نايف عبوش
الشاعر الكبير معد الجبوري، كما معروف، من كبار الشعراء الذين اعتادوا نظم الشعر بالفصحى،وبأعلى درجات الاقتدار.وقد اكد الشاعر نفسه هذه الحقيقة من أنه ليس من أرباب الشعر العامي،كما قال في مقدمة قصيدته باللهجة الموصلية العامية (بوسي وشمي) المنشورة في موقع بين الموصل بتاريخ 23 |10|2013 . ولا اعرف انه كتب الشعر بالعامية الا ما ذكره هو من نتف، اشار اليها في تعليقه على مداخلتي على تلك المقالة.
واذا كان الشعر العربي قد ترعرع في بيئة عربية ناطقة بالفصحى النقية باديء ذي بدء، فان اسلوب نظمه بها ظل من اهم مقاييس اقتدار الشاعر، وسمو ذوقه الوجداني، وأصالة تعبيره عن احساسه المرهف. وغالبا ما ينظر الى جنوح الشاعر لأرتجال الشعر الشعبي، والنظم بالعامية على انه عملية تعويض نكوصية، عندما لا تحضره الولادة بالفصحى في اللحظة، حيث يختزل ذلك الاستسهال، الكثير من رصيد اقتدار الشاعر الإبداعي، لنظم الشعر بالفصحى، عندما يضطر للأنكفاء إلى قريض العامية، حتى وان تم ذلك بذريعة ان الشاعر لا يجد ذاته متحققة وجدانيا، وبتماه كلي، مع البيئة المنشئة لها، الا في منعطفات المحلية الضيقة لمكان عوالم الهام شعره بالعامية، مما يغوي بالتصاقه بعاميته، في الوقت الذي ينبغي ان يتخطى الشاعر حواجز تموضع العامية المحلية، المحدودة الفضاءات، والمغلقة الأسوار، بما يمكن أن يضعه عنذاك، في صفوف فطاحل من يعاصرهم من شعراء الفصحى الأفذاذ.
لكن الشاعر الكبير معد الجبوري، وهو خنذيذ نظم الشعر بالفصحى، كما هو معروف، فاجأ الجميع بهذه القصيدة العصماء، عندما كتب نصها الرائع بالعامية الموصلية الصرفة، في لحظة المزاج التي حفزت فيها كلمات زميله مشتاق الدليمي مزاجه الشاعري لنظم هذه القصيدة الابداعية، معبرا عن اقتدار ابداعي واضح في طرق كل الوان الشعر، ليظل شاعرا فحلا بحق. وبالإضافة الى ذلك، فقد تجلت فحولته بنظم الشعر العامي في تمكنه من توظيف المفردة العامية الموصلية في الاستخدام في هذه اللهجة، بأعلى درجات البلاغة، مع ان الكثير منها قد خرج من دائرة الاستخدام اليومي بالحداثة، مع الزمن.
وربما يكون الشاعر المقتدر معد الجبوري قد جسد عن عمد ظاهرة الابداع في نظم الشعر بأنواعه المختلفة، على طريقة الصقر الذي لا يهوي من القمة منكفئا الى السفح، الا لكي يرد الماء زلالا من الشاطيء، او يصطاد طريدته، ثم يعود الى القمة على عجل، حيث اعتاد
ان يستقر في وكره هناك.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة