نايف عبوش
كان العراقيون كما يقول الباحث أ. د. عبدالعزيز أمين عرار في بحثه الموسوم (دور الجيش العراقي في معارك فلسطين 1948) يعارضون التفاوض مع اليهود، ولكنهم أمام موافقة الدول العربية عقد هدنة مع اليهود، وشعورهم بإمكانية التآمر عليهم، حيث تخطط إسرائيل للانقضاض على القوات العراقية المرابطة في منطقة المثلث الفلسطيني، اذ أرسل إلياهو ساسون رسالة للملك عبد الله بين فيها خطته للانقضاض على الجيش العراقي إذا بقي مرابطا في منطقة المثلث الفلسطيني (نابلس وأقضيتها، جنين، وطولكرم، وقلقيلية)، وقد تسربت الأخبار للعراقيين الذين اختاروا أخيرا الانسحاب. ويستطرد قائلا: ومما جرى في قرية الطيرة الصعبية حسبما تناوله المناضل عبد الرحيم عراقي في كتابه (لا تخف)، وتوقف اطلاق النار في 3/4/1948، كان العراقيون ينتحبون كالنساء وهم يقولون: ماذا نقول لأمهاتنا؟ وقد أوصيننا أن لا نعود الا بتحرير فلسطين، وإرجاع اللاجئين لبلادهم، أنقول بعناها أم سلمناكم؟ ثم يضيف، وبسبب انسحاب الجيش العراقي، هاجت مشاعر الفلسطينيين، وشكلوا وفودا ذهبت إلى عمان لمقابلة قائد الجيش العراقي نور الدين محمود لتطلب استمرار بقاء الجيش في مناطقهم، لأن الجيش الأردني قليل، ولا يستطيع بانتشاره حماية هذه المناطق.
ويروي الباحث انه شارك زهاء 800 عراقي في قوات المتطوعين العرب، في حين بلغ عدد جنود الجيش العراقي في قمة مشاركته في المرحلة الثانية عشرة آلاف جندي، وبأنه لولا تدخل الجيش العراقي وصده للهجمات الصهيونية لما كان باستطاعة سكان تلك القرى الصمود في أراضيهم. بل أن الشهادات تؤكد أيضاً حسن معاملة الضباط والجنود العراقيين للسكان لدرجة أنه في بعض المناطق التي كانت تعاني الشح الشديد بالأغذية، كان الجنود العراقيون يتقاسمون مع السكان الأغذية والمؤن... ولعل الاحتفال الوداعي المهيب الذي نظمه سكان باقة الغربية لوداع الضباط والجنود العراقيين الذين رابطوا هناك حتى اتفاقيات الهدنة وتسليم المثلث لإسرائيل كما يشير الباحث، لهو الإثبات الدامغ على ما ربط الفلسطينيين وجنود الجيش العراقي الذين دافعوا عنهم من وشائج المودة، والمحبة، والتقدير. فلقد خاض جيش العراق معارك عديدة تستحق الاحترام، وأهمها معركة جنين، وكانت الجبهة العراقية نشيطة حتى خروجهم من فلسطين. وفي الاشارة الى الشهداء يقول: كان مجموع ما فقدته القوات العراقية، وقوات المتطوعين العراقيين في فلسطين 131 شهيداً، بالإضافة الى مئات الجرحى الذين سقطوا على خطوط الجبهة الطويلة التي تواجد فيها العراقيون. ويورد المؤرخ عارف العارف كما يقول الباحث، أسماء الشهداء العراقيين وهم 199 شهيدا، ومنهم عشرة ضباط، والباقون صف ضباط، وجنود، وقد ذكر منهم 176 ، أما الباقون فلم يهتدي لأسمائهم، ولا مواضع استشهادهم.
ولكل تلك الحيثيات، يلاحظ على سبيل المثال، ان المواطن العراقي خصوصا، والعربي عموما، كان عندما يسمع الاغنية الوطنية الشهيرة (اخي جاوز الظالمون المدى) التي يؤديها الفنان الكبير محمد عبد الوهاب، والتي منها قول الشاعر:
وقبّل شهيدا على ارضها دعى باسمها الله واستشهدا
ينشد لها كثيرا لما تثيره من حماس وطني مرهف في نفسه، حيث يستذكر باعتزاز المكانة الرفيعة للشهداء على ارض فلسطين، حيث كان الجمهور يحيط الشهداء بهالة عالية من الرمزية في وجدانه الجمعي. ولذلك تجدني ما ان قرأت البحث، ومررت بقائمة اسماء شهداء الجيش العراقي البطل في حرب فلسطين عام 1948، ومتطوعيه الشهداء من المجاهدين العراقيين في جيش الإنقاذ، حتى تملكني شعور غامر بعظمة الموقف، وجلال التضحية، لاؤلئك الابطال الميامين، الذين رووا بدمائهم الزكية ارض فلسطين، دفاعا عن عروبتها ضد المحتل الصهيوني الغاشم. وزادني الموقف اعتزازا، وشموخا عندما وقع نظري على تسلسل ( 4 ) من بين الشهداء، وهو الشهيد أحمد حسين، الموصل، جنين 3/6/48، من جنود الفوج الثاني، اللواء الخامس، المعروف في وسطه الاجتماعي بلقبه (أحميد الدهوك)، حيث هو من ابناء قرية السفينة، من قرى ارياف اطراف جنوب الموصل. رحم الله شهداء الجيش العراقي الذين سقطوا دفاعا عن فلسطين، ورحم الله كل اخوانهم من الشهداء الاخرين.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة