهم البعض .
وصرح عدد من الفلكيين العرب مؤخراً بأنه سيشهد العالم بمشيئة الله الأحد المقبل 3 تشرين الثاني الذي يوافق يوم إستطلاع هلال شهر محرم الحرام لسنة 1335. وسيشاهد هذا الكسوف ككسوف جزئي ، وستغرب الشمس مكسوفة في الأجزاء الشرقية من العالم العربي مثل دول الخليج والعراق ومعظم بلاد الشام ، في حين أنه سيبدأ وينتهي قبل غروب الشمس في الدول العربية الأخرى .
الكســوف فـي السنّـة النبـويـة :
لقد وردت أحاديث كثيرة ومن قبل رواة متعددين حول الكسوف وما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم عند حدوثه ، وما وصى به صلى الله عليه وسلم المسلمين القيام به عند حدوثه ، ولكون المقال لا يتسع لسرد جميع الأحاديث التي وردت حول الكسوف أولاً ، ولأن الأحاديث جميعها متشابهة وتصب في نفس المعنى لذا سأكتفي بذكر ثلاثة منها :
فعن عائشة رضي الله عنها قالت :
خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فخرج صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه ، فاقترأ قراءة طويلة . ثم قام فكبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من القراءة الأولى ، ثم رفع رأسه فقال : سمع الله لمن حمد ، ربنا ولك الحمد . ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ، ثم كبر فركع ركوعاً هو أدنى من الركوع الأول ، ثم قال : سمع الله لمن حمد ، ربنا ولك الحمد . ثم سجد ، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ، ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : (( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزّ وجلّ لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة )) رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث يرويه مسلم عن جابر (( قال انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركع بأربع سجدات بدأ فكبر ثم قرأ فأطال القراءة ثم ركع نحواً مما قام ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ دون القراءة الأولى ثم ركع نحواً مما قام ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ قراءة دون القراءة الثانية ثم ركع نحواً مما قام ثم رفع رأسه من الركوع ثم انحدر بالسجود فسجد سجدتين ثم قام فركع أيضاً ثلاث ركعات ليس فيها ركعة إلاّ التي قبلها أطول من التي بعدها وركوعه نحواً من سجوده ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا وقال أبو بكر حتى انتهى إلى النساء ثم تقدم وتقدم معه الناس حتى قام في مقامه فانصرف حين انصرف وقد أضَتِ الشمس فقال أيها الناس إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس وقال أبو بكر لموت بشر فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا )) مسند مسلم حديث رقم 1508 .
وفي حديث يرويه النسائي عن أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عـزّ وجـلّ وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فصلوا حتى تنجلي )) سنن النسائي حديث رقم 1446 .
وقد اتفق العلماء على أن صلاة الكسوف ( والخسوف ) سنّـة مؤكدة في حق الرجال والنساء . وأن الأفضل أن تصلى في جماعة ، ووقتها من حين الكسوف إلى التجلي .
وبذلك تظهر لنا حكمة أخرى من حكمه صلى الله عليه وسلم لم ننتبه إليها سابقاً ، فقبل أكثر من أربعة عشر قرناً نجده يسن صلاة الكسوف بأن تكون الصلاة جامعة ( أي تجمع جميع المسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً ) في صلاة طويلة تمتد حتى انجلاء الكسوف ، وبعد ذلك يقف فيهم خطيباً لفترة أخرى .
إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك وإرشاده للمسلمين كافة في مختلف الأصقاع والأزمان بالقيام بالصلاة في جماعة عند حدوث الكسوف والاستمرار بالصلاة حتى انجلاء الكسوف أدى في نهاية الأمر الى الحيلولة دون نظر المسلمين إلى الشمس ، لأن الإنسان في الصلاة يلتزم بعدم النظر خارج منطقة سجوده ، بينما لو كان في وضع غير وضع الصلاة سيحاول النظر حباً للاستطلاع وضرر النظر إلى الشمس عند حدوث الكسوف ووقت انجلائه أثبته الطب حيث قد يؤدي إلى العمى كما ذكرنا سابقاً وهو ثابت طبياً اليوم .
عودة الى الصفحة الرئيسة