تاريخ الختان عبر العصور
القسم الثاني
الـدكتور مـحمود الـحاج قاسم محمد
طـبـيـب أطـفال – الموصل/ العراق
يقول الشيخ عبد الوهاب النجار في كتابه قصص الأنبياء : ((جاء في إنجيل برنابا على سبب الختان ، إن آدم لما عصى ربه ، نذر أن تقطع من نفسه عضواً ، إذا تاب الله عليه ، فلما قبلت توبته وأراد الوفاء بنذره ، احتار ماذا يصنع، فدله جبريل على هذا الموضع فقطعه ، ولعل أولاده تركوا هذه السنّة حتى أمر الله إبراهيم بإحيائها )) ه [i].
وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال ، قال رسول الله (ص) :
(( اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم )) قال ابن القيم : (( والصحيح أن القدوم في الحديث الآلة . كما رواه البيهقي عن موسى بن علي، قال سمعت أبي يقول: إن إبراهيم الخليل أمر أن يختتن وهو ابن ثمانين سنة، فعجل، فاختتن بقدوم، فاشتد عليه الوجع، فدعا ربه، فأوحى الله إليه إنك عجلت قبل أن نأمرك بالآلة ، قال: رب كرهت أن أؤخر أمرك، قال: وختن إسماعيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وختن إسحاق وهو ابن سبعة أعوام )) ه [ii].
الخـتـان فـي اليـهـوديـة:
جاء في الكتاب المقدس ، سفر التكوين :(( هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم ، وبين نسلك ( المقصود إبراهيم عليه السلام ) من بعدك، يختن كل ذكر، فتختتنون في لحم غُرلتكم، فيكون علامة عهدي بيني وبينكم ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم ، يختن ختاناً وليد بيتك والمبتاع بغضه من كل ابن غريب ليس من نسلك …. فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها ، إنه نكث عهدي…. )) ه [iii].
وجاء في سفر التثنية: ((إختتنوا للرب وانزعوا غرل قلوبكم، يا رجال يهوذا وسكان أورشليم)). جاء في الكنز المرصود في قواعد التلمود:
(( ويعتبر التلمود كل من لا يختتن من الوثنيين الأشرار الذين ليس لهم عقيدة دينية، وأما ختان المسلمين فلا يمنعهم أن يكونوا كالباقين ، لأنه ليس الختان الحقيقي .
انظروا إلى هذا الاستكبار عند اليهود والحقد على المسلمين ، فهل هناك ختان حقيقي عند اليهود وختان غير حقيقي عند المسلمين.
كما أن الشعب اليهودي يدعي أن الختان ميزة خصهم الله بها دون سائر البشر. إلاّ أنه من الثابت تاريخياً أن الشعوب الأخرى كالمصريين والأستراليين قد مارسوا الختان )) ه [iv].
وكان اليهود ولا يزالون يقومون بختان الأطفال الذكور في اليوم الثامن من مولدهم ولا يؤخرون ذلك ولو وافق ذلك اليوم يوم سبت. كما أنهم يجرونه حتى على الأموات من الأطفال.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري عن اليهود :(( إذا مات الطفل قبل سبعة أيام من ميلاده ، فإن جثته تختن ، ويعطى اسماً عبرياً ليكتسب اليهودية ، وهكذا يفقد الختان أي دلالة صحية إنسانية عامة، ويصبح مدلوله قومياً دينياً محضاً ، أما في الإسلام فلا يجب ختان الميت باتفاق الأمة. فالمعنى الذي لأجله شرع في الحياة قد زال بالموت فلا مصلحة في ختانه ) ه [v].
الختــان فــي النـصرانيـة :
يبدو أنه ليس في الأناجيل المتداولة والمقبولة لدى المسيحيين اليوم ما يشير إلى مشروعيته ، بينما هناك نصوص وردت في إنجيل برنابا تؤكد وجوبه . فقد جاء فيه :
(( أجاب يسوع : الحق أقول لكم أن الكلب أفضل من رجل غير مختون )) إنجيل برنابا: الفصل 22 ، ص 30 – 31 . وجاء أيضاً في فصل آخر:
(( فقد أخبر الله إبراهيم بحقيقة الختان، وأثبت هذا العهد قائلاً : النفس التي لا تختن جسدها إياها أبدد من بين شعبي إلى الأبد )) إنجيل برنابا : الفصل 23 ، ص 32 .
ومع عدم ذكر الختان في بقية الأناجيل إلاّ أن المسيحيين يحتفلون بيوم ختان المسيح ( ع ) سنوياً في اليوم الأول من كانون الثاني من كل سنة والذي أجري له في اليوم الثامن بعد ولادته )) ه [vi].
جاء في لسان العرب :(( أن النصارى لما تركوا سنّة الختان غمسوا أولادهم في ماء صبغ بصفرة يصفر لون المولود وقالوا : هذه طهرة أولادنا التي أمرنا بها )) ه [vii].
وقد جاء في رسالة بولص الرسول الأولى إلى أهل كرونثوس: (( ليس الختان شيئاً ، وليست الغرلة شيئاً بل حفظ وصايا الله )) ه[viii]
والرأي الغالب لدى المسيحيين اليوم هو أن الختان ليس مفروضاً وليس منكراً ، بل أنه أمر متروك لرغبة الفرد.
الـخـتان عنـد العـرب قبـل الإسـلام:
((لا مشاحة في أن الختان كان عادة شائعة في الجاهلية . ولم يرد ذكر الختان في القرآن
الكريم ، وإنما ورد في الشعر القديم وحديث النبي )) ه [ix].
فقد كان العرب في جاهليتهم يختتنون إتباعاَ لسنة أبيهم إبراهيم ، وكانت قريش على وجه الخصوص تختتن .وفيما يرويه البخاري عن هرقل تأكيد على أن العرب كانوا متمسكين بعادة الختان ، تقول الرواية:
((أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس. فقال بعض بطارقته قد استنكرنا
هيئتك قال ابن الناظور، وكان هرقل حزّاءً ينظر في النجوم ، فقال لهم حين سألوه، إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة، قالوا ليس يختتن إلاّ اليهود . فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله فلما استخبره هرقل ، قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ، فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب هم مختتنون ، فقال هرقل هذا ملك الأمة قد ظهر)) ه
[x].
(( وكان العرب يزعمون أن من ولد في الليلة القمراء تقلصت قلفته حتى بدا كأنه مختون … وقد ظل هذا الزعم جارياً حتى الآن فيقال لمن بدا كأنه مختون إن ( طهوره قمري ) )) ه [xi].
ولكن يبدو أن العرب لم يكونوا أجمعهم ملتزمين بإجراء الختان وذلك لأن بعض أحاديث
الرسول تشير إلى وجوب القيام بالختان عند الدخول في الإسلام، جاء عند ابن القيم ما يلي:
في حديث يرويه الإمام أحمد عندما أسلم أحدهم (( جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : قد أسلمت ، قال : الق عنك شعر الكفر ، يقول احلق ، واخبرني آخر معه أن النبي قال لآخر : الق عنك شعر الكفر واختتن )) .
وفي حديث آخر :قال حرب في مسائله عن الزهري قال، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (( من أسلم فليختتن وإن كان كبيراً ))
ه [xii]
ويروي الشوكاني هذا الحديث عن أبي هريرة وقال وقد ذكره الحافظ في التلخيص ولم يضعفه [xiii] .
المصادر
[i]
- النجار ، عبد الوهاب : قصص الأنبياء – دار إحياء التراث العربي، بيروت ، الطبعة الثالثة ، ص 94 .
[ii]
- ابن قيم الجوزية : تحفة المودود ( مصدر سابق ) ، ص 121 .
[iii]
- سفر التكوين : الإصحاح السابع عشر ، ص 24 – 25 .
[iv]
- باشا ، الدكتور حسان شمس : أسرار الختان – نشر مكتبة الوادي للتوزيع ، الطبعة الأولى
1312 هـ / 1991 م ، ص 15 .
[v]
- المصدر نفسه : ص 16 .
[vi]
- باشا ، الدكتور حسان شمس : أسرار الختان – نشر مكتبة الوادي للتوزيع ، الطبعة الأولى
1312 هـ / 1991 م ، ص 16 .
[vii]
- ابن منظور : لسان العرب – ج 2 ، ص 620 .
[viii] -
الإنجيل : رسالة بولص الرسول إلى أهل كورنثوس – الإصحاح السابع، 18 – 19 .
.J . Wensinck [ix]
فنسك، دائرة المعارف الإسلامية ، ترجمة عبد الحميد يونس، صدر المجلد الأول 33 ، مجلد 8 ، ص 215
[x]
صحيح البخاري : نشر دار الفكر – بيروت ، بغداد ، 1986 ، ج 1 ، ص90
[xi]
- ألترمانيني ، الدكتور عبد السلام : الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام
( سلسلة عالم المعرفة 80 ) ، الكويت 1984 ، ص 223 .
[xii]
ابن القيم الجوزية : تحفة المودود ، ص 128 .
[xiii] -
باشا : أسرار الختان ، ص 190 .