الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال – الموصل / العراق
المقدمـة:ــ
الأفراد الذين يعانون من نوع أو آخر من الإعاقة الجسمية أو الحسية أو العقلية أو الاجتماعية في العالم على رأي البعض 10 % من السكان.ـ
ـ((والمؤسف أن هذا القطاع في مجتمعات كثيرة ظل محروماً من الرعاية اللازمة ردحاً طويلاً من الزمن، وكانت النظرة السائدة ترى أن هذه القلة من الأفراد لا أمل يرجى من ورائها وظلت لهذا تعيش على هامش المجتمع الذي يتركهم وشأنهم أو يعمل على إيداعهم في ملاجئ أو مؤسسات يعيشون فيها في إطار جو من الشعور بالإحباط والدونية)).ـ
والمعوق حين يرى نفسه وسط إشارات الغير ونبزهم إياه بالألقاب، والاستهزاء به، نراه يسلك سبلاً شتى وطرقاً ملتوية، سداً للنقص الذي يعانيه ورد فعل لما يلاقيه فمنهم من يعجل الهزيمة والانتحار وبعضهم يسلك سبيل الجريمة، وصنفاً آخر يقولب نفسه للوضع الراهن، وقسم كبير من المعوقين لا يوقف مسيرته الحياتية ما أصيب به من عاهة فيمتشق حسام المجد، ويمتطي صهوة الجهاد وإذا به يبز أقرانه، ويتسلم التفوق من عنانه مستغلاً ما حباه الله تعالى من موهبة وذكاء.ـ
وتاريخنا العربي الإسلامي يدون بأحرف من نور عباقرة ومفكرين دانت لهم الإنسانية مع كونهم مصابين بعاهات مختلفة . وقد ألف الجاحظ عنهم كتاباً سماه:ـ
(( كتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان ))
ـ((وفي كتابه هذا لم يرد الجاحظ أن يذكر العيوب والعاهات نعياً على أربابها ، بل قصد بذلك أن يجلو صورة ناصعة مشرقة لذوي العاهات الذين لم تكن عاهاتهم لتحول بينهم وبين تسنم الذرى)).ـ
فذكر الجاحظ في كتابه عشرات من ذوي العاهات (العرج، المصابين بالشلل، البرصان، العميان، مقطوعي الأيدي وذوي عاهات أخرى). وفي تناوله ذلك في كتابه الفذ هذا هو(( أن يجعله إلى بيان نظرة العرب في أدبهم وأشعارهم إلى هؤلاء القوم الذين كتبت عليهم العاهة ، وتعاملهم الإنساني الرفيع معهم بالقول والفعل ، الذي قد يصل إلى الإسراف في مدحهم إياهم بما بدا عليهم من تلك المظاهر)). فمن الذين افتخروا بعرجهم أبو طالب بن عبد المطلبعم الرسول الكريم ، عندما عيره بعض نسائه حيث قال:ـ
قـالـت عرجـت فقد عرجت فما الذي أنكـرت مـن جلـدي وحسـن فعـالي
ومثال لمن افتخر بالعمى بشار بن برد الذي يقول :ـ
إذا ولـد المـولـود أعمـى وجدتـه وجـدك أهـدى مـن بصير وأحـولا
عمـيت جنـينـاً والذكـاء من العمى فجـئت عـجيب الظـن للعلم معقـلا
واستنفاراً لهمم اليائسين وإيقاضاً لكبوة المعاقين نورد فيما يلي أمثلة لبعض الذين لم يكن العوق ليحول بينهم وبين الاستمرار بالأمور الحياتية وإثبات الوجود وتقلد أعلى المراتب يقول الجاحظ : فمن العرجان ثم الملوك يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسرى برواز . وكان أنوشروان أعور ، والحارث الملك الغساني أعرج ، وكان جذيمة ( ملك الحيرة الذي قتلته الزباء ) أبرص ، وكان يزيد بن عبد الملك أفقم ، وكان هشام بن عبد الملك أحول .ـ
ومن العرجان من أصحاب الفتوح والحرب موسى بن نصير ، ومنهم الأحوص بن محمد الأنصاري الشاعر .ـ
وقالوا (( وكان عبد المجيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب والي الكوفة وكان أعرج ، وكان على شرطة القعقاع بن سويد العنقري وكان أعرج ، وكان على كتابته سلمان بن كيسان وكان أعرج )). ـ
ـ (( وقطعت في الحرب رجل حاتم بن عتاب بن قيس بن الأعور بن قشير وهو الذي كان ينشد رجله وهو يقاتل فسمي وناشد رجله )) ، وهو الذي كان يحجل بها يوم اليرموك على الأخرى ويقاتل الروم ، وذهب إلى قدر زيت تغلي فأدخل رجله فيها ليكويها وقطع عنها النزف)) .ـ
(( ومن بني قيس بن ثعلبة عمرو بن عبد الله ، ذو الكف الأشل وقد رأس وكان سيداً )) .ـ
ونضيف على من ذكرهم الجاحظ :ـ
عندما عمي أوحد الزمان أبو البركات هبة الله بن ملكا الطبيب ( توفي 550 أو 560 هـ ) ، لم ينقطع عن العمل والتدريس والتأليف حيث كان يملي على طلابه كتاب المعتبر .ـ
والطبيب أبو الحسن علي بن هبل البغدادي (ت 610 هـ/ 1213م) في السنين الأخيرة من حياته وعلى الرغم من فقده للبصر ، عمل له عندما كان عمره 75 سنة مجلساً يعلم فيه الحكمة والطب وعاش مائة سنة .ـ
والطبيب داؤد الأنطاكي ( ت 1008 هـ / 1599 م ) على الرغم من إصابته بالشلل سبع سنوات في طفولته وبالعمى طوال حياته ألف مجموعة من الكتب والرسائل تجاوزت العشرين كان أغلبها في الطب . وأخيراً من العميان الذين قاموا بتأليف الكتب ابن سيده المرسي صاحب
المخصص والمحكم .ـ
نكتفي بهذا القدر على سبيل المثال لا الحصر لندخل في صلب الموضوع الذي قسمناه إلى قسمين:ـ
القسـم الأول – التأهيـل النفسي والاجتماعي في الإسلام :ـ
ويشمـل ذلـك :ـ
ـ1 – الحـث على عدم اليأس والصبـر على قضـاء الله :ـ
من الحقائق المسلّم بها بأن الإسلام قد نادى عند وقوع المحن والإصابة بالمرض إلى عدم الذعر والانزعاج والتزام الصبر بقضاء الله وقدره وترك اليأس ، وأن يكون للمصاب من طول العناء حافزاً على الرجاء ، فإن الله تعالى يقول : (( ولا تيأسوا من روح الله )) سورة يوسف آية 87 ويقول جلّ وعلا أيضاً : (( إن مع العسر يسراً )) سورة الشرح آية 5 ، ويقول رسول الله :ـ
ـ(( ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلاّ حط الله له سيئاته كما تحط الشجرة ورقها )) رواه البخاري ومسلم .ـ
وقال : (( ما من مرض أو وجع يصيب المؤمن إلاّ كان كفارة لذنبه حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها )) رواه البخاري .ـ
ورفع روح المريض والمعوق المعنوية في الإسلام لا تبدأ أثناء مرضه بل أن مقدماتها تغرس منذ نعومة أظفاره … فهو يربى على التسليم بقضاء الله خيره وشره وعلى اليقين بأن جزاء الصابرين بغير حساب ، وتسعى العبادات إلى ربطه بخالقه في الشدة والرخاء ونتيجة لإيمان المريض المسلم بذلك نجده يقابل المرض بمعنويات عالية تخفف من معاناته في رحلته مع المرض أو العوق وتمنحه القوة والعزم والجلد وتساعده على تحمل العوق الذي أصابه .ـ
بينما نجد الشخص غير المؤمن عند ابتلاءه بعوق أو مرض مزمن يحس أنه قد تحطم جسمياً ونفسياً ويعتقد أنه مقبل على مجهول لا يدري عنه شيئاً وينتابه شعور نفسي أنه فقد كل شيء ، لذا فهو لا يستطيع أن يمتع نفسه أو يستمتع بهذه الحياة التي لا يملك سواها .ـ
أما إذا أظلمت الدنيا أمام المعوق المؤمن في ساعة ضعف وشعر بقسوة عوقه وانقبضت نفسه وطغت عليه موجة من اليأس والكآبة نجد الطبيب المسلم وكجزء من العلاج يؤدي دوره الإنساني فيقوم بواجب التذكير بأن عوقه امتحان من الله سبحانه وتعالى وزكاة عن صحته وغفران ، وأنه لا يأس أبداً من إصابته بالعوق وإذا كان العلم يتوصل بعد إلى اكتشاف ما يخفف من معاناته اليوم فربما توصل إلى ذلك غداً .ـ
وقد أدرك العلماء والأطباء العرب جدوى الصبر في معالجته حزن المصاب ببلاء أو مصيبة ، فيقدم أبو زيد البلخي في كتابه (( مصالح الأبدان والأنفس )) نصائحه بترويض الإنسان نفسه على تحمل الصعاب فيقول :ـ
(( عليه أن يفكر في طبيعة هذه الدنيا وأنه لا يصفو فيها لأحد عيش على حساب ما يحب ويريد ، فليرض بما يخلص له من سعادتها وهو إذا لم يمرن نفسه على الصبر فإن الجزع مصيبة عظيمة أيضاً . فإذا راض نفسه على التجلد والاحتمال تغلب على المصائب … وأيضاً يجب أن يتأسى بغيره ممن أصابه ، وليدرك أيضاً أنه ربما كان يمكن أن تكون مصيبته أعظم مما وقع له وأنه مهما كانت المصائب فإن الأيام لابد أن تخفف من آلامها … )) .ـ
وهكذا يريد البلخي من الحزين ( المصاب بعوق أو مرض ) أن يعزي نفسه وأن يتصبر ليهون على نفسه المعاناة .ـ
ـ2 – المساندة الاجتماعيـة والوجـدانيـة :ـ
يؤكد الطب النفسي الحديث على أن الشعور بالانتماء من الحاجات النفسية الأساسية التي يحتاجها الإنسان ، وأن للمساندة الوجدانية والعاطفية تأثيراً عظيماً في تخفيف ألم ومعاناة المريض أو المعوق ، وهذا ما حرص عليه المجتمع الإسلامي ، حيث أكدت الشريعة على إشعار المعوق أنه جزء من أمة تحس بآلامه وتشاركه مصائبه … فإذا أصيب بحادث أدى إلى عوق وآلام مبرحة ، كان الناس من أهله وأصدقائه حوله يهتمون بأمره ويعودونه في مرضه لا مجاملة منهم وإنما حق مفروض عليهم . ومعروف أن أشد ما يؤلم المقعد والمريض في البلاد التي يعيش أفرادها حياة مادية بحتة ، إحساسهم بالوحدة فلا أحد يحس بهم أو يزورهم وإن زارهم لا يكلف نفسه عناء رؤيتهم فلربما ترك باقة زهر أو بطاقة تحية مع الممرضة أو من يرافقهم ، وهذا وضع يختل تماماً عن وضع المؤمن الذي فصلت له الشرائع السماوية ما بعد الموت ووصلت بينه وبين غيره بآصرة الإيمان .ـ
فمن حق المريض والمعوق على الصحيح بالعيادة والزيارة يقول :ـ
ـ(( أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني )) رواه البخاري .ـ
وتدعيماً لشعورالمشاركة الوجدانية في حال حلول المصائب يقول النبي: (( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )) رواه مسلم . ومثل هذا التعاون يبعد عن المعوق شبح الحزن والاكتئاب ويخفف الكثير من معاناته ويرفع من معنوياته في تحمل آلام عوقه الذي ليس له إرادة أو اختيار فيما أصيب به .ـ
وقد تنبه الأطباء العرب والمسلمون إلى تأثير ذلك ، يقول إسحاق بن عمران ( ت 394 هـ / 902 م ) مخاطباً الطبيب وغيره (( وواس المتألم وشجعه وعلله بالشفاء ، حتى ولو كنت متأكداً من عدم حدوثه فلربما ساعدت بتقوية روحه المعنوية على برئه)) والعلم الحديث يؤيد ابن عمران فيما ذهب إليه من أن التشجيع خير علاج لرفع معنويات المعوق وتماسكه النفسي.ـ
القسم الثانـي – التـأهيل الطبي في التراث العربي الإسلامي :ـ
لم يألوا الأطباء العرب والمسلمون جهداً في اتخاذ الوسائل التي تساعد على شفاء المعوق أو الإقلال من معاناته ومساعدته للتأقلم مع وضعه الجديد . ويمكن تقسيم الوسائل إلى :ـ
أ – الجـراحـة : لقد تناولنا في بحثنا (( الجراحة التجميلية (التقويمية) عند الأطباء العرب والمسلمين )) أغلب ما جاء لدى الأطباء العرب والمسلمين عن أنواع جراحة العاهات والتشوهات في الجسم سواءً الخلقية منها أو التي تحدث نتيجة الحروب والحوادث . لا يتسع المقام لذكر تفاصيلها ، نكتفي هنا بتعدادها :ـ
ـ1 . معالجة شقاق الشفة = نقصان الشفة = فلح الشفة
( Hare Lip ) .
ـ2 . إخراج العقد من الشفة والثآليل من الأنف .ـ
ـ3 . قطع الرباط تحت اللسان الذي بقاءه يعيق اللسان من الحركة والكلام .ـ
ـ4 . معالجات إصابات الحرب والحوادث في الوجه .
ـ5 . المعالجة الجراحية لقصر الجفن أو ما يسمى الشترة
( Ectropion ) .
ـ6 . المعالجة الجراحية لانسداد الأذن الولادي أو الحاصل نتيجة إصابة عرضية أو في الحرب.ـ
ـ7 . المعالجة الجراحية لتشوهات الأصابع الولادي ، أو الحاصلة نتيجة الحوادث والحروق .ـ
ـ8 . استئصال العقد والأورام من مختلف الجسم .
ب - الأدوات والآلات المساعدة : حاول الأطباء العرب والمسلمون ومنذ وقت مبكر تخفيف معاناة المصابين بعاهات في أعضائهم وذلك بتعويض تلك الأعضاء بأدوات
صناعية ، وهي كما يلي :ـ
ـ1 .الكتابـة البارزة للمكفوفين : يذكر المؤرخون بأن ( برايل ) سنة 1839 استنبط هذا الأسلوب لتعليم المتقدمين من المكفوفين القراءة والكتابة . بينما الحقيقة غير ذلك حيث أن أول من استنبط هذه الطريقة هو زين الدين علي بن أحمد الآمدي(عاش في حدود00 هـ/300 م). وذلك لأنه كان إذا اشترى كتاباً أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل بها فتيلة وصنعها حرفاً أو أكثر من حروف الهجاء لعدد ثمن الكتاب بحساب الحروف ، ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من الداخل . فإذا شذ عن ذهنه ثمن الكتاب أمرّ يده فيعرف ثمنه على الأحرف الملصقة . وقبله كان أبو الفرج ابن أبي الفتح يقرأ نقش فص الخاتم باللمس خاصة دون الرؤية. هذا الأسلوب بعينه هو الكتابة البارزة الخاصة بالمكفوفين .ـ
ـ2 . النـظارة الطبيـة :(( لقد ثبت أن الشرق أسبق من الغرب إلى معرفة النظارة أو ما يسمى ( العينية ) . فإن أول من عرف العدسة هو العالم العراقي ابن الهيثم ( ت 430 هـ / 1038 م). والشائع أن رجلاً إيطالياً اخترع ( النظارة ) بعد المائة الثالثة عشر للميلاد ، ولكن الواقع أنه حسّنها . فأول معرفة للناس بها كانت من ديار الشرق العربي الإسلامي ومنه انتقلت إلى الغرب . أنشد شهاب الدين محمد الشهير بابن العطار المصري
ـ ( ت 794 هـ / 1392 م ) :ـ
أتـى بعد الصـبا شـيبـي ودهري رمـى بـعـد اعتـدالي باعوجـاج
كـفـى أن كـان لـي بصر حديـد وقـد صـارت عيوني مـن زجاج
ورشك أن الشاعر أراد بالعيون الزجاج ( النظارة ) وكان ذلك قبل أكثر من 600 سنة )) .ـ
ج – التعويـض الصناعي للأعضاء والأطراف : إن تركيب الأعضاء المصنعة للإنسان حينما يفقد الفرد عضواً من أعضائه ، كالرجل والأصابع والأنف والأسنان والشعر واللحية ليس جديداً وإنما نجد له إشارات في كتب التراث العربي الإسلامي .ـ
على سبيل المثال عن الرجل المصنعة ذكر الزمخشري الفقيه اللغوي الشهير( ت 538 هـ / 1244 م ) أنه أصيب في رجله فقطعت واتخذ رجلاً من خشب .ـ
وعن اليد والأصابع المصنعة ذكر ابن قتيبة الدينوري ( ت 272 هـ / 889 م ) في ترجمة خلف بن خليفة ، أنه كان (( أقطع اليد ، وله أصابع من جلود وكان شاعراً ظريفاً )) .ـ
ومن الأمثلة الأخرى على اتخاذ رجل من عصا أو خشب ذكرها الجاحظ :ـ
ذكر سيّار بن رافع الليثي عرج أوفى بن مؤلة بعد أن اكتهل فقال شعراً
( رأيت أوفـى بعيداً لـسـت من كـثـب في الدار يمشـي علـى رجـل من الخشب )
ولما أهوى قرن أبي الزبير إليه بالسيف سقط على قفاه ورفع رجليه ولم يجد مضرباً إلاّ أخمص رجليه وعرج من ذلك . وكان إذا مشى أخذ عصاً بيمينه وعصاً بشماله .ـ
ومن العرجان أبو راشد الضبي ، وكان أعرج ثم عَمي ، ثم أقعد من رجليه ، فقال حين عَمي ، وقد كان ابن حبيب وهب له عصاً حين عرج وكان يمشي عليها :ـ
وهَـبت عصا العـرجان عـوناً و مرفقاً فأيـن عصا العميان يا ابـن حـبـيب
فقـد صرت أعمى بعد أن كنت أعرجـا أنـوء علـى عود أصـم صـلـيب
وكان تعويض الأنف إذا انقطعت في الحرب بأنف من فضة أو من ذهب أمراً معروفاً وقديماً ويقال أن أول من صنع له أنفاً من معدن هو عرفجة بن سعد ، فقد أصيب أنفه في وقعة يوم كلاب وقد صنع له أنف من ورق ( أي من فضة ) فصدوء وتعفن أنفه ، فأمره الرسول أن يتخذ أنفاً من ذهب لأن الذهب لا يصدأ )) .ـ
وعن تعويض الأسنان المفقودة في حالة سقوطها ينصح الزهراوي بإعادة تثبيتها وتشبيكها بأسلاك الذهب أو تعويضها بأسنان مصنعة من عظام البقر يقول (( وقد ترد الضرس الواحد أو الاثنين بعد سقوطها في موضعها وتشبك كما وصفنا وتبقى ، وإنما يفعل ذلك صانع دَرِب دقيق ، وقد ينحت من عظام البقر فيصنع كهيئة الضرس ويجعل في الموضع الذي ذهب الضرس ويشد كما قلنا فيبقى ويستمتع بذلك )) .ـ
إن ما جاء في هذا القول أول وصف في التاريخ لمحاولة نقل الأعضاء وتصنيع الأسنان .ـ
وهكذا نأتي على نهاية هذا البحث الذي هو مجرد نظرة على التراث الشيق الذي خلفه لنا في مختلف مراحل تاريخنا الزاهر أقطاب الفكر وعلماء الطب والعرب والمسلمون بالنسبة لرعاية وتأهيل المعوقين ، وأملي أن يكون فيما ذكرته عوناً لاستنفار اليائسين وإيقاظاً لكبوة المعوقين وحافزاً لمن حباهم الله الصحة والسلامة أن يكونوا عوناً للمعوقين لمواجهة الأمر الواقع بنفس متفائلة علماً بأنه سيظل العمل الرئيسي في يد المعوقين أنفسهم فبدون الحافز المعنوي في نفوسهم لا يتيسر تأهيلهم تأهيلاً حقيقياً وأخيراً أدعو الله أن يزيد إخواننا المعوقين وأخواتنا المعوقات المزيد من الصبر في الدنيا لينالوا جزاءهم الأوفى في الحياة الآخرة التي ليس فيها عوق أو عاهة
[1] - فراج ، د . عثمان : مشكلة الأطفال المعوقين في الخليج والجزيرة العربية – بحث قدم في الحلقة الدراسية لاتحاد نساء العراق وجامعة البصرة ، البصرة 13 – 15 / 1 / 1979 ، ص 1 .ـ
[2] - الجاحظ ، أبو عثمان عمرو بن بحر : كتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان – تحقيق عبد السلام محمد هارون ، دار الرشيد للنشر ، بغداد 1982 ( مقدمة المحقق ) .ـ
[3] - الجاحظ : كتاب البرصان والعرجان – مصدر سابق ، مقدمة المحقق .ـ
[4] - المصدر نفسه : ص 26 .ـ
[5] - المصدر نفسه : ص 29 .ـ
[6] - المصدر نفسه : ص 29 ، 191 ، 333 ، 385 ، 386 .ـ
[7] - أبو ريدة ، د . محمد عبد الهادي : الصحة البدنية والنفسية في الإسلام – أبحاث المؤتمر العالمي الرابع للطب الإسلامي ، كراجي 1986 ، ص 653 – 654 .ـ
[8] - محمد ، الدكتور محمود الحاج قاسم : الجراحة التجميلية ( التقويمية ) عند الأطباء العرب والمسلمين – مجلة آفاق الثقافة والتراث ، الإمارات العربية المتحدة ، العدد 12 ، مارس 1996 .ـ
[9] - الصفدي ، صلاح الدين : نكت الهميان في نكت العميان – مصر 1911 ، ص 207 – 208 .ـ
[10] - عواد ، ميخائيل : لمحات من أثر الشرق في الغرب – مجلة المجمع العلمي العراقي ، مجلد 35 ، ج 2 نيسان 1984 ، ص 239 .ـ
[11] - الدينوري ، ابن قتيبة : الشعر والشعراء – تحقيق مصطفى السقا ، ص 273 .ـ
[12] - الجاحظ : كتاب البرصان والعرجان ( مصدر سابق ) ، ص 26 ، 28 ، 193 .ـ
[13] - مسند بن حنبل ، سنن البخاري .ـ
[14] - الزهراوي ، أبو القاسم خلف بن العباس : التصريف لمن عجز عن التأليف مع الترجمة الإنكليزية - طبعة معهد ويلكم ، لندن 1937 ، ص 61 .ـ
[15] - منصور ، أحمد مختار : مقال دراسة وتعليق على كتاب التصريف – الجزء الثلاثون – للزهراوي ، مجلة معهد المخطوطات العربية ، الكويت ، المجلد 26 ، ج 2 ، ص 522 .ـ
عودة الى الصفحة الرئيسة