قراءة في قصيدة ( تلك الشجرة البعيدة ) ـ
للشاعر الكبير معد الجبوري
احمد عبدالله الحسّو
ما ان قرات هذه القصيدة ذات النكهة السمحة والانسياب العذب حتى بدأت اردد ما قاله شاعر الحلم العربي سليمان العيسى ( وكان اذ ذاك في الثمانين من العمر) في مطلع ديوانه الموسوم : احلام شجرة التوت والتي خاطبها قائلا :
لأنها زرعتني../ في الزمان صدى.
لأنها.. تركتني/ نغمة بَدَدا
أهدي إلى ظلها المحفور في عمري
بقايا النشيد.. الذي في ظلها وُلِدا
وهنا في قصيدة الشاعر الكبير معد الجبوري
وجدتني امام نشيد جديد وتناغم جميل بين الشاعر وشجرة التوت
معها كانت بداية احلامه فقد رافقها طفلا بل انه ليذكر
يوم غرس عمه جذورها اليافعة في ثلاثينات القرن الماضي ..
ارايتم اليه وهو يخاطبها كما يخاطب الطفل الأثير امه فيقول :
بينَ السُّطوحِ القديمةِ،ـ صوتُ الصبيِّ الذي يملاُ الدَّارَ،ـ ـ ضُمِّيه،ـ ـ لَغْوُ العصافيرِ،ـ ـ أفْقٌ لعينيهِ،ـ ـ والوَرَقُ المُتَطايرُ في الريحِ،ـ ـ أجنِحَةٌ لأغانيهِ،ـ |
وحبات التوت فيها ،وطلع براعمها. وكيف لا ، وهي هو، وقلبه قلبُها . الم يقل؟ :
ـ يَنطُّ من الغصنِ للغصنِ،ـ ـ يلهو معَ الصِّبْيَةِ المَرِحين،ـ ـ وقلبيَ تلكَ الجذورُ البعيدةُ،ـ ـ تطلعُ في كلِّ ِبيتٍ من الحيِّ،ـ |
ـ حينَ يبتَلِعُ الليلُ وجهيَ،ـ ـ تلتفُّ مُثقَلةً بِعَباءَتِها،ـ ـ ومخاوفِها،ـ ـ وتطوفُ المَحَلّةَ، ـ |
ويدخل السكينة عليها الا شجرته فخاطبها :
ـ سيعودُ الصبيُّ المُدَلَّلُ،ـ ـ ذاكَ الذي كان يشردُ،ـ ـ إذْ تهبطُ الظلمَاتُ الثقيلَهْ..ـ ـ كانَ نهرُ الطفولةِ مُتصِلاً،ـ ـ والليالي طويلَهْ..ـ |
تلكم هي البانوراما التي جمعت الشاعر بشجرة التوت ، وجمعتها به .. بيد انها في وجهها الآخر تحكي قصة شاعر ، واحلام مدينة،و ذكريات امة، وثقافة شعب.
انها رمز لماض وحاضر،كما انها ايماءة الى مستقبل تتسق جذوره مع حداثة توجهاته،
مثلها في ذلك مثل شجرة التوت ؛
(اصلها ثابت وفرعها في السماء)
تحية للشاعر الكبير في تقديمه لهذه الصورة الفنية البديعة
*****
الصفحة الرئيسة