يمثل التاريخ القومي للأمم مراحل تتجسمها روح العالم وصولا الى الحرية والحقيقة.. والروح في حركتها تؤسس لشخصيتها الحضارية من خلال الوعي الذاتي اي وعيها بحركتها وتجلياتها في المكان..فالتاريخ القومي لكل امة يشكل مرحلة من مراحل تطور الروح الكلية ويتخذ تجلياته بالتوسع في المكان وفي العمارة الرمزية والدينية المعبرة عن روح الأمة او هويتها فضلا عن الفضاء الصروحي الذي توجده آيديولوجية الدولة القومية في محيط سيادتها في الزمان والمكان. ويلعب عظماء الأمة أدوارا رئيسة في دفع حركة الروح ونموها وبدون وعي منهم احيانا.. ولايمكن التعرف على الروح الكلية الا من خلال تجلياتها عبر التاريخ بطريق الدولة القومية ومنجزاتها على الأرض...وفي مراجعتنا لتاريخ العراق نلاحظ بوضوح أن روح العالم اتخذت من العراقيين مضمارا لنموها وتجلياتها (المتجانسة) بدءا بالحضارة السومرية ووصولا الى الحضارة العربية الإسلامية...ـ
ويبدو من هذا النظر الهيجلي لتطور الروح الكلية [تبنيته في نظرتي الى التاريخ] ان البيئة تحتل دورا ثانويا في تكوين الأمم والتأسيس لأختلافاتها وتنوعها ..مع ذلك فأن الظروف البيئية (الجغرافيا والمناخ) والأمكانات الأقتصادية تشترك في تكوين ملامح الشخصية الحضارية للأمم فقد دعمت الأنهار الكبرى كالنيل ودجلة والفرات والكنج واليانكتسي الأقتصادات الزراعية لمصر والعراق والهند والصين وساعدت في تطوير المواصلات والعلاقات التجارية بينما طورت البلدان الجزرية كالدول الأسكندنافية واليابان اقتصاديات تعتمد على التجارة وصيد الأسماك في حين لم تسند الصحاري الكبرى في العالم اي نوع من الأقتصاد كصحراء كوبي في الصين وصحراء لوط في ايران او صحاري شمالي افريقيا وجزيرة العرب .. وتشاطر الصحاري العربية ادغال افريقيا والأمزون وثلوج المنطقة القطبية في شمالي وجنوبي العالم في عدم دعمها لنشوء حضارات مدنية.. فالبيئة تقدم واحدا من الثوابت التكوينية للشخصية الحضارية ولاسيما في اعطاء اجناس البشر صفات مميزة كاللون وشكل الجمجمة والوجه وطول القامة او قصرها فضلا عن تصميم أنماط الحياة الإجتماعية وطبيعة المواصلات والأتصالات في اشكالها الأولية ثم أنماط الحركة واتجاهها والأنفتاح على اماكن وحضارات اخرى او الأنغلاق على الذات فالبيئات الجبلية كما يرى الرازي وابن خلدون تولد خشونة في الطباع، وتجعل المواصلات والأتصالات صعبة مما يؤدي الى تعدد اللهجات والأنغلاق على الذات والبيئات الجزرية كاليابان والمفتوحة على البحار كبلدان حوض المتوسط او السهلية كفرنسا تشجع الأتصال والتجارة والأنفتاح على الآخر، اذ تكاد كل الطرق في فرنسا وايطاليا وبلادنا الغراء تؤدي الى باريس وروما وبغداد على التوالي، ولكن الطرق لاتؤدي في تركيا واسبانيا بالسهولة نفسها الى انقرة ومدريد..فالعالم على الرغم من تماثل البشر في تكوينهم الأنساني الجوهري يزخر بالأختلافات التي تعطي للعالم رونقه وتنوعه وثراه مما ولد ميزات في التعبير الفني واللساني وفي تجليات الطاقة الأنسانية المختلفة الأخرى..وهكذا نلمس فروقا واضحة في الحضارة الهندية عن الحضارة العربية وفي الحضارة المكسيكية عن الحضارة الصينية وفي الأخيرة عن حضارات افريقيا وأوربا وهي فروق يشاطر التاريخ البيئة في تأسيسها ومنحها ملامح متميزة فالعمارة الدينية على الرغم من تماثلها في محاولة خطاب السماء بنمط معماري عمودي تختلف في تفاصيل التعبير العمودي والأفقي وبتوظيف الفضاء المعماري فالباكودا الصينية تختلف عن المنارة والأخيرة عن ابراج الكاتدرائيات القوطية الطائرة وبينما تمثل القبة الأسلامية فضاءا في كتلة، تمثل العمارة الدينية الأوربية والقوطية بشكل خاص كتلة في فضاء..وتعمل المجتمعات على تذويت الفروق فتنطبع الحضارة كلها بخصائصها المميزة على نحو مجرد من اصدار احكام تفضيلية او اخلاقية على هذه السمات المميزة لحضارة عن أخرى..ـ
وقد تتعرض الروح او الأمة متمثلة بنخبة او بدولة في سياق نموها الى طفرات نوعية بطريق التوسع بالأرض على حساب الأمم الأخرى او بطريق فقدها أو اكتسابها لحلقات طاقة هائلة في سياق نموها كما حصل في الحالة الأولى في اثناء الغزوات الكوتية لسومر وأكد والكاشية لبابل والميدية لنينوى والشعوبية لبغداد وظهور الإسلام في جزيرة العرب في الحالة الثانية عندئذ يتعرقل نمو الروح وتتعرض الأمة لفتوقات وخروقات امم أخرى تتوسع وتنمو على حسابها وقد يصل بها الأمر الى إلغاء تطور الروح القومية او ايقافه .. ويحدث ذلك في السياق التاريخي عنما تتعرض الأمة الى غزو حضاري أو تخريب حضاري بدءا بتدمير تحصيناتها الدفاعية والغاء عقيدتها العسكرية ثم تحطيم ذاكرتها الحضارية وازالة تجليات تلك الذاكرة من الأرض...وعلى الرغم من تحقيق العرب لطفرة نوعية بطريق الإسلام الذي ضم مصر وبلاد الشام وشمالي افريقيا والسودان الى الهلال الخصيب وتحديدا سورية والعراق، الحقت تلك الطفرة ضررا كبيرا في بنية الروح وهويتها القومية وحركة نموها بطريق ايجاد نوع من التجانس الوهمي مع امم غير جزرية لكل منها هوية حضارية تتنافر تماما مع الهوية الجزرية وهما تحديدا الأمتين التركية والفارسية...فالعقيدة ليست دولة وعلى الرغم من عصور التعايش السلمي بين هذه الحضارات المتجاورة لحق العرب والإسلام ضررا كبيرا من الممارسات العثمانية والتدخلات الفارسية عبر التاريخ.. كما أن لكل أمة من هذه الأمم هويتها الحضارية وسياق نموها في المكان ولكل منهما تاريخها ورموزها وفضاءاتها الصروحية.. ولكل امة ومن ضمنها العرب وعي تاريخي ومستقبلي في الوقت نفسه يعمل على خلق نخبة حاكمة تتكون في سياق تاريخ الأمة وابنيتها الحضارية والثقافية فليس من الممكن أن تكون النخبة غريبة على سياق الأمة أو مفروضة عليه أو مستوردة كما في حالات الغزو والإحتلال.. ويتمثل دور النخبة الحاكمة في كل عصر بتأكيد الهوية القومية وتعزيز المظاهر الثقافية والحضارية للأمة ولاسيما أزاء ألاخر غازيا او طامعا اومخربا او متسللا.. كما في حال الكوتيين والقزوينيين (الكاشيين) والشعوبيين والموالي واليهود.. وفي العراق الذي يتعرض للغزو الأجنبي منذ العهود القديمة تتجه إرادة النخبة الحاكمة او الملك فيه الى إعادة اعمار ما قام المحتل بهدمه وتجديد عمارة الصروح او الفضاء الصروحي المشاد من قبل وقد يميل الملك بدافع التحدي الى اضفاء ملامح صروحية جديدة كما في عهود اورنمو وحمورابي ونبوخذنصر ونبونايداس وتوكولتي نينورتا وآشورناصربال الثاني وشلمنصر الثالث واسرحدون والمنصور والرشيد والمعتصم وغيرهم من ملوك العراق وقادته.. كما شرعت الحكومة القومية في عراق السبعينيات والثمانينيات باعادة بناء صروح الأمبراطوريتين البابلية والآشورية وبعض من صروح أور وشروباخ وآشور وكالخو وكذلك بغداد العباسية كأعادة بناء المستنصرية والقصر العباسي وأضفت صروح أخرى كثيرة تذهل الناظرين وتملك قلوبهم..ـ
وتشكل اقواس النصر والبوابات الصروحية احدى اهم تجليات الروح العسكرية العراقية في العمارة الصروحية سواء في العصر الأمبراطوري وفي العهود الإسلامية أو في العصر الحديث.. ويعد العراقيون القدماء البوابات والمداخل اماكن غاية في الاهمية لما يحيط بها من رموز ويعزا اليها من سحر سواء اكانت في مدخل معبد او قصر او مدينة.. وكان العراقيون يعتقدون ان للسماء بوابة وإن إله الشمس [شمش] هو من يقوم بفتحها عند الفجر وإغلاقها عند المساء.. وإن للعالم السفلي سبع بوابات . وكان الاشوريون يحمون مداخل قصورهم بثيران مجنحة مهمتها حماية القصر من الأرواح الشريرة.. كما كانوا يحمون قصورهم بوضع سبع كلاب من الطين المفخور تحت عتبة البوابة و تحمل الصخرة المقورة التي يدور فيها مصراع البوابة كتابات تؤرخ للملك الذي قام بإقامة البوابة أو بتشييد القصر او المعبد أما البوابات نفسها فكانت ترش بالنبيذ وتطلى بالزيوت..ومنها مايزين بالمنحوتات البارزة التي ترمز الى الآلهة الحامية كما في بوابة عشتار في بابل..ونستدل من النصوص والمدونات العراقية القديمة على وجود بوابات صروحية في أكد وشروباخ وأوروك ولاكش وكيش ونيبور وأن الأضاحي كانت تقدم عند تلك البوابات..ونلاحظ بدورنا ان مداخل صروحية كانت تزين القصر الشمالي الغربي لآشورناصربال الثاني في النمرود وأخرى مماثلة تزين قصر سنحاريب في الطرف الجنوبي الغربي لتلقوينجق..وكذلك في بوابة الضلع الجنوبي لمدينة سرجون كما ترينا التنقيبات الآثارية..وقد اخذ الفرس عن الاشوريين وأخذ الرومان عن الفرس هذا الجانب المعماري الصروحي في بناء اقواس في مداخل المدن في أيطاليا حيث انتشرت منها الى العالم ...ـ
والى جانب بوابة عشتار نرى عددا من البوابات الصروحية عند مداخل قاعات قصر نبوخذنصرالسبع.. ونلاحظ ان البوابات في قصر نبوخذنصرمشيدة على نحو متجانب لايمكن معه مد خط الرؤية من خلالها بحيث نتمكن من رؤية الباب الأخير للقاعة السابعة عند النظر بإستقامة من مدخل القاعة الأولى والسبب هو للحيلولة دون ترك المجال للعين بإختراق القصر درءا للعين الحاسدة مما يؤكد العلاقة بين السحر والعمارة في العراق القديم..وفي نينوى نلاحظ ان البوابات الشمالية للسور لها اسماء آلهة ترتبط بالأنواء كبوابة سين فبوابة نركال فبوابةأددو [أدد] المستظهرة من قبل جامعة الموصل ونلاحظ ايضا ان تخطيط نينوى أشبه بجسم انسان رأسه باتجاه الشمال وقدميه بأتجاه الجنوب حيث بوابة آشور المقابلة لحي الوحدة حاليا...وهذا يفترض ان قلب نينوى يقع بين طبلتو [النهر المجنون] بين بوابة المسقى [ماشكي] والضلع الشمالي لتلقوينجق والخوصر ودجلة الذي يجري بمحاذاة تلقوينجق حيث شارع المجموعة الثقافية والحي الزراعي.. وهذا يفسر كثرة المياه الجوفية في الأحياء الواقعة في مجرى دجلة القديم...ـ
وقد واصل العراقيون في العهود اللاحقة الإهتمام بعمارة البوابات في المدن القديمة وحديثة التاسيس وحرصوا على اعطائها ابعادا صروحية وتسميات خاصة على نحو مماثل لملوك العراق في العهود القديمة...ولم يكن العراقيون في عمارتهم الصروحية سواء في القصور والزقورات والمعابد والبوابات يحاكون اية امة أخرى بل كانوا مبتكرين مبدعين ..وكان تأكيدهم على الصروحية ينبثق من محاولتهم تأكيد قوتهم من جهة وبناء ما يليق بالآلهة والملوك من جهة أخرى...وهذا يفسر الأرتباط بين العمارة الدينية والفضاء الصروحي في العهود الإسلامية كما في الجوامع الكبرى التي تحاكي الجامع الأموي في دمشق والأزهر في مصر ومعابد بوذا في آسيا وكنيسة القديس بطرس [بيتر] في روما...اي جعل البناء لائقا بإله...ويرجح ان الأسلاف عمدوا الى العمارة الصروحية بدافع حس تاريخي بضرورة استمرار الأمة فجاءت العمارة الصروحية تعبيرا عن مرحلة من مراحل تطور الروح القومية وتجليا من تجلياتها على الأرض...ـ
كما نلاحظ ان الملوك الآشوريين أضفوا ابعادا جديدة على عمارتهم الصروحية تمثلت في تضمين تلك الصروح آيديولوجية الدولة والدعاية لقوتها...ففي مقارنتنا للمشاهد المحفورة بالأشرطة البرونزية لبوابة بلوات التابعة لشلمنصر الثالث (858-824 ق. م) نلاحظ ارتال الأسرى ووفود الملوك وهي تقدم الاتاوات حيث يقف الملك الآشوري بصفتة مؤلف (راوية) للرواية وموضوعا (مرويا له) فيها – في اللوحة أو الحكاية السردية. في الحالتين يتضمن المشهد آيديولوجية إمبريالية مجسمة وبذلك تنقل السلطة لرعاياها صورة مرئية لحقيقة اجتماعية واقعية بما يجعل من آيديولوجية الدولة أكثر فعالية وتاثيرا.. كما نلاحظ في الوقت نفسه ان استخدام صور تقليدية تكرر استخدامها عبر التاريخ في فنون العراق القديم يفضي هو الآخر، إلى تخليد مشروعية الملك وسلطة الدولة وتطبيعها وذلك بطريقة الإيحاء وجعل المتلقي يتصل بالماضي ويتوحد به ، على سبيل المثال تصوير الملك وهو يستقبل الموظفين أو يتلقى الاتاوات أو تصويره وهو ممسكا بكأس أمام حاشيته واتباعه بما يذكر بقوة بمشاهد التقديم التي تحاكي مشهد العابدين الواقفين أمام أحد الآلهة كما هو الحال في المنحوتات السومرية والبابلية المبكرة. والإشارة هنا إلى الفن السومري و البابلي المبكر حيث تتكرر هذه المشاهد. غير ان محاكاتها في العصر الآشوري الحديث تتضمن تحولا دراميا: إذ يقف الملك في التصوير الآشوري في مكان الإله ويقف حاملوا الاتاوات في مكان الملك مما يوفر تأكيدا مرئيا للآيديولوجية الآشورية يرتكز على أسس جدودية غائرة في اللاوعي الجدودي للعراقيين القدماء تعتمد في نماذجها الأولى على الفن السومري والبابلي القديم ولا سيما في امتثالاتها وتجلياتها الدينية . إلا أن المشهد قد انتقل إلى أشور بصفتها المركز الجديد للحضارة الرافدينية..ـ
ونتابع في الزخارف التي تزين البوابة البرونزبة وهي اكبر نتاج فني في عهد شلمنصر مشاهد رواية تاريخية تختلف عن نظائرها في الزخارف التي تزين بوابة ابيه آشورناصربال الثاني (883-859 ق.م.) إذ نجد أن شلمنصرالثالث في منحوتاته ونصوصه يولي اهتماما اكبر للمغانم التجارية والاقتصادية كعدد المدن التي دحرها وضمها إلى الإمبراطورية وكميات المعادن (الذهب والفضة والنحاس والمجوهرات) فضلا عن السلع والأشياء الثمينة الأخرى التي حصل عليها بطريق الغنائم والإتاوات ، يتعارض هذا التركيز [التجاري] مع روايات ابيه آشورناصربال الثاني التي تركز على مآثره العسكرية وتصور المذابح وأكوام الرؤوس المقطعة واعداد القتلى والمخوزقين والمحروقين والأسرى والخرائب التي تركتها ماكنته العسكرية الطاحنة، بل ان الديباجة التي تصف آشورناصربال الثاني نفسها مثل الخوض في تفاصيل المعارك تنعته [بالمخرب العنيف] و[غازي المدن]، في حين نجد في المقابل أوصافا مختلفة تصف ابنه شلمنصر الثالث فتنعته في اكثر من مكان [بموسع الإمبراطورية] إذ يوصف شلمنصر الثالث على سبيل المثال، [بذلك الملك الذي شق طريقه في الممرات العسيرة ووطأ قمم الجبال والأراضي الشاهقة في الاداني والأقاصي]، والذي [أجرى المحاكمات في الشمال والجنوب]. وتلكم مجازات أدبية تعكس مصورات مبكرة تمثل جنوده وهم يعبرون الجبال ويجرجرون خيولهم وعرباتهم خلفهم..ويفسر هذا التحول في الآيدويولجيا الإمبريالية بين الأب والابن بالرجوع إلى النظرية السياسية التي ترى ان الأمم في بداية ظهورها على الساحة الإقليمية والدولية تشعر بحاجة اكبر إلى العروض المتغطرسة للقوة من تلك الأمم التي أسست كياناتها منذ زمن بعيد. وبكلمة أخرى، إن بلاد آشور عندما بدأت بتوسيع أراضيها على عهد آشورناصربال الثاني، بدرت فيها حاجة اعظم لعرض جبروتها العسكري في مؤشرات نصية وفنية وترتب على ذلك تصوير الملك صيادا ومخربا ومهاجما عتيدا . ومع تطور الدولة وتوطد القوة الآشورية في منتصف حكم شلمنصر الثالث بدأت الآيديولوجية الإمبريالية تتمحور حول مسائل أخرى تركزت على الشهرة القائمة على جباية الضرائب وأخذ الإتاوات من الأطراف بما يؤكد الاتساع الجغرافي للهيمنة الآشورية.. وتؤكد الأعمال الفنية الأخرى تدفق الاتاوات والأموال إلى المركز الإمبريالي (النمرود) على نحو طبيعي وبدونما قهر أو إجبار، فليس ثمة من ينافس أو يخاصم الملك الآشوري أو ينازعه المشروعية. ويمكن، على ذلك ، تفسير التركيز على مشاهد المعركة في صور البوابة البرونزية بكونها مبكرة وبأنها تعكس حاجة شلمنصر الثالث إلى إعادة تأكيد المشروعية الآشورية في أعقاب موت والده أوبكونها تقع في بلوات خارج العاصمة الآشورية وبأنها لذلك تعكس رغبة الإدارة الإمبريالية في التأثير بمشاهدين اقل تمدنا وبالتالي اكثر حرونة وضراوة..ـ
بوابة آشورناصربال الثاني:ـ
تقدم بوابتا آشورناصربال الثاني البرونزيتان نموذجا صروحيا يعود الى القرن التاسع قبل الميلاد..وقد تم عمل هاتين البوابتين في اثناء حكم الملك الآشوري آشورناصربال الثاني (883-859 ق.م.) وقد اكتشفت الأولى من قبل هرمز رسام عام 1878 في ممر من ممرات قصر الملك في النمرود، واكتشفت الثانية عام 1956 من قبل ماكس ملوان في معبد مامو [إله الأحلام] بالقرب من بلوات..وتكمل هاتين البوابتين المشاهد في بوابة شلمنصر الثالث (858-824 ق.م.) أبن آشورناصربال الثاني التي عثر عليها هرمز رسام ايضا في امغر انليل [معبد مامو] في بلوات في القرن التاسع عشر..وتوفر الأشرطة البرونزية المنحوتة بمشاهد متنوعة والمزودة بتوصيفات على كل شريط ثروة هائلة من المعلومات التاريخية والفنية..ويبلغ عدد هذه الأشرطة في البوابتين 32 شريط برونزي..وكانت إدارة المتحف البريطاني قد اوصت بنقل هاتين البوابتين الى المتحف البريطاني لغرض الصيانة والتوثيق ..قبل اعادتهما الى متحف الموصل حيث عرضتا في المتحف..وكان قدر بوابة آشورناصربال الثاني التي اكتشفت في معبد مامو في بلوات والتي تحمل 16 شريطا برونزيا ..ثمانية لكل جانب، التخريب والسرقة في أثناء العدوان على العراق ومداهمة متحف الموصل حيث يرجح ان السراق ظنوا ان الأشرطة البرونزية ذهبا فاقتلعوا عددا منها من البوابة ..ولم يعثر عليها حتى الآن..مما يجعل توثيق المتحف البريطاني المصور والمنشور بكتاب المصدر الوحيد المتبقي لتلك الأشرطة المفقودة...ولعل سرقة تلك الأشرطة واتلاف ما لم يتيسراقتلاعه منها كانت مبيتة ومخطط لها بهدف الغاء السجلات العسكرية التي توثق لأنتصارات العراق ..كون تلك الأشرطة تسجل حروب آشورناصربال الثاني وانتصاراته في أورارتا والساحل الفينيقي وتركيا وزاكروس وغيرها..ولا استبعد ان السراق جماعة غوغائية تنفذ اوامر بتحطيم تلك البوابة المماثلة لبوابة شلمنصر الثالث والتي تمثل ملك اسرائيل جيحو جاثما عند قدمي الملك الاشوري وخلفه طابور من حملة الأتاوات لتقديمها في النمرود..ـ
وقد لفتت هذه السرقة انتباهي الى البعد الثقافي والحضاري في العدوان على العراق .. فالحرب هي محاولة لتعطيل نشوء الحلقة الثامنة والأخيرة في سلسلة الحضارة الرافدية ... بطريق التدمير المباشر للماضي الحضاري للعراق ونهب ثرواته واحتياطياته من الذهب واليورانيوم وتدمير الفضاء الصروحي للعراقيين بطريق احتلال نينوى وبابل وبغداد ونهب المتاحف وحرق المكتبات وتعطيل بناء جامع بغداد الكبير...واشعال الفتن والحروب الطائفية بين العراقيين انفسهم.ـ
ومن السرقات الخفية واعمال التخريب الحضاري الكبرى سرقة متحف الساعة في بغداد وتدمير دايوراما القادسية المواجهة لأيوان كسرى في المدائن .. ومتحف الساعة يحتضن ثروة هائلة من الهدايا الرئاسية اكثرها من الذهب الخالص كنماذج الملوية والحدباء وقوس النصر والجندي المجهول فضلا عن جوامع ومضايف وسيوف وخناجر ومسدسات نادرة وعشرات البنادق [الكلاشينكوف] كلها من الذهب.. اختفت بمثل لمح البصر. وكانت العصابات المتخصصة بالسرقة التي دخلت بالزي العسكري الأميركي تبحث عن كنوز النمرود التي كانت القيادة في العراق حريصة على إخفائها في مكان سري تحت المصرف المركزي العراقي..وفي تقارير اجنبية باللغة الأنكليزية متوفرة في الشبكة ان ضباطا امريكان عرضوا مسروقات من المتحف العراقي ومتحف الساعة ومخازن الجيش في مدن في الولايات المتحدة للبيع ..وأن ضابطا اميركيا هرب من العراق مايكفي لتسليح فرقة كاملة بالرشاشات الأوتوماتيكية.. وكان هدف تلك العصابات تخريب ما لا يقدرون على سرقته او تركه للغوغاء لتخريبه بهدف خلط الأوراق والصاق السرقة بالعراقيين فكانت حصة العديد من المكتبات في بغداد والمدن الحرق والتخريب..ـ
ومن المنجزات الصروحية التي عمد الغزاة على اختلاف الوانهم الى تخريبها دايوراما القادسية .. التي تعد جزءا من تاريخ العراق وتاريخ العرب في العراق بل هي امتداد طبيعي لنمو الروح القومية العراقية منذ فجر التاريخ واحدى تجلياتها الدالة... ويجري في الوقت الحاضر تخصيص الأموال لترميم ايوان كسرى الذي يرمز الى الإحتلال الساساني الأيراني للعراق والذي يمثل مخلبا اجنبيا في ارض العراق وادامته بينما تم تدمير مبنى دايوراما القادسية تدميرا كامل.. ودايوراما القادسية التي نفذتها شركة كوبية بإشراف خالد الرحال تمثل بالنحت والرسم معركة القادسية من بدايتها وحتى نهايتها فنشاهد في العمق حصنا اشبه بحصن الأخيضر ينطلق منه الفرسان العرب صوب الفرس وكلما اقترب المشهد اصبح ثلاثي الأبعاد فترى المقاتلين فرسا وعربا الى جانب الصخور والأشجار والرمال منهم من يشتبك بالسيوف والرماح ومنهم من سقط على ارض المعركة بينما يجثو الفيل الذي جلبه الفرس وقد استقرت النبال بعينيه في وسط المعركة بما يعيد الى الذاكرة حملة ابرهة على الكعبة وتصويرها في سورة [الفيل] .... والمهم في هذه الدايوراما انها جاءت في سياق تاريخ وتاريخ نقيض اي تاريخ العرب أزاء تاريخ الفرس حيث كان كسرى قد امر بتزيين جدار الأيوان برسوم معركة انطاكية التي انتصر فيها الفرس على الروم ... وخلد تلك الرسوم الشاعر العباسي البحتري الذي زار الأيوان ووصف تلك الرسوم:ـ
وإذا مارأيت صـــــــورة أنطا كية ارتعـت بين روم وفرس
والمنايا مــــواثل و أنوشـــــر وان يزجى الصفوف تحت الدرفس
في اخضرار من اللباس على أصـ ـفر يختــــال في صبيــغة ورس
وعراك الرجال بين يديـــه في خفوت منهم وإغماض جرس
من مشيح يهوى بعامل رمـــح ومليح من الســـــنان بتـــــــرس
ثم يعرج على ماحل بالأيوان من خراب بسبب الإهمال فيقول:ـ
عكست حظه الليالي و بات المشتري فيه وهو كوكب نحس
فهو يبدي تجـلـدا و علـــيه كلكل من كلاكل الدهر مرســـى
ليس يدري أصنع أنس لجن ســـكنوه أم صــنع جن لأنـــس
وفيما يعود البلى في الأيوان الى يد الزمان، خربت االدايوراما عن سابق قصد الأيدي الغريبة نفسها التي سرقت وخربت بوابة آشورناصربال الثاني في متحف الموصل.. مما يبرز بقوة المسألة الحضارية في الحرب والجهات التي تقف وراء التخريب الحضاري في العراق..ـ
ومن المفارقات المثيرة ان يجري العديد من الآثاريين والصحفيين الأجانب تحقيقات عن تلك السرقات بدون اشارة الى العدوان الذي لم يوفر الحماية للمتاحف والمكتبات وكان السبب الرئيس في انهيار الأمن وما اعقبه من تخريب ونهب لحضارة العراق، وتشيرالتقارير الى ضبط العديد من المسروقات بايدي ضباط ومراتب اميركان قاموا بتهريبها الى الولايات المتحدة لبيعها هناك.. فهل هؤلاء جنود ام حرامية وسراق متخصصين فضلا عن كونهم قتلة مأجورين.. وفي احدى المقابلات التي اجرتها مجلة متخصصة بالآثار مع المسؤولين في متحف الموصل، أشارت صبا العمري وبرناديت حنا متي ومنهل جبر الى جسامة الأضرار التي الحقها السراق بالمتحف لمجلة آركيولوجيا في عددها الصادر في 4 حزيران 2003:ـ
ومازال موظفو المتحف يقيمون الأضرار ويرفضون بشدة اعطاء اي رقم للقطع المفقودة. ولكن 34 قطعة على الأقل فقدت من صالات العرض الرئيسة والعديد العديد من القطع الأخرى خربت..كما نهبت وخربت تماما غرفتين من غرف المخزن، في الوقت نفسه الذي تعرض فيه المتحف الوطني في بغداد للنهب..وقالت برناديت حنا متي الموظفة في متحف الموصل لمجلتنا انها العصابة العالمية نفسها..ـ
وكانت الأضرار ستكون أكثر جسامة لو لم يمض موظفو المتحف أشهرا من التهيوء للحرب.. فقد عملوا على نقل أنفس القطع الآثارية القابلة للحمل باليد وعددها 5500 قطعة للخزن في متحف بغداد.. وكان آخر صنوق اتخذ طريقه الى بغداد قبل ثلاثة أيام من بدء القصف الأميركي البريطاني.. وتركت في المتحف القطع الكبيرة التي يصعب نقلها.. وقام الموظفون في المتحف بتغليف هذه القطع الكبيرة ووضع أكياس رمل حولها خوفا من تكسرها في حال سقوطها على الأرض.. ولم يتلق موظفو متحف الموصل اية كلمة من بغداد حول مصير القطع التي ارسلوها اليهم.. وقالت برناديت حنا متي: إن لم تكن هذه الأشياء قد سرقت [من متحف بغداد] فبمقدورنا اعادتها الى الموصل ولكن ليس لدينا اية معلومات عنها..[لقد نقلناها الى بغداد للمحافظة عليها ومازلنا نحن المسؤولين عنها]..ـ
ويتمثل أكبر فقد في الموصل بثلاثين شريط برونزي كانت معلقة على بوابة في مدخل مدينة بلوات تعود الى القرن التاسع ق.م. فقد قام السراق بنزع هذه الأشرطة الأصلية من على نسخة مماثلة للبوابة الأصلية..بينما لم يقتلعوا 44 شريط آخر في البوابة نفسها على الرغم من الحاقهم اضرارا بالرسوم البرونزية في محاولتهم انتزاعها من البوابة أيضا..وتمثل الأشرطة البرونزية مشاهد عن الحياة الملكية في بلوات..وكررت صبا العمري المسؤولة في متحف الموصل [يمكن ان تقسم النهب الى مرحلتين، في الأولى دخل [السراق] المتخصصون لأخذ مايريدون ثم دخل [عامة] الناس [الغوغاء] لحمل مايقدرون على حمله..وكانت صنايق العرض الزجاجية والنوافذ محطمة ولم تفد كاميرات المراقبة المنصوبة هناك منذ سنوات لأنها سرقت هي أيضا) ـ
وأتوقف عند هذا الحد في ترجمة التقرير المؤلم ..واتساءل مع موظفي متحف الموصل: أين قطعنا الأثرية يا بغداد؟ وهل كان قدرها السرقة أيضا؟ علما ان الموصل ارسلتها للحفظ وليس للعرض... وإن كانت سرقت من المخزن فكيف تيسر ل[ موظفين جدد] معرفة محتويات المخزن؟ وما أدرى الغوغاء بوجود نفائس في المخزن؟..وهناك تقارير مماثلة كثيرة عن سرقة المتحف الوطني في بغداد ..غير ان معلومات لا توجد عن سرقة متحف الساعة والقصور الرئاسية والمكتبات والمصارف ..وما حصلنا عليه من معلومات نادرة في هذا الخصوص فمن طريق الصدفة او التوثيق الصوري للمحتل نفسه والمتوفر في الأنترنت والمطبوعات الأجنبية وما نستدل به من تلك الصور عن طبيعة السرقة والسراق..كما في صورة لأميركي يحمل بندقية كلاشينكوف من الذهب يعرف الجميع انها من موجودات متحف الساعة..ـ
ويبدو من مقارنة الغزوات الأجنبية للعراق منذ الألف الثالث ق.م. أن العدو يستهدف في كل مرة تخريب ونهب النتاج الحضاري والثقافي والفني للعراقيين وفي حالات نادرة يفرض طابعه الهمجي منتحلا ثقافة العراق .. فقد خرب الكوتيون أكد والحواضر السومرية وخرب الكاشيون بابل ونهب العيلاميون مسلة حمورابي وتمثال مردوخ ونقلوهما الى عيلام ومد الفرس الساسانيون اصبعا في المدائن فشيدوا أيوان كسرى.. وهو لا يعكس روح الثقافة القومية العربية بقدر ما يمثل لإحتلال أجنبي للعراق..واليوم يجري تخصيص اموال طائلة لصيانة أيوان كسرى أزاء إهمال مبنى دايوراما القادسية الذي خرب تماما على الرغم من كونه تمثيلا فنيا راقيا للأنتصار العربي على الفرس في معركة القادسية..ـ
لقد اهتم العراقيون منذ فجر التاريخ بسيادتهم الوطنية واستقلالهم السياسي وعكسوا روحهم القومية في عمارة صروحية دينية ومدنية جعلت لبلاد الرافدين طابعا خاصا وملامح متميزة متوارثة.. وعملت الإرداة السياسية لعقود قبل غزو العراق على توحيد اشكال العمارة الصروحية بترميم واعمار المدن العراقية التليدة بابل ونينوى واور واكثار بناء الجوامع والمساجد والكنائس والأديرة وتوسيعها واعمار العتبات المقدسة والمتاحف والمكتبات الكبرى بل ساعد العراق على اعمار مكتبة الأسكندرية في مصر وتبنى مشاريع عمرانية أخرى في الوطن العربي ايضا..وهم بذلك انما يعكسون حركة الروح الكونية في نموها وتجلياتها في الفن وفي الفضاء الصروحي الأمبراطوري الذي يحاول الأجانب والغرباء تخريبه أو سرقته من العراق وانتحاله لأنفسهم منذ فجر التاريخ وحتى العصر الحاضر..ـ
ويؤكد اهتمام الحلقات العلمية الغربية المتخصصة في تاريخ الحضارة بالعراق تأصل التحضر بل وانبثاقه من بلاد ما بين النهرين حيث شيدت اولى المدن ووضعت اولى التشريعات وابتكرت الكتابة واخترعت العجلة وأسست الدولة فضلا عن إزدهار الفنون والآداب والعلوم في وقت كانت اوربا تغطيها المستنقعات والغابات وتجوبها الحيوانات المفترسة والقبائل البدائية المتوحشة..فلاغرابة ان تتخذ روح العالم من العراق مضمارا لحركتها ونموها منذ الألف الثالث ق.م. وقد تميز العراقيون منذ العصور القديمة بالأهتمام بالعمارة الصروحية ...وكانت البوابات العملاقة كبوابتي شلمنصر الثالث وبوابة آشورناصربال الثاني نموذجين بارزين للعمارة الصروحية لأنهما تؤكدان على قدسية المكان الذي يدخل الزائر منه الى المدينة ...وكان وضعهما في معبد مامو (إله الأحلام) في بلوات ذي مغزى ديني وآيديولوجي بحيث يتعرف الزائر الأجنبي قبل دخوله كالخو [النمرود] من الصور المعروضة عليهما على قوة الدولة الآشورية وبأسها وهيبتها فلا يتردد بتقديم ألأتاوات وتأكيد مظاهر الولاء للملك الأشوري..فالبوابتان هما من الكبر [يبلغ طولهما اربعة امتار] بحيث يمكن من خلالهما دخول الملك وحركة الكائنات الأسطورية الحارسة للقصور والمعابد الآشورية كنسروخ واوانيس [داغون] والثيران المجنحة.. وكما حدث في الغزو الكوتي والكاشي والعيلامي والميدي والحيثي للعراق قديما من تدمير مقصود ومبيت للصروح الحضارية في مدن العراق عمد الغزاة المعاصرين وذيولهم من بقايا الكوتيين والميديين والعيلاميين وأولاد عمومتهم الى تدمير الصروح الحضارية في العراق المعاصر وتطاولوا على المتاحف لتدمير الصروح القديمة واتلافها وسرقتها...وكان هذا قدر بوابة آشورناصربال الثاني ..وكانت الرسوم ستضيع تماما لولا قيام خبراء في المتحف البريطاني بتوثيقها وتصويرها ورسمها واصدارها بمجلد كبير حرص كاتب هذا المقال للحصول على نسخة منه لأهدائها لمتحف الموصل أو للمكتبة المركزية في جامعة الموصل أملا في اعادة إكساء البوابة بنسخ ممماثلة من الرسوم البرونزية المفقودة والتالفة ..وحرصا على صفحات مهمة من تاريخ العراق الأمبراطوري قام العدو بسرقتها وتضييعها..والله والحقيقة والوطن من وراء القصد..ـ
تمثل الصور المرفقة مع هذا المقال جانبا من التخريب الذي لحق بالبوابات والمنشئات الثقافية في العراق من قبل الغزاة الجدد وتواجد المحتل في قلب بابل والحضر والنمرود والقصور الرئاسية والنصب الصروحية.. كما تمثل عددا من البوابات الصروحية وصور لما يعرف بالحواسم تبين طبيعة المسروقات التي اهتم بها الغوغاء مقارنة بصورة لضابط امريكي اخفى وجهه يحمل بندقية من الذهب من موجودات متحف الساعة وصورا تقارن العراق بين الامس واليوم وعددا من الصور النادرة لدايوراما القادسية التي تم تخريبها تماما في المدائن..ـ
_____________________________________________________
شاهد الملحق المصور
عودة الى الصفحة الرئيسة