نايف عبوش
أخذ موضوع (تراجع اللغة العربية) يثير قلق الكثير من الكتاب، والمثقفين، والمؤسسات المهتمة بالحفاظ على اللغة العربية، وحمايتها من هذا التراجع، نتيجة الحال الكارثية التي وصل إليها واقع تعاطينا مع لغتنا العربية، ولاسيما في ضوء نظرة البعض الدونية لهذه اللغة البليغة، عندما أصبح لا ينطق كلمة عربية الا وردفها باثنتين إنكليزيتين.. شعورا منه بعقدة النقص ازاء تصاغره بهوس تعاطيه مع مفردات العصر المعلمة باللغة الانكليزية في اغلب الاحيان.
ولعل فيما اشار اليه مختصون بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة المنورة خلال محاضرة نظمها نادي المدينة المنورة مساء يوم 27\12\2013 بعنوان (اللغة العربية.. لغة القرآن واللغة الخالدة) من ان (من أهم أسباب تراجع قدرات المعلمين في تعليم اللغة العربية وتحبيب الدارسين بها، هو الشعور بـالهزيمة النفسية حيال وضع اللغة الراهن)، ما يؤكد حقيقة هذا الحال المزري من تراجع اللغة العربية. ولاريب ان الامر يكتسب اهمية استثنائية عندما يأتي مثل التشخيص من متخصصين بالموضوع، ومن اصحاب الشأن المعنيين بأمر اللغة العربية، وخاصة عندما تتم الاشارة بشكل صريح الى تلك النظرة المتشائمة التي تسود في اوساط واسعة بين ابناء الامة المهتمين بالحفاظ على اللغة العربية. ولا جرم ان شيوع ظاهرة استعمال الأحرف اللاتينية بدل الأحرف العربية في الكتابة مؤخرا، وإسقاط الإعراب في الكتابة والنطق، واصطناع لغة عربية تكتب بحروف لاتينية، سماها البعض (بالعربيزي)، وأطلق عليها اخرون (الفرانكو - أراب)، والتي شاعت في الإنترنت باسم لغة الدردشة (الشات)، وهي لغة هجينة مصطنعة، مكونة من كلمات عربية، وأخرى إنكليزية، مكتوبة بأحرف لاتينية، وتستخدم الأرقام من (1-9) للتعبير عن بعض الأحرف باللغة العربية غير الموجودة باللغة الإنجليزية، يشكل تحديا ذاتيا خطيرا في مجال مسخ اللغة العربية، وتراجع مكانتها، حيث يلاحظ أن هذه اللغة المصطنعة انتشرت بسرعة هائلة، وعلى نطاق واسع، بين الشباب العربي اليوم، حتى باتوا يستخدمونها للدردشة في مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، والرسائل القصيرة عبر الهواتف النقالة، دون التفات إلى مخاطرها في تشويه فصاحة اللغة العربية، وتداعيات إقصائها عن الاستخدام، مما يهددها بفرنجة مقرفة، ورطانة لاحنة، تؤثر على سلامة اللغة العربية بمرور الزمن، وهو امر يعمق من دون شك، الاحساس بالتشاؤم تجاه محاولات اصلاح الحال والنهوض به .
وتأتي دعوات إحلال اللغات الأجنبية بدل اللغة العربية في تقنيات التواصل المعاصرة، والتدريس الجامعي، واعتماد تعليم اللغات الأجنبية منذ الصفوف الأولى في مدارسنا على حساب اللغة العربية، بذريعة أنها لغة صعبة، ومعقدة وغير سهلة التعلم، مما تسبب في نفور كثير من الدارسين عن تعلم اللغة والتعمق في مفرداتها، وبالتالي فأنها بمقتضى تلك المزاعم لا تتماشى مع متطلبات العصرنة، مما يصرف الناس عن تعلمها، والتحدث بها، والركون إلى استخدام لغة بديلة، الامر الذي مهد السبيل لشرعنة دعوة البعض إلى التوسع في استخدام اللهجة العامية في التداول بدلا من الفصحى، وخاصة في الخطاب الإعلامي، ونشرات الأخبار، لتزيد هوة التشاؤم بمستقبل اللغة العربية. ومع انه يمكن مشاركة اصحاب هذا المنظور تأسيهم المؤثر على الحال المنهك الذي وصلت اليه اللغة العربية، والذين دفعتهم خشيتهم على اللغة لوصفها بالضعف، والانحطاط، بسبب تلك التحديات، ونقدر لهم حرصهم الوجداني على اللغة العربية، وحرقة قلبهم عليها، فإنه لا بد من الاشارة الى ان هناك مساع كريمة هنا وهناك للارتقاء بواقع هذا الحال المنهك، إلى افق مستهدف أفضل، الأمر الذي يدعو إلى التفاؤل بمستقبل واعد للغة العربية يبشر بالخير. كما انه ينبغي ان لا نسقط من حسابنا بان اللغة العربية هي لغة القران الكريم الذي تكفل الله تعالى بحفظه الى ان يرث الارض ومن عليها على قاعدة (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وبالتالي فانه ينبغي ان تترسخ في قلوبنا القناعة التامة، والثقة المطلقة بأنها اللغة العربية لن تنقرض، ولن تموت مهما عصفت بها التحديات. وفي كل الاحوال فانه لابد من التحرك الجمعي ضمن خطة عربية مركزية مدروسة، لبلورة مشروع قومي للنهوض باللغة العربية يرتكز على قاعدة تعريب الدراسة، والتعليم في المدارس الجامعات والمعاهد العربية، والتركيز على توعية الشباب بمخاطر اعتماد لغة الدردشة في التخاطب بدلا من العربية الفصحى، والعمل على اعتماد تداول اللغة العربية الفصحى في محيطها كلغة التخاطب، والتدريس، والتعامل، وتعميق مبدأ الاعتزاز بها، باعتبارها من أهم مرموزات الهوية العربية.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة