حارث معد والتسكع في الذاكرة
بقلم : أ. د. احمد عبد الله الحسو
نشر بيت الموصل بتاريخ 12/09/ 2013م قصيدة نثر للشاعر حارث معد الجبوري بعنوان:(اتسكع في ذاكرتي) ، وقد اثارت القصيدة فيَّ شجونا عما يعانيه الشباب في ايامنا هذه وما اعتادوا على معاناته منذ عقود فقلت :ـ
حارث معد يتسكع في ذاكرته فيقضم اظافره ويشد اهدابه ويأسى ان ما حوله ملأ راسه بالاسبرين والمهدئات وان شقوق الازقة حوله مقفرة، بيد انه يحاول ان يتجاوز تسكعه فيمسك بمخزون القوة في شبابه فيقول:ـ
لن اصغي اليك ايتها المزامير في صدري ...ـ
لن انظر اليك ايتها الدموع المنهمرة في الظلام
ثم ينتقل الى حلم جميل فاذا المرأة - وهي رمز لكل عطاء وجمال - نافذته …. وحتى معها يريد حارث للحزن ان يكون حاضرا ولكنه يريده صامتا عبقريا تفوح منه رائحة القداح ويرى خلف عينيها الذابلتين (وان كنت انا اجدهما لامعتين لكي تتسق الصورة) قبابا تتألق.ـ
ينتقل حارث مرة اخرى الى التسكع في ذاكرته فيشهد ما جرى ويجري في عراقنا العزيز ومدننا الجميلة من هدم وخراب وتشويه، ويجلس وراء مقود مركبته عالقا في زحمة سير، إثر أخرى فيحلم بصورة معاكسة لهذا الواقع المؤلم فيبني بخياله عمارات شاهقة وحدائق غناء..ـ
حتى اذا صحا من غفوته عاد ثانية الى واقعه
وامعن في تسكعه عبر الجوانب السلبية في ذاكرته فقال :ـ
قولوا لمدينتي الخشنة الملمس
كاوراق الصقل
انني ساعلن صمتي الابدي
سانام في الساعات المبكرة من النهار
متمنيا الاعتكاف او الرحيل
حارث في تسكعه وتنقله بين حالتي الياس والامل ليس صورة لواقعه وواقع شبابنا اليوم فحسب بل هو صورة اخرى لمعاناة معتقة يعيشها الجيل المعاصر كما عاشتها مع الاسف اجيال من قبل .ـ
حارث يذكرني بنفسي في شبابي
في قصائد نثر متواضعة نشرتها سنة ١٩٥٦م، تحت عنوان
ـ (دموع وزهرات* )، وهي منشورة على الرابط التالي لمن يريد الاطلاع عليها :ـ
دُموعٌ و زَهَراتْ
فهي تعكس واقعا حزينا وتتحدث عن اسى وحيرة وحزمة احلام
حارث وانا وغيرنا كثيرون عبر اجيال متتالية
تسكعنا كما تسكع هو في ذاكرة متعبة متعبة
فهل يجوز ان يظل شبابنا في متسكع، يعيشون حزنا
معتقا يتوالى جيلا بعد جيل ثم يكتفون بحلم حياة افضل .ـ
ترى لماذا تضمر الحياة في بلادنا
لماذا يعيش شبابنا مختنقا
لماذا لايعيشون كما يعيش خلق الله الاخرون
يحلمون ويحققون احلامهم
لماذا لماذا...؟
****
دعوني اختم كلمي بما قلته قبل اكثر من خمسين عاما
ضمن دموعي وزهراتي
تُرى هل سَيصدُقُ الفجرُ وعدَهْ
وهل ستَحْملني نَسَماتُه البيضاء؟
وهل سأَجدُ لي رابيةً تضُمُّني فأنحدرُ الى أوروك
ذلك ما أتركه لِلَّيل أن يُجيبَ عنه ، ففي قلبه تُقيمُ احلامُ البَشَرْ
فهل لِلَّيل من بَسْمةٍ تُخففُ سوادَهُ الداكن؟
ـ ( من قصيدة: من وحي ملحمة كلكلمش - اعتاب عشتار ) ـ
**
للعودة إلى الصفحة الرئيسة