نايف عبوش
المتأمل في الظاهرة البترولية العربية، وخاصة في اقتصادات أقطار الخليج العربي، يلاحظ أنها أصبحت بآثارها الاستهلاكية التراكمية العامة، ومنعكساتها السلبية، ظاهرة استنزافية مزمنة، تمثلت في مظاهر رفاهية مصطنعة، تجسدت بشكل جلي في استيراد كل شيء من الخارج تقريبا، الأمر الذي حجّم التوجهات التدبيرية، في الحس الجمعي العام، وضغط باتجاه العمل على ترحيل الكثير من استحقاقات التنمية المستدامة، التي يتطلب الأمر حضورا مركزيا لعائد النفط العربي في موضوعة التعاطي المباشر معها إلى مراحل تالية، حيث تساوق ذلك مع غياب تنمية قومية شاملة، تأخر معها تحقيق التكامل الاقتصادي البيني بالشكل المطلوب، ورافقها زحف آفة التصحر، وشحّ المياه، وإطلالة شبح العَوَز الغذائي المحدق بالعرب، بانفجارهم السكاني، الأمر الذي ينبئ بمستقبل غير واعد، يخشى أن يرتد فيه الاقتصاد العربي والخليجي على وجه الخصوص، إلى ضنك من الركود المؤذي، اذا ما استمر التواني في معالجة تلك الإشكالات الملحة، ولم يتم الشروع باستراتيجية تنموية شاملة لتكثيف (استنبات) صناعات منتجة بديلة، موازية لظاهرة استنزاف هذا المورد الناضب، لكي تعوض حالة استنفاده في المستقبل غير البعيد كما تشير إلى ذلك الكثير من الدراسات المختصة باقتصاديات النفط.
ولا جرم أن تلك التحديات وأخرى غيرها، تستدعي مغالبة الزمن، باستغلال فرصة اللحظة، باعتبار أن عنصر الزمن، هو الآخر مورد ناضب غير قابل للتجدد، وليس بالإمكان تعويضه، مما يتطلب التعجيل بتفعيل التوظيف قبل نفاد احتياطيات النفط العربي الخليجي، لتنمية الصناعات البديلة، وقبول فكرة النفقات الضائعة في الصناعة ذات العائد الاستراتيجي، التي تشكل حاضنة تفريخ لمخرجات لاحقة ابتداء، من دون تردد، والعمل على استيعاب الكوادر، والكفاءات العربية الخليجية المبتعثة منها والمهاجرة معا، التي استقطبتها سوق العمل في البلدان الصناعية، وبأثمان زهيدة، إذا ما قورنت بكلفة فرصة أعدادها البديلة، والعمل على إحلالها محل العمالة الأجنبية الوافدة التي أفرزتها الظاهرة البترولية الريعية، باعتبار أن تلك الكفاءات هي الرأسمال البشري العربي المؤهل للتوظيف الفوري، ولا يحتاج إلى إعداد.
وهكذا فإن ترشيد ظاهرة الاستهلاك الترفيهي، ولا سيما في أقطار الخليج العربي، التي أفرزتها الظاهرة البترولية، والعمل على مغادرة ظاهرة التواكل، والتعكز على اقتصاد الريع النفطي، في توفير الرفاهية اليومية، يتطلب الشروع باعتماد تنمية خليجية قومية شاملة، تنهض بالتصنيع، في كافة قطاعات الاقتصاد العربي على عجل، من خلال المباشرة باعتماد استراتيجية (تفريخ) بدائل ملموسة بأولويات محددة، مع مراعاة الانتفاع من الأطر والكفاءات العربية، وتنمية رأس المال المنتج البديل للنفط، لمواجهة تحديات مرحلة ما بعد نفاد البترول القادمة إلينا في يوم لا ريب فيه
ملاحظة: المقال منشور على موقع الوكة
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/Culture/0/68275/#ixzz2wnN27oVP
للعودة إلى الصفحة الرئيسة