والذاكرة التاريخية للمدينة
بقلم : احمد عبد الله الحسو
منذ صدور مجموعتها القصصية الاولى ( رمادية ) عن دار الفارابي اللبنانية سنة 2011م والتي ضمت اثنتي عشرة قصة، ثم روايتيها اللتين اصدرتهما بعدها خلال السنتين التاليتين وهما :( بياض الليل سواد النهار) و( الموت للحياة ) ،استطاعت كتابات الروائية العراقية غادة صديق رسول ،ان تمس شغاف القلوب وتثير مكامن الذكريات وتعيد الى الاذهان ما هو جدير بالاستذكار والتوثيق في تاريخ مدينتها الموصل ومعاناتها جراء الغزو الامريكي البغيض، مثلها في ذلك مثل اية مدينة عراقية اخرى. يقول الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف في مقال نشر له في جريدة المدى بتاريخ 22-02-2012م ،مبديا اعجابه وتأثره بهذه المجموعة القصصية التي حملته الى اماكن شبابه ( في محلة تعد من أقدم محلات الموصل ... محلة رأس الكور والتي بنى فيها العرب المسلمون سنة 637 (16 هـ) حين دخولهم المدينة أول جامع له منارة جميلة تحمل طرازا فريدا في البناء، إنه الجامع الأموي أو ما يسمى اليوم جامع مصفى الذهب.)
في هذا المقال اشار سعد الدين خضر الى ان الرواية (في تمظهراتها السردية تعكس محلية صميمية..، محلية موصلية مألوفة ) واعتبر ذلك امرا طبيعيا سلكه كثير من الروائيين ؛ عربيا وعالميا، وانه لا يعني تضادا مع العالمية، فقال : (...لا بأس أن ينطلق الكاتب من بيئته الخاصة وتجربته الحياتية الذاتية في مكان ما..، ولعل أنموذج «رسول حمزاتوف» في منجزه الأبداعي «داغستان بلدي» يعبر أصدق تعبير عن التناغم، لا التضاد ، بين المحلية والعالمية تلك الثنائية الابداعية التي شهدناها في الكثير من الأعمال الروائية العالمية ، مثل رواية مارغريت ميتشل «ذهب مع الريح» ورواية ماركيز «مئة عام من العزلة» ورواية غونتر غراس «طبل من صفيح» وسواها من الأعمال التي قامت علي «محلية» ما..، وتاريخ الآداب العالمية يحفل بالكثير الكثير من تلك الأعمال.. ولا ننسى النوبلي نجيب محفوظ وسردياته التي جسدت الأجواء القاهرية بحاراتها المملوكية والفاطمية ، وكانت : «زقاق المدق» و «بداية ونهاية» و «بين القصرين» و «قصر الشوق» النماذج الساحرة في تعشيق الحدث بالمكان والمكان بالحدث.. معبرة عن الالتحام الملحمي الذي شد القراء والنقاد عقودا من الزمن الثقافي ، شدهم الي عبق المكان وخصوصيته ، والي حارات القاهرة الشعبية ومعمارها الفاطمي حيث عاش نجيب محفوظ وكتب).
وقد استاثرت رواية : بياض الليل سواد النهار، باهتمام الاديب والروائي انور عبد العزيز في مقال نشر له في جريدة الزمان (24-ديسمبر 2012م ) اشاد فيه بحسن اختيارالكاتبة لعنوان الرواية واعتبر انه (كان كاشفا ومنذ البداية عن موضوعتها… موضوعة التناقض الأليم في هذه الحياة… هي رواية المتضادات والمتعاكسات وإختلاط أو إضطراب الألوان عندما تغير مواقعها إذ لم يعد الأسود أسود والأبيض أبيض بعد تبادل المواقع وبلا عقلانية مؤذية ضارة أخترعها البشر لأنفسهم ليحيلوا الحياة التي وهبها الله لهم إلى جحيم وبشرورهم وحماقاتهم التي لن تجد لها نهاية.. كان عنوان الرواية يحمل دلالاته، وجاء فعلاً كَثُرَيّا للنص.. أي نص، شعراً كان أو قصة أو رواية وحتى مقالة فهو ان كان دالاً فسيهدي القارئ وكما يرى النقاد للكشف ،عن كثير من مسرودات..الرواية وأهدافها )
وقد اشاد الكاتب سامر الياس سعيد في مقال نشره في جريدة الزما ن بتاريخ 01-01-2014 م بالرواية ذاتها واعتبرها تستحق العالمية كونها ( زاخرة بالكثير من الأحداث والشخوص) وانها ( تبني علاقة شخصية مع قارئها) ثم اضاف : ،(...هذا ما شعرت به وأنا التهم تلك الصفحات التي كانت تجذبني لأكمل قراءة الرواية وأسجل انطباعاتي..) واختتم مقاله بالقول : ان ( الروائية غادة صديق رسول، تستحق التربع على عرش الرواية الموصلية كأميرة متوجة ...) ، وان كنت اراها - مع تقديري للكاتب الفاضل - على غير هذه الصورة.. انها ابنة راس الكور وهي واحدة من الناس الطيبين ؛ تستقريء وتستوحي قلوبهم ، وتؤرخ بطريقتها القصصية والروائية ماساتهم ، اجدها مقيمة بين جوانحهم ومتكئة على اماكن ذكرياتهم ..
وبعد فان توجه الروائية العراقية غادة صديق رسول نحو استنطاق ذاكرة المدينة في مرحلة مهمة من حياتها المعاصرة ،امر في غاية الاهمية فهو لا يقدم نصا ادبيا متميزا فحسب، بل يتضمن رؤية معاصرة وشهادات عيان لاحداث خطيرة لها دلالاتها على الصعيد المحلي والوطني والقومي .
ـ *