حكايا من همس الليلة الالف
للشاعر لؤي الزهيري
بقلم : أ.د. احمد عبد الله الحسو
ان من يقرأ هذه المجموعة، يرى فيها عفوية وبعدا عن الاطناب وهي كما قال الشاعر الكبير معد الجبوري عنها :(تتسربل بايحاءات شتى)؛ اي انها حمالة اوجه (تتيح للمتلقي تأويلات وقراءات متعددة).
ولعل اجمل ما وصلني – كمتلقٍ - وانا اقرأ ( تقدمة ) الشاعر لمجموعته ان اقول:
الامس لم يأفل عبر مسيرته وان اشذاء الشعر وذكرياته ظلت وردا يروي
( هاتيك السهوب ) ، وبقيت تحمل ما هو كامن في غور الشاعر من زخم ايجابي في تعامله مع الحياة ومع الناس، ومع نفسه ،وكاني به يخاطب كل اولئك الذين عرفوا تجربته المريرة في الاسر سنوات طوالا، ان الحياة والامل هما الابقى ، وهما ما يعمر مسيرته اليوم . وقد اكبرت فيه ان يترك تلك المعاناة لمخيلتنا ولما اومأت اليه قصائده عنها *** .
ولقد وجدت قصائده جميعا تفيض بهذه الروح العالية، ففي (هزج الثلج ) ، تنساب كلماته جميلة نقية كقطرات مطر ناعمة تتهادى فترسم لوحة فنية تفيض بالحياة ، وتأتي قصيدة ( الطوفان )لتتحدث عن الريح التي اطفأت (كل قنديل في سما الكون ) وطوت خطو (الساهر ) بيد انها مع ذلك، ظلت غافية في درب الحلم، وكانها تستقريء دواخل الشاعر التي لم يستطع الزمن ،ولا ما تعرض له ابان ما اشرنا اليه في مرحلة اسره، انتزاع الحلم والامل والتفاؤل في شعره . وتلك لعمري قدرة تستحق التقدير الكبير .
اما قصيدته ( في ظلال الوركاء) ذات الابعاد الثلاثية ؛ الشاعر وكلكامش والعمري، فانها تنغمر في التاريخ الممعن في البعد مستوحية تجربة كلكامش، وقد تمنيت على الشاعر لو انه اسمعنا احزان الوجد ولم يجعل ( القيثار صامتا ) وان كانت ايحاءات القصيدة قد حملتني الى اجواء عزف حزين . وجاء اهداء القصيدة الى رجل كان فيه شيء من شخصية كلكامش، واعني به تلك الشخصية البديعة المتوثبة ؛ حسن العمري رحمه الله ، فقد كان في كل جوانب حياته رجل استطلاع يبحث عن جواب لكثير مما كان يثير اهتمامه .
في ( ضفاف الظل ) تتهادى الكلمات في غنائية رقيقة تتطلع الى الظل المحاط بحبات الندى فتريده مقتربا ، وترنو الى شهقة النهر علها ترد للظامىء صوتا ، وللقلب مسارا، حتى اذا وقفنا امام المعنى العظيم في قصيدة :العصفور وجدنا انفسنا ثانية امام ثلاثية اخرى هي : الشاعر واخوه التوأم قصي الزهيري والعصفور ، بل انها لرباعية لانه ترمز ايضا الى مجموعة من الاسرى العراقيين الذين آثر هذا الطائر ان يرافقهم فيزورهم كل يوم ، ويشاركهم اسرهم بل ويشكل نافذتهم الوحيدة الى العالم و يبقى زائرهم اليومي ، ولم يودعهم الا بعد ان اكرمهم الله بالحرية .
لقد رددت هذه القصيدة مرات ومرات .. وها انذا ارددها مع القراء فاقول :
كي تصحبَ العيونَ والظلال
حيث يَحُطُّ جُنحُكَ الجليل
وتَسْفحُ الفجرَ بشَــجْوِكَ الأصيل
تُراودُ الأكتافَ
تُحاورُ الخَفْقَ الحزينْ
عند محطات الأَسِّــــرَّةِ
حيث ينامُ الراقدونَ خلفَ أســوارِ الدُجى
يا أيها العُصفور .. ياأصغرَ خَفْقٍ في مواويلِ الدُنا
يا وافداً من غير همسٍ في القِفارْ
مازلتَ في عيوننا
تَكبرُ حيث يَكبرُ الحُلُمْ
أيامَ عِشــقكَ الفتيّْ
ودَّعْتنا ودونَ أن نراكْ
وكنتَ تلمحُ الوداعَ في عيوننا
ودون أن ندري
يا أيها الصديقْ ..
أما تزالُ حيثُ كنا في مَساربِ الرياحْ
تشـدو لِظلِّنا هناكْ
أم طَوتِ الريحُ جناحَيك ..
يا أيها الســميرُ في الأفُقِ البعيدْ
في الأفقِ البعيدْ .
وفيه تجلت عظمة عصفور صغير من مخلوقات الله ، استطاع ان يكون اكثر رحمة واكثر انسانية من كثير من الناس. وبعد، فهذه اطلالة متواضعة على مجموعة لؤي الزهيري
مع تمنياتي له بمزيد من العطاء والابداع
ا.د.احمد عبدالله الحسُّـو
27-10-2013
****
حكايا من همس الليلة الالف
***
*** عن مرحلة الاسر التي عاشها الشاعر لؤي الزهيري ،
انظر مذكرات توأمه وشريكه في الاسر قصي الزهيري ،
في موقع المهندس سالم الحسو وعلى الرابط التالي:
سنين الأســر - سنين الضياع
*
عودة الى الصفحة الرئيسة