في كتاب
إسقاطات السياسة الدولية
لسفير العراق السابق في السلك الدبلوماسي والامم المتحدة
الاستاذ ابراهيم الولي
عرض : أ.د ... أحمد عبدالله الحسّو
مؤلف كتاب : إسقاطات السياسة الدولية الذي يتوقع صدوره في الايام القادمة هو الاستاذ ابراهيم الولي؛ سفير العراق السابق في السلك الدبلوماسي العراقي ( 1955-1978) ثم في الامم المتحدة (1978 - 1992)،وهو رجل ولد في مدينة سوق الشيوخ سنة 1929 م وعاصر آثار حربين عالميتين فضلا عن حروب ضروس شنت على بلاده التي ظلت مستهدفة من قبل الغرباء والغزاة ،وكان اشد ما اضناه ان يخطف هؤلاء الفرحة – على ندرتها – من عيون ابناء جيله من العراقيين والعرب ،منذ اول يوم راى فيه النور حتى يومنا هذا ، فاحب ان يستقريء الاحداث ويقول كلمة صدق ويرسل رسالة الى كل عراقي وعربي منبها الى مخاطر تحيط بهم وبمستقبل وطنهم وامتهم ، وفي هذا المقال استعراض لكتابه القيم ولرسالته هذه ،والتي تاتي في محلها حيث البلد والامة يعيشان محنتهما الكبرى آملين ان يسهم هذا الراي الحر المنطلق من روح وطنية اصيلة في ايقاف النزيف الخطير وتحديد معالم الخلاص.
في كتابه القيم (إسقاطات السياسة الدولية)،كشف الكاتب الفاضل السر الخفي وراء تشكيل ما اطلق عليه مصطلح الشرق الاوسط ، واستعراض للمخططات التي بدأت قبل مائة عام لتقطيع اوصال الامة وتجزئة الوطن الواحد الى اجزاء متناحرة ؛وهي التي اتصل خطرها وتعاظم شررها عبر فصولها الاخيرة التي تنفذ اليوم في العراق و في غيره من اقطار الوطن. والكتاب غني بفصوله وحري بان ينال الاهتمام من الجيل المعاصر لان كلا منهم سيجد نفسه فيه .
في هذا العرض احاول ان اتحدث عن جزئية فيه وهي التي تخص ما اصاب بلداننا العربية قبل مائة سنة جراء معاهدة سرية هي معاهدة سايكس بيكو ،ثم ما يصيبها اليوم من خطة جديدة تتحرى ما هو ابعد من التمزيق والتجزئة للوطن الواحد الى تمزيق الامة .
ابتدأ المؤلف بتوصيف الواقع المرير الذي تعيشه الامة فقال : (أننا نعيش في بلادنا العربية خاصة والإسلامية عامة ، حالة سياسية وإقتصادية وإجتماعية يندر أن تجد لها في التاريخ الحديث مثيلا.) ثم اعطى خلاصة لما هو مطروح من تفسيرات لتلك الحالة والذي لخصه بما يلي :
أولا: إن كل ما يجري في بلداننا من تدهور مؤسف إنما مردّه الى تآمر بعض الدول الكبرى علينا ؛ بشرًا وثروة ، في اطار ما يعرف بنظرية المؤامرة Conspiracy Theory التي تفترض إتهام دول أو شعوب أو مؤسسات بأنها قد تسببت أو عملت على التأثير في الحياة السياسية للغير بما يحدث تأثيرا سلبيا عليهم.
ثانيا: أن في الغرب من خَطّطَ ونفّذ واعتَرفَ بأن ما يجري هوعملية إصلاح سياسي قُصد منها إدخال الديمقراطية في بلد ما،وانها آقتضت توجيه صدمة لبعض النظم ، بل قل لجميعها في منطقتنا تباعا، وهو ما يعرف بالفوضى الخلاقة Creative Chaos التي تصيب خبط عشواء لتفرز كيانات لا يدّعي أحد حتى مخططوها التكهن بكنهها. بل لعل هذه العملية تقوم على التجربة والخطأ Trial and Error فحسب. وغالبا ما تخلف خطة كهذه وراءها دولا فاشلة يسهل إستغلالها بل وحتى الإجهاز عليها ، إذ يكون الإجرام قد إستشرى بين أبنائها ، فهي لا تتحكم أو تحمي شعبها وأرضها ؛
ثالثا: ان ما يجري وسيجري ، يرجع الى غفلة النظم العربية والإسلامية واتصاف بعض قادتها بالأنانية ،أو بقلة الخبرة أو بفقدانهم للكارزما القيادية التي عبر عنها المؤرخ البريطاني توينبي rnold ToynbeeA بقوله : إنّ القدرة الخلاقة عند القادة تخلق الحضارة Creative power .( جاء ذلك في نظريته في نشأة و إضمحلال الحضارات Genesis ) ، ويرى المؤلف (...أن الفرضيات الثلاث ، آنفة الذكر، و خصوصاً ألفوضى الخلاقة ، تصدق تماما على واقع منطقتنا إن لم تكن هناك فرضيات إضافية . ولعل في ما جرى و يجري في مصر و العراق و ليبيا و اليمن وسوريا و السودان و الصومال مصداق لما أقول )، كما يربط هذا الواقع السيء بتخلف النظم التربوية والتعليمية المعمول بها في بلادنا ،وما نجم عنه من سيادة للجهل الذي شكل الأرضية الخصبة التي كانت العامل الاساس في انجاح التدخلات الخارجية وتلاعبات القوى الكبرى بمصائر البلاد ومستقبلها .
كان المبتدأ في ذلك ابان الحرب العالمية الاولى (1914) قبل مائة عام ،عندما تم تمريرمعاهدة سايكس بيكو السرية Sykes Picot Agreement البريطانية الفرنسية سيئة السيط، والتي قسمت البلاد العربية بموجبها ودون علم من اهلها ودون معرفة من كانوا يتولون شؤونها يوم ذاك.
ونبه المؤلف الى ان هذا الشرخ الكبير والخطير الذي طالما لعناه، يعود اليوم بعد مائة عام من التاريخ المشؤوم في ثوب جديد عبر اصوات مؤثرة في الغرب تنادي بضرورة إدخال تعديلات على تلك الإتفاقية وتطبيقاتها ؛ في دعوة منها الى تقسيم ما قسّم وتجزئة ما جزيء ، فمن هم اولئك الذين يقفون وراء التخطيط الخطير هذا ؟
من هؤلاء السادة برجنسكي Zbigniew Brezinski والمؤرخ اليهودي المستشرق برنارد لويس Bernard Lewisو ديك تشيني Dick Cheney وبيرلRichard Pearl وفولفوتز Paul Wolfowitz ورمسفيلد Donald Rumsfeldوحتى جوزيف بايدن Joseph Biden نائب الرئيس الأمريكي الذي تبرع مرة بالدعوة الى تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم : كردي وشيعي وسني ، إلا أنه تراجع وإعتذر بعدئذ ،ولكن ما في النفس من نية يبقى في النفس على حد تعبير الكاتب الفاضل .
ويرى المؤلف ان التخطيط الجديد للمنطقة ،سيكون أسوأ مما أتت به اتفاقية سايكس بيكو ، ذلك ان ما خططت له هذه الاتفاقية المشؤومة كان يهدف الى جني المنافع الإقتصادية والاستراتيجية، في حين ان وراء ما يخطط له اليوم، أهدافا اكثر خطرا وهو اعتماد أسس طائفية وعرقية لتفتت ما لم يفتت من الكيانات بعد، تمهيدا لإستغلالها بأكثر مما حصل من قبل ومن ثم الإجهاز عليها .
ولتوضيح الصورة في مراحل تطورها ارجعنا الباحث الى ما تتتضمنته معاهدة سايكس بيكو فقال : نصت إتفاقية سايكس بيكو على وضع العراق من شمال بغداد والى الجانب الغربي من الخليج العربي حتى الاحساء تحت السيطرة البريطانية المباشرة . أما شمال العراق : راوندوز والموصل الى سوريا الحالية فتكون تحت النفوذ الفرنسي. أما جنوب الوسط من تركيا هبوطا الى ساحل البحر المتوسط الشرقي بما فيه لبنان الحالي فيكون منطقة للنفوذ الفرنسي ايضا . كما أن المنطقة البادئه من كركوك غربا والتي تغطي الأردن الحالية من العقبة وجنوبا الى جزء كبير من نجد فهذه منطقة نفوذ بريطاني، وتبقى فلسطين من حيفا شمالا حتى غزه جنوبا بما فيها القدس خاضعة للحلفاء ، أي تحت إشراف دولي ويتم الإتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. *
اما بصدد ممهدات الطريق الى ما بعد سايكس بيكو ، (وبمعنى ادق سايكس بيكو جديدة )، فقد
تَلَمَّسَ ابعادها وجذورها من الطرح السلبي والخطير الذي اداه مجموعة من المستشرقين Orientalists) ) في تكييف...النظرة المتعالية التي طالما علت دراساتهم وتحليلاتهم ،وهم يعالجون قضايا العرب والمسلمين عموما.
ومع ان الباحث يرى ان بعض المستشرقين كانوا موضوعيين، لكن أكثرهم كانوا يبطنون غير ما يظهرون في معالجة أوجه دقيقة في حياة المسلمين والعرب، سواء أكان ذلك في سرد التاريخ وتوثيقه بما يحلو لهم أو حتى بمعالجة مسائل الفقه الإسلامي واللغة العربية. من هؤلاء كان مرجليوث David Samuel Margoliouth و جبElias John Wilkinson Gibb و آربري Arthur John Arberry من إنجلترا. ومن فرنسا
هنري لامنس اليسوعي Henri Lammens و لويس ماسينون Louis Massignon. ومن المانيا شاخت Joseph Franz Schacht. .
وقد القى الباحث بعض الضوء على وظيفة الإستشراق الحقيقية من خلال مثلين :
الأول هو السيد مارجوليوث الذي كان حاضراً في اجتماع القوى الوطنية العراقية (سنة و شيعة ) في بغداد سنة 1919 مطالبين فيه ، بين أمور أخرى ، بان تكون حدود العراق الموحد من شمال الموصل حتى الخليج ، و أن يكون للعراق ملك مسلم في بغداد العاصمة ،وهنا كشّر هذا المستشرق عن نواياه فقال ( إن العراق قد إعتاد حكم الأجنبي الغريب عنه ، و أنه لا يستطيع حكم نفسه بنفسه ، و لذا وجب على الشعب العراقي أن يختار ألإنكليز ليكونوا عليهم أولياء و أوصياء ). و هكذا حشر هذا المستشرق أنفه في مستقبل العراق السياسي دون وجه حق .( أنظر صفحة 161من كتاب د. عبد الله فهد النفيسي، دورالشيعة في تطور العراق السياسي الحديث) .
أما الثاني الذي يهمني التركيز عليه ...فهو برنارد لويس Bernard Lewis المستشرق الصهيوني – وهو بريطاني المولد أمريكي الجنسية-، ولد سنة 1916 و عمل مستشارا للرئيس بوش الأب والرئيس بوش الإبن. كان هذا الرجل قد خلع ثوب الباحث المجرد من القصد إلا العلم والثقافة ليظهر على حقيقته كأكبر عرّاب في خدمة المحافظين الجدد في توجههم الإمبراطوري والذي ... يصرّ على أن شعوب الشرق الأوسط عدوانية لا تصلح لإدارة نفسها وعلينا نحن الغرب عامة والأمريكان بخاصة أن نحتلهم ونعيد تقسيم دولهم الى وحدات غير قابلة للعيش ونعضّد إسرائيل ونقوي موقفها لأنها المصد للغرب من فوضى الشرقيين ، ويكون ذلك بتغيير ثقافتهم الدينية . لقد كان برنارد لويس يلقن بوش بأن العرب قوم فاسدون وفوضويون لابد من إخضاعهم وإلا إنقلبوا الى إرهابيين يحاولون تخريب حضارتنا!! وهو يعتبر فرنسا وبريطانيا مخطئتين عندما طبقتا سايكس بيكو بشكلها الذي كان للمائة سنة الماضية ولهذا وجب إعادة النظر فيها كما هو موضح في الخرائط المرفقة والتي عرضت على الكونغرس الأمريكي في نقاش مكتوم فأعتبرت كخريطة طريق إستراتيجي للتعامل مع العرب والمسلمين في المستقبل . وقد كان لويس مكلفا من البنتاجون الأمريكي بإعدادها. يقول برنارد لويس : كي يتحارب الأكراد والعرب والأتراك والفرس والفلسطينيون تماما كما كانت الحروب تقوم بين الأمريكان والهنود الحمر .
وفي نفس السياق تحدث الباحث عن دور السيد زبكنيو بريجينسكي Zbigniew Brzezinski الذي كان مستشارا للأمن القومي الأمريكي في سنة1980 أثناء عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر Jimmy Carter ، أي أثناء الحرب العراقية الإيرانية. ظل هذا الرجل منظّرا للسياسة الخارجية الأمريكية حتى بعد خروجه من الخدمة، قال بريجينسكي، والحرب لما تزل قائمة، إن علينا أن نخطط منذ الآن لحرب خليجية ثانية تمكننا في نهاية المطاف من إعادة رسم المنطقة، أي إعادة النظر في سايكس بيكو لتصب في مصلحة اسرائيل وأمريكا وحسب. ولا عبرة بعد ذلك بما تخلف من ورائها من مجتمعات مفككة متناحرة .
وبصدد وسيلة تنفيذ هذا المخطط الرهيب اشارالباحث الفاضل الى ما اعتبره اسلوبا ناعما خبيثا ،وهو التسلل داخل المجتمعات المعنية ( من خلال برامج صبورة رسمت بدقة حتى أفلحت في شق صفوف العرب وأضعفت الى درجة كبيرة مؤسساتهم الجامعة حتى صارت إتصالات العرب تجرى بينهم من خلال واشنطن أو غيرها من العواصم الأوروبية. وتراها ، أي الكبرى ، تختلق مشكلة أو أزمة إقتصادية أو سياسية أو إجتماعية لتلك المجتمعات ثم تعرض المساعدة في حلها بعد أن تكون تلك المشكلة قد فعلت فعلها في ذلك المجتمع مما يُضطر المتضرر على قبول عروض المساعدة خوفا من الوقوع بما هو أسوأ. أي أن المستعمر يرسم شروط إذعان لحل مشاكل هو الذي سببها بل وخلقها متعمدا. هكذا يرسم البعض إستراتيجياته للسيطرة على الشعوب من خلال عقولها ذلك أن الحروب لم تعد فقط مسألة أسلحة تقليدية تهاجم وتدمر كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية عندما دكت صواريخها بغداد مدينة الرشيد حين قال وزير الدفاع السيد رامسفيلد مبررا ومتفاخرا إنها عملية رعب أو رهبة وتخويف Awe and Horror ، بدا جليا أن هذا الرجل لم يحسب حسابا للإنسانية أو للإنسان ومشاعر الرعب والخوف التي سيطرت على النساء والأطفال والشيوخ نتيجة هذه العملية الهمجية، حسبنا الله في هذا الإنسان وفي أمثاله ممن تجردوا من إنسانيتهم) .
ثم تساءل المؤلف : ما العمل إذن ونحن نرى ونترقب زلزالا سياسيا لابد واقع يرجّ الأرض من تحتنا ، أليس التفكير ، مجرد التفكير في إعادة هيكلة سايكس بيكو بحسب الخرائط المرفقة مسألة تقتضي التأمل وإظهار عدم الرضى والقبول عن تلك التطبيقات المريبة والتي مهما أحسنّا الظن بمدبريها فهي عملية تآمر وتخريب لا يجوز السكوت عليه!! .
وقد اثار الباحث الاذهان الى ما قاله نعوم شومسكي، عالم اللغويات والمفكر الأمريكي اليهودي من أن التحكم في الشعوب يمر من خلال خطوات متئدة لا ترمي بثقلها في الميدان صفقة صادمة واحدة بل هي عشر إستراتيجيات تتركز على ( استراتيجية الإلهاء - إفتعال الأزمات ثم تقديم الحلول - التدرج -- التأجيل --مخاطبة الجماهير كأنهم قُصَّرٌ وأطفال -- إستثارة العواطف بدل الأفكار --إبقاء الشعب في حالة جهل وغباء --التشجيع على إستحسان وقبول الرداءة - تحويل مشاعر التمرد الى الإحساس بالذنب --معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون هم أنفسهم ) ؛ ويعني هذا - على حد تعبير الكاتب الفاضل - تتبع إستراتيجية لإشغال الرأي العام والهائه بمسائل تافهة تترك الشعب مشغولا بصورة مستمرة بمسائل ثانوية تبعد إهتمامه بأمور بلده ومشاكلها الجادة، لهذا على من يتحكم بالشعوب أن يبتكر المشاكل. وعادة ما تكون جعبة الحكام مليئة بتلك المشاكل، التي يعودون ليقدموا الحلول لها ، كما أن التدرج في طرق المشاكل من شأنه أن يعتاد الناس بمراحل عليها فتراه يتعايش معها ويشجع الشعب على القبول بالرداءة ليظل جاهلا وتشجيع الأفراد على جلد الذات أي أنهم يتهمون أنفسهم بالتخلف وبالذنب . كل هذا الأسلوب الذي يقول به شومسكي يمكن تطبيقه على العديد من دول الشرق الأوسط بل هو في الحقيقة مطبق فعلا .
بعد هذا العرض الدقيق تساءل الباحث الفاضل :
الشرق الأوسط الى أين !
ويا عرب ويا مسلمون ما أنتم فاعلون في خضم الأحداث المتسارعة في المسار السياسي الدولي وإسقاطاته على المنطقة بعدما بات شبه مؤكد الإقدام عاجلا أم آجلا على إعادة النظر كلية بإتفاق سايكس بيكو .
ها أنتم ترون الخرائط المفصلة والمسربة وهي تقسم جميع الكيانات العربية والمسلمة من باكستان الى أفغانستان وايران وتركيا وثم الأقطار العربية من العراق شرقا الى المغرب غربا ومن سوريا شمالا الى اليمن جنوبا.
الجميع معرضون لهذا المخطط الرهيب!!!... ثم قال: ان حرصه على إطلاع القارىء العربي على هذه المخططات إنما هو لكي ينبه الى خطورة الأمر، ويرى أن خرائط المشروع الخطير لم تُسرّب الى الإعلام الا بنية جسّ النبض والوقوف على ردود أفعال المعنيين بنتائجها الكارثية على المنطقة لا سمح الله. ثم عرض مفصلا لما تضمنته فقال :
تشير الخرائط الى تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم : كردي في الشمال يتصل بشمال شرق سوريا ويسمى كردستان يغطي كركوك والموصل. والثاني إقليم سني يمتد من بغداد ليضم ديالى وصلاح الدين والأنبار والثالث شيعي يغطي الجنوب كافة من جنوب بغداد حتى الخليج العربي. أما عن سوريا فتقسم الى أربع دويلات : علوية شيعية في اللاذقية وعلى الشريط الساحلي للبحر الأبيض المتوسط ودويلة حلب السنية تغطي حلب وحمص وحماه . أما دويلة دمشق فتشمل دمشق الى الحدود العراقية. وأخيرا الدويلة الدرزية التي تضم القنيطرة وهضبة الجولان المحاددة لإسرائيل بعيدا عن بحيرة طبرية.أما عن المملكة العربية السعودية فتقسم الى العربية الشمالية والجنوبية والغربية ، حيث الأماكن المقدسة، والشرقية على ساحل الخليج العربي وتمتد من جنوب العراق ويمتد الإقليم الغربي جنوبا ويسمى وسط المملكة الذي يغطي مدينة الرياض فيسمى إقليم وهابيستان ،وتعود اليمن الى عهد الإنفصال فتصبح يمنين شمالي وجنوبي. وتقسم لبنان الى سبعة أقاليم : طرابلس في الشمال للسنة، وجونيه مارونية، وبعلبك في الشرق دويلة علوية وبيروت في الوسط لما تبقى من الدولة، وكانتون فلسطيني ودولة درزية وكانتون مسيحي تحت نفوذ اسرائيل، ويطال التقسيم ليبيا لتشكل ثلاثة أقاليم هي بنغازي وطرابلس وفزان. وينال البربر دولة في جنوب ليبيا تمتد الى وسط وجنوب الجزائر.ودولة البوليساريو من شمال غرب موريتانيا المطل على المحيط الأطلسي ، اما مصر فسيستقطع منها إقليم النوبة الذي يغطي نصف مصر السفلى بما فيه أسوان مع جزء كبير من شمال السودان . كما أن السودان ستقسم الى سودان مسلم وسودان مسيحي في الجنوب ، ودارفور الى الغرب.
ويلاحظ أن الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر بقيت دون مساس ، كما نوه بأن خريطة سايكس بيكو القديمة، إقتصرت على شمال شبه الجزيرة العربية في حين ان المقترحات الجديدة تذهب الى أبعد من ذلك بكثير كي يقع الخرق الصارخ على نظام المجتمع الدولي وأحكام القانون الدولي أو حتى على ما إصطلح عليه في السياسة Uti Posseditis Juris بمعنى إحترام حدود الدول التي إستقرت عليها لزمن معقول والى عدم شرعية فرض تغييرها دون إتفاق صريح مع من يعنيهم الأمر.
واضاف المؤلف قائلا : ...ما يجري وسيجري في القريب من إعادة لرسم الحدود السياسية والإقتصادية في المنطقة ككل إنما هو إسقاط واضح من إسقاطات العشرية الأولى للقرن العشرين. والخرائط المرفقة بهذا الكتاب تفضح نوايا المخططين لها والذين يرون أن حركة التاريخ والجغرافيا إستلزمتا إعادة النظر في سايكس بيكو.
واذا كان الباحث قد بدا متشائما ومكتئبا تكادا ترى احزانه مع كل كلمة وسطر في كتابه الا انه كان حريصا ان يضع يده على الجرح ومكمن الخطر الذي لم يكن يراه في المخططات الخطيرة التي تحدث عنها في كتابه فحسب ، بل في السلاح الاكبر والاجدى والاخطر الذي اعتمدته خطة ما بعد سايكس بيكو، وهو استخدام السلاح الطائفي وسيلة اساسية لتنفيذ تلك المخططات ، فوجه نداءه التالي الى المواطن العربي والمواطن المسلم لعله يوقف عملية الانهيار التي نشهدها اليوم ،فقال :
أرايت كيف تعمل لعبة الأمم هذه !ـ
حسن، فإن رأيت وإستوعبت أيها المواطن العربي والمواطن المسلم كل تفاصيل هذه الصورة وكأنك ترقبها من علٍ لتلمّ بمجملها كصورة واحدة ثابتة في محيطها، متحركة كخلية نحل في داخلها، الجواب في منتهى البساطة والموضوعية.
تخلّ عن كل صفة تميزك سوى المواطنة( وهو يعني بذلك التخلي عن استخدام صفة ما في اطار تعامله مع الآخرين الا بما يجمعه به في ظل المواطنة )، وإتق الله وخِفهُ في مسارات حياتك ،وتذكر أن الدين لله فهو حسيبك، دع الخلق للخالق فهو يرقبك في كل ما تفعل وتضمر.
إن كنت عراقيا فكن عراقيا أولا قلباً وقالباً وعدّدِ بعد ذلك ما شئت من صفات خارج نطاق الدين.
المواطنة هذه شرف وإلتزام لا ينالها ويؤمن بها إلا من رضي الله عنه دنيا وآخرة، فما أقبح أن يقول المرء أنه سني أو شيعي أو مسيحي أو صابئي أو .. أو .. قبل أن يتذكر هويته الوطنية التي تجمعه مع الآخرين على إختلاف ما يعتقدون من مذاهب فكرية أو دينية فتلك أمور شخصية.(والرجل هنا كما هو واضح من النص يدعو الى ان تكون رابطة الوطنية فوق كل اعتبار وانها هي ما يجب ان يحكم علاقات الناس ببعضهم بعيدا عن اية نزعة طائفية او مذهبية او دينية او قومية.)
هكذا نجح الغربيون في لم شعثهم بعدما عانوا لقرون طويلة من التعصب البغيض لفكر ما، ذلك الذي يعشش حتى الآن في عقول بعض مواطنينا عربا أو مسلمين.وأقصد بذلك كل مواطن في منطقتنا من العالم ليس في وطني العراق فحسب، فالأمر عندي ينطبق على المصري والسوري والتركي والإيراني والسعودي والجميع.
القصص 56 - صدق الله العظيم.
وبعد .. فإنّ الأمل بعون الله معقود بناصية شباب العالمين العربي و الإسلامي أن يتزودوا بالعلم و المعرفة التي تؤهلهم الى تولي مسؤلية إدارة مجتمعاتهم بإيمان و إخلاص و نزاهة و بروح من المساواة المطلقة في التعامل مع مواطنيهم ، والكف بل الإستنكاف عن اللجوء الى كل ما يفرّق ولا يجمع ؛ من طائفية أو عنصرية أو فئوية ،وليتذكروا أن المواطنة اهم من كل ما عداها ، فبهذا فقط يمكنهم ان يرفعوا من شأن الأوطان .
(إنّ الله- سبحانه و تعالى- لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . آللهم آمين ...آللهم أنّا مسّنا الضُرّ ، إليك وحدك نشكو بثّنا و أنت أرحم الراحمين ، و الحمد لله
**
ينشر المقال بشكل متزامن في موقع ( النور ) وموقع (بيت الموصل)
عودة الى الصفحة الرئيسة