نايف عبوش
الزهيري كما هو معروف، من ألوان الشعر العربي في العراق، وعدد من الأقطار العربية. وقد شاع نظم الزهيري باللهجة العامية. وينتعش الان في الديرة من ريف اطراف جنوب الموصل، والشرقاط، نظم الزهيري بالعامية بشكل ملحوظ، لما له من ايقاع خاص في وجدان المتلقي، وما يتركه من اثر واضح في تحريك شجن السامع، وخاصة اذا ما كان النص مكتضا بمفردات تراثية جذابة، يلتقطها الشاعر بتلقائية سلسة، وفطنة رشيقة، وحس مرهف، من صميم دارج لهجة القوم عند نظمه الشعر الشعبي.
ولعل اقتدار الشاعر في استنبات مرموزاته الشعرية، كواحة غنّاء من تجليات تلك المفردات لحظة استيلاده النص، يمكّنه من ايقاد إحساس متلقيه وجدا، في تفاعلهم مع صور تلك المرموزات المنسابة في قريضه الشعري، حيث تستهويهم المفردات التراثية الشعبية المدسوسة عمدا في داخل بنية النص، بدلالاتها الايحائية، وما يترتب عليها من تجليات متدفقة في أذهانهم.
ولا غرابة في ان يتميز البعض من شعراء الديرة في توظيف المفردة الشعبية في بنية نصوصهم بمهارة عالية، ويفلحون في استفزاز وجدان المتلقين من اصحاب الذوق الرفيع، في وسطهم الأدبي الشعبي. فالشاعر الشعبي هو نتاج قروي النكهة، في العادات، والسلوك، والاندماج الوجداني مع ربعه الآخرين، وبالتالي فان انجذابه إلى ثقافة وتقاليد الريف، تظل من دون شك عاملا مؤثرا، في تكوين نمط أسلوبه الشعري، باعتبارها خميرة تلك النشأة الماثلة في مخيلته، والمستوطنة في وجدانه، حيث تنعكس بنظمه الزهيري وغيره من الوان الشعر انثيالات تخاطرية بحس مرهف، وفي جو من رومانسية متجانسة مع ارهاصات تلك البيئة.
وقد تجلت فحولة البعض من شعراء الديرة بنظم الشعر العامي في تمكنهم من توظيف المفردة العامية التراثية في نصوصهم بأعلى درجات البلاغة، مع ان الكثير منها قد اندثر، وخرج من دائرة الاستخدام اليومي بالحداثة مع الزمن. ويمكن ان نتلمس جماليات التوظيف الابداعي للمفردة الشعبية في نصوص الزهيري المعاصرة بسهولة، حيث نجد على سبيل المثال، ان الشاعر احمد علي السالم (ابو كوثر)، قد نجح في توظيفها بمهارة عالية في الكثير من نصوصه التي منها قوله:
راحن ليالـي السـعادة يا حمد ما يجـن
رمدن عيوني وعكب كت الدما ماي اجن
افطن عليهم و يوجعني الجـرح ما يجن
ليلي عليهــم وادور للـجرالـي طـب
والسكم هدم اركاني وعلى عظامي طب
راحوا الجانو طبعهم يزرعون الطيب
عفية على العقل صاحي ياحمد وما يجن....
في حين نجد ان الشاعر المبدع عواد التبان هو الاخر يوظفها في نصوصه بشكل مدهش، كما يتضح في بيت الزهيري التالي من نظمه حيث يقول :
مر دار خلك حزين غروب ول بيـــــــــــها
وحرم لبنــــــــــها ولذيذ الزاد ولبيــــــها
مبيـــــــن عليها عكب خلانها البيــــــهه
الجانوا ونسها وهرجها وضولها وعنها
اكفوا.. وزادوا ونين ارويحتي وعنــــها
يالمذهب.. دواك صدج بالبعد عنـــها
عكب الغــــــوالي هجام الدار والبيـــــها......
اما الشاعر الفحل في نظم الزهيري، الاديب المبدع بيج الماجد، فقد برع بحق في التوظيف بشكل مذهل حيث يقول:
واني بطمطام همي بروجهم.. ماجوا
الجانوا ذرايه شعجب من دلهمت ماجوا
ميهم لغيري حلو..ويوم اعطشت ماجوا
دمّوا ابيار المودّه.. وضاع ماصلها
وكاس المفارك بسم الداب ماصلها
الدار الجفتني حرام الحرم ماصلها
مادام ناديت.. واني بالخطر ماجوا....
ومن دون الخوض في تفاصيل المفردات التراثية الشعبية الموظفة في تلك النصوص ببراعة،يلاحظ المتلقي، والقارئ، والناقد،ان القفلات فيها هي خير امثلة على ابداع التوظيف.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة