صلاح سليم علي
إهداءالبحث : هديتي الى الكاتب العراقي الكبير الدكتور سيار الجميل تضامنا معه ازاء قيام احد االقراصنة بالسطو على احدى مقالاته..
مقدمة:
تعد القرصنة المقابل الضدي لحقوق النشر فكلما نالت الأخيرة احترام المترجم والكاتب والناشر، تضاءلت فرص القرصنة.. وكلما ازدادت فرص القرصنة، تضاءلت حقوق النشر..وفي الحديث عن القرصنة في الشرق الأوسط، لابد من الإشارة الى ان عددا قليلا من البلدان في منطقتنا اطلع المعنيون فيها على مفهوم حقوق النشر وقاعدته الأكبر المعروفة بحقوق الملكية الفكرية وهي حقوق يفترض ان تكون محمية من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية التي تضم 185 دولة موقعة على ميثاقها ومقرها في جنيف في سويسرا، غير ان عددا من هذه الدول تقود عملية القرصنة فيما يتعلق بحقوق النشر بل ان بعضا من هذه الدول ما برح يتجاهل وجود مثل هذه الفكرة والممارسات والتشريعات المرتبطة بها واخص بذلك ايران ولبنان والأردن ومصر وسورية وليبيا..وهنا لابد من التاكيد على ان مفهوم حقوق النشر ومهاده الأوسع حقوق الملكية الفكرية يرتبطان جوهريا بمسألة اعتبارية تتمثل بالمنظومة الأخلاقية بصفتها إحدى مكونات النظر الى العالم وتحديد سياقات واصول التعامل مع الآخر على اساس الإحترام المتبادل مما يجعل مسألة حقوق النشر مرتبطة ارتباطا نوعيا وجوهريا بمسألة حقوق الإنسان وكيفية تعامل الحكومات والمؤسسات والأفراد في الشرق الأوسط مع هذه المسألة..فعلى الرغم من كون الدول في الشرق الأوسط تتمتع بعضوية في المنظمة الدولية لحقوق الملكية الفردية ومنها حقوق النشر، فإنها تفتقر الى تشريعات تمنع او تعاقب التجاوز على هذه الحقوق..فالتشريعات ذات الصلة بحقوق النشر نراها اما غائبة كما هو الحال في ايران او توجد حبرا على الورق فالحكومات القليلة التي ادخلت مثل هذه التشريعات قامت بذلك مجاملة لمنظمة حقوق الملكية الفكرية او ميثاق بيرن لحماية الأعمال الأدبية والفنية والمعاهدة الدولية الخاصة بحقوق النشر وغيرها أو بدافع الدعاية او تحبيك القراصنة ممن يرفض اعطاء الحكومة حصتها من الغنائم او التظاهر صوريا للغرب بأن الدولة المعنية التي تخترق فيها حقوق النشر هي دولة ديموقراطية وليبرالية وتعد لبنان ومصر والإمارات العربية والأردن نماذج لهذه الدول..مع ذلك كله تاتي الدول العربية بالدرجة الثانية بعد ايران في قرصنة الكتب فقد بلغت نسبة الكتب المقرصنة في العالم العربي عام 2000، 65% من مجموع الكتب الصادرة وارتفعت هذه النسبة الى 75% عام 2001 حسب احصائية اللجنة العربية للملكية الفكرية فيما ذكر البحاثة السوري في معهد ماكس بلانك كنعان الأحمر..
القرصنة في الشرق الأوسط:
تعد القرصنة في الشرق الأوسط ممارسة قديمة، فهي تعود في العصر الحديث الى عشرينيات القرن الماضي عندما اقدم اللبنانيون والمصريون والسوريون وغيرهم باعادة نشر المخطوطات المخزونة في المكتبات والمتاحف والمدارس الدينية بنسخ مطبوعة وعرضها في الأسواق بأسعار باهضة..ومع توالي العقود، تطورت هذه العملية حتى اصبحت القرصنة حرفة متخصصة شملت الشرق الأوسط بأكمله حيث شرع الكثير من دور النشر والكتاب بترجمة الأدبيات المدونة بلغات اوربية، وعرضها في اسواق مصر وسورية ولبنان والعراق بدون اي ترخيص من الكتاب او أصحاب حقوق النشر أو دور النشر الأوربية التي قامت بنشر الأصول..ومن الأعمال المترجمة ماظهر تحت عناوين غير عناوينها الأصلية ككتاب ادمند روستاند [سيرانو دي برجراك]الذي ترجمه المنفلوطي بتصرف شديد ليظهر في الأسواق تحت عنوان [الفضيلة]..ومسرحية هنريك ابسن [الأشباح] التي سلخها علي احمد باكثير في روايته "السلسلة والغفراان"....وعلى النحو نفسه كانت المسرحيات تتحول الى روايات والروايات الى مسرحيات ...ولأن معظم الأعمال الكلاسيكية الأوربية متوفرة بطبعات عديدة ومتكررة بدون غطاء من حقوق النشر، عمد المترجمون العرب الى ترجمتها بدون رجوع الى دور النشر الأجنبية فامتلأت السوق العربية بترجمات تجارية لديكنز وهوغو ومولير وبرناردشو وابسن وهمنغواي والعديد من كتاب وأدباء القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين وترتب على ذلك ان العديد من القراء العرب باتوا يعرفون اسماء باتها قبل القاريء الأوربي كالبير كامي وسارتر والكسندر دوماس واميل زولا وفلوبير والبرتومورافيا وكولن ولسون وغيرهم وباتت كتبا مثل اللامنتمي وكفاحي ودون كيشوت وجمهورية فلاطون وغيرها تباع الى جانب روايات نجيب محفوظ ومسرحيات الحكيم..وكانت السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مرحلة هذا النوع من السرقات الأدبية وازدهار سوقها..ولكن تلك المرحلة لم تخل من ترجمات رصينة لمترجمين مصريين ولبنانيين ومنها ترجمة الناقد الأردني الكبير الدكتور احسان عباس ل[ موبي دك]..وترجمات الرواد المصريين للفكر الفلسفي والموسوعات الكبرى في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي التي اضافت الى جيل الرواد وجهود الهيئة المصرية العامة للكتاب التي اسست عام 1971 ثروة معرفية كبيرة.. فاصبح ممكنا للقاريء العربي قراءة [نقد العقل المجرد] لكانت و[رأس المال] لكارل ماركس و[أصل الأنواع] لداروين و[قصة الأدب] لأحمد أمين وبدرشاكر السياب باللغة العربية الى جانب ابداعات عبد الرحمن بدوي وزكي نجيب محمود وزكريا ابراهيم وأحمد فؤاد الأهواني وغيرهم ..وبينما لم تسند ترجمة المؤلفات الكبرى مشروعية الحصول على حقوق ترجمة و نشر ك[صروح الفلسفة] لول ديورانت الذي ترجمه احمد فؤاد الأهواني بعنوان [مباهج الفلسفة] واخرجه بمجلدين بغلاف عادي، كانت المؤلفات المبتكرة ك[الشرق الفناني لزكي نجيب محمود و[الزمان الوجودي] و[الموت والعبقرية] لعبد الرحمن بدوي، على سبيل المثال وليس الحصر، لاتحتاج الى حقوق نشر من جهة اجنبية..وهي مؤلفات رائدة غاية في الروعة والفرادة لم يعمد احد الى اعادة طباعتها..
فغني عن القول ان حقوق النشر هي واجب اخلاقي وهي كبقية الإلتزامات الاخلاقية يتوجب الإقرار بها تماما كالإقرار بالمباديء الأخلاقية والعمل بموجبها من قبل الحكومات والأفراد، والتشريعات تاتي بالدرجة الثانية او تأتي فيما بعد. والملاحظ ان هناك غيابا مطلقا لحقوق النشر في العالم العربي وايران وضرورة حماية هذه الحقوق من القرصنة.. كما لايوجد دافع من قبل المؤسسات التشريعية في هذه البلدان لوضع قوانين حماية هذه الحقوق وفرض عقوبات على من يتجاوزها.. كما لايوجد وعي اجتماعي بهذه الحقوق ويعتقد العديد من الناس ان القرصنة [الخمط في العامية الموصلية] هي الطريق الأسهل لإكتساب المعلومت وتداولها..
مع ذلك فقوانين الطباعة ليست بالظاهرة حديثة العهد في الشرق الأوسط إذ يعود قانون حماية المطبوعات [ وليس حقوق النشر] الى عام 1870، عندما اصدرت الحكومة العثمانية قانون حماية المطبوعات في سياق التنظيمات العثمانية الثانية، وبتوجيه اوربي واضح..وتناول التشريع العثماني حرية الصحافة.ولم يكن هناك في ذلك الوقت اكثر من مطبعتين في الدولة العثمانية الأولى مطبعة بولاق في القاهرة والثانية المطبعة الحجرية في اسطنبول..لكن قرصنة حقوق النشر لم تكن قد بدأت آنذاك بعد، لأن فن الطباعة عينه كان في باكورة عهده في الشرق لأوسط..كما ان مفهوم الحقوق نفسه كان غائبا عن عقول الناس واهتماماتهم..وكانت مصر الرائدة في وضع اول قانون لحماية حقوق النشر في العصر الحديث على عهد جمال عبد الناصر، وذلك عام 1954، اي بعد مرور قرابة 80 سنة على اصدار اول صحيفة في العالم العربي..وقد اجري تعديل على هذا القانون في اعقاب الثورة الرقمية واستخدام الحاسوب ..ثم اعقبت لبنان مصر فالعراق فسورية فالأردن وأخيرا دولة الأمارات في اصدار تشريع حول حماية حقوق النشر...غير ان هذه القوانين لم تحول دون اعمال القرصنة لأنها مجرد حبر على ورق في البلدان التي وضعتها..
كما وضعت الثورة الحاسوبية اداة ميسرة بيد القراصنة لأستنساخ وسلخ النتاج الأدبي والفني ما جعل القرصنة فنا متخصصا ومزدهرا قائما بذاته..كما ادى تطور القرصنة وتشعب وسائلها واهدافها الى تمكين القراصنة من ايجاد تبريرات وقواعد وفلسفة خاصة بهم..
مبررات قرصنة حقوق النشر:
ان القوانين لامعنى لها اذا ما هي شرعت لمجتمع لايحترمها..ولكي يتم احترام حقوق النشر، فأن من الضروري ان يكون لدى المجتمع منظومة من القوانين الخاصة بحقوق الانسان وهذا ماتفتقر اليه معظم بلدان الشرق الاوسط ان لم اقل كلها.. فايران والعراق وسورية ولبنان من بين الدول التي تتجاوز مسألة الحقوق لتبتكر تبريرات عديدة لقرصنة حقوق النشر.. ومن هذه التبريرات ما يوضع في سياق اهداف انسانية..وابرز هذه التبريرات:
1. توفر القرصنة المعرفة باسعار زهيدة.. بمعنى ان استنساخ كتاب سيجعل المستنسخ يدفع ثمن الاستنساخ للمستنسخ فقط اي ثمن الورق والحبر وليس المحتوى او المضمون الفكري والمعرفي..والنسخة تكلف 10% فقط من سعر الكتاب وبذلك توفر للمستنسخ او المستهلك 90% من سعر الكتاب..ويفضل البحاثة وطلبة الجامعات والمعاهد اقتناء نسخة لأن المكتبة توفر نسخة واحدة من الأصل او لاتوفر اية نسخة بينما يوفر جهاز الاستنساخ او الأنترنت في حال توفر نسخة الكترونية مئات او مئات ألوف النسخ من الكتاب الأصل نفسه..
2. كسر احتكار المعرفة..هنا يرى قراصنة الشرق الأوسط الناشرين والمؤلفين على انهم احتكاريين للمعرفة .. وتعد جهات يسارية بأن بعض الأعمال تخضع لتسعيرة راسمالية باهضة وتتخذ هذه الفكرة في الدول النامية بعدا سياسيا اذ يصور الناشر على انه امبريالي يتعمد ابقاء الشعوب في حال من التخلف بحجم المعرفة عنها مما يجعل استنساخ الكتب وتعميمها عملا ثوريا ينطوي تحت طائلة النضال ضد الإحتكار والأمبريالية..
3. تجاوز الشروط والإلتزامات المترتبة على الحصول على حقوق الشر والترجمة بطرق مشروعة..اذ يعتقد القراصنة ان الغرب يحجب عنهم المؤلفات العلمية والاكاديمية بهدف ابقائهم على حال من التخلف وعقدة النقص وان وضع شروط وفرض االتزامات مالية على حقوق النشر والترجمة ماهي سوى حلقة من حلقات الإستعمار الثقافي مما يجعل القرصنة اسلوبا لتوفير المال والمعرفة بالوقت نفسه..
4. تحقق القرصنة منافع اقتصادية كبيرة للقراصنة، فالقراصنة يدخلون سوق الكتب بصفة تجار مسالمين وهم في حقيقتهم سراق متخصصين: فهم يقتطعون 10% من سعر الكتاب هي حق المؤلف او المترجم و 10% من سعره هي كلفة تحرير الكتاب وتصميمه واخراجه و30% الى 50% من سعره هي تكلفة الجوانب النوعية للكتاب كحجمه وتغليفه ..اذ يعمد القراصنة الى الغاء جلاد الكتاب في طبعته الأصلية وتعويضه بجلاد كارتوني او ورقي رخيص الكلفة قبل عرضه للبيع في نسخ مقرصنة مضاعفة في السوق بدون تغيير على تصميم نسخه الأصلية وحجم الورقة او الحرف شكلا وسمكا..
5. مقارعة الأمية الحضارية: تعد الطباعة في الشرق الأوسط ظاهرة حديثة العهد نسبيا..فقد استقدمت في مصر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اي بعد استخدامها في الغرب ب 400 سنة..ويحدد العديد من الحكومات في الشرق الأوسط ومعها ايران سياستها الثقافية بضرورة اللحاق بالغرب وتقليص الهوة بينها وبين الدول الغربية على الصعد العلمية والتكنولوجية والثقافية بكل الطرق المتاحة، مما جعل معظم هذه البلدان تتبنى سياسات محو الأمية وتنتهج الزامية التعليم..الأمر الذي شجع العديد من هذه البلدان وفي مقدمتها ايران الى تشجيع وليس تحريم القرصنة او منعها.. بل أن العديد من هذه الدول ينطر الى تشريعات حقوق النشر على انها خرق صريح لحق الحصول على المعرفة وتبادل المعلومات والمعارف ونشرها بين الناس.. فحقوق النشر في نظر هذه الجهات تفضي الى تصعيد اسعار الكتب لصالح الناشر والمؤلف مما يؤدي الى امتناع القراء من شراء الكتب وهذا يؤدي بدوره الى الهبوط بالمستوى الثقافي والحضاري للأمة..
ومن المفارقات المثيرة ذهاب بعض المؤسسات والمراكز الى الدفاع عن حقوق القراصنة ضد الناشرين والكتاب وكمثل على ذلك قيام مركز الأرض لحقوق الإنسان ومكانه القاهرة في اصدار تعميم نشرته دار الشروق في 20-11-2005 يتناول انتقاد الأصوات الداعية الى حماية حقوق النشر بذريعة ان هذه الحقوق تحد من حقوق المواطن بتبادل المعلومات، تحت طائلة اعتبارات اخلاقية واهية..بل وصلت الهجمة لصالح القرصنة حدودا غاية في اللامعقولية والتطرف عندما قام الزعيم الروحي آية الله خميني بإصدار فتوى تحرم حقوق النشر.. مما يجعل القرصنة عملا مشروعا وجعل ايران الدولة الأولى في لائحة القرصنة على حقوق النشر وكانت ذريعة الفتوى التي اصدرها الزعيم الروحي لأيران في شرعنة طباعة ونشر الكتب بدون الحصول على حقوق نشرها من مؤلفيها وناشريها ان الاسلام لايحرم نشر الكتب التي تخدم العلم وتنفع المسلمين.. ولا انوي التوغل في الجوانب الفقهية لهذه المسألة لوجود احاديث تجيز طلب العلم ولو كان في الصين ..ولكن هذه الأحاديث سبقت كثيرا العصر الحديث وقوانين حقوق النشر التي روج لها الغرب الذي يعد في نظر الكثير من الناس غربا [كافرا]..وعندما وجه السؤال حول جواز طباعة الكتب وترجمتها ونشرها بدون الحصول على حقوق الترجمة والنشر، نفسه الى سيد علي الخامئني الذي خلف الخميني في سلطته الروحية على ايران، اجاب ساخرا بسؤال هو: ولكن ماهو الحق؟ مما حول ايران الى اكبر وكر لقرصنة حقوق النشر في العالم..وتعد دور نشر قم ومنها على سبيل المثال [دار لسان الصدق] و[دار الروح الأمين] من اكبر مراكز مافيات الكتب في ايران والعالم، وقد تحولت بيروت وبعدها بغداد الى مراكز لعرض الكتب الأيرانية المقرصنة وترويجها، وعندما ترفع الشكاوي ضد القراصنة الأيرانيين، تتدخل السفارة الأيرانية لصالح القراصنة فالقرصنة هنا ترتدي قناع العقيدة بحكم فتوى فقهية ولاسبيل الى رفضها..
وتظهرالوجهة الثانية للعملة العديد من الكتاب العراقيين ممن سرقت اعمالهم من قبل جيرانهم فنجد كتبهم تظهر في اسواق لبنان ومصر وايران ولكن باسماء اخرى .. وغالبا مايكتب القراصنة على اغلفة الكتب المسروقة عبارة طبعة اولى ومعها رقم تسلسل وتاكيد مفاده ان الحقوق محفوظة كلها للمؤلف أو للناشر..وتشمل ضحايا القرصنة اسماء كبيرة في الثقافة العراقية كعلي الوردي وحنا بطاطو وعباس العزاوي وغيرهم... ولعل الأسوأ في اعمال القرصنة هذه، تعمد الناشر القرصان في تغيير المعلومات التي تتعارض آيديولوجيا وتاريخيا مع آيديولوجية دولته .. وهذا ماحدث في نسخة ايرانية مقرصنة لكتاب [العراق بين احتلالين] للأستاذ عباس العزاوي.. ومن مؤسسات القرصنة الأيرانية [دار الشريف الرضي] و[انتشارات المكتبة الحيدرية] وكلتيهما في قم، اذ يندر ان نجد كتابا في التراث الإسلامي العربي اوالفارسي لم تقرصنه دار الشريف الرضي لتقوم دار انتشارات الحيدرية بنشره وتوزيعه..ومن الكتب المقرصنة والمعروضة للبيع في مكتبات العالم في الشرق الوسط وحتى في مكتبة الساقي في لندن [الإمتاع والمؤانسة] للتوحيدي الذي طبع أصلا في دار الحياة في بيروت عام 1972، و[النقود الاسلامية] للمقريزي الذي طبع اصلا في المكتبة الحيدرية في النجف الاشرف [وهي غير حيدرية قم]، و[الإمامة والسياسة]، و[تاريخ الخلفاء] لأبن قتيبة وقد طبع اصل هذذا الكتاب في مكتبة المثنى في بغداد وبتحرير كوركيس عواد عام 1954، وكذلك كتاب [العراق بين احتلالين] الذي اصدرته المطبعة الوطنية بينما اعادت ايران في نسخة مقرصنة طباعة هذا الكتاب الرائع بتغيير تفاصيل كثيرة فيه كتحويل عبارة [الخليج العربي] حيثما وردت فيه الى عبارة [الخليج الفارسي] في تجن صريح على المؤلف والقاريء وحقائق التاريخ والجغرافيا ..وكتاب [اربعة قرون من تاريخ العراق] بقلم ستيفن لونكريك، الطبعة الرابعة، في نسخته المعربة بقلم جعفر الخياط عام 1968، والعديد من الكتب الأخرى، وهناك حالات ينسى فيها الناشر القرصان مسح مكان وتاريخ الطبعة الأولى للكتاب في نسخته المسروقة مما يفضح سرقته.. وفي واقع الحال فإن مايحدث في قم هو خرق صريح لحقوق الملكية الفكرية للأمم المجاورة والمشاهد ان دمشق والقاهرة وبيروت وعمان [الأردن] تحتذي حذو قم في اعمال القرصنة اللامسؤولة هذه..
اما رابطة الناشرين العرب التي اسست عام 1994-1995 فهي اشبه بمركز بحوث التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في اسطنبول او بمنظمة المؤتمر الإسلامي فهي مؤسسة تبدي ارتياحا في النقد الذاتي الموجه للقرصنة فحسب وسعيها الرئيس استحصال التبرعات الخيرية من الدول الاسلامية الثرية والانشغال في معارض الكتب المقرصنة، عن علم او بدونه، بين حين وآخر..
انواع القرصنة:
بينما تعد حقوق النشر، مصطلحا ومفهوما، امرا جديدا في الشرق االأوسط، فأن السرقة الأدبية [في تقعيدها ونظريتها] تعود الى القرن الثامن للميلاد.. وقد يطلق على السرقة الأدبية مصطلحات تلطيفية كالإستعارة والإقتباس والتضمين والتقليد والمحاكاة، غير ان المعنى واحد لايتغير وهو سرقة اعمال ادبية وانتحالها بوضع اسم غير اسم صاحبها ومنتجها الأصلي عليها.. ويعد النقاد العرب الأوائل السرقة الأدبية على انها الشكل السائد للقرصنة في عصرهم..والملاحظ ان اساليب رصد وتصنيف اشكال السرقة الأدبية في عصرهم لا تختلف كثيرا عن اساليب رصد وتصنيف السرقات الأدبية في عصرنا اختلافا جوهريا..ويميز النقاد العرب بين ثلاثة انواع من القرصنة هي:
الإنتحال: اخذ المعنى مع جزء من الصياغة الأصلية او كلها.
النسخ: اخذ المعنى مع تغيير صياغة النص الأصلي.
السلخ: اخذ المعنى ووضعه بصياغة جديدة تختلف تماما عن صياغة النص الأصلي
وهي انواع مكشوفة ... بينما يرون ان السرقة الأدبية قد تكون أدهى واخفى من ان تلاحظ بسهولة ويوفرون الأنواع الآتية لهذا النوع من السرقات الأدبية:
1. الأخذ: وهو ان يؤخذ معنى النص ويوضع في سياق مختلف تماما.
2. الإغارة: وتعني التوسيع وهو ان يقوم القرصان بتوسيع النص الأصلي بحيث تأتي نسخته اكثر تفصيلا وتنويعا وتشعبا من الأصل.
3. العكس: تقديم نص يتناقض بمضمونه مع النص الأصلي اي كتابة نص نقيض.
4. التنكير: ويتمثل بأخذ جزء من النص الأصلي والأضافة اليه زخارف وتنميقات بحيث يبدو نصا مختلفا عن الأصل..والمصطلح هنا مأخوذ من القرآن حيث نكر الجان عرش بلقيس بحيث يبدو وكأنه عرشا آخر.
5. التوسيع والتحجيم: ويتمثل بالإضافة الى تعميم الخاص وتخصيص العام، اضفاء تفاصيل جديدة على النص الأصلي او اجتزائه بطريق الحذف..
وهكذا فباللجوء الى اساليب التلاعب النصي القريبة من الأوهام البصرية وطرائق المخادعة والتمويه الستراتيجي، ازدهرت السرقة الأدبية في العالم العربي اذ تتماثل الأساليب التي يعتمدها سراق النصوص وقراصنتها بأساليب السحرة والخبراء بالتمويه الستراتيجي حيث تنطبق المصطلحات نفسها على الميدانين باعادة تكوين نمط سابق وايجاد نمط جديد باضفاء او انقاص او تحوير او تمويه تفاصيل معينة بحيث تعطى النسخة المزورة خصائص تجعلها اقرب الى الأصل او مماثلة له..ويقدم احد النقاد في العصر العباسي 18 نوع من انواع السرقة الأدبية..فلاغرابة ان يستثمر القراصنة المعاصرون الأساليب القديمة ويطورونها من خلال الإستفادة من الوسائل الرقمية المعاصرة كالأنترنت والأستنساخ والتحكم بالشكل واللون والإخراج..
وبمقدورنا ان نميز في اساليب القرصنة الأدبية الحديثة نوعين رئيسين هما السرقة او القرصنة الظاهرة والسرقة او القرصنة الخفية:
ونميز في القرصنة الظاهرة انواع ثلاثة هي الأكثر تكرارا في العصر لحديث:
1. قرصنة الأعمال الكلاسيكية [القديمة] والمخطوطات:
جرت العادة على الإحتفاظ بالمؤلفات القديمة في اللغة العربية بالمتاحف والمكتبات العامة والشخصية والجوامع والمدارس القديمة في العالم الإسلامي..وتعد هه المؤلفات والمخطوطات جزءا من التراث القومي للأمم وبالنتيجة يكون الحصول عليها لغرض الإستنساخ اليدوي او الآلي او الإستعارة محدودا للغاية وتحكمه ضوابط وشروط محددة كثيرة على الأغلب..مع ذلك يعهد بهذه المؤلفات والمخطوطات للبحاثة والمتخصصين لأغراض التحقيق والصيانة ولأخراجها بطبعات حديثة للصالح العام..ولأن نسخا من المؤلفات القديمة ولمخطوطات النادرة قد توجد في الهند أوتركيا أو المغرب أو ايران أو المتاحف العالمية الكبرى كالمتحف لبريطاني ومتحف اللوفر او المكتبات الكبرى في الدول الأوربية وبخاصة هولندة واسبانيا وموسكو التي انتقلت اليها العديد من المخطوطت بطريق اردبيل، اضافة الى مدن العراق ومكتباته ومتاحفه، فإن الدارسين والبحاثة يترتب عليهم السفر عبر القارات لمقارنة النسخ المتوفرة كلها للمخطوطة المراد تحقيقها مما يجعل عملية تحقيق مخطوطة وتحريرها مهمة مكلفة وصعبة للغاية..وعندما يتم انجاز هذه المهمة ويصار الى اخراج االمخطوطة بكتاب جديد وبهيئة وملمس مختلفين، يعمد قرصان في ايران أواماكن اخرى الى اقتناصها وقرصنتها فيضع عليها سعرا ويكتب على غلافها عبارة [طبعة جديدة ومنقحة] ولاينسى ان يكتب في الصفحة الداخلية او في ظهر الغلاف تحذيرا ضد اعادة طباعتها على ان حقوق النشر محفوظة له فيصدر منها آلاف النسخ ويعرضها للبيع في اسواق الكتب في كل مكان في العالم..وعند نفاد الطبعة الأولى للنسخة المقرصنة يصدر القرصان نفسه او قرصانا آخر طبعة ثانية وبنوعية اردأ من الورق بتحذير مزور جديد حول حقوق نشر محفوظة للكاتب او الناشر وبغلاف جديد بالتصميم نفسه او بتصميم مختلف ليبيعها بسعر مماثل او مختلف بدون معرفة المحرر او المحقق الذي امضى سنوات في تحرير الأصل وتحقيقه..والأدهى ان نأتي لنجد اسم محرر آخر على الطبعة الثالثة بما يرقى الى سرقة الهوية وهذا يدخلنا بنوع آخر من السرقات الأدبية حيث تعاد طباعة المؤلفات بدون موافقة الناشر او المؤلف الأصلي ..ويحمل الكتاب اسم ناشر او مؤلف أو محرر آخر في الوقت الذي يكون أحد هؤلاء أو كلهم في غياهب السجن او الموت او النسيان..
ولابد من الإشارة، بقدر تعلق الأمر بالمخطوطات، ان آلاف المخطوطات العربية هاجرت من الحلة والنجف بل ومن الموصل الى جبل عامل [جنوبي لبنان] ومن جبل عامل الى ايران ومنها ما هاجر الى ايران بدون المرور بجبل عامل خلال فترة الحكم الصفوي وان هذه المخطوطات لا تغطي الأدبيات ذات الصلة بالمذهب الشيعي فحسب بل بمواضيع مختلفة تتضمن العلوم والتاريخ والبلدانيات والآداب واللغة والقواعد وعلوم القرآن وغيرها..ويعود السبب في ذلك الى محاولة الصفويين الين يجهلون القواعد المعرفية للمذهب الشيعي الذي اعلنوه دينا لأيران استقطاب علماء الشيعة وجلبهم الى ايران مما جعل من أردبيل عاصمة اذربيجان الأيرانية الصفوية واصفهان عاصمتهم اللاحقة مذخرا للمخطوطات الإسلامية التي وفدتها مع المهاجرين الشيعة ليس من العراق وجبل عامل فحسب بل من الهند والبحرين ايضا..الأمر الذي وفر مادة اولية هائلة للسرقة الأدبية تعتمد أصولا غاب كتابها في مجاهل التاريخ ودهاليزه الغائرة..ولا نستبعد ان يسطو قرصان على قرصان آخر في سلسلة من القرصنة يتم خلالها مسخ العمل الأدبي مسخا كليا بحيث تنحصر معرفة أصوله على مؤلفه الأصلي ودائرة ضيقة من معارفه فحسب..
2. القرصنة الترقيعية او القرصنة بطريق التجميع:
كالفيروسات الحاسوبية، يميل القراصنة الجدد الى البحث الدائم عن صيغ مبتكرة في ممارسة نشاطاتهم القرصنية..فقد شهد العالم العربي نهضة هائلة وغر مسبوقة في انتاج المجلات والدوريات والصحف منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومن الدوريات والمجلات التي استمر اصدارها حتى ستينيات بل وثمانينيات القرن الماضي المشرق والهلال والمختار والأستاذ والمواقف وغيرها على الصعيد القطري والمحلي..وكانت تلك المجلات تحتوي على سلاسل مقالات متصلة وكتيبات [مونوغرافات] ومقالات مطولة وتحقيقات بدون ان تتصل بها اية حقوق نشر ..وبدهي أن القراصنة لايقفون ازاء هذا النتاج الثر مكتوفي الأيدي..بل سيبادرون حتما الى اقتناص مايمكن ان يصار الى ترتيبه في مصفوفة من مقالات متماثلة تحت طائلة عنوان او موضوع مشترك كأن يكون ادب المهجر او الأدب الأندلسي او مشكلة الإنتحار ومالى ذلك ثم يضعون هذه المصفوفة في غلاف جديد وبعنوان جديد ويزودون الكتاب بأسم مؤلف او مؤلفون جدد..ثم يصدرون الكتاب مفردا او على شكل سلسلة تماثل سلسلة عالم المعرفة او سلسلة كاتب وسيرة او صور من التراث .. وبذلك يحصل القرصان على حماية قانونية بصفته محافظا يحرص على التراث من الضياع..
3. القرصنة عبر الأجناس الأدبية المختلفة:
ويتمثل هذا النوع من القرصنة بنقل مواد رقمية او برامج تلفازية او افلام الى مادة ورقية وبالعكس.. وقد يلجأ القرصان الى تحوير رواية الى مسرحية ومسرحية الى رواية..او يغير نصا شعريا الى نص نثري بما يسمى بحل [حلحلة] الشعر..وهذا النوع من القرصنة ذائع الإنتشار في الأوساط الأكاديمية والجامعات والمعاهد في العالم العربي..إذ يوفر عدد من الجامعات والمكتبات والمعاهد العليا في الغرب نسخا الكترونية لكتب عديدة وفي حقول المعرفة المختلفة مما فتح بابا كبيرا على مصراعيه للقراصنة الذين بدأوا عملية اغتراف واسعة من منهل مجاني لاحدود له ولا رقيب عليه..وعملية القرصنة هنا لاتحتاج لغير طابعة الكترونية متوفرة وباسعار زهيدة لنقل الكتاب الرقمي الى كتاب ورقي تتلخص مهمة السارق بتغليفه وتجليده وعرضه للبيع بسعر يختاره له بنفسه..وبذلك اصبح ميسورا نقل اعمال حديثة في التاريخ والسياسة وعلوم النفس والإجتماع .. وهي كتب باهضة الثمن في نسخها الأصلية والحصول عليها لا يتوفر من مضانها الغربية الا بواسطة مكتبات تدفع بسخاء للحصول عليها ووضعها في رفوفها..
أما القرصنة الخفية التي تستهدف الأعمال المترجمة او تسعى لترجمة المؤلفات من لغات اخرى فتقع باربعة انواع وكالآتي:
1. القرصنة الأدبية: ينتشر هذا النوع من القرصنة في الشرق الأوسط وفي دول آىسيوية عديدة كالهند والصين والباكستان انتشارا واسعا..ففي العالم العربي، يعمد القراصنة الى اعادة نشر ترجمات الأعمال الأدبية المنجزة في مصر او لبنان وغيرهما من الأنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية الى العربية.. وتشمل هذه الأعمال الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة بدون معرفة الناشر الأصلي او ممتلك حقوق النشر وبدون اي ترخيص منهما.. وفي حال عدم توفر ترجمة لهذه الأعمال يعمد القراصنة الى تكليف مترجمين تجاريين بالقيام بترجمة هذه الأعمال ترجمة تجارية زهيدة تتلف الجوانب االإبداعية والفنية في الأصل المؤلف بلغة اجنبية.. ويستغل القراصنة في هذه الفئة من القرصنة البعد الزمني والمكاني وحاجز اللغة فضلا عن ضعف المواصلات والإتصالات في العقود الأولى من القرن العشرين..ولايستبعد ان تكون بعض الترجمات العربية منقولة عن ترجمات اخرى باللغات التركية او الأئرية او الهندوستانية مما يقتل النص الأصلي مرتين ويسلبه روحه وجماله..وقد ازدهر هذا النوع من القرصنة في مصر ولبنان منذ العقد الثالث وحتى تسعينيات القرن العشرين..
2. القرصنة الأكاديمية: ينحصر ها النوع من القرصنة على الأوساط الأكاديمية والجامعات والمعاهد العليا حيث يتجه القراصنة ومعظمهم ينقصه الإحتراف ولأغراض غير ربحية الى الأطروحات العلمية المتوفرة في الجامعات وفي المكتبات الألكترونية وغيرها فيعمدون الى ترجمتها الى اللغة العربية بهدف تضمين ما تحتويه من معلومات في اطروحاتهم للحصول على شهادة اكاديمية...وقد يلجأ القراصنة تحت هذه الطائلة الى تجميع مادة اطروحاتهم من أكثر من مصدر بما يتضمن الدراسات المنشورة في دوريات علمية وبأكثر من لغة وأطروحات وكتب يترجمون مايكفي ويتفق منها مع منطوق الأطروحة ثم تقدم المحصلة باللغة العربية على انها ثمرة مجهودات القرصان الذي يحصل على شهادة ليس في القرصنة بل في موضوع اختصاصه كما طورته مؤسسات أخرى ودارسين آخرين..وغالبا مايختفي القرصان من هذا النوع وراء حاجز اللغة او اللغات التي دونت فيها النصوص الأصلية..وقد ادى ها النوع من القرصنة الى تضحيل المستوى الأكاديمي للعديد من الجامعات العربية وابقائها في حال من الفوضى والتخلف..
3. القرصنة المسخية او التحولية: يمر الكتاب المراد قرصنته في هذا الضرب من القرصنة بثلاثة تحولات او انمساخات. فالكتاب المؤلف من قبل كاتب جيكي او روسي او صيني او اميركي لاتيني والمترجم الى الإنكليزية يصار الى ترجمته الى العربية او الفارسية او التركية او غيرها من اللغات الشرقية..والمترجم في الحلقة الثالثة من التحولات قد يكون مأجورا من قبل قرصان مما يجعل الترجمة في حلقتها الأخيرة خالية من اية إشارة الى اصلها قبل التحولات ومكتظة بالأخطاء الأسلوبية والحضارية بينما تفضح الملامح الإشارية فيها كالأسماء والشخصيات والحوادث اصولها قبل انمساخاتها .. كما يتيسر للقاريء اكتشاف التغيرات التي احدثها المترجم لأعطائها صبغة محلية تنسجم مع المتلقي الأخير في حلقتها الأخيرة..بما يماثل الى حد ما دبلجة الأفلام والمسلسلات عبر اكثر من لغة..وكمثال على تلك الإنمساخات قصة [الواثق] لوليم بكفورد التي كلف بترجمتها هنلي الذي ترجمها من العربية "كونها قصة من قصص الف ليلة ليلة، الى الفرنسية ثم عمد بكفورد الى ترجمة النص الفرنسي الى الإنكليزية وزعم انه مؤلف الرواية التي اسماها (فاثك) - بتحويل الواو العربية الى فاء اعجمية والقاف الى كاف" – [وقد جئنا ببراهين في بحث كرسناه لهذه القصة تؤكد بأن اصول هذه القصة تعود الى حكاية مفقودة من الف ليلة وليلة وان بحثي هذا نشر في اللغة الإنكليزية في الدورية الإسلامية على سبيل الخطأ بإسم كنت استعرته لبريدي الألكتروني السابق].
4. الكولاج او القرصنة بطريق "النسخ واللصق":
يقوم القرصان في هذا النوع من القرصنة بتجميع مواد من مصادر متنوعة بطريق نسخها وطبعها مجددا ليشكل موضوعا متكاملا من مواد مبعثرة، ويبدو المنتج النهائي اشبه بنخبة مختارة او انثولوجيا او مجموعة من المقالات او القصائد او المسرحيات ذات المشهد الواحد..ومصادر الكولاج غالبا ماتكون غاية في التنوع والإختلاف اذ تتراوح من المواد المنشورة في الشبكة العنكبوتية [الأنترنت] الى الدوريات والمجلات والأعلانات والأفلام..ويشمل مجاله [الكولاج] النتاج الإنساني الأدبي وغير الأدبي بأكمله.
القرصنة العقربية:
وثمة نوع من القرصنة يتكرر احيانا في الأوساط الأدبية المحلية اشبه بالإقتناص أو الإختلاب او لدغة العقرب، إذ يعمد احد الكتاب سعيا منه الى الشهرة وليس الى الكسب المادي الى اقتناص مقالة لزميل له او لكاتب معروف [كما حدث عندما قرصن احدهم عملا للمؤرخ والمفكر العراقي الشهير الدكتور سيار الجميل في الآونة الأخيرة]..ويرسلها الى احدى الدوريات أوالمجلات او المواقع الألكترونية بأسمه..ظنا منه ان هذه السرقة لن تظهر وان الكاتب الأصلي لها لن يطلع على المجلة او الدورية او الموقع الألكتروني الذي نشرت مجددا فيه..وهو نوع من القرصنة تعرض له العديد من الكتاب المعاصرين ومنهم كاتب المقال..ولايعدو هذا النوع سوى ضرب من الإيذاء الشخصي الذي يلحق الضحية فيما يتفاخر القرصان بجزء من فكروجهد شخص آخر يعجز عن محاكاته او اتخاذه قدوة ابداع يتعلم منه الحرية العقلية وفن الكتابة الخلاقة..
الآثار السلبية للقرصنة:
يتصرف القراصنة على نحو مماثل لمسلك دود العلق والأرضات والطفيليات..فهم ليسوا موهوبين في طبيعتهم بل مخادعين لايمكن لتجارتهم ان تنجح او تزدهر إلا على حساب مايحدثونه من ضرر وخسائر باطراف أخرى..والتاثيرات السلبية لقرصنتهم لا تلحق بضحاياهم المباشرين اي المؤلفين والمترجمين والكتاب والفنانين والناشرين الملتزمين فحسب بل تتجاوزهم الى المجتمع بأسره، وفيما يأتي بعض التاثيرات السلبية للقرصنة:
1. تحرم القرصنة المبتكر من الإستفادة من ثمرة جهده في انتاج مؤلفه:
وهذا ما ينطوي في الأغلب على أحباط مصحوب بوأد للدافع الإبداعي لدى الكاتب..فكلنا يعلم الأعباء التي يترتب على الكاتب تحملها في سبيل انجاز مشروعه الكتابي، فإن هو [رجلا كان أم إمرأة] لم يجن ثمرة مجهوداته، فإنه سيحبط وقد يتوقف عن مواصلة التأليف او الترجمة.
2. تؤدي القرصنة الى ارتباك في علاقات العمل وتعرقل نجاح الكتاب وقد تفضي الى نزيف الأدمغة [هجرة الكتاب الى خارج اوطانهم]:
إن جانب من شهرة الأمم وامتيازها على الأمم الأخرى يرتكز على النتاج الأدبي والفني لأبنائها، ويعتمد هذا النتاج في جوهره على سلامة العلاقات الإجتماعية وعلاقات العمل التي تربط الكاتب ببيئته، فإن استلب الكاتب او الفنان من ثمرة عمله، فأنه سيسعى الى تعويض ذلك في بيئة أخرى قد يلاقي نتاجه مكافأة مجزية فيها..وقد يغير لغة خطابه فيتحدث بلغة البلد المضيف مما يوجه انتاجه ليصب في مجتمع آخر..ولهذا نرى ان العديد من الكتاب المغاربة والجزائريين واللبنانيين والعراقيين يكتبون باللغات الفرنسية والإيطالية والأنكليزية ، وتلقى اعمالهم ترحيبا في فرنسا وايطاليا وانكلترا، ويعرف القراء العرب كتابات الطاهر بن جلون وجورج شحاذة وكاتب ياسين ورشيد بوجدرة من خلال الترجمات العربية لأعمالهم المنشورة باللغة الفرنسية فيما ننتظر ترجمة اعمال يونس صديق واياد العبار من الإيطالية الى العربية لنقرأها، هذا ينطبق على اعمال اكاديميين عرب يقودون العملية الثقافية في الغرب بأسره..
3. تؤدي القرصنة الى اضعاف وخلخلة المنظومة الأخلاقية لدى الأفراد والمجتمع:
عندما يعتاد الناس على بيع وشراء السلع المسروقة تتراخى التزاماتهم الأخلاقية بحيث تصبح الثقافة السائدة في المجتمع هي ثقافة لصوص ..وبذلك فأن الناس سيفقدون احترامهم لأنفسهم واحترام الآخرين لهم..
4. تؤدي القرصنة الى تعميق حالة انعدام الثقة:
ان تكرار اعمال القرصنة في الشرق الأوسط سيجعل من الناشرين والكتاب والمترجمين الأجانب في الغرب يفقدون الثقة تدريجيا بالعرب والفرس والترك وربما الأكراد [إن طور هؤلاء لاحقا سوقا للكتب المقرصنة]، لأن الكتاب والناشرين والمترجمين الأجانب سرعان مايكتشفون أن اعمالهم تسلخ منهم بدون حقوق نشر او ترجمة ويرون انها سرقت او ترجمت ترجمة رديئة ونشرت بآلاف النسخ البائسة رديئة الطباعة لتعرض في معارض واسواق الكتب الفارسية والعربية والتركية..ونجد في الأسواق اكثر من ترجمة لأعمال كتاب عالميين كأورول وسارتر والبرت كامي واندرية جيد وكافكا وموريس لبلان [مبتكر شخصية آرسين لوبين]وتوم كلانسي وآرثر كونان مكدويل[مبتكر شخصية شرلوك هولمز] وغيرهم واحيانا نجد اربع او خمس ترجمات لعمل واحد كما في [مزرعة الحيوانت] لجورج اورول او في حكايات اللص الظريف [آرسين لوبين]..ومن الترجمات مايعتمد المساعد الألكتروي في الترجمة ومنه مايعتمد ترجمات سابقة تحرر وتحور من جديد بما يجعل من القرصنة عملا متنقلا يعيد توليد نفسه ويتنقل عبر الزمان والمكان والأجيال..
5. تتلف القرصنة الخصائص النوعية للكتاب:
غالبا ما يصرف الدافع الى الربح السريع القراصنة عن الأهتمام بالمواصفات النوعية للكتاب..ومن البدهي ان الكتاب المقرصن هو الأردأ في نوعية الورق والحبر والحرف والتصميم والملمس والتغليف المخصص له..ومن الطبيعي ان نجد بعض الإستثناءات كما في حالة اكتساب سارق للتحف لهواية حب اقتناء التحف بدافع الإهتمام بجمالها وعلى النحو نفسه قد نجد كتابا مقرصنا يبدو افضل كثيرا من الأصل..ومن الأمثلة على ذلك اعادة اخراج الكتب التراثية والمقدسة ..حيث تبدو النسخة افضل كثيرا من الأصل في تذهيبها وجلادها..
6. تؤدي القرصنة الى ذيوع الفساد واستشرائه:
للقراصنة في معظم الحالات اكثر من وظيفة واحدة فهم غالبا مايسرجون حصانين وليس حصانا واحدا ويلعبون دورين اولهما غير مرئي او خفي وهو دورهم قراصنة وثانيهما ظاهر مكشوف ويتمثل بعملهم الأعتيادي كموظفين في الدولة او اصحاب مصالح عامة في المجتمع..وهم بحكم افتقارهم الى الأخلاق واعتيادهم على ازدواجية المعايير والسلوك والظهور بقناع اجتماعي يخفي وجوههم الحقيقية فإنهم يعمدون الى توظيف الأموال التي يحصلون عليها من عمليات القرصنة في قنوات غير مشروعة اخرى كالمتاجرة في الرقيق [استئجار خادمات آسيويات لبيوت الأثرياء العرب]، وتبييض الأموال بل وحتى المتاجرة بسلعة الخوف المعروفة عموما ب [الإرهاب]..
ان هذه الآثار السلبية وغيرها من شأنها الحاق الفساد في النظام التعليمي لبلد بأسره، وتدمير الحوار بين الدول الأوربية والدول النامية او مايعرف ب[ حوار الجنوب والشمال]، فضلا عن تتفيه المنظومة القيمية للمجتمع..ولكن كما هو الحال في الأوبئة الخطرة التي تهلك المجتمعات، نرى ان هنالك اجراءات وقائية ودفاعية من للممكن اللجوء اليها لمنع حدوث القرصنة او الحد منها ومن اضرارها في الشرق الأوسط..وفي الواقع فقد عمد عدد من البلدان العربية على اتخاذ اجراءات لمكافحة القرصنة كمصر ودولة الإمارات العربية اللتان خطتا بعض الخطوات في هذا الإتجاه.. مع ذلك فالمسافة بين هذين البلدين واضعف الدول الغربية التزاما بقوانين حقوق النشر مابرحت هائلة..ولا اقصد من ذلك غياب قوانين حقوق النشر في البلدان العربية، فالقوانين موجودة ..إلا انها تبقى حبرا على ورق ولم تجر اية محاكمة او مقاضاة تتناول مسألة القرصنة في المحاكم العربية باستناء محاكمة صاحب محل اقراص فيديو ممنوعة في وقت يسرح السراق الكبار في الساحة ويمرحون لوحدهم..ويحصلون على اموال طائلة اذ بلغت الخسائر المترتبة على تجاوز حقوق النشر في مصر وحدها 750.000.000 جنيه مصري عام 2001 كما ورد في احصائية مقدمة في مؤتمر الملكية الفكرية وحقوق النشر عقد في دمشق للفترة 27-28 نيسان عام 2005..ويعد هذا المؤتمر واحدا من عدد قليل جدا من المؤتمرات والندوات التي تتناول مشكلة حقوق النشر وقرصنتها من قبل سراق الكلمة الى جانب مؤتمرات عقدت في بيروت وتونس وعمان والقاهرة..وقد تمخضت هذه المؤتمرات عن توصيات ومقترحات كالعادة في المؤتمرات التي تتناول الحقوق في الشرق الأوسط بينما استمرت حالة غياب قوانين حماية الملكية الفكرية وانعدام تفعيلها في حال وجودها الصوري في عدد من البلدان..فالمؤتمرات والندوات والنداءات في هذا الإتجاه لاتعدو ان تكون سوى زوبعة في فنجان..ومما زاد الطين بلة ان معظم الحكومات في الشرق الأوسط هي حكومات سلطوية واستبدادية الأمر الذي قد ينفع أو يضر في فرض التزامات يؤدي الخوف الى احترامها والفساد الى رفضها لأن التشريعات في مثل هذه البلدان وبخاصة ايران تصدر من اعلى الى اسفل والدولة فيها تتدخل في الحياتين الخاصة للمواطن والعامة للمجتمع بأسره. غير ان الوضع في ايران مختلف تماما فالقوانين ترتبط بالفتاوي والفتاوي في ايران تحلل ولا تحرم القرصنة..وبالنتيجة فالكتب المحرمة هي التي لايجرؤ قرصان على سرقتها وهي الكتب التي تناهض الإستبداد والعقلية الظلامية للملالي بينما نجد الكتب ذات الصلة بالتشيع وولاية الفقيه في كل مكان..وبقدر تعلق الأمر بحقوق النشر فأن الحال تبقى بائسة في عموم الشرق الأوسط لأن النظم السياسية فيه سواء تلك التي جاءت نتيجة حروب الإستتباع وتفكيك الدول ذات السيادة او تلك التي تقوم على ايديولوجيات سلطوية كأيران وتركيا هي نظم تسودها الفوضى ويتحكم فيها الفساد..مع ذلك فهناك جملة من الإجراءات التي قد تقلص او تقضي على القرصنة وتدليس الكتب في الشرق الأوسط ..ومن هذه الإجراءات:
1. خلق الوعي باهمية حقوق االنشر ونشره بوساطة وسائل الإعلام وعقد المؤتمرات والندوات ومشاركة المؤسسات التعليمية كالجامعات والمعاهد بهذه المهمة.
2. تشجيع حكومات الشرق الأوسط ووزارات الثقافة والتعليم فيها بزيادة تخصيصاتهم المالية للمكتبات العامة وتشجيع انشاء المكتبات الخاصة لبيع الكتب بما يوفر الكتب باعداد كافية لأغراض الإستعارة والشراء..والإعتماد على قواعد المعلومات لتفادي التعامل مع الناشرين والمؤسسات الضليعة بالقرصنة..
3. مقاطعة دور النشر ذات النشاطات المشبوهة ومعها المؤسسات الحكومية كايران والمؤسسات الخاصة التي تمارس او تشجع التجاوز على حقوق النشر ومنعها من المشاركة في معارض الكتب او الأعلان عن الكتب في المواقع الألكترونية..وحرمانها ان امكن من شراء المطابع او التعاقد مع شركات لتزويدها بالمطابع..بطريق وضع اسمائها في قائمة سوداء وتوزيعها على المعنين بصناعة الكتب ونشرها وتوزيعها..
4. ربط اتحادات الكتاب والمؤلفين بإتحادات الطابعين على الصعد الوطنية والقومية والعالمية بهدف تكوين شبكة اتصالات يتمكن الجميع من الإتصال وتبادل المعلومات بطريقها وبخاصة تلك المعلومات التي تتعلق بالكتب المقرصنة وكتابها ودور نشرها الأصلية والجهات التي قرصنتها والقوانين الخاصة بحماية حقوق النشر وكيفية متابعتها بطريق تزويد اسماء المحامين وعناوينهم وامكانيات التعويض بطريق اشراك القضاء مما يميط اللثام عن انتهاكات حقوق النشر وييسر على الضحايا متابعة حقوقهم قانونيا..
5. العمل على المستوى الدبلوماسي من خلال وزارات الثقافة والإعلام والتعليم العالي والملحقيات الثقافية في تبني مسالة حقوق النشر وتزويد الجهات ذات العلاقة بالمؤسسات ودور النشر الضليعة بالقرصنة وترويج الأعمال المقرصنة..
6. تشجيع الحكومات التي تفتقر الى قوانين حماية الملكية الفكرية وحقوق النشر بتشريع هذه القوانين وتطبيقها تماما كقوانين المرور والتسجيل العقاري والضريبة وغيرها..
7. تيسير عملية الحصول على حقوق النشر والترجمة في اطار التعاون بين دول الشرق الأوسط والدول الأوربية ومن خلال تشجيع الحوار بين الشمال والجنوب..وبمقدور اتحادات الأدباء وجمعيات المترجمين الإسهام في استحصال الموافقات الخاصة بحقوق النشر والترجمة..
8. تنمية الشعور بالإلتزام الأخلاقي لدى المعنيين بحقوق النشر في عموم الشرق الأوسط..
واخيرا فمهما بلغت العقوبات من القسوة والقوانين من الصرامة، فإن القرصان ليس كالمترجم او المبدع موهوب باالفطرة ..بل هو في اغلب الحالات نتيجة المجتمع والحضارة التي نشأ فيها ..وفي مجتمع فقد اخلاقياته وحسه الجمالي وبات كل شخص فيه يسعى الى القوة والمال والشهرة نجد ان االعلاج الوحيد لقرصنة حقوق النشر هو الزمن. فالقرصنة لدى الكثير وسيلة للمعيشة ومالم توفر للقراصنة فرص معيشة بديلة فأن القرصنة وغيرها من الممارسات غير الشرعية ستبقى الوسائل والمنافذ الوحيدة لثراء القراصنة واضرابهم في الشرق الأوسط..
للعودة إلى الصفحة الرئيسة