الصيام... في التاريخ
الدكتور محمود الحاج قاسم
وعندما ظهرت مبادئ الأديان في العالم شيئاً فشيئاً ، اتخذ رؤساؤها وكهنتها الصوم شرطاً للعبادة ووسيلة للتقرب من الآلهة . ففي مصر الفرعونية وبلاد ما بين النهرين وبقية مراكز الحضارة القديمة كان يشترط على الراغبين في الالتحاق بخدمة المعابد أن يصوموا سبعة أيام كاملة ، لا يتناولون فيها غير بضع جرعات من الماء وكانت مدة الصوم تمتد أحياناً إلى 42 يوماً .
وكان الفرس يدربون أولادهم على الصوم منذ الصغر لكي ينشأوا أقوياء ويتحملوا المهام الصعبة. وفرض اليونانيون الصوم في معتقداتهم ( الحاج قاسم، د. محمود: تاريخ الصوم عبر العصور – مقال جريدة الحدباء ، العدد 989 / 2000)[اماق1] .ـ
وكان الصوم معروفاً في ديانات الصابئين والمانوية والبرهمية والبوذيين ، فقد ذكر إبن النديم( (الفهرست لإبن النديم ص 389 ) أن شريعة الحرانيين المعروفين بالصائبة، وهي ديانة قائمة على تقديس الكواكب تفرض عليهم الصيام ثلاثين يوماً تكريماً للقمر، وكان إمساكهم إمساكاً مطلقاً عن المأكولات والمشروبات من طلوع الشمس إلى غروبها ، وصوم تسعة أيام تكريماً للمشتري ، وسبعة أيام تكريماً للشمس الرب الأعظم لا يأكلون فيها اللحوم وما يخرج منها ولا يشربون الخمر.ـ
وعن المانوية ذكر ابن النديم أيضاً أن لديهم أنواعاً كثيرة من الصيام المرتبط بمواقيت دورية لها علاقة بحركة الكواكب .ـ
وفي شريعة البرهميين فرضت الصيام على طبقة الكهنة أوائل فصول السنة، وفي اليوم الأول والرابع عشر من كل شهر قمري. وتفرض ديانة البوذيين الصيام من شروق الشمس إلى غروبها في أربعة أيام من كل شهر قمري ، أوجبت فيها الراحة التامة وحرمت مزاولة أي عمل ، وهناك لدى البوذيين نوعاً من الصوم الطويل الأمد من السنة تجعل الروح تنفصل عن المادة وتقهر الجسد. وفي الصين والهند واليابان أمثال رائعة من الصوم الطويل الأمد الذي يتحمله المتعبدون من أبناء الديانة البوذية والبرهمية بصورة تدعو للدهشة. ومما يذكر هنا الصوم الطويل الذي مارسه غاندي كوسيلة من وسائل الاحتجاج على السياسة الإنكليزية سعياً لتحرير بلاده الهند .ـ
الصوم في اليهودية :ـ
جاء في تفسير المنار (( وثبت أن موسى (ع) صام أربعين يوماً ، وهو يدل على أن الصوم
كان معروفاً ومعدوداً من العبادات، واليهود في هذه الأيام يصومون أسبوعاً تذكاراً لخراب أورشليم وأخذها)) ( تفسير المنار ، ج2، ص158). وجاء في الفقرة الأولى من الإصحاح التاسع بسفر نحميا ، وهو من الأسفار التاريخية من العهد القديم ما يدل على أن اليهود قد صاموا اليوم الرابع والعشرين من الشهر السابع العبري. ويفهم مما ورد في سفر زكريا أنهم بعد الجلاء إلى بابل كانوا يصومون أياماً أخرى كثيرة دورية لذكرى مؤلمة في تاريخهم وأنهم كانوا يسمون كل صيام منها برقم الشهر العبري الذي وقعت فيه الحادثة .ـ
الصوم في المسيحية :ـ
ليس في الأناجيل المعروفة نص في فريضة الصوم ، وانما فيه ذكره ومدحه واعتباره عبادة كالنهي عن الرياء، وأشهر صومهم وأقدمه الصوم الكبير الذي قبل عيد الفصح، وهو الذي صامه موسى ، وكان يصومه عيسى عليهما السلام والحواريون رضي الله عنهم. ثم وضع رؤساء الكنيسة ضروباً أخرى من الصيام وفيها خلاف بين المذاهب والطوائف ، ومنها صوم عن اللحم وصوم عن السمك ، وصوم عن البيض واللبن. وكان الصوم المشروع عند الأولين منهم كصوم اليهود يأكلون في اليوم والليلة مرة واحدة لكنهم غيروه وبدلوه بعد ذلك ( تفسير المنار ، ج2 ، ص 158 ). والآن الصوم الكبير لدى بعض الطوائف المسيحية يقضي بالانقطاع عن الطعام والشراب من منتصف الليل إلى الظهر أي 12 ساعة لمدة أربعين يوماً متتالياً . بينما صوم طوائف أخرى هو لمدة خمسين يوماً ينقطعون فيه عن أكل المنتجات الحيوانية ومباح لهم غير ذلك .ـ
ويبدو أن الصوم كان معروفاً لدى العرب قبل الإسلام، فقد صح أنهم كانوا يصومون عاشوراء، في الجاهلية ، تعظيماً له ، ولهذا لما أمرهم النبي بصيام عاشوراء ، ثم أمرهم بصيام رمضان في قوله تعالى: (( كتب عليكم الصيام )) فهموا المعنى المقصود وبادروا إلى تنفيذه ))( القرضاوي ، يوسف : فقه الصيام ، ط 3 ، ص 11 ) .ـ
الصوم في الإسلام :ـ
هو الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وصوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة ، فرضه الله سبحانه على المسلم البالغ العاقل المقيم وغير المريض، إذا لم تكن فيه الصفة المانعة من الصوم، وهي الحيض والنفاس في النساء.ـ
قال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر * وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين * فمن تطوع خيراً فهو خير له * وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون ))( البقرة آية 183–184 ) .ـ
وهناك أحاديث كثيرة عن الرسول حول الصيام أكتفي بذكر الحديث التالي يقول صلى الله عليه وسلم : ـ
ـ((قال الله عـزّ وجـلّ : كل عمل ابن آدم له إلاّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به . والصيام جنة ( أي وقاية) وإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني أمرؤ صائم . والذي نفس محمد بيده لخلوف (أي رائحة) فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك . للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه )) أخرجه البخاري ومسلم . وهذا لفظ البخاري .ـ
وقد فرض الصيام – كمعظم شرائع الإسلام – في المدينة المنورة في السنة الثانية من الهجرة وفي السنة التي فرض فيها الجهاد . فتوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد صام تسعة رمضانات.ـ
وبقي المسلمون (وسيبقون حتى قيام الساعة) ملتزمين بتأدية فريضة الصوم في شهر رمضان
وبالشكل الذي فرضه الله سبحانه وسنه الرسول دون تغيير أو تبديل ، إيماناً منهم بأنه ركن من أركان الدين الإسلامي العظيم .ـ
وهذا الصوم المفروض يعتبر الحد الأدنى المطلوب من المسلم إذا أداه فقد أبرأ ذمته وأسقط عنه الإثم . وهناك صوم التطوع وهو مطلوب من المسلم طلب ندب واستحباب لا طلب إيجاب وإلزام ،وهو إن لم يكن حتماً ولا فرضاً على المسلم فإنه مستحب ليأخذ كل حظه من هذا الأجر فتكون للمسلم ذخيرة يزداد بها قربا منه تعالى ويستكمل بها ما قد ينقص من فرائضه.ـ
وأنواع صوم التطوع في الإسلام هي :ـ
ـ1- صيام ستة أيام من شوال .ـ
ـ2- صيام يوم عرفة (تسعة ذي الحجة )ـ
ـ3 -صيام عاشوراء وتاسوعاء ( العاشر من محرم والتاسع منه )ـ
ـ4-الإكثار من الصوم في شعبان .ـ
ـ5 - الصيام في الأشهر الحرم (ذو القعدة ، ذو الحجة ، والمحرم ، ورجب )ـ
ـ6 - صيام 3 أيام من كل شهر
ـ7 -صيام الاثنين والخميس .ـ
ـ8- صوم يوم وإفطار يوم
للعودة إلى الصفحة الرئيسة