نايف عبوش
احتل الزهيري والعتابة نظما، وتداولا، مكانة خاصة، واهتماما بالغا في اوساط بيئة الريف، والبادية، بما هما افراز تراثي لثقافة تلك البيئة، سواء في منحى تجسيمهما المرموزات المعنوية بما تركه الاهل من تراث الكرم، والشجاعة، والمروءة، وغيرها من تقاليدهم الحميدة، او ما يتعلق منهما بنوازل الحال، او الحب، او التعايش مع الطبيعة، مما يتساكن في الذاكرة الجمعية الشعبية للقوم منها، ويستوجب من ابن الريف من ثم، التغني باحساسه المرهف بنفحاتها عتابة، او زهيريا.
لذلك نجد ان ابن الريف يظل مغرما بالعتابة، والزهيري الى حد العشق، ويتملكه الاعتزاز بما ينظمه منهما، باعتبارهما تجليات وجدانية لمشاعره المرهفة، تستولدها لحظة التفاعل مع الحال في حينه. وبسبب بلاغة العتابة والزهيري في التراث، فقد شاع تداولهما بين الناس، ورددهما الكثير ممن تعرضوا لحال مشابهة لحال قائلهما، او حتى لمجرد التذوق بجودة النص، وحلاوة مدلولاته. ولهذا فقد اديتا على الرباب، والناي، وخاصة منها تلك النصوص عالية النظم، ورفيعة المعاني، وسامية المدلولات. ولكل ما تقدم فقد كان مؤلف النص من ابناء الريف يحرص على ان ينفرد بالنظم، ولا يشاركه فيه احد، لان النص هو هوية قائله، وينتشر بين الناس باسمه. ولكن يصادف احيانا ان تخون القريحة الشاعر في الاستيلاد في اللحظة، فيتعطل اللسان عن القول تماما، بعد ان يكون الشاعر قد قال نصف البيت، او ثلثيه، فيضطر عندئذ لانتظار لحظة استيلاد المتبقي، وما لم تسعفه الذاكرة، فعندئذ لا مناصة له من ان يستعين بأقرانه الفطاحل من الشعراء لاستكمال البيت، حيث التخاطر الوجداني، والاحساس المرهف بوحدة المقصد، وتماثل ارهاصات الحال، يجعله يستكمل الاشطر الناقصة بنفس الحس، والدرجة من البلاغة من دون تكلف، ومن دون منقصة على القائل فيما شاع من عرف، وهو ما حصل مع الشاعر المبدع الدكتور حسن اليوسف الزويد عندما نظم بيت الزهيري التالي، في لحظة من التأمل، حيث قال في سياق تأسيه على حال اعمدة القوم عندما تجري الرياح عكس سفينتهم:ـ
الوكت مصلف على الطيبين ومجافي صاروا حيارى شبيه لحالها ام جافي وهموم نكثة ركدهن صابها ام جوفي لكنهم للأبد ما دنكروا هامة ظلوا حمايل ولا لانت لهم هامة...ـ
وخانته القريحة فجأة، ولم تسعفه في اكمال الشطرين الاخيرين، وعندها استنجد بشاعر الزهيري الفحل حسن الجار، شقيق الملا ضيف الجبوري، الذي بادر حالا لاستكمال الشطرين بإحساس مرهف متطابق القصد تماما مع مراد الشاعر حسين اليوسف الزويد في بيت الزهيري فقال:ـ
علمثل ذوله عويلي ولوعتي وهمه ذخري ومرهم لجرحي النوسر وجافي...ـ
وهكذا تم اكمال نظم البيت ليكون نصه كاملا كالآتي:ـ
الوكت مصلف على الطيبين ومجافي صاروا حيارى شبيه لحالها ام جافي وهموم نكثة ركدهن صابها ام جوفي لكنهم للأبد ما دنكروا هامة ظلوا حمايل ولا لانت لهم هامة علمثل ذوله عويلي ولوعتي وهمه ذخري ومرهم ال جرحي النوسر وجوفي...ـ
ومع ان الشاعر الشيخ الدكتور المهندس حسين يوسف المحيميد الزويد ذو اختصاص اكايديمي، ويحمل شهادة عليا في الهندسة، الا انه امتاز بقدرته العالية على نظم الشعر بأنواعه العمودي، والشعبي، بتلقائية سلسة، وانسيابية رشيقة، وحس مرهف، وتمكن من استنبات مرموزاته الشعرية المتنوعة، من خلال نجاحه في توظيف المفردات التراثية الشعبية في داخل بنية النص بكل دلالاتها، الايحائية باقتدار واضح، كما يلاحظ من نص بيت الزهيري اعلاه، وما ترتب على تلك الميزة من تجليات متدفقة في أذهان متلقيه، حيث انعكست وهجا في استفزاز وجدان زميله الشاعر المبدع حسن الجار بنفس الاتجاه دون عناء، وفجرت قريحته لاستكمال نظم البيت.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة