ابداع التوظيف.. وشجن تخاطر المتلقين
نايف عبوش
امتاز الشاعر احمد على السالم، المعروف في وسطه الأدبي، والاجتماعي، بكنيته الشهيرة (ابوكوثر)، بقدرته العالية على نظم الشعر العمودي، والشعبي معا، بتلقائية سلسة، وانسيابية رشيقة، وحس مرهف، مكنته من استنبات مرموزاته الشعرية المتنوعة، واحة غناء من الرؤى المتوجدة، يتألق معها إحساس متلقيه وجدا، في تفاعلهم مع تلك المفردات عند تلقي قريضه الشعري، ولاسيما العتابة، والزهيري، وبتخاطر عجيب ملفت للنظر، حيث تستهويهم المفردات التراثية الشعبية، المتمحورة في داخل بنية النص بكل دلالاتها، الايحائية، وما يترتب عليها من تجليات متدفقة في أذهانهم، عندما افلح في توظيفها بمهارة عالية، في استفزاز وجدان المتلقين من اصحاب الذوق الرفيع، في وسطه الأدبي الشعبي منه، والأكاديمي على حد سواء. ولا غرابة في ذلك، فالشاعر ابو كوثر، هو نتاج قروي النكهة، في العادات، والسلوك، والاندماج الاجتماعي مع ربعه الآخرين، وبالتالي فان انجذابه إلى ثقافة وتقاليد الريف، كانت عاملا مؤثرا، في تكوين شخصيته الاجتماعية، وتحديد نمط أسلوبه الشعري، وبذلك ظلت خميرة تلك النشأة ماثلة في مخيلته، ومترسخة في وجدانه، حتى انعكست بتلهف مجالسيه لسماع الزهيري، والعتابة منه، كلما حظوا بمجالسته، ومسامرته، وتعطشهم بشغف للاستمتاع بالمزيد، بحس تخاطري مرهف المشاعر، وفي جو من رومانسية متجانسة يندر تشكلها في قريض غيره.ـ
ويأتي في هذا السياق نص الزهيري الذي نظمه في مناقب الاخيار من القوم، وكان قد ارسله برسالة نصية الى الاديب الشاعر
(الشيخ الدكتور حسين اليوسف المحيميد الزويد) يقول له فيه:
الصاحب الزّين تِلكاه بالفِضا والْهَـمّ..
ما يفتَهِجْ لو كلت هاك الصبر واِلهَمْ..
اهل الكفوف الشحيحة زيحْهُمْ وَلْهُمْ..
وعليك بالحيد يوم الموزمة والحُرْ..
الما يعتذرعن بردها وكيضها والحَـرْ..
عالمثلهم ما يعوفون الخوي والحـار..
تسكط عليهم دموعك مو سجية اِلْهام...
ولجزالة نظم هذا الزهيري، وللحس الوجداني المرهف للشيخ الدكتور حسين اليوسف الزويد، حيث يتذوق النظم بشاعريته المرموقة، كونه شاعرا متميزا، وأكاديميا بارعا، على درجة عالية من الثقافة الأدبية، بشقيها التراثي، والمعاصر، وله اهتمام كبير بالتراث، فقد بادر بإرسال النص الى الشيخ راسم المهيري ليتذوقه، بما يحدسه لديه من الذائقة الرفيعة، والذي سارع بمقتضى انفعاله بجودة النص ،للاتصال الشخصي هاتفيا بالدكتور حسين فور انتهائه من قراءته، مشيدا بجزالة نظم هذا البيت،مبديا اعجابه بمضامينه، ومفرداته، دون ان يعتمد الرد برسالة.
ولعل من قبيل التوافيق الإيقاعية أن يردني هذا الزهيري برسالة قصيرة في وقت متأخر نسبيا من مساءات احد الايام، من الشيخ الدكتور حسين اليوسف المحيميد الزويد، وأنا مستغرق في لحظة تأمل متمعنة لمستقبل تعاطينا مع التراث، فيبدد من خاطري كل الهواجس السوداوية، عندما انست نجاح الشاعر المبدع ابو كوثر في توظيف المفردة الشعبية بمهارة في نصه، وتفتق قريحته بإبداع نظمه على نحو خلاق، يبعث على الانشراح.
ولا ريب ان توفر وسط اجتماعي رفيع الذوق، ومتمكن من تمثل تلك النصوص الراقية بحس شاعري متجانس، وتداولها باعتزاز بالغ، هو ما ساعد في خلق بيئة ادبية شعبية رصينة، قادرة على التفاعل بايجابية مع النصوص، وتلقيها بإقبال وجداني متألق، يتناسب مع قوة ايقاعها في مسامع افراد ذلك الوسط، في عملية تخاطر جمعي متداخل الأبعاد، يعكس مستوى متقدما في الذوق، ويؤشر سموا راقيا في المعرفة التراثية.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة