او الاختبار المقدّس في العراق القديم
الجزء الاول
ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد
جان- ماري دوران 1ـ
المحنة او التحكيم الالهي اجراء قانوني يمكن بواسطتة معرفة براءة المتهم من ادانته وكان هذا الاجراء متبعاً في بلاد الرافدين واشارت اليه كتب القانون الحديثة. و يتم التحكيم الالهي ضمن حدود تطبيقات معينة ولأسباب موجبة ويتم تطبيقه على جرائم معينة ويرافق المحنة طقوساً تفصيلية. وفي هذا البحث سوف نلقي الضوء على هذا الموضوع ولاهميته وتفرعاته وتفاصيله الكثيرة ارتأينا عرضه على شكل حلقات ليطلع القاريء الكريم
على جوانب في غاية الاهمية للتشريعات القانونية في بلاد وادي الرافدين والله من وراء القصد." المترجم"
الإجراءات القانونية :
لعل المحنة هي من أكثر الإجراءات القانونية أهمية في الشرق الأدنى القديم وقد أدى وجودها وظهورها إلى التعتيم على إجراءات قانونية أخرى موجودة في مناطق أخرى مثل نوزي وعيلام .
المحنة (التحكيم الإلهي) : (عنوان الملتقى-التحكيم الالهي في القوانين البابلية)
يعد اللجوء إلى التحكيم الإلهي إجراءً معروفاً ومألوفاً في الحياة القضائية لبلاد وادي الرافدين ، فإن مجاميع القوانين ذكرته بصورة جلية في الفترة البابلية الحديثة والفترة البابلية القديمة على حد سواء أو الآشورية الوسيطة وقد أجريت دراسات عديدة حول موضوع تاريخ القانون . ومن بين أهم تلك الدراسات نشير إلى الدراسة التي قام بها (جان بوتيرو Jean. Bottéro) 2 . ويأتي اهتمامه بهذا الموضوع من الأهمية التي يتمتع بها هذا العرف في بلاد وادي الرافدين . وبرفضه لوجهة نظر قانونية محضة أو لرفضه لمجرد مقارنة بسيطة لتاريخ الأديان مع ظاهرة التحكيم الإلهي في حضارات أخرى. فإنه أراد أن يُظهر العلاقات الوثيقة التي تربط ذلك مع النواحي الأخرى للحياة الدينية في بابل مثل الجوانب الإلهية والإجراءات الخاصة بالرقية أو التعزيم (التعويذة) ، ولدينا محاولة جيدة من ()Sitz im Leben. إلا أن أهمية الدراسة الحالية تتأتى بالدرجة الأولى مما بلوره (جان بوتيرو) بفضل كل ما هو غير منشور من مملكة (ماري) . ومن جهته وضع ج. (دوسن (G. Dossin تحت تصرفه تدوين أولي لرسائل عديدة. وسمحت له هذه الرسائل الأخيرة بفضل المعلومات الجديدة التي تتضمنها أن يتفصّح الموقف حيث انها توثّق النواحي العديدة من التحكيم الإلهي الذي لم يكن يُعرف إلى حد تلك اللحظة . وبصورة خاصة هنالك رسالتان منشورتان تصف كل ما كان يجري أثناء تلك المراسيم. وإلى الوقت الحاضر لم يكن تحت تصرفنا سوى الإيعازات والأوامر الخاصة بالتشريعات أو بالقوانين وإشارات لوثائق إدارية سومرية أو أكدية وخاصة سوس (البابلية القديمة) أو نوزي (البابلية الوسيطة) وكذلك سرد يعظّم من عصمة العدالة الإلهية اي (عدم قابلية الخطأ). وقد عمدت الأخيرة على إظهار رضا الآلهة عن الملك الممتاز (المتميّز) نبو خذ نصر الثاني ملك بابل . فإذا ما أضفت النصوص الجديدة المزيد من التوضيحات حول إشكالية المسألة فإن التوضيح اللغوي أو التوضيح الخاص بفقه اللغة للوثائق التي تم إيصالها إلى (جان بوتيرو) لم تصل بعد وبصورة خاصة الوثائق الأساسية المرقمة [A.457](No.249) التي تعزى إلى قلم أو غزارة Meptum ، الموظف الرئيسي في ماري في الوادي المتوسط جنوب الفرات ، وتعدّ التغييرات مهمة لكي نكون على بيّنة من الاستنتاجات التي قدمها (جان بوتيرو) . فقد تم أخذ هذه الوثائق التي سيرد ذكرها في أدناه وتم إكمالها بوثائق أخرى استطعت الحصول عليها بالمراسلات غير المنشورة .
A – حدود تطبيقات التحكيم الإلهي :
تعد أسباب اللجوء إلى التحكيم الإلهي ذاتها في (ماري) مثلما هي الحال مع قوانين بلاد الرافدين وبالقوانين السومرية أو السامية . ولابد من تصحيح خطأ (لبوتيرو) فقد أكد الأخير هذا ومرات عديدة على أن خصوصية أرشيفات (ماري) تكمن في توثيق التحكيم الإلهي في مجال التطبيقات السياسية والأمر ليس كذلك اذ تبدو المسألة سياسية لأنها تتعلق بالأمراء . وفي الحقيقة ، إذا كان هؤلاء الأخيرين أفراد معينين نعتبر ان الخصومات ترتكز على اختلافات خاصة بالملكيات العقارية . ومن جهة أخرى سوف نلاحظ أن الأمراء في حالة الخصومات يمارسون سلطاتهم ضمن الإطار الجغرافي لمناطق الشرق الأوسط التي تشير إلى أنها كانت تحت السلطة المطلقة لملك (ماري) . ولا يتعلق الأمر هنا بمشكلات دبلوماسية أو اقتصادية تعكس علاقات الدول . ولم يتم استعمال التحكيم الإلهي في حالة وجود خلافات وخصومات بين الدول ... ونلاحظ إذن ان حدود استعمال التحكيم الإلهي تعكس حدود ممارسة السلطة في بلاد وادي الرافدين ، فإن أي نزاع مع دولة أخرى يتم حسمه بالحروب ... لذلك لا يستعمل التحكيم الإلهي بين الدول ... ولابد من تقديم ملخص مهم. ويجب أن لا يتم استنتاج ان المحنة او التحكيم الالهي موجودة بين أصحاب الاقطاعيات لـ Zimri-Lim ولا توجد المحنة بين الدول ويمكننا ان نعرّف مناطق النفوذ لمماليك الشرق الأوسط كمناطق وحسابات تحكيم إلهي ، فالوضع السائد في تلك الفترة بين lli-Estar ملك Suna و lli-Addu ملك Kiduh لم يكن صراعاً سياسياً وإنما نزاع قبلي بين قبيلتين بينهما صلات قرابة. ...
أسباب اللجوء إلى التحكيم الإلهي :
إن السبب العام الذي يدعو إلى اللجوء للتحكيم الإلهي هو عدم قدرة القاضي على اتخاذ (قرار قطعي) ، وخطأ في الاثباتات أو مناقشات أخرى غير قابلة للطعن. في هذه الحالة، يجب إخضاع الأطراف إلى (حكم الإله) (أو التحكيم الإلهي) وإلى الماء : النهر . وهناك حالات أخرى تقتضي اللجوء إلى التحكيم الإلهي اختصرها (جان بوتيرو) في بداية المقال استناداً إلى المدونات القضائية المتأتية من الأرشيفات الخاصة ، أو من قوانين وادي الرافدين . وتشمل الحالات الخصومات المتعلقة بالأموال المنقولة والأموال غير المنقولة أو سرقة المواشي أو التجاوز على التقاليد والأعراف أو جريمة القذف. وكذلك يتعلق الأمر بالاتهام بممارسة السحر أو الإشاعات أو تناقل الأخبار الكاذبة بخصوص سمعة امرأة متزوجة وفي المجالات التي يصبح فيها الإثبات أمراً صعباً ما عدا الحالات التي تثبت التلبس بالجريمة. وتتفق وثائق ماري مع كل هذه المبادئ .
أ. الاتهامات الخاصة بالزنا :
والحالة الأكثر شيوعاً هي حالة الملكة Zalmaqqum زوجة (Yarkab-Addu) إذ لابد من تطبيق التحكيم الإلهي على أحد أتباعها لإثبات أن (لا أحد فتح ما بين فخدين عشيقته) مثلما يذكر ذلك النص بفظاظة . ومن ناحية أخرى سوف نلاحظ أن الاتهامات (أو التهم) الموجّهة ضد هذه المرأة كانت مضاعفة . فبالإضافة إلى تهمة الخيانة الزوجية الموجهة إليها فقد أُتهمت بممارسة السحر والشعوذة والتجسس . وكما يبدو أنه طالما ذكرت هذه التهم على رأس القائمة فإنها بالنسبة للكثير تعدّ أكثر خطورة من الزنا . إذن هناك ثلاثة اتهامات توجب كلها اللجوء إلى التحكيم الإلهي وعلى الأقل بقدر ما يتعلق الأمر بالمرأة المتزوجة .
وحتى أن الرقم [A 4371] 250 الذي يعود إلى Ibal-Pi-El ليس من الواضح وليس بوسعنا أن نرى ما يمكن أن نلومه أو نتهمه لهذين الاثنين ، الذين لم يرد اسميهما ، ويجمع ذلك أخ لـ Hammu-Kuna وامرأة اسمها غير معروف إذ لم يكن هناك علاقات غير شرعية .
وهنالك حالة أخرى أكثر غموضاً موضحة بالرقم No. 252 [A 3010] وهي رسالة من Yaqqim-Addu . هناك امرأة ليس لها اسم لـ Sin-iddinam (من أو لـ) Dur-Yahdun-Lim ، يبدو أنها ماتت أو في حالة تهجير ، تؤكد هذه الحالة اللجوء إلى طقوس خاصة بالتحكيم الإلهي انه إذا كانت Si at babim لزوجها أو من زوجها هي في الحقيقة Rumatum . وبعد التحقيق مع Yaqqim-Addu عليه ان يعترف ان مثل هذه المرأة لا وجود لها . فقد تم تخفيض ذلك إلى إرسال المرأة الوحيدة التي تحمل اسم Rumatum التي استطاع أن يجدها Dur-Yahdun-Lim)) إلى الملك .
ومن الصعوبة حقاً فهم هذه القصة لأننا لا نعرف بدقة ماذا يعني المصطلح في ماري (Si'at babim) والمصطلح هنا حرفياً يمكن أن يترجم بالصيغة الآتية (رفيق الباب) . وقد لوحظ المصطلح في القاموس حيث أن يعني في ماري " صديقة " أو " صديقة للملك " ويمكننا أن نقول عنها أنها المفضلة . وبالنظر إلى ذلك يبدو لنا الأمر يتعلق بما يعرف
" زوجة مستعملة " وهو ما تم توثيقه في القانون الآشوري الوسيط . وعندما يذهب الرجل إلى الخارج كان يحق له أن يصطحب " فتاة للرحلة " أو للسفر ولكن في الوقت نفسه لابد من الاهتمام والاعتناء بالمرأة المتزوجة التي لا تستفيد من " رؤية البلاد " والتفسّح أو التنزه مع زوجها . ومن الممكن أن يشبه ذلك " مغامرة الزنا ". أن الحالات صعبة جداً وتتطلب اللجوء إلى التحكيم الإلهي ، طالما أن كل شيء حدث بعيداً ولا شيء يمكن أن يثبت ذلك بصورة مباشرة . وعلى سبيل المثال سوف نلاحظ الحالة الآتية : " إذا كان المسافر وعلى الرغم من احتجاجاته أنه أدى القسم بأنه احترم قرينته وأنه أُتهم بأنه (نام) معها إذن ينتج عن ذلك شك في الزنا ... ويتوجب عليه أن يقرر فيما إذا ارتكب ذلك ولهذا السبب يتم إرسال المتهم إلى التحكيم الإلهي " .
وهناك قصة أخرى حول الموضوع نفسه حتى إذا كان وضع gi at babim)) البابلية القديمة ليس واضحاً تماماً ، ربما بسبب الخطأ في الوثائق ، فإن (Si itum) معجمياً يعني (dam-kaskal-la) وهذا يعني " زوجة الطريق " ، لذلك يجب اتهام ((Sin-iddinam بأنه اصطحب في سفره امرأة متزوجة . وقد سُئلت زوجته وطلب منها لتقول ما هو اسم المرأة التي استخدمها زوجها في التنقل . فقد أطلقت اسمRumatum وخضعت للتحكيم الإلهي لإثبات مصداقية ما قالته. وينص القانون الآشوري الوسيط على تواطؤ الزوجة التي تساعد صديقة لتهريب زوجها وذلك بالقيام بسفرة أو رحلة . وتخرج الزوجة وتقول ان الأمر يتعلق بـ Rumatum مغنية غير معروفة وهناك ثمة سبب للتحكيم الإلهي .
أما الاتهام الثاني فهو ارتكاب الزنا AEM1/2, No. 488[A267] بالاستناد إلى زوجة Sin-iddinam ما لم يتعلق الأمر بحالة المجانسة ولذلك فإنه من الممكن أن تكون المسألة معقدة وإن العديد من التغيرات والحالات قد تم الاحتفاظ بها .
ب . اتهامات السحر والشعوذة :
يعدّ التحكيم الإلهي إجراءً بامتياز مستعملاً في مثل هذه التهمة مثلما يوضح ذلك القانون السومري الحديث ، لنقول قانون (أورنمو) ، وكذلك قانون (حمورابي) . وقد قدمت إلينا نصوص ماري حالتين : الأولى تم فحصها في أعلاه وتتعلق بتظلّم ضد الملكة ((Zalmaqqum ، أما النص No. 249 [A 457] 37-39 فإنه يستعمل تعبير (Kispe ana NP epsum) . ولم يتم تقديم أية تفاصيل ولكنه يمكننا أن نتصور القصة من خلال الثانية أو النص الثاني . فالتهم التي أدت إلى استخدام التحكيم الإلهي الثاني يمكن توضيحها ، ففي No. 253 [A 4187] يروي Meptum)) أن ((Yamhadeens اصطحبوا امرأة وطفلين ، و استعملت البنت البالغة المتهمة السحر للولد الشاب والأخير مريض من دون شك ويمكن تدوين الاتهامات من خلال القسم الذي قدمته الأم لتبرئة ابنتها 11.3-8 " أُقسم ان ابنتي Marat-Estar لم تستعمل السحر والشعوذة (أو انها لم تسحر) Hammi-Epuh)) ، ابن Dadiya وهذه المرأة ليست على الباب وليست في الخارج لم تعط خشباً مسحوراً ولم تجعله يؤكل من قبل (Hammi-Epuh ابن (Dadiya على شكل خبز وغذاء وبيرة أو أي شكل آخر " .
فالسحر استند على الغذاء الذي ابتلعه البائس (Hammi-Epuh) ، إن عبارة " لم تعط خشباً مسحوراً " هي إشارة إلى أننا نشك بـ ((Marat-Estar بأنها قدمت للولد الشاب من أجل تحضير الطعام ، خشباً يرتكز عليه السحر ، وتم إعطاء ما يثير القوى الشريرة التي يتضمنها السحر . ويمكننا استنتاج بعض المعلومات الإضافية المقدمة إلينا : " كما انها لم تحضّر بصورة مباشرة بنفسها الطعام المسحور " . فإن كل واحد سوف يحزر وبطريقته التفاصيل الأخرى لهذه المسألة (أو الفاجعة) التي تجري كل يوم والتي تكشف إلى حد وجود الاعتقاد بحقيقة السحر الأسود الذي يبدو لي أنه غير منشور بصورة كلية وهي مسألة السحر التي أثيرت هكذا بين الولدين الشابين أو بين الشابين الاثنين .
إن معظم المسائل المتعلقة بالسحر كانت وبدون شك تقوم على أساس الغذاء ، وأكبر دليل على ذلك الوثيقة الثالثة التي توثّق لنا هذه الممارسة AEM1/2, No. 314 [A1287]26 حيث توجد " نباتات مسحورة " (Samim sa kispi) التي يبدو ان الملكة llan-Sura Simatum)) أرسلتها إلى والدها . وبصورة قطعية يجب أن نتحدث هنا ليس فقط عن " السحر " وإنما عن " دس السم " فعند اتهام السحر لشخص ما يعني أن تعزى المسؤولية الخاصة بمرض ما يصيب شخصاً .
de Mari 1/1, Editions Recherche Sur les Civilisations, Paris, 1988
([2])J. Bottéro: "L'Ordalie en Mesopotamie ancienne", Annali della Scoula Normale Superiore. di Pisa, x 1/4 , 1981, PP. 1005-1067.