نايف عبوش
واللافت للنظر ان الكثير من الكتاب، والمفكرين، والدعاة، وخطباء المساجد، في تذمرهم من واقع هذا الحال المؤلم، يعزون السبب الى ابتعاد المسلمين عن دينهم وحسب، ويركزون في مواعظهم الى دعوة الناس الى العودة الى الإسلام ، معتبرين ان الرجعة للدين هي الحل الجاهز لكل تلك التحديات. وتتواتر هذه الدعوة في المجالس العامة، وفي خطب الجمعة، وغيرها من المناسبات. ولعل مجرد التوكيد عليها من دون الانتباه الى حقيقة ان المشكلة اليوم في مجتمعنا العربي والإسلامي هي ليست مجرد مشكلة العودة الى الدين، فالمجتمع بعمومه لا زال متدينا، بل ان مشكلتنا مركبة، وبالغة التعقيد، وتتجاوز بتعقيدها هذا التشخيص الاحادي النظرة، وبالتالي فان مشكلتنا اليوم ليست دينية فحسب، مما يعني ان الدعوة يجب ان تنصب على التغير الشامل لواقع الحال المتردي بكل ابعاده على قاعدة (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم). فغياب الامة عن ساحة العطاء والتأثير لقرون طويلة خلت ، وبسبب الفجوة الواسعة بينها وبين البلدان الصناعية التي تعمقت خلال كل تلك العقود التي مضت، وصعوبات ردم تلك الفجوة بالتقدم التلقائي، والتغيير الجزئي، وبسبب تجذر التحديات السالفة الذكر، بالاضافة الى تحديات العامل الخارجي في تعويق الانطلاق، فقد اصبحت الدعوة لمجرد العودة الى الدين فقط، وطرح المشكلة على المسلمين بهذا الشكل الاحادي، ومن دون الاشارة الى كل ابعاد المشكلة بشكل شامل، ربما يكون غير مجدي، ولا يلفت نظر المسلمين الى خطورة الأمر، وجسامة التحديات التي تواجههم في مسيرة نهوضهم المعاصرة.
ولا شك أن الإسلام بما هو دين سماوي ارتضاه الله للناس، هو دين ملائم لكل زمان ومكان، نظريا، وعقديا، على قاعدة: ﴿ إن الدين عند الله الإسلام)، وبالتالي فهو دين كامل بمقياس قاعدة: ﴿ اليوم أَكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾، ومن ثم فإنه دين خال من أي نقص يقتضي طرح تساؤلات بخصوص تحديثه، تمشيا مع ما قد يطرأ على مسيرة الحياة في المستقبل من تغيرات، كما لو أنه موضوع بشري، يفتقر إلى الكمال، ويستوجب المراجعة، والتصحيح، بين الحين والآخر، بذريعة ان الدين يعوق التطور، عند التعاطي مع وجهة النظر المناكفة التي تشكك بجدوى مجرد الدعوة للعودة الى الدين كمنهج للعلاج. ولذلك تظل الحداثة بما هي ظاهرة طارئة وافدة إلينا، لا تعبر بصدق عن واقعنا، باعتبارها إفرازا لحركة الحياة في مجتمع مادي آخر قائم على فرضية الكسب والرفاهية المادية، وبالتالي فإن من الضروري الانتباه الى ان تلقينا لها ينبغي أن ينصب بشكل جاد على أدوات تطوير المكونات المادية اللازمة للتقدم التكنولوجي، والعلمي، والمعرفي في مجتمعنا العربي والاسلامي، بقصد التكيف مع معطيات اقتصاد عصر المعرفة الذي اصبح واقعا راسخا، دون أن نسمح للحداثة أن تكون بمعطياتها الموضوعية معاول هدم فكري جائر لمقومات عقيدتنا الإسلامية، وتقاليدنا العربية، التي صنعت العقل العربي المسلم، الذي أنار حواضر الدنيا يوم كانت تغط في دياجير الظلام، مما يعني ان الإسلام كدين سماوي، ومن خلال الإيقاعات التوافقية بينه وبين العلم، وبين صيرورات التغير والحداثة، يدفع بالمسلم بشكل دائم لكي يتفاعل بشكل مستمر مع الكون والحياة، وفقا لمعايير عقيدته الإسلامية الذي لا ضير ابدا من دعوته لتعميق الايمان بها، وتجديد شحنها بنفحات الايمان، وحثه في نفس الوقت على تفجير طاقة الإبداع لديه، لكي يصنع حضارته المعاصرة، ويمدها بعناصر الاستمرار، ويرفدها بمقومات البقاء، ويؤمن لها مستلزمات التطور والارتقاء من منظور مسؤولية استخلافه الرباني في الأرض، وتكليفه بأعمارها ابتداء، ومغادرة حالة التبعية، وانهاء ظاهرة الاستمرار بالاعتماد على الغير.
ولاجرم ان الاسلام بهذه الحقيقة الساطعة، لا ينطوي على أي تناقض بينه وبين العلم والتغيير على طول الخط، الامر الذي يحتم على الدعاة، والمفكرين، والكتاب، وقادة تشكيل الرأي في الامة، الذهاب باتجاه توعية المجتمع المسلم اعلاميا ودينيا، بان مشكلة واقع حال المسلمين اليوم غدت مركبة الأبعاد، وهي تزداد تفاقما يوما بعد يوم، وبالتالي فانه لم يعد ممكنا النهوض بمعالجتها بمجرد الدعوة للعودة الى الدين وحسب، خاصة بعد ان توقفت الامة عن العطاء لقرون طويلة، وانما يتطلب الامر بجانب الدعوة للعودة الى الدين، ايضاح خطورة بقاء المسلم معتمدا على الغير في كل شيء في حياته اليومية، بدءا من استيراد قلم الرصاص، وانتهاء برغيف الخبز، مما يحتم على المسلم اليوم النهوض بواقعه في كل المجالات، دينيا ، وعلميا، وصناعيا، واقتصاديا، واعتماد مثل هذا التصور منهج عمل للشروع في عملية تنمية شاملة، تأخذ كل ابعاد المشكلة بنظر الاعتبار لغرض المعالجة الجذرية، حيث ليس من الصواب الاكتفاء ببعد واحد منها وحسب.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة