محمد نذير الغلامي
ـ 1896 – 1956 م
احمد عبد الله الحسو
كان الاستاذ محمد نذير الغلامي شخصية تركت اثرها فيَّ .. كنت اراه في خمسينات القرن الماضي كل يوم - وانا إذْ ذاك في مقتبل عمري - وهو يغذ الخطى من بيته الى جوار مدرسة الشيخ الرضواني وحتى مدرسة النجاح في وسط مدينة الموصل ..
كان اكثر ما جعله محببا اليَّ اتزانه في مشيته واحترامه لغيره . حين تنظر اليه ترى عقلا وحكمة واتزانا يضفي عليهما هندامه الجميل وقيافته العراقية وسدارته الفيصلية ، مهابةً وعفويةً لا تَصَنُّعَ فيهما. وقار يحترم مهنة التعليم وخلق يتلاءم مع عظم المسؤولية المناطة بالمعلم والمربي ..
اردت ان اكتب عنه وعن نجله ؛ صديقي واخي الدكتور المؤرخ واثق الغلامي فبحثت عمن يوفر لي معلومات تثري ما لدي ،وعرفت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ان الاحفاد والابناء يعيشون اليوم في كنف البلد الجار سوريا – حماها الله - بعد وفاة الجد والاب الكريمين ، ورايت تجاوبا منهم وخلقا يحمل كل صور الخير في هذه الاسرة الكريمة، وقد زودني الاخ الفاضل مؤثل واثق الغلامي بمعلومات وصور عن الجد وعن الوالد مما تحتفظ به الاسرة إضافة الى صورة مهمة نقلا عن مدونة الصديق المؤرخ الكبير ابراهيم العلاف .. وإذْ اقدم اليوم للقراء هذه الشخصية التربوية المؤثرة ،اود القول ان السطور التالية في هذا النص هي في معظمها مما دونه في بغداد المرحوم واثق الغلامي في مذكراته بتاريخ 5 / 6 / 1996 م عن والده رحمه الله، وليس لي فيه الا الاعداد والتنسيق كما افدت من المعلومات التي ارسلها لي الاحفاد والابناء شاكرا لهم بِرَّهُمْ في جد كريم واب عزيز .
وبعد فان صاحب الترجمة هو محمد نذير ابن العلامة محمد سعيد الغلامي .. مربٍ ورائد من روَّاد اليقظة الوطنية .. ولِد في الموصل (1896) من أسرةٍ عريقة فيها، ودخل المدرسة الابتدائية العثمانية المسماة ( كوره باش مدرسه سي ) )؛ أي مدرسة رأس الكور - نسبة إلى المحلة التي تقع فيها - ، وكان مديرها آنذاك الأستاذ أحمد أفندي القليه جي .؛ وبعد أن أنهى الدراسة فيها دخل دار المعلمين الابتدائية العثمانية في الموصل، ( موصل دار المعلمين ابتدائيسى ) ، ونال الشهادة منها بتفوق ( دار المعلمين ابتدائي – شهادتنا مه سى ).
توجه منذ حداثته إلى دراسة العلوم الدينية وعلوم العربية، فقرأ على والده في مدرسة جامع بكر أفندي، وحفظ المتون والشروح في النحو والصرف وتضلع فيهما . كما قرأ علوم الدين أيضاً على العالم الفاضل الشيخ محمد أفندي الحبّار .
بعد تخرجه من دار المعلمين أنيطت به إدارات عـدّة مدارس في الموصل وفي أقضيتها فعمل في قضاء دهوك أكثر من سنتين ومن ثم في قضاء تلعفر مدة ست سنوات فتخرج على يديه ست دورات كاملة ، ثم في مدرسة سنجار وكان يدرس مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية ثم عاد إلى الموصل فعمل مديرا لمدارس عدة منها مدرسة دار النجاح والسمؤل والخالدية.
ساهم الاستاذ الغلامي في الأعمال الوطنية في الحقلين الأدبي والسياسي في فترتي الحرب العالمية الأولى والاحتلال البريطاني للعراق ثم في عهد الحكم الوطني .
شارك في تأسيس دار الآداب، وانتسب إلى جمعية العَلـَم السرية في الموصل في العهد العثماني، وانضوى في حزب العهد العراقي إبان الاحتلال البريطاني، فعمل بحرص وجدّ على بثّ الروح الوطنية وإذكاء الوعي القومي في نفوس ناشئة المدارس .. وعندما بلغ نشاطه السياسي مسامع مدير المعارف الانكليزي (المستر بيز) أصدر أمراً بفصله من الوظيفة، فلم يفتَّ ذلك في عضده بل قام وشقيقه الأكبر محمد رؤوف الغلامي وزمرة من إخوانه الشباب الوطني بتأسيس مدرسة أهلية أطلق عليها (دار النجاح) فكان محمد نذير الغلامي مديرها فقام بإدارتها أحسن قيام حتى ازدهـرت وتفوَّقت بمستواها وغدت قطعة حيّة في الحماس والوطنية المتأججة، فضاقت سلطات الاحتلال بها ذرعاً؛ وزجت (المترجم) مديرها في السجن ، وضيّقت عليه أمور العيش والإقامة في السجن، وآذوه بسوء معاملتهم وقسوةِ سجانيهم، وعندما مرض أطلقوا سراحه وهو في حال وصحة متردية، ثم اجبروه بالتهديد بالإعادة إلى السجن وغير ذلك من وسائل الإرهاب على أن يسلمهم المدرسة ويتخلـّى عنها، فكان لهم ما أرادوا .. فألحقوها بالمدارس السائرة بإشرافهم المباشر .
وعندما حصلت البلاد على استقلالها حظي صاحب الترجمة بالاحترام والتقدير ، فأنيطت به إدارات عـدّة مدارس وهو في أعلى منزلة من حيث خلقـُه وإخلاصُه وعـلمُه .
ورد ذكر جهاده في كتاب (أسرار الكفاح الوطني في الموصل) .. كما وردت ترجمته في كتاب (تاريخ علماء الموصل في القرن الرابع عشر الهجري) تأليف محمد رؤوف الغلامي . ونشرت مجلة آفاق عربية بعض خطبه أيام الاحتلال البريطاني ..
وبعد وفاته أبـَّنته سائر الصحف في بغداد والموصل .. كما أبَّنه العديد من الشعراء وأرّخ بعضهم وفاته شعراً .
***
عودة الى الصفحة الرئيسة