نايف عبوش
كان مجتمع الريف وحتى الامس القريب، يزخر بالعوارف، والرواة، والحكواتيين، والمغنين، والأدباء، والشعراء، وأضرابهم. وقلما كان يخلو مجلس للقوم من تواجد واحد من هؤلاء السمار. ويعد المرحوم عبدالله السبيعي من بين ابرز عوارف قبيلة الجبور. وكما يذكر الرواة عنه، فقد كان يمتلك فراسة ثاقبة يندر وجودها لدى الاخرين، حتى ان القوم كانوا يوكلون اليه مهمة القيافة عندما يحتاجون التأكد من نسب الاغراب. ومن الشواهد المتداولة عن فراسته، انه كان في يوم من الايام ممتطيا صهوة جواده، وبينما هو مقبل على مجلس القوم في قرية السيد حمد، تواطؤوا فيما بينهم لعمل مطب له، واتفقوا على عدم رد السلام عليه اذا القى عليهم التحية، ليختبروا دهاءه، ويروا ماذا سيكون رد فعله. فما ان اقترب منهم، ودخل عليهم المجلس، حتى انس بفراسته الثاقبة من ملامح وجوههم التي اصطنعت التجهم ، والعبوس، انهم سوف لن يردوا السلام اذا القاه عليهم، فاخذ مكانه من المجلس بثقة عالية بنفسه، وجلس دون ان يسلم عليهم، فأخذتهم الدهشة، وبادروه بالسؤال يا اخا القوم، ما بالك لم تلق السلام علينا هذه المرة على غير العادة، وكما هو طبعك دائما؟ ، فأجابهم اني قرأت في وجوهكم العابسة أمرا مبيتا فحواه عدم رد السلام علي اذا ما سلمت عليكم هذه المرة، فقررت ان الزم الصمت، ولا القي عليكم تحية المجلس. عندها ضحك الجميع، وقصّوا عليه ما بيتوه له من نكاية على سبيل النكتة، لاكتشاف نفاذ بصيرته، ودقة عرافته، واعترفوا له بقوة بداهته، ونجاحه في الاختبار، وتفوقه على مقلبهم الذي اعدوه له، وقاموا بمصافحته بحرارة، وملاطفته بمودة، واستأنفوا مقابستهم .ـ
عودة الى الصفحة الرئيســة