الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال – الموصل
سيكون تناولنا للموضوع من خلال محاور أربعة هي :ـ
المحور الأول :الخلايا الجذعية ( Stem Cells) وأنواعها :
وتعرف أيضاً بالخلايا متعددة الكفاءة والقدرات (Pluripotent Stem Cells) ، أو خلايا المشأ أوخلايا الأساس وهي الخلايا غير المتخصصة التي تتميز بقدرتها على الانقسام لفترة غير محددة في الأوساط المختبرية تحت ظروف مناسبة ولها القدرة على تكوين خلايا بالغة متخصصة متعددة الفعالية ولها القابلية على إنتاج غالبية الأنسجة في الجسم الحي . وهي ثلاثة أنواع:
النوع الأول :الخلايا الجذعية الجنينية (Embryonic Stem Cells) : (( وهي التي يتم الحصول عليها من أجنة يقاس عمرها بالأيام ، فهي خلايا بدائية تظهر بعد 6 إلى 12 يوماً من الإخصاب ، وهي تملك القدرة أو القابلية في هذه المرحلة على التطور والنمو والانقسام، بلا حدود وإعطاء الخلايا المتخصصة كلها، ويمكنها أن تتحول إلى أي نوع من أنواع أعضاء أو أنسجة الجسم البشري تقريباً، وهذا يجعلها شيئاً ثميناً بالنسبة إلى العلماء والباحثين في العلوم الحيوية والبيولوجية·
والخلايا الجذعية الجنينية، يمكن الحصول عليها من خلال إهلاك القليل من الأجنة البشرية، لا يزيد عمرها على 15 يوماً، وهي ستؤدي إلى توليد خلايا أو أنسجة يمكن استخداما في ما يعرف بـ <علاجات الخلية> (Cell Therapeutics) كما أنه بعد تحفيز هذه الخلايا حتى تصير خلايا متخصصة، يمكن أن تستخدم لتكوين الأنسجة وحتى الأعضاء البشرية المختلفة في الجسم، من عضلات، وعظام وشعر، وغيرها مما يؤلف الجسم فهي يمكن أن تتطور بسرعة إلى نسيج عصبي أو دموي أو عضلة قلب أو حتى خلايا للدماغ· ))[1]
النوع الثاني خلايا جذعية بالغة :وهي خلايا تستخرج من مختلف خلايا الجسم مثل النخاع العظمي والرئة والقلب والعضلات وغيرها. و(( لانتشار الاعتقاد بأن الخلايا الجذعية الجنينية تتضاعف بشكل أفضل من الخلايا البالغة، آثر العلماء استخدامها في أبحاثهم رغم كونها تثير إشكاليات أخلاقية في العلاج؛ لأنها تتضمن تدمير الأجنة المستخدمة. إلا أن العلماء بثوا الأمل أن تتربع الخلايا البالغة على عرش العلاجات بعدد من الاكتشافات التي توالت في الفترة الأخيرة، وتوجت بإعلان إنشاء مستشفى ضخم للعلاج بالخلايا الجذعية البالغة فقط.)) . . (( ويمكن أن تستحث هذه الخلايا التي تم عزلها للمرة الأولى لدى الإنسان عام 1998، لتتطور وتتحول إلى خلايا متخصصة (الدم، الكبد، العضل، وغيرها) تتيح إمكانية إيجاد مصدر متجدد للخلايا لتحل محل الخلايا والأنسجة التالفة من أجل معالجة أمراض وحالات إعاقة تتضمن مرضى باركنسون (الشلل الرعاش)، والزهايمر، وإصابات الحبل الشوكي، والصدمات، والحروق، وأمراض القلب، والتهاب المفاصل، والشلل الرباعي الذي يصيب العظام.
وفي الدراسات الأخيرة نجد أن ((الخلايا "البالغة" تنافس "الجنينية"ففي بحث فريد قد يحدث تغيرا جذريا في النظر إلى الخلايا الجذعية البالغة، اكتشف علماء بمستشفى الأطفال ببيتسبرج بالولايات المتحدة أن للخلايا الجذعية البالغة قدرة على التضاعف تماثل قدرة الخلايا الجذعية الجنينية؛ وهو ما يختلف عن الاعتقاد الشائع قبل ذلك بأن الخلايا البالغة تشيخ وتموت بشكل أسرع من نظيراتها الجنينية. ولكن وبحسب دراسة وردت في عدد شهر يوليو 2005 من مجلة "البيولوجيا الجزيئية للخلية" فإن ثمة أدلة على أن شكوك العلماء حول قدرة الخلايا الجنينية البالغة لا مبرر لها.في هذه الدراسة استطاع د. جونى هيوارد، مدير معمل النمو والتطور في مستشفى الأطفال ببيتسبرج، وفريقه أن يضاعفوا خلايا جذعية بالغة لعدد من الخلايا يضاهي العدد الذي يصل إليه الباحثون باستخدام الخلايا الجنينية. وتقول د. بريدجيت ديزي الباحثة في معمل د. هيوارد إنها اكتشفت أن خلايا جذعية عضلية استطاعت أن تتضاعف لأكثر من مائتي ضعف؛ وهو الرقم الذي وصلت إليه الدراسات السابقة التي أجريت على الخلايا الجذعية الجنينية.))
(( وإضافة إلى كون هذا المنحى لا يؤدي إلى إشكاليات أخلاقية حول استخدام الخلايا الجذعية علاجيا، فإنه يمثل أيضا حلا لمشكلة رفض جهاز المناعة للخلايا الجنينية الغريبة؛ حيث يمكن استخراج الخلايا الجذعية البالغة من المريض نفسه.)) [2]
النوع الثالث : خلايا جذعية بالغة من المشيمة أو الحبل السري أو من دم الحبل السري للجنين :
يعد الحبل السري من المصادر الغنية بالخلايا الجذعية التي تستخدم في علاج بعض الأمراض المتعلقة بالدم والنخاع الشوكي وبعض السرطانات . ويرى العلماء أن استخدام هذه الخلايا من هذا المصدر أقل خطورة ومضاعفات من استخدام الخلايا الجذعية المستخرجة من النخاع .
جاء في تقرير للصليب الأخضر الألماني ( منظمة بيئية ) (( أن الدم الذي يسري في الحبل السري للجنين يحتوي على خلايا جذعية تشبه تلك التي توجد لاحقا في نخاع العظام . وهي خلايا تعين الإنسان على إنتاج خلايا العظام والغضاريف والعضلات إضافة إلى خلايا الكبد والخلايا التي تشكل بطانة الأوعية الدموية. والمهم في الأمر أن لحفظ دم الحبل السري فوائد مستقبلية كبيرة رغم أن العلماء لا يزالون في بداية أبحاثهم حول الموضوع. لكن هناك شيئاً مؤكداً واحداً ، هو أن الخلايا الجذعية المستمدة من دماء الحبل السري يمكن استخدامها بنجاح حيثما تطلب الأمر تدخل الأطباء لمعالجة صاحب الدم من الأمراض المستعصية مثل : مختلف أنواع سرطان الدم ، وسرطان الصدر ، وسرطان الرئتين ، وسرطان الرحم وأمراض المناعة الذاتية كالروماتيزم .كذلك أن الخلايا الجذعية المستمدة من الحبل السري قادرة أيضا على إنتاج خلايا عضلات القلب ، ويمكن أن تشكل بديلاً ناجحاً في المستقبل لعمليات زرع القلب . وقد ثبت أن هذه الخلايا تختلف عن الخلايا المأخوذة من المشايم أو من ألأجنة المجهضة ، كما ثبت أنها تتمتع بقابلية على مقاومة ظروف التجميد لسنين طويلة )) [3] .
المحور الثاني :كيفية الحصول على الخلايا الجذعية :
1 - بالنسبة للخلايا الجذعية الجنينية (( في الوقت الحاضر تم تطوير سلالة الخلايا متعددة الفعالية من مصدرين باستعمال تقنيات طورت خلال العمل مع نماذج حيوانية.
أ - تمكن الدكتور ثومبسون من عزل خلايا جذعية متعددة الفعالية بصورة مباشرة من الكتلة الداخلية لجنين الإنسان وفي مرحلة البلاستوسيست. استعمل الدكتور ثومبسون أجنة من عيادات أطفال الأنابيب وكانت هذه الأجنة من النوع الفائض عن الحاجة والتي لن تستخدم لتطوير أجنة في داخل الرحم. كانت هذه الأجنة قد طورت لزرعها في الرحم لإنتاج أطفال الأنابيب ومن متبرعين أخذت موافقتهم الرسمية ( وليست من النوع التي يتم عملها للأبحاث العلمية). عمل الدكتور ثومبسون على عزل كتلة الخلايا الداخلية ومن ثم اتم زراعة الخلايا الجذعية متعددة الفعالية ليحصل على سلالة من الخلايا الجذعية متعددة الفعالية.
ب - وعلى العكس من ذلك فقد عزل الدكتور غيرهارت خلايا جذعية متعددة الفعالية من انسجة جنينية لاجنة مجهضة . وقد تم استحصال موافقة المتبرعين بعد قرارهم انهاء الحمل. استحصل الدكتور غيرهارت على خلايا من منطقة ستتطور لتكوين الخصيتين او المبايض. وبالرغم من ان الخلايا التي تم الحصول عليها في مختبري كل من الدكتور ثوماس والدكتور غيرهارت كانت من مصدرين متغايرين الا ان الخلايا الناتجة تبدو متشابهة تماما.)) [4]
2 – (( تحويل خلايا بالغة إلى جذعية جنينية : أعلن علماء جامعة هارفارد الأميركية أنهم اكتشفوا طريقة لدمج خلايا جلد بالغة مع خلايا جذعية جنينية، ثم إعادة برمجة خلايا الجلد لتصبح خلايا جنينية. ووصفوا هذا الاكتشاف بأنه خطوة دراماتيكية واعدة قد تقود إلى إنتاج خلايا جذعية مفيدة تتيح للعلماء الاستغناء كليا عن الحاجة لإنتاج أجنة بغرض الحصول على تلك الخلايا منها. ونشرت النتائج الأولية لهذا التطوير على موقع مجلة «ساينس» .
وأكد العلماء انهم نجحوا في «إعادة برمجة الخلايا البالغة نحو الوضع الجنيني».وأضافوا انه إن حدث واثبتت التجارب المقبلة ان هذه الخلايا ظلت على هذا الوضع الجنيني الجديد لها، بعد انتزاع الخلايا الجنينية المندمجة معها وإزالتها نهائيا، فان هذه الخلايا المتحولة بإمكانها إنتاج سلسلة من الخلايا الجنينية الخاصة بكل إنسان التي تلاؤم خصائص جسمه. وهذا ما يقود إلى الاستغناء عن إنتاج الأجنة لأغراض استخلاص الخلايا الجذعية الموجهة للاستخدامات العلاجية.((
وتعني هذه الطريقة انعدام الحاجة الى استخدام بويضة بشرية لأجل انتاج الاجنة، وحسم المناقشات الجارية حول انتاج الخلايا الجذعية. وقد استخدم علماء هارفارد خلايا جذعية جنينية تم انماؤها في المختبرات بالطريقة التي حظيت بدعم ادارة الرئيس بوش، ثم دمجوها بخلايا جلد بالغة )) [5].
وقد توصل مؤخراً باحثون في مركز جينوم جامعة وسكنسون – ومركز الأبحاث في الجامعة في الولايات المتحدة إلى تطوير خلايا جلدية إلى خلايا لها صفات خلايا جذعية جنينية بطريقة جديدة أستغني فيها عن الخلاياالجنينية لدمجها بالخلايا الجلدية عند التحضير ، وقد نشر البحث في مجلة علوم التي تصدر من الجامعة المذكورة [6]
3 – كيفية تجهيز دم الحبل السري الحاوي على الخلايا الجذعية : ما يجري الآن في ألمانيا (( عندما يقرر الأبوان الحصول على دم الحبل السري، يتلقى الوالدان تجهيزات لسحب الدم وحفظه بعد أن يوقعا على اتفاق لحفظ دم الحبل السري لوليدهما مقابل 2900 مارك ولفترة 20 عامًا، ويساعد الأطباء الوالدين قبل قطع الحبل السري وحدوث الولادة بثوانٍ على سحب الدم من أوردة الحبل السري بحجم 80 ملِّيلترًا بواسطة طاقم طبي مدرب؛ حيث يجري في الحال نقله بواسطة حافظات خاصة إلى "لايبزج" ليجري تجميده خلال 24 ساعة من لحظة سحبه، ويتم تجميد هذا الدم الحاوي على الخلايا الجذعية وفق شروط دقيقة بدرجة 196 مئوية تحت الصفر، وفي النتروجين السائل، وقد أوصى الصليب الأخضر الألماني (منظمة بيئية) على لسان الدكتورة أنجولف دور، كافة الجهات باتخاذ هذا الإجراء الاحترازي المهم، وقالت: إنه لا ينطوي على أي مجازفة بالوليد أو بحياة الأم )) [7] .
(( وإن توفر الخلايا الجذعية هذه يوفر على المريض تدخل الأطباء جراحياً لاستخراج هذه الخلايا من نخاع العظام . وحسب التقديرات فإن الخلايا الجذعية المتوفرة في دم الحبل السري تكفي لعلاج صاحبها ( بافتراض أنه يزن 116 كيلوغراماً ) مستقبلاً ولمرة واحد فقط ضد الأمراض المستعصية . ولهذا ينكب الأطباء والعلماء على تطوير تقنيات تكثير هذه الخلايا مختبرياً ويتوقعون أن يحققوا نتائج ايجابية خلال 3 إلى 4 سنوات. والإيجابي في هذه العملية أنها تخلص المريض من مشكلة لفظ أو رفض الأجزاء المزروعة المأخوذة من متبرع لأنها ليست ملوثة أو غريبة عن جسده ، كما أنها سهلة المنال )) [8] .
و (( إذا كان أهمية الحبل السري والمشيمة ، ونظراً للحاجة الماسة لحفظ هذه المادة ، فلا بد حينئذ من إنشاء حافظات ( مراكز ) أو ما يسمى ببنوك الحبل السري ( Umbilical Cord Banks ) على غرار الأجنة والبويضات والحوينات )) .
(( ولا أرى مانعاً شرعياً أة أخلاقياً يحول دون إنشاء هذه البنوك ، إذا كان المقصد منها استعمالها بهدف العلاج وليس للتجارة أو الربح . . . وأرى أن المشروعية تتأكد إذا كان حفظ الحبل السري ومادته من أجل استعمالها للجنين الذي تكون معه ذلك الحبل والمشيمة ، لأن العلاج أكثر أمناً وأكثر نجاحاً لتطابق الخلايا المستخرجة من الحبل والمشيمة مع خلاياه .ويجب الاحتفاظ بسجلات تبين نسبة كل حبل أو خلايا لصاحبها ))[9].
4 – الخلايا الجذعية للبالغين : تبين الأبحاث عن الخلايا الجذعية للبالغين أن هذه الخلايا متعددة القابلية واعدة تماما ويمكن استخدامها في الأبحاث وفي تطوير العلاجات الخلوية. وعلى سبيل المثال فان هنالك الكثير من الميزات في استخدام الخلايا الجذعية للبالغين في مجال عملية الزرع. وإذا ما تمكنا من عزل الخلايا الجذعية من مريض وتوجيهها للانقسام والتوجه إلى التخصص ومن ثم زرعها مرة أخرى في المريض فانه من غير المحتمل أن يرفض الجسم مثل هذه الخلايا. أن استخدام الخلايا الجذعية للبالغين لمثل هذا التطبيب الخلوي ومن دون شك سيقلل أن لم يحد من استخدام الخلايا الجذعية التي أخذت من أنسجة الأجنة البشرية.، وهو الموضوع الذي يثير قلق ومخاوف العديدين على أسس أخلاقية )) [10] .
(( هذا الاكتشاف مبشر، وهناك اكتشافات أخرى تدعونا لمزيد من التفاؤل؛ إذ توصل باحثون من معهد وايتهيد في الولايات المتحدة، بقيادة الدكتور رودلف جاينش، لطريقة جديدة لمضاعفة الخلايا الجذعية البالغة بسرعة كبيرة وكفاءة عالية. وارتكز بحث معهد وايتهيد على جين يسمى Oct4، وهو جزيء يكون نشطا في المراحل الجنينية المبكرة للإنسان، وظيفته تتركز في المساعدة على مضاعفة الخلايا ونموها، مع ضمان الإبقاء على الجنين في حالة عدم النضج؛ أي إبطاء معدل تخصص الخلايا؛ وهو بذلك يعتبر حارسا للخلايا يمنعها من أن تتحول إلى أنسجة بعينها. وطوال فترة عمل الـOct4 تبقى كل خلايا الجنين متطابقة، وعندما يتوقف عن العمل تبدأ الخلايا في النمو لتكوين خلايا القلب والكبد وغيرها )) [11] .
(( ولاختبار أثر الـOct4 على الخلايا الجذعية البالغة التي ظلت كامنة لفترة طويلة، نشّط الباحثون الجين المذكور في فئران تجارب؛ حيث أدى ذلك إلى تكون أورام بالفئران في الأمعاء وفى الجلد صاحبت إعادة تنشيط الجين، وعندما تم تعطيله تضاءلت الأورام مرة أخرى لتوضح أن العملية قابلة للعكس.
لم يكن متوقعا أن يؤدي تشغيل أو تعطيل جين واحد إلى هذا الأثر على الأورام. الأكثر من ذلك هو أن الـOct4 يسبب الأورام بمنعه الخلايا الجذعية في هذه الأنسجة من التخصص؛ أي أنه في حال تنشيط الـOct4 تستطيع الخلايا الجذعية أن تتضاعف، وبذلك يكون الباحثون قد تغلبوا على أحد العوائق التقليدية أمام مضاعفة أعداد الخلايا الجذعية؛ حيث إنه بمجرد عزل الخلايا الجذعية من الجسم تنمو لتكون أنسجة متخصصة )) [12] .
وعلى الرغم من هذا التفاؤل هناك من يقول بأنه أمام الباحثين الكثير من العقبات يجب تجاوزها على سبيل المثال ((بينما تبقى الخلايا الجذعية للبالغين محط الأنظار فان هنالك محدوديات بالغة الأهمية في مجال إمكانية أو عدم إمكانية ما نستطيع التوصل إليه باستخدام مثل هذه الخلايا. وأول شيء يمكن أن يتبادر إلى الذهن أن الخلايا الجذعية من البالغين لم يكن بالإمكان عزلها لكافة أنواع الأنسجة للجسم البشري بالرغم من انه أمكن تشخيص الكثير من الأنواع المختلفة للخلايا الجذعية متعددة القابليات، فان الخلايا الجذعية للبالغين ولكافة الخلايا والأنسجة لم يمكن العثور عليها في البالغين من البشر لحد الآن.
فعلى سبيل المثال لم نتمكن من إيجاد خلايا جذعية قلبية للبالغين أو إيجاد جزر من خلايا جذعية لجزر غدة البنكرياس. وعلى الصعيد الآخر فان الخلايا الجذعية للبالغين توجد بكميات قليلة جدا ومن الصعب عزلها وتنقيتها وقد يقل عددها مع التقدم بالعمر. من الأمثلة على ذلك أن الخلايا الدماغية من البالغين التي قد تتكون من نوع الخلايا العصبية الجذعية قد أمكن الحصول عليها في حالة واحدة فقط وبطريقة إزالة جزء من دماغ المرضى المصابين بالصرع وهي ليست طريقة هامشية.
تتطلب أي محاولة لاستخدام خلايا جذعية من جسم المريض نفسه بهدف العلاج أن يتم أولا عزل الخلايا الجذعية من المريض ومن ثم تنميتها في مزروع وبكميات وفيرة للحصول على كميات مناسبة للعلاج. قد لا يكون الوقت المتاح كافيا في بعض الحالات المرضية المستعصية، لتنمية ما يكفي من الخلايا لاستخدامها في العلاج. وفي بعض الحالات التي تنطوي على تشوهات مردها تشوه وراثي، فان الخطأ الوراثي هذا قد يكون موجودا أيضا في الخلايا الجذعية للمريض. وبهذا فان الخلايا لمثل هؤلاء المرضى لن تكون مناسبة للزرع )) [13].
المحور الثالث : موقف التشريعات الدولية من بحوث الخلايا الجذعية )) : إن اكتشاف الخلايا الجذعية (Stem Cells)، وإمكانية استعمال تقنية الاستنساخ لزراعة الخلايا الجذعية الجنينية (E.S.C)، مازال يثير جدلاً كبيراً في العلم والدين والأخلاق والقيم الإنسانية والحضارية· وما يزيد من شدة هذا الجدل الفراغ التشريعي الذي مازال يحيط بهذا الاكتشاف البيولوجي المهم، والاستخدامات الطبية والعلاجية المحتملة له.·
ومن ذلك، فإن المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وأستراليا، وكندا، تناصر وتؤيد بحماس القيام بالبحوث على الأجنة، بما فيها تجارب الاستنساخ العلاجي على الإنسان، وتجارب العلاج بالخلايا الجذعية الجنينية·
فإن البرلمان البريطاني قد أجاز في عام 1990م القيام بالبحوث على الأجنة البشرية، كما أن تقرير هيئة الإخصاب والأجنة البشرية (HFEA) في 8/12/1998م، وتقرير مؤسسة <روزلين> في 1/8/2000م، طالبا بالموافقة على الاستنساخ البشري للأغراض العلاجية، باستخدام الخلايا الجنينية الجذعية· وهو ما تميل إليه الحكومة البريطانية منذ سنة 2000م، والتي تنطلق من فكرة <اللامحدودية> (No Limit) في البحث العلمي ومجالات المعرفة·
وفي الولايات المتحدة الأميركية، فإن المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، في تقريرها الجديد بتاريخ 21/11/2000م، تجيز استخدام الخلايا الجذعية الجنينية البشرية لأغراض البحث في <و· م· أ> وبخاصة منها الخلايا الجذعية متعددة القدرات·
وفي أستراليا، وافقت الحكومة الاتحادية في عام2002م، على تشريع موحد يسمح بالاستنساخ <العلاجي>، عن طريق استنساخ الخلايا الجذعية البشرية لأغراض البحوث الحيوية الطبية، وتستخلص الخلايا الجذعية من الأجنة المجهضة، ومن المشيمة، ومن أنسجة البالغين·. علماً بأن هناك أصواتاً قوية (من رجال العلم والدين والسياسة والأخلاق)، في هذه البلدان تعارض بشدة تجارب قتل الأجنة البشرية، واستنساخها لاستخدامها في البحوث الطبية والبيولوجية، تحت مسمى جديد <الاستنساخ العلاجي> (Clonage Therapeutic)، أو العلاج بالخلايا (Cells Therapeutics)، حتى يلقى تشريعاً وترحيباً وتأييداً وتمويلاً· )) [14] .
المحور الرابع : الموقف الشرعي من العلاج الجيني والخلاياالجذعية :قبل أن نذكر قول الإسلام في ذلك نشير (( إلى أن الكنيسة الكاثوليكية في هذه الدول تعارض بشدة تجارب قتل الأجنة البشرية، وهو ما أعلنه الكاردينال <وليم كيلر> في <بالتيمور>، أمام المجلس الوطني لأساقفة الكاثوليك بالولايات المتحدة، أن الكنيسة الكاثوليكية تعارض تجارب قتل الأجنة لأنها تمس حرمة وكرامة الإنسان·
ونلاحظ هنا، أن الدول الأوروبية في معظمها و(الكاثوليكية منها بخاصة)، كألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وسويسرا، والنرويج، وأسبانيا، والبرتغال، دون نسيان اليابان، والصين، والفاتيكان، وكذلك البرلمان الأوروبي، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، ومنظمة التربية والعلوم (UNESCO)، والأمم المتحدة (ONU)، وكبار الحاخامات اليهود، كلها تعارض بشدة الاستنساخ لأغراض التكاثر البشري، وتحدد حقوق الإنسان من الأبحاث في هذا المجال البيوتكنولوجي·
فإن هذه الدول، وهذه المنظمات الدولية، تحظر الاستنساخ <التكاثري> (Reproductive Clouing)، ولكنها تسمح بالاستنساخ <العلاجي> (Therapeutic Cloning)، باستنساخ الأجنة البشرية لاستخدامها في البحوث والتجارب الطبية والحيوية والبيولوجية، متجاهلة إهلاك الجنين وتدميره من أجل هذا الاستنساخ <العلاجي>· وهي معضلة أخلاقية وإنسانية توجب وضع <مدونة سلوك> للباحثين، وفقاً لإعلان الاتحاد الأوروبي في باريس بتاريخ 2 يناير 1998م، ولبيان الفاتيكان الصادر في شهر فبراير 1998م، ولإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة (ONU) في 9 ديسمبر 1998م حول البنية الوراثية البشرية·))
(( أما موقف الفقه الإسلامي من العلاج بالخلايا الجذعية فهو، أن الإسلام لا يعادي البحث العلمي، ولا مانع لديه من الاستنساخ في مجال الحيوان والنبات، أما استنساخ الأجنة البشرية ثم إهلاكها أو تدميرها، لاستخدامها في البحوث العلمية، والعلاجات الطبية ( الثورية )، لاستعمال الخلايا الجذعية الجنينية، أو الخلايا الجزيئية، هو أمر يرفضه الإسلام بحزم، لقوله تعالى: (( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً )) المائدة :32·
فاستخدام الخلايا الجذعية (E.S.C)، التي تؤخذ من الجنين الآدمي، في أول 14 يوماً من تكونه، لا يكون إلا بعد إنشاء الجنين ثم تدميره (أي قتله)· فهو ينطبق عليه شرعاً، ما ينطبق على الإجهاض الإجرامي، الذي هو جريمة في حق الجنين البشري· فإن <إسقاط الحمل>، دون عذر شرعي، هو محرَّم شرعاً، ويعد جناية تعاقب عليها الشريعة الإسلامية، لقوله سبحانه: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) الإسراء:31·
وقال فقهاء الإسلام: إن إسقاط الحمل (الجنين) قبل نفخ الروح فيه، أي قبل تمام الشهر الرابع الرحمي، هو حرام أو محظور شرعاً، لأن فيه حياة النمو والإعداد، فلا يجوز إسقاطه إلا بعذر شرعي يبيح الإجهاض، وهو المعتمد عند المالكية والشافعية والظاهرية· فإنه من يتعدى عليه بإسقاطه، أو قتله، فعليه الدية شرعاً· فإذا كان الإجهاض لغير سبب مشروع، فإنه يصبح قتلاً للنفس البشرية، مما يستوجب المسؤولية الجزائية· ومن ثم فإنه يحظر نهائياً، استخدام العقاقير لإجراء أي تجارب على الأجنة البشرية، فربما يكون لذلك أضرار مدمرة·. وعلى هذا الأساس، فإن ما يسمى <بالاستنساخ العلاجي> في العلوم الحيوية والبيولوجية في تقنياتها الجديدة المتقدمة، ما هو إلا تجارب لقتل الأجنة البشرية، أي <إبادتها>، لاستخلاص الخلايا الجذعية الجنينية ومنها الخلايا متعددة القدرات (P.S.C)، تحت غطاء خدمة <العلاج> أو خدمة <الإنسان>·.))
((وفي هذا الاتجاه فإن، الإسلام يعارض بقوة، استخدام الخلايا الجذعية الجنينية (ESC)، المأخوذة من الأجنة البشرية، بعد إهلاكها عمداً وقصداً، وتحت أي ظرف، لأن ذلك يتناقض مع كرامة الجنين الإنسانية، وحماية الجينات على الخلايا الجذعية متعددة القدرات، هو أمر لا يمكن تبريره، للاعتبارات الدينية والأخلاقية والإنسانية·)) [15] .
أما إ ستعمال الخلايا الجذعية البالغة المستخرجة من مختلف خلايا الجسم ، مثل النخاع العضمي والرئة والقلب وغيرها ، بحثها وتحويلها إلى خلايا متخصصة . وكذلك إستخدام الخلايا الجذعية المستمدة من المشيمة أو من دماء الحبل السري ، فانها لاغبار عليها في نظر الإسلام ويجيزها لأنها ليس فيها إعتداء على حياة الإنسان جنيناً كان أم بالغاً .إلا أنه لا بد من التنويه إلى أن ذلك الإستخدام يجب أن لا يؤدي إلى إلحاق ضرر بالجنين أو الأم أو إلى محظور شرعي آخر .
وقد تم بحث موضوع الخلايا الجذعية في مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 19 – 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 – 17 / 12 / 2003 م . واتخذ بشأنها القرار التالي :
أولاً - يجوز الحصول على الخلايا الجذعية وتنميتها واستخدامها بهدف العلاج أو لإجراء الأبحاث العلمية المباحة ، إذا كان مصدرها مباحاً . ومن ذلك – على سبيل المثال – المصادر الآتية :
1. البالغون إذا أذنوا ، ولم يكن في ذلك ضرر عليهم .
2. الأطفال إذا أذن أولياؤهم لمصلحة شرعية ، وبدون ضرر عليهم .
3. المشيمة أو الحبل السري ، وبإذن الوالدين .
4. الجنين السقط تلقائياً أو لسبب يجيزه الشرع وبإذن الوالدين .مع التأكيد بما ورد في القرار السابع من دورة المجمع الثانية عشرة . بشأن الحالات التي يجوز فيها إسقاط الحمل .
5. اللقائح الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب إذا وجدت وتبرع بها الوالدان مع التأكيد على أنه لا يجوز استخدامها في حمل غير مشروع .
ثانياً – لا يجوز الحصول على الخلايا الجذعية واستخدامها إذا كان مصدرها محرماً ، ومن ذلك على سبيل المثال :
1 ـ الجنين الآدمي له حرمة، فلا يجوز إجهاضه من أجل استخدام خلاياه واستثمارها تجارياً، كأن تُباع لإجراء التجارب عليها واستخدامها في زرع الأعضاء واستخراج بعض العقاقير منها·
2 ـ لا يجوز استنساخ الأجنة للحصول على الخلايا الجذعية الجنينية·
3 ـ لا يجوز التبرع بالنطف المذكرة أو المؤنثة سواء كانت حيوانات منوية أو بويضات، لإنتاج بويضات مخصبة تتحول بعد ذلك إلى جنين بهدف الحصول على الخلايا الجذعية منه·
المصادر:ـ
[1] - بن أحمد ، بلحاج العربي : مشروعية استخدام الخلايا الجذعية من الوجهة الشرعية والأخلاقية والإنسانية ، مقال – مجلة الوعي الإسلامي ، رقم 448،الشهر 3 – السنة 3 ، ص 2 .
[2] - مهنا ، ريم : الخلايا الجذعية علاج أخلاقي يبدأ غداً ، الملحق العلمي لمجلة العربي الكويتية ، العدد8، ديسمبر 2005 بتصرف .
3 – موقع خصوبة دوت كوم الإلكتروني: مقال دم الحبل السري وعلاج السرطان ، ص 1 .
[4] - هندسة الخلايا _ مقال من الإنترنيت ص3-4 .
[5] - جريدة الشرق الأوسط : العدد ليوم 2-9-2004 .
[6] - الشبكة العنكبوتية Stem cell Rresearch News - Article Date :26 Nov 2007 [7] - عرفة، د. حسام: دم الحبل السري أمل جديد لعلة قديمة ص 1 ( مقال من الإنترنيت )
[8] - موقع خصوبة دوت كوم ( مصدر سابق ) ص2.
[9] - أبو البصل ، ا . د. عبد الناصر موسى : الانعكاسات الأخلاقية للبحث في مجال الخلايا الجذعية ( رؤية شرعية) . بحث في كتاب قضايا طبية معاصرة في ضوء الشريعة الاسلامية ، ج 3 ، ص 144 .
[10] - هندسة الخلايا ( مصدر سابق ) ص 6 .
[11] - مهنا ، ريم : الخلايا الجذعية علاج أخلاقي يبدأ غداً ( مقال من ألانترنيت ) 17-1-2006 ص1.
[12] - المصدر نفسه ص 2.
[13] - هندسة الخلايا ( مصدر سابق ) ص 6 .
[14] - بن أحمد ( مصدر سابق ) ص 4-5 .
[15] - المصدر نفسه ص 4 – 5 .
للعودة إلى الصفحة الرئيسة