نايف عبوش
هجرة الكفاءات العربية تطرح ظاهرة النقل المعاكس للكفاءات العربية، المتمثلة بهجرة الأدمغة، إلى خارج ألوطن، وتحديات استقطابها للعودة إلى البيئة العربية الأم، في غياب استراتيجية عربية موحدة واضحة المعالم، لاستيعاب هذه التناقضات، مشكلة معقدة، وبالغة الأهمية، تواجه صناع القرار السياسي العربي، والمهتمين بالشأن الأكاديمي، في الجامعات، والمؤسسات المعنية، بتنمية موارد التعليم العالي العربي. واذا كانت الحاجة قائمة اليوم إلى أصحاب الكفاءات، في عملية التنمية الوطنية، وزجها في مختلف أنشطة قطاعات الاقتصاد القومي، فانه لا بد من القول، بأن عملية صنع الكفاءات الوطنية العربية، ينبغي لها أن تؤطر بتصور تنموي كلي يرتكز على رؤية شاملة، تضع في الحساب، البعد الأكاديمي، والبعد التنموي معا، في صلب اهتمامات صانع القرار، عندما يلج هذا المجال الاستراتيجي المهم، لعملية التنمية. وبالتالي فإن مقاربة التعامل مع العلم والتكنولوجيا، بالتوازي مع ولوج عملية التصنيع، تتطلب أن تكون عملية تكوين الكفاءات والأطر الوطنية، تخطيطا وتنفيذا، وفقا للاحتياجات الوطنية الحقيقية، بحيث يظل هدف استقطاب الكفاءات وتوطينها، والحد من تسربها بالهجرة إلى الخارج، هاجسا تنمويا مركزيا، في سلسلة أوليات صناع القرار. ولا بد من الإشارة إلى أن تفعيل آليات الترابط الأمامي والخلفي، بين الجامعات، كمراكز لصنع الكفاءات، وحواضن استيعاب طبيعية لها، وبين القطاعات الصناعية، ومرافق الاقتصاد القومي الأخرى، كبؤر للاستخدام في إطار عملية تنمية شاملة، يجب أن تكون أحد المعايير الأساسية في مجال تقييم سياسات تكوين المهارات والكفاءات العربية، بما يساعد، في توليد بيئة (علمية- صناعية) عربية، متكاملة الحلقات، ومترابطة الوفورات، تتفادى عشوائية التكوين الأكاديمي، في ضخ كفاءات فائضة عن الحاجة، تساهم في مفاقمة عملية التسرب والهجرة، وتضع العقبات في طريق عملية الاستقطاب المتوخاة. لذلك فإن التركيز على اعتماد سياسة التعشيق، بين الجامعة، ومراكزها الاستشارية، وبين القطاع الصناعي والمجتمعي، وفي إطار عقدي مؤسساتي تكاملي، يتجاوز سلبيات التعاقدات الفردية، يمهد لاستنبات بيئة عمل مناسبة، ومضمونة الفرصة الاستيعابية، تزيد من شحنات استقطاب الكفاءات المهاجرة التي تحتاجها تلك المرافق، وتحد من عميلة تسربها في نفس الوقت. وإذا كانت البلدان العربية، تعاني من صعوبات تكوين الكفاءات العلمية، والأطر الفنية، فأنها تعاني في الوقت ذاته، من إشكالات تسربها، بهجرة الأدمغة إلى الخارج، سواء بسبب عدم توفر بيئة محلية حاضنة، أو بسبب الإغراءات، وسياسات الاصطياد، بالإضافة إلى تداعيات الإحلال بالعمالة الوافدة المنافسة، فإن المطلوب الآن، من صناع القرار في البلدان العربية، وفي إطار تنامي الشعور بالحاجة الحقيقية، لاستقطاب الكفاءات، والخبرات الوطنية، باعتبارها موارد وطنية متسربة، تمثل هدرا في الاستخدام، بغض النظرعن تداعياتها الاجتماعية والسياسية، أن يعتمدوا استراتيجية عمل عربية موحدة، واضحة المعالم، لاستجلاب الكفاءات العربية المهاجرة دون تأخير، باعتبارها رأسمالا عربيا، وثروة قومية مهدورة ينبغي ترشيدها، والعمل على استقطابها، والمحافظة عليها من التسرب، والحد من نزيفها المستمر، بالهجرة إلى الخارج. رابط الموضوع
ملاحظة: المقال منشور على موقع : ألوكة
للعودة إلى الصفحة الرئيسة