المجالس النيابية في العراق القديم
جوفري ايفانس([1])
ترجمة الدكتور حسيب حديد
منذ أن أصدر البروفسور جاكوبسون دراسته المهمة حول موضوع (الديمقراطية البدائية في بلاد الرافدين القديمة)، أقتبس كل الباحثين الذين تناولوا النواحي الخاصة بالحضارة القديمة هذا الموضوع في تلك الفترة. ففي مناقشتنا لهذه المسألة بصورة عامة، هناك محاولة قليلة لتطابق هذا الموضوع بصورة معمّقة. ويذكر ان ما دونه جاكوبسون ذهب ولفترة طويلة من الزمن من دون أي تعليق او نقد ففي الملاحظات التالية هناك محاولة لتفحّص استنتاجاته ودراستها من وجهتي نظر مختلفتين).
الاولى: منهجه العام،
والثانية: السمة العامة للمجالس النيابية وتنظيماتها.
فضلاً عن ان هذه المقالة قد أخذت نصين رئيسين هما ما كتبه كريمر حول الملحمة المعروفة بكلكامش واكا مع التعليقات الاضافية التي قدمها البروفسور جاكوبسون وكذلك القوانين الاشورية القديمة من كانيش
(Kaniš)
ففي بداية مقالته استعمل جاكوبسون تعبيراً جميلاً فقد كتب أن التطور السياسي في الازمنة القديمة كان يرزخ تحت أفكار مسيطرة وان التركيز على الساحة السياسية كان بأيادي قليلة وبعد ذلك تعليقاً حول الافكار الاوتوقراطية التي لا تزال بعيدة التحقيق لهذه الفكرة في مناطق متفرقة. ودفعت بلاد وادي الرافدين إلى الامام وبلا هوادة تجاه هذا الهدف البعيد المتمثل بمركزية السلطة ضمن أكبر رقعة جغرافية ممكنة. ويعدّ ذلك ملخصاً جيداً للتطور الدستوري في بلاد وادي الرافدين الذي نلاحظه بأنه ذو فائدة في وقتنا الحاضر. وطالما أن البروفسور جاكوبسون لاحظ أن التنظيم في المجتمع السومري لم يكن الا نظاماً أوتوقراطياً (استبدادياً)فالسؤال الذي يطرح نفسه هو الكيفية التي وصل بها هذا النظام الى هذا التوصيف ؟ لقد تمت مناقشة هذه المشكلة في مقال مستقل يتسم بـ أهمية ملموسة ولذلك فأن مناقشة قصيرة لهذا الموضوع سوف لن تكون بعيدة عن جوهره ولابد من استنتاج نقطة واحدة مهمة وهي الفكرة الاوتوقراطية التي يجب أن تؤخذ على أنها لا تعني ضمنياً وجود مفاهيم سياسية دقيقة في تلك الفترة التي لم تشهد تطوراً حتى العهود الهلينية.
وحتى في يومنا الحاضر هناك تمييز دقيق يجب التأكيد عليه بين التعاريف الدقيقة للنظرية السياسية وأن تعابير مثل الديمقراطية
والاستعمار وغيرهما من التعابير تثير الكثيرمن الارباك والحيرة لانها غالباً ما تكون غامضة. ولكن يمكن أن نوجّه سؤالاً وهو هل هناك أنظمة متقدمة في استعمال المفاهيم السياسية وفهمها أكثر من الوقت الحاضر ؟
في الحقيقة أنهم غير قادرين على صياغة مثل هذه الانماط والنظم السياسية مثل الاوتوقراطية والديمقراطية فأن الملكية هي بصورة محتملة كانت تعد المؤسسة السياسية الاكثر تطوراً الا أن النواحي الدينية والدنيوية كانت هي الاخرى موحدة في أفكارهم. وهذا الخلط في الوظائف قد تم إيحاءه وتمت أيضاً صياغته بالجملة الاتية: (الملَكية تنزل من الالهة). ولذلك فأن الطبيعة البدائية للفكرة السياسية لم تكن من دون عواقب عملية. ومن الممكن أنها جعلت قلب المؤسسات الديمقراطية أكثر سهولة في المجتمع مما
كانت عليه في السابق كما أنها أكثر تعقيداً من الناحية السياسية لتنظيم المدينة الاغريقية. فإذا كانت هذه الاشارة صحيحة فأنها سوف تقدم لنا عاملاً آخر (وهو عامل سلبي) يساعد في اقامة النظام الاستبدادي في بلاد الرافدين.
ففي المراحل الاولى من تطور بلاد وادي الرافدين نحو النظام المركزي: أي الامبراطورية التي تحكم استبدادياً فأنه من المهم أن نميّز بين طريقتين نحو "تدمير" الديمقراطية في كل مدينة وكذلك نحو "تدمير" استقلالية المدن الفردية مهما كان حلمها داخلياً ويقع التعليق على هذه القضايا خارج نطاق جاكوبسون الا أنها تستحق المزيد من التفحّص. لذلك فأنه من الممكن أن نتوصل إلى افتراض أولي بأن المستوطنات الفردية ظهرت إلى الوجود قبل إنشاء الامبراطورية الاولى وهو ما نعرفه عن تنظيم المدن الاولية. ومن الواضح ان هنالك طرائق مختلفة مفتوحة بواسطتها يستطيع الفرد أو المجتمع أن يحصل على جزء من السلطة في المجتمع. ويمكننا أن نستنتج أن الهجوم ضد الديمقراطية جاء أولاً من القوى داخل المدن وأن وجود الامبراطوريات في الازمنة القديمة يبدو أنها كانت متماسكة ([2]) يجب أن نتوقع بأن القوى الداخلية والخارجية عملت بصورة مشتركة وقامت بدورها كدعامة أساسية للمؤسسات الديمقراطية التي لم يكن لها وجود آنذاك. كما أن وجود تهديد خارجي يعد سبباً جيداً لتخطي الحرية. ففي مثل هذا التصرف لابد أن يكون لممتلكات الامبراطورية اثاراً كبيرة جداً على المؤسسات الديمقراطية للمدينة الملَكية فأن فقدان الديمقراطية الداخلية لا يبدو أنه ناتج عن اختفاء الولاءات المحلية. وفي الحقيقة فأن الروح الوطنية كان لها دور كبير في الحفاظ على القوة العظيمة في بلاد سومر بعد ظهور الامبراطوريات. وتعدّ هذه إحدى أكثر العقبات خطورة والتي كان يتوجب التغلب عليها. فأن مثل هذه المشاعر كانت شعبية بصورة أساسية وكانت في الحقيقة تستغل الاستبداديين الطموحين ولعل ذلك شاهداً لازاحة لوكال زاكيزي
من اوما إلى الوركاء. ويعد أحد الاسباب المهمة لانبعاث مثل هذه المشاعر هو السبب السياسي فأن مساعي الاستبداديين الملكيين ونضالهم من أجل السيطرة على السلطة المحلية هي في الواقع ظاهرة مضادة للديمقراطية على الرغم من أنه حسب وجهة نظر المواطنين أن الاستبداد المحلي هو مفضّل على ذلك الذي يٍمارس من الخارج لانه يأخذ بنظر الاعتبار المشاعر العامة. فأن مثل هذه المشاعر المحلية يجب أن تكون عاملاً يساعد على الامساك بسلطات معتبرة إلى فترة متأخرة وبصورة مدهشة.
الاجراءات الخاصة بالجمعيات والعلاقات فيما بينها
نتيجة لقلة معلوماتنا لاحظ البروفسور كريمر قلة الاجراءات المتّبعة في الجمعيات في بلاد الرافدين. ولم يعالج جاكوبسون هذا الموضوع خارج نطاق ملاحظته تطبيق نظام "التصويت" الذي ينبغي استبعاده لانه يمثّل مفارقة تاريخية. ويبدو أن الاعضاء يتوصلون إلى قرار سائلين الواحد الاخر (بالطلب من واحد إلى أخر). وعلى الرغم من أنه لم يدرك ذلك فأنه من الطبيعي أن يجتمع الحكماء
Elders
الشيّاب(لمناقشة الموضوع ومن ثم تتم) تسمية المجلس. ففي كانيش كان هذا النظام سائداً أو كان يتم استدعاء الجمعية فقط في
ظروف معينة. وفي بعض الحالات إذا فشل الحكماء بالاتفاق (مقارنة ذلك مع الجمعيات في الوركاء في الازمنة القديمة) فإن كفاءة المجموعتين في كانيش يبدوا أنها كانت محدودة بقضايا قضائية. وليس من المؤكد أن نفترض وجود علاقة مشابهة بين الجمعيات في الوركاء تحت ظل ظروف مختلفة جداً كانت سائدة في المدينة القديمة (الوركاء) وان هذه المشكلة الصعبة جداً وقد تم توضيحها بأبيات أو أسطر معينة في كلكامش وأكا التي استعملها كريمر في طبعته المتكاملة، حيث ذكر جاكوبسون في مقالته بان كلكامش ذهب أولاً إلى جمعية الحكماء (الشيّاب) طالباً دعمهم لمقاومة طلبات (أكا) وقد أعطوا موافقتهم. وبعد ذلك أخذ هذا المقترح وعرضه أمام الجمعية العامة التي صادقت عليه. وفي طبعة أخرى يرفض الحكماء طلبه ويخضع المجلس لذلك. ومن جهته اشار كلكامش إلى مسألة الجمعية المتكاملة التي دعمت سياسته.
وباختصار كسب هذه النقطة طالما أن قرار الجمعية سار بصورة معاكسة لرأي الحكماء. ومن ناحية اخرى أقترح جاكوبسون أن وظيفة الحكماء كانت استشارية. وتعرض الطبقة الجديدة لنا أن الجمعية كانت لها صلاحية مطلقة وقادرة على إسداء مثل هذه النصيحة / النصائح وهذا موقف مختلف تماماً عما كان عليه الحال في كانيش حيث كانت هناك جمعية صغيرة ولكنها مؤثرة تستدعى في حالة فشل العظام في التوصل إلى قرار.
ولمناقشة طبيعة الاجراءات في جمعيات بلاد وادي الرافدين لابد من إجراء مقارنات مع تلك الجمعيات في اسبارطة وروما في العصور القديمة. والآن نعرف جيداً أن المدن القديمة عملت جاهدة على للحيلولة دون تطور المؤسسات الديمقراطية الفاعلة. ويبدو أن عواقب ذلك كانت مشابهة لما هو موجود في بلاد الرافدين. وتعرض لنا المقارنة بين الجمعيات الموجودة في الوركاء وكانيش وبكل وضوح كيف أن قطاع الشؤون العامة كان تحت السيطرة العامة ونجد أيضاً بأن الجمعية المتكاملة قد فقدت أرضيتها وأعطيت إلى الحكماء (الكبار) (أي: تقليص صلاحيات وسلطات الجمعيات).
وعلى الرغم من هذا التقليص للصلاحيات بقيت الجمعيات في كانيش ذات أهمية أولى تاريخياً حيث أنها تمتلك سمات مشابهة للجمعيات الاولية ولكن ليس لدينا معلومات أكثر حول الطريقة التي كانت تتم بها. ومن ناحية أخرى يجب أن ندرك الاختلاف
في الوظيفة ما بين المدينة والمستعمرة التجارية. والنقطة الاولى التي يجب ملاحظتها هي استعمال الارتباط مع كل الجمعيات في كانيش لما يعرف (بالاغلبية) وهو مفهوم ديمقراطي
وقد تم استعمال كلمة
(Madudum)
التي تنطبق على (العظيم أو الكبير)
ولربما استعمال هذه الكلمات الاخيرة يدل
((nam.edum
يدل على أن لها معنيين مختلفين. ولسوء الحظ لم يتم تحديد تعريف الاكثرية أو الاغلبية
(ipi-íša ma- du-dim)
حيث أن العبارة التي وردت اصطلاحية ولاتحمل أي مدلول ضروري للتصويت. ويشاهد في اللوح الثاني
ipi- i- we- dim
ولكن يبقى من الممكن أن الجمعية المتكاملة (الكاملة) تعبّر عن أرائها بهذه الطريقة وكذلك الطريقة التي يتم بواسطتها تحديد (العظماء) في اللوح الثاني إذا كانت ترجمة الاغلبية صحيحة على الرغم من كونها غامضة أيضاً.
ويبقى لدينا مسألة الاجراء الذي تواجهه الجمعية للعظماء في اللوح الاول. من الواضح أن الاجراء المتبع مختلف في هذه الحالة طالما ان الكاتب عمد إلى تقسيمهم إلى ثلاثة فأنهم يعطون أحكامهم ولكن ما سمة التواصل بين هذه المجاميع الثلاثة التي تنقسم إليها الجمعية وما هي وظيفتهم؟ تعدّ هذه أسئلة سهلة العرض ولكن صعبة الاجابة ولكن حسب معلوماتنا فأنه من المحتمل عدم
التوصل إلى إجابة نهائية حول الموضوع ولكن في الوقت نفسه يمكننا تقديم بعض التوضيحات :
1- المجموعة الاولى التي تقوم على أساس الانفتاح لمهاجمة كل ما يتضمن مفارقة تاريخية وأن هذه المجموعات الثلاثة تتضمن المعارضة والمؤيدة والممتنعة وأن هذه الطريقة للتصويت هي ذاتها المعتمدة في الجمعيات الحديثة مثل مجلس العموم أو مجلس السنت الروماني. وأن أصغر الاعضاء في هذه المؤسسة هو
(Perdarii)
طالما أنهم ليس لديهم فرصة لفتح أفواههم للتعبير عن رأيهم وعلى ضوء هذه الفرضية فأنه ليس من الضروري أن نفترض عداً للرؤوس في كانيشا فأن الاعداد هي أقل من أن تكون كافية لاتخاذ موقف واضح في الوهلة الاولى ولذلك فأن الجمعية تعقد اجتماعاً (بحضور القليل – الشباب والعظيم --- الشيّاب) وأن هذه النظرية مفتوحة لاعتراضات عديدة. فأن إجراء التصويت بالتقسيم يجعل المناقشة صعبة جداً ولذلك فان الجمعية سوف يتم تقليصها على المصادقة على الاحكام فقط. ولهذا فأنه من الممكن أن نجيب بأنه ليس من الصعب تماماً الاعتراف بتقييد وظائف السلطة القضائية وتحديدها للموافقة أو لاقرار قانون كما هي الحال في الجمعية السياسية.
والاكثر من ذلك، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الاجراء المتّبع في كلكامش وأكا يؤخذ حرفياً على أنه
gurus
سوف لن يقرر مع أو ضد أي قرار أو مقترح أمامهم. ومرة أخرى فأنه من الممكن أن كل ما هو مطلوب من العظماء في كانيش هو المصادقة على الحقائق والعقوبات التي تفرضها التشريعات أو الاعراف أما إذا كان هنالك تمييز فأنه يترك إلى
Galalim
الذي يُطلب منه الحضور. وعلى كل حال فأن هذه الصعوبة المشابهة / المماثلة يجب مواجهتها في حالة القرار المشار إليه للشيّاب والشباب ونعرف بأن هنالك يتم إتخاذ القرار (على فم الاغلبية) طالما أن الاعداد الحاضرة هي الاكبر ولكن المناقشات المفصلة ستكون أكثر صعوبة أيضاً ومن المحتمل أن يكون هناك توضيحات محتملة.
2- تغيير المجموعات الثلاثة المشار إليها على انها مؤسسات ليس لها أهمية خارج الجلسة التي تنعقد بحضورهم. وفي هذه الحالة فأن وجودهم يعمل على جعل المناقشة أكثر سهولة وأن كل مجموعة من هذه المجاميع الثلاثة يجب أن تعطي قرارها عندما يحين الوقت. وطالما أن هناك حالات عدم الموافقة يمكن مجابهتها فإنه يبدو أن لا تتم اثارة أي سؤال حول رأي المجموعتين الاخيرتين ، وهذه النظرية تعمل على التوصل إلى قرار جماعي وهو بمثابة تصويت بدائي، وفي الوقت الذي لا يعتبر فيه هذا الاجراء مألوفاً فإن من الممكن أن نوضح أن الجمعيات الرومانية الثلاثة استخدمت هذه الصيغة المتطورة.
3- وبصورة بديلة فأنه من الممكن أن هذه المجموعات الثلاثة الموجودة داخل الجمعية تشير إلى هيئات في المجتمع خارج الجمعية وليس من السهولة أن نقترح ماهيتهم فأنه من الممكن أن تكون هذه الجمعيات قبلية أو عائلية كما هي الحال في المدينة الاغريقية اوأن تكون مناطقية. وأن اعتراضاً واضحاً يمكن تقديمه هنا أن مدينة مثل كانيش لا يمكن أن نعتبرها مكاناً ملائماً نجد فيه مثل هذه التقسيمات. فأن مجتمعات أو مجتمع المستعمرات كانت صغيرة ومتجانسة نسبياً.
ومن الممكن أن هذه التقسيمات الثلاثة، كالجمعيات هي في الحقيقة انعكاس لما هو موجود في المستعمرة أو ربما في المدينة الام. ومن جهته اوضح جاكوبسون أن هنالك نقاط تشابه مهمة بين هذه الجمعيات والجمعيات التي كانت موجودة في الوركاء قبل ذلك. فإذا ما كانت هذه المؤسسات قد بقيت فترة طويلة من الزمن فأنه لا يوجد هناك أي صعوبة بأن نقرّ بأنها نقلت من المدينة الام إلى مستعمراتها التجارية. وثمة سمة غريبة لهذه التقسيمات وهي أنها تحدث فقط ضمن جمعية "الشيّاب" فقط ولكن كيف يمكن أن نوفّق هذا مع نظرية تشير إلى مؤسسة ضمن المدينة بأكملها ؟ هنالك مؤسسة واحدة معروفة لدينا من مصادر عديدة تتناول
الفترة نفسها والتي تعدّ مناسبة وهي
(bâbtum)
وعلى كل حال، هنالك ما يستدعي انعقاد جلسة للجمعية ولكن لا يمكن أن تكون هذه الجلسة من دون نتيجة. تاركين جانباً كل
الاراء المحتملة الخاصة بأصل هذه المجموعات الثلاثة فأن وجودها وملائمتها بطريقة أو بأخرى يكمن في الاضطلاع بمهمة التوصل إلى قرار يعدّ أمراً مؤكداً. والتفسير الطبيعي للنص يمكن لنا أن نتوصل إليه. أي انه بعد تشكيل هذه المجموعات الثلاثة تتوصل الى قرار يتفق عليه أعضائها ربما بالمناقشة. وأن هذا القرار يمكن أن يتخذ صيغة اجابة عن سؤال بسيط. وعندما يتم التوصل إليه يتم ابلاغ المجموعتين الاخيرتين فإذا ما أتفقت المجاميع الثلاثة فأن المسألة سوف يتم حسمها وإذا لم يتم ذلك فأنه في هذه الحالة يتم استدعاء الجمعية بكافة أعضائها للاجتماع. وكما ذكرنا فأنه من الصعب مقارنة الاستنتاج الذي ينص على أن هذا الاجراء يعني ضمنياً وجود تصويت جماعي بصيغة ما ولكن يجب أن لا نفترض بأن هذه الطريقة هي عبارة عن اجراء موجود في فترة (الديمقراطية البدائية). ونعرف بأن جمعيات كانيش تختلف في وظيفتها عن جمعيات الوركاء ومن غير المحتمل أن صيغتها
في الاجراء لم تتغير. ولربما أن تقييد الصلاحية للجمعيات الاخرى في القانون يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في حين أن السيطرة السياسية قد انتقلت إلى أيادي الملوك لذلك فأن أي تقدم واعد للطريقة أو المنهج السياسي سوف لن يكون مجدياً.
تشكيل المجالس
أن المسألة المتبقية التي تحتاج إلى مزيد من المناقشة هي تشكيلة مجلس الحكماء في كلتا المدينتين. ويبدو ان جاكوبسون أعتمد الفكرة التي تنص على أن قاعدة اختيار الجمعية العليا مختلف في المدينتين. فقد كتب عن الوركاء على ضوء المصطلح السومري
(abba)
حرفياً يعني اب) و
(abba uru)
أي " مدينة اب " في الاصل رؤوس العوائل الكبيرة المختلفة التي تشكل سكان المدينة. أما علاقتهم مع الملك فانها تقوم على أساس أنهم مستشارون. ويقومون بتقديم مثالاً لممارسة هذه الوظيفة. وأن هذه المشورة المقدمة من قبل" رؤساء العوائل الكبيرة " مشابهة لمجلس الشيوخ في روما والذي يطلق على أعضاؤه تسمية
Patres"
وتوضح هذه التعابير وبكل جلاء أنه لديه أفكار معينة ويبدو أن المكانة التي يمتلكها آباء المدينة مشابهة للموقع الذي كان يمثله الارستقراطيون الرومان والاغريق. أن المجالس من هذا النوع لها توزيع في اوقات مختلفة ولا تعتمد عضويتها على العمر. وفي الامثلة الكلاسيكية نجد أن الرجال الشباب لم يتم انتخابهم الا أن المؤهل الحقيقي هو المركز الاجتماعي ويتم استبعاد كبار السن من الذين يتمتعون بمنزلة دنيا من الناحية الاجتماعية.
وهذا يتعارض مع أفكاره بخصوص تشكيل المجالس في كانيش
(Kaneš)
وتخلى هنا عن فكرة التوزيع التي تقوم على أساس الفوارق الطبقية مثلما تم توضيح ذلك في أعلاه. ومن جهته ترجم
(Sahir rabi)
"الشباب والكبار " وليس بالصغار والعظماء. ولايوجد أي شك في أن البابليين استعملوا كلمة
Sihrum
لتعني كل من الشباب والصغار وكلمة
(rabûm)
تعني الكبار والعظماء وهكذا نجد أن الكلمات لا يمكن أن توصلنا إلى استنتاج محدّد. وطالما أنه من الواضح في النصوص التي
نحن بصددها فقد تم استعمالها بمعنى قانوني وربما فني ولكنه من المهم معرفة ما تعني في المصطلحات القانونية خاصة في تلك الفترة.
ويتضمن الجزء (22) من قوانين حمورابي مثالاً مهماً لاستعمال كلمة
Šum- ma a- wi- lum
a- wi- lim Ša e- li – šu ra – bu – ù im – ta - (rabûm)
وعلى ضوء كلمات
me- ih-ri-šn
في القسم (200) التي بكل وضوح تعني " من مرتبة مساوية لماله " وكلمة
(ki- ma-šn-a-ti)
في القسم (203) تعني " يشبه نفسه " فأنه لا مجال للشك هنا أن
(ša elišu rabù)
تعني " من مرتبة أعلى من مرتبته " وليس " "أكبر منه". وفي الحقيقة لاحظ كل من درايفر ومايلز أن هذا القانون يشير إلى وجود درجات (مراتب) مختلفة للرجال الاحرار في بابل. وهناك عدد من الوثائق القانونية من لارسا، في عهد ريم_ رسين ذكرت أشخاص تم وصفهم بـ
(rabium)
. وهناك اتفاقات حول الخدمات التي يقدمها المواطن الذي يتصرف بصورة جيدة... ومن جهته ترجمت
rabium
من قبل
Szlechter
بصورة عامة بكلمة " القوي" وهذا هو ما تسمح به المعلومات المتوفرة في حين نصت قوانين حمورابي على (ترك)
redŭm
"الى رجل قوي" والكلمة التي استعمل تهنا هي كلمة
" dannum "
التي ربما تكون أقل مستوى لغوياً واستعمالها هنا جاء بصورة متعددة. ويبدو من غير المحتمل أن الدائن أو بصورة خاصة الضامن يرغب في منح الحق اي حق اللجوء الى طبقة لم يتم تعريفها بدقة من ضمان معظم الاحكام الاخرى في الشرط الجزائي وهذه الاحكام واضحة تماماً. وبالنسبة لهدفنا هنا، فأنه من الواضح أياً كان
Rabiun
أنه في جميع الاحوال رجل أو شخص يتمتع بمرتبة عالية قادر على حماية المدين ضد غضب دائنه ليس بكل بساطة رجل عجوز.
تعدّ استعمالات لفظ
(sihum)
في القانون متعددة ويبدو أن المصطلح يشير عادة إلى أطفال صغار في حين قام ج.ر. دايفر بترجمته على أنه "طفل" كما ورد في واضيع عديدة. وبعبارة واحدة أو شرط واحد نجد أن الطفل وصف على أنه شاب إلى درجة بحيث أنه يصعب أن يرث ارضاً من والده–
ilku
طالما أنه غير قادر على تأدية الواجبات التي تنشأ عن ممتلكاته كما أنه صغير جداً بحيث أنه لايمكنه الزواج قبل وفاة والده وان اخوته قرروا بأن يتركوا له حصة من العقار ليقدمها هدية لزواجه مستقبلاً. وأوضح مثال على ذلك هو القانون الذي وضع شروطاً بموجبها تستطيع الارملة ذات الاطفال أن تتزوج ثانية : وأن الاموال الابوية (من جانب الاب) تبقى محفوظة للاطفال (وهنا يُقصد الزوج الاول) وعلى المرأة وزوجها الثاني تنشأة الاطفال. والعنصر المشترك لكل هذه الاستعمالات يدل على أن الشخص الذي وصف على أنه
Sihrum
ليس شاباً أو صغيراً ولكنه غير قادر على حماية مصالحه او ان يأخذ على عاتقه حقوق ومسؤوليات فرد متكامل في المجتمع. وفي الوقت الذي يكون ذلك نتيجة لسنواته القليلة (أي عمره) فأنه من المهم أن نلاحظ أن المسألة لا تتعلق بالشاب البسيط وانما بالقصر القانوني أي ان الامر يتعلق بالقاصرين.
وفي بابل يبقى الشخص شاباً (صغيراً) لسنوات عديدة إلى أن يبلغ سن الرشد ومن الممكن أن كلاً من المعنيين الصغير
والشاب يبقى ضعيفاً. وهذا الامر راسخ في عقول البابليين في مثل هذه الحالات. وبالعودة إلى كانيش لا يوجد عضو في المجلس المتكامل من الشباب بالمعنى الذي تضمنته هذه القوانين ولكننا على دراية من أن
(Sihrū)
كان يتمتع بسلطات محددة بدرجة أكبر من صلاحيات أو سلطات
(rabu)
وربما تعني كلمة ؤ "الرجال القصار" أي قصار القامة وإذا ما رجعنا إلى تعبير
Sahir rabi
على ضوء هذا الدليل فأنه يبدو أن ترجمتها الى"صغير وعظيم" افضل مما تكون "شاب وعجوز" "شيب وشبان".
وهناك دعم لهذه المناظرة من قبل القياس حيث أوضح جاكوبسون وجود تشابه كبير بين مؤسسات الوركاء وكانيش. وكما ذكرنا سابقاً، أن المجلس الاعلى في الوركاء كان ارستقراطياً في صبغته. وبناء على ذلك يمكننا أن نجد "العظام" في كانيش الذين يتم اختيارهم من المتنفذين في المجتمع. وعلى كل حال، لا تخلو هذه المناظرة من مخاطر ولذلك أتخذت موقفاً أخر مختلفاً فيما يتعلق بالمقارنة بين صفات المدينتين. ولعل الخطر الاقل المتأتي يكمن في المصطلح الذي نستعمله. فأن استعمال مصطلح "الحكماء" لوصف أعضاء هذه المؤسسة في الوركاء يجب أن لا يجعلنا نصاب بالعمى فيما يتعلق بشخصيتهم الحقيقية. فإذا لم يكونوا رجالاً كباراً في السن ربما لا يكون صحيحاً أن نقول أن نظرائهم في كانيش كانوا من أمثالهم. فإذا كانت نظرية القياس صحيحة فأنه من الممكن جداً أن نقول بأن هؤلاء الرجال كانوا من البارزين في المجتمع ومن الموظفين والتجار.
أن صورة كانيش كمدينة أو مستعمرة تجارية خارج المدينة أو البلدية قد واجهت تحدياً، فأنها تظهر بحجم معقول ومحترم كما أن عدد من الاشوريين استقروا هناك لفترات طويلة وتملكوا الأراضي. أن مثل هذا المجتمع أرسى قواعده على انموذج مدينة جامعة كالعاصمة، ومن ناحية أخرى يجب أن لا نتوقع وجود قبائل تقوم على أساس سيادة الاب على الرغم من وجودها في أماكن أخرى. فالمعيار الطبيعي لمثل هذا البروز يعتمد على الثروة والموقع الوظيفي أكثر مما يعتمد على العمر. ولابد من أن نختار بأي اعتبار يشبه الجمعية (المجلس) مع ما هو موجود في الوركاء اذ لابد من أن المجلس يتضمن كل أولئك الكبار، ومثلما اعتقد جاكوبسون أن لمجلس يتضمن الاعضاء البارزين في المجتمع. ففي الحالة الاولى، يكون المجلس أقل انتقائية مما هي عليه الحال في الوركاء وما العمر المطلوب كمؤهلات. وفي الحالة الثانية أن مؤهل العمر لا يعد مناسباً تحت وطأة الظروف السائدة. فالدليل المتوفر
لدينا والاحتمالات الواردة هي بكل تأكيد مع الخيار الثاني.
من الممكن أن تكون المحاولة التي جرت لايجاد متوازي بين
Sahirrabi
والمصطلحات اللاتينية القاصر غير سليمة إذا ما أخذنا هذه المصطلحات من وجهة نظر سياسية. فقد استعمل الرومان هذه المصطلحات التي تعني الشباب والشيّاب حتى في الحالات التي لا تثار فيها مسألة الحجم كما هي الحال بين الاخوة. وعلى سبيل المثال يمكن تطبيق ذلك على رجلين بالاسم نفسه حتى إذا كانا يعودان إلى أجيال منفصلة. أن لهذا الاستعمال معنى
خاص. ومن الممكن أن نأخذ مثالاً رومانياً حول شخص قام بتبني شخصاً أخر أفريقياً :
فالاكبر لم يكن يدعى لاي سبب كان أنه
(Minor)
أي قاصر. والارتباط هنا يكمن في أن هذه المصطلحات لا تستعمل في اللاتينية عندما يتم التمييز في الحقوق السياسية التي تعتمد على العمر. وهكذا الامر في
(Comitia Conturiata)
فأن
Centuries
يسمون
Seniores، iuniores
وهو عمر (46) سنة حيث يعتبر العمر الذي يتوقف فيه الانسان عن الخدمة العسكرية.
لنعود الآن إلى مسألة العضوية في الجمعية العامة (المجلس العام) وهي مسألة تتسم بالسهولة.
إذا تركنا الطبقة العليا والنساء والقاصرين والعبيد، سوف نترك مع البالغين في الرجال في المدينة وهذا التعريف البسيط صحيح على الرغم من انه يترك مسألة تعريف المواطنة دونما أي حل صحيح. والمسألة أكثر تعقيداً في طبيعة
guruš
وهو مصطلح يعني بكل بساطة "الرجل العامل"
وله أهمية كبرى في الازمنة الاولية. فقد عبّر جاكوبسون عن رأي مفاده أنه في الوركاء العضوية هي متماثلة مع المجلس الشعبي. وبالاضافة إلى الكبار أو الحكماء يضع
Gurus
وهم أعضاء المنظمة العسكرية والعاملين في دولة المدينة". وأضاف أنه " طالما أن المجلس يدعى من أجل اتخاذ قرار بالعمل أي بإتخاذ إجراء يؤدي إلى الحرب فأنه يتوقع أن يكون وبصورة أساسية تجميعاً للسكان الذكور الذين يحملون السلاح. وقد تم استدعاءه كفرصة للتعليق على طبيعة كلكامش و
Agga
يقدم ملاحظة أخرى وهي " في الوقت الذي تم فيه استخدام الناس الكبار في الزراعة (أو المهام الزراعية فأن
gurus
سوف يتم استخدامهم لشن غارات وحملات في الخدمة العسكرية. وهذا هو توضيح الوضع الذي ساد في الوركاء بناءً على طلب من
(Agga)
وأن النتيجة الفورية على ما يبدو هي تقديم العمل من أجل الري وهي في الحقيقة أعمال السخرة التي تتم وتعتمد عليها الحياة. ففي الاقتباس الثاني يحاول أن يميز بين
(gurus)
الرجال الذين يحملون السلاح والمواطنين الكبار الذين يمكنهم أن يقوموا بالاعمال الزراعية. وفي هذه الحالة لم يعد بالامكان أن نطلق على
(gurus)
أنهم المنظمة العسكرية والعمل في دولة المدينة وبناءً على ذلك وعلى ضوء الاختلاف في التفسير في الفترة بين (1943)، (1949) يمكن القول بأن المجلس يتضمن بصورة أساسية تجمعاً للسكان الذين يحملون السلاح من الذكور. وللخروج من هذا المأزق يفترض أن يكون الكبار في المجتمع هم الذين يعملون في الارض وليسوا أعضاءً في المجلس. وهذا يساعد في فهم حقيقة أن ضغط العمل يلقى عليهم في الوقت الذي يشارك الصغار (الشباب) في الانخراط للقتال في حروب كيش. ويمكننا أن نتوصل الى النظرة نفسها لعضوية المجلس أي مجلس الكبار في الوركاء مثلما أشترط جاكوبسون في كانيش. ولسوء الحظ سوف يتعارض ذلك مع النظرات التي تم التعبير عنها والتي تعتبر أن المجلس يتسم بالسمة الارستقراطية.
ويبدو من المحتمل إذا كان
(gurus)
هم أولئك الذين يحملون السلاح فقط فأنه لا يمكن أن يكون متماثلاًَ مع المجلس الشعبي. وحتى إذا تضمن فقط أولئك الذين يعملون في الارض يبدو من غير المحتمل وجود أية لائحة تنظيمية تمنع حضور هؤلاء الرجال حتى إذا كانوا كباراً. وعلى العموم أن التفسير الاكثر احتمالاً الذي لدينا هو أن المجلس الشعبي يتضمن كل المواطنين العاديين من الذكور في الوركاء بغض النظر عن العمر وأن نوع الخدمة المطلوبة لاعضائه يتم تقريرها حسب قدراتهم. وتحت ظل الظروف القديمة للحياة أن الرجال الشباب في عنفوان شبابهم سيمثلون الاغلبية الكبرى من دون شك ويمكننا أن نعّرف علاقة المجلس مع
(gurus)
بالقول أنه يتضمن الاعضاء الحاليين والسابقين. (أو أعضاء الحاضر والماضي)، ولدعم النظرة هذه الخاصة بـ
(gurus)
باعتبار أن المجلس يتضمن المقاتلين بالقياس مع الرومانية (اللجنة الرومانية) مساوية للسكان حاملي السلاح من الذكور يمكن أن نذكر أن الرومانية كمثال يستحق دراسة عميقة. وفي الحقيقة هناك ثلاثة
Comitia
رومانية
: (Tributa, Centuriata, Curiata)
وأول هذه الـ
(Comitia Curiata)
التي عضويتها تشمل خليطاً من المنظمات العائلية والمحلية وتقوم كل
(Curia)
بالتصويت كوحدة مستقلة والاغلبية هي التي تقرر. وهذه الطريقة في التصويت تعدّ سمة مميزة للممارسة الرومانية وتم تطبيقها في المجالس الثلاثة. فإذا لم يكن بـ
Comitia
وظيفة عسكرية أو أصل عسكري سوف تختفي لا محالة مع مرور الزمن وسوف لم نسمع عنها شيئا.ً أما فيما يتعلق بـ
(Comitia Tributa)
فهي صيغة متطورة تقوم بالاساس على نظام قبلي روماني تم إجراء تصحيحات عليه لكنه لا يلعب دوراً عسكرياً مطلقاً.
وهذا يعني أن
Comitia Centuriata
عسكرية في سمتها الا أن أي ترابط بين
Centuries
والجيش تتلاشى. وبسبب السمة المحافظة استمر الرومان في استخدام الفخخ العسكرية في المجلس- فعلى سبيل المثال، تم استدعاء المجلس للنظر في قضايا معينة.
من دون شك يعّد المجلس في الوركاء في زمن كلكامش بدائياً بدرجة كبيرة إذا ما قورن مع المجلس في روما ويكون قريباً من تشكيلات تضم رجال القبائل المسلمين. الا أن ذلك يمثل جزءاً من المدينة الحضرية الحقيقية مع فترة معتبرة للحياة المستقرة ولذلك فأنه من المعقول أنه أحرز تقدماً وأبتعد عن الصيغة الاصلية مثلما تم ذلك في المجتمع نفسه. والمثال الذي ورد ذكره يؤكد بوضوح أن المجلس الذي يبدو سطحياً أنه يحافظ على سمته العسكرية الاصلية يمكنه في الحقيقة أن يتطور ليصبح شيئاً مختلفاً تماماً.
استنتاجات
لقد كانت المناقشة طويلة واستطرادية لذلك فأنه من الاهمية بمكان اختصار الاستنتاجات التي تم التوصل إليها على الشكل الاتي:
تتضمن مجالس الوركاء في فترة كلكامش هيئة من الكبار مع سلطات استشارية متكونة من رؤوس المجموعات العائلة التي تتمتع بنفوذ كبير في المجتمع والتي بدورها تشكل الدولة والعديد منهم من دون شك هم من الكبار الا أن العمر بحد ذاته لا يعد أحد
المؤهلات الاساسية للعضوية وأن المجلس يتكون من كل الرجال الاحرار في المدينة، شيباً وشبّاناً ويتمتعون بسيادة كاملة. وربما يتصف هذا المجلس بأحد العيوب المهمة المتمثلة بالطريقة الاجرائية غير المناسبة.
ومن جهة اخرى أظهرت المجالس في كانيش بعد بداية الالفية الثانية (ق.م) إنحطاطاً عظيماً في السلطة وتغيير كبير في ميزان السلطات القانونية التي تم اعفاء المجلس منها وتم منحها للعظماء. وأن الأخيرين هؤلاء لا يتم اختيارهم بموجب العمر، الذي لا يعدّ المعيار الرئيس لمجلس الكبار حتى في الوركاء، وربما بسبب أهميتهم التجارية والرسمية ضمن المستعمرة (المنطقة)، وهنالك إشارات تدل على استخدام صيغة متقدمة للاجراء ضمن مجلس (العظماء) أكثر مما هي الحال في المجلس الشعبي. وفي حالة وجود أي فشل في الاتفاق فأن المسألة هنا تحال إلى المجلس بكامل أعضائه في المدينة. وربما يتطلب ذلك صيغة من التصويت أو التوصل إلى قرار بالمجموعات الا أن تدهور أهمية المجالس لاغراض سياسية منعت هذا التطور إذا ما كان هناك أي تجديد وكذلك الاهمية التي تتمتع بها والتي من الممكن أن تمتلكها للتطور السياسي.
[1]
Geoffrey Evans: Ancien Mesopotamian Assemblies,University of Sidney.pp.1-11
[2]
إن الاشارة إلى الامبراطوريات السومرية الاولى جاءت في المقدمة فإذا كانت الفكرة قد وضعت من قبل كريمر (أضواء جديدة على التاريخ القديم للشرق الادنى القديم 1948، 52، AJA. 156. 164) صحيحة فأن القصائد الشعرية الملحمية في بلاد سومر
تعني ضمنياً العصر البطولي السومري فإذا كان الامر كذلك فأنه من الضروري أن نستنتج وجود امبراطوريات في بلاد وادي الرافدين قديماً قبل وصول السومريين
الاولى: منهجه العام،
والثانية: السمة العامة للمجالس النيابية وتنظيماتها.
فضلاً عن ان هذه المقالة قد أخذت نصين رئيسين هما ما كتبه كريمر حول الملحمة المعروفة بكلكامش واكا مع التعليقات الاضافية التي قدمها البروفسور جاكوبسون وكذلك القوانين الاشورية القديمة من كانيش
(Kaniš)
ففي بداية مقالته استعمل جاكوبسون تعبيراً جميلاً فقد كتب أن التطور السياسي في الازمنة القديمة كان يرزخ تحت أفكار مسيطرة وان التركيز على الساحة السياسية كان بأيادي قليلة وبعد ذلك تعليقاً حول الافكار الاوتوقراطية التي لا تزال بعيدة التحقيق لهذه الفكرة في مناطق متفرقة. ودفعت بلاد وادي الرافدين إلى الامام وبلا هوادة تجاه هذا الهدف البعيد المتمثل بمركزية السلطة ضمن أكبر رقعة جغرافية ممكنة. ويعدّ ذلك ملخصاً جيداً للتطور الدستوري في بلاد وادي الرافدين الذي نلاحظه بأنه ذو فائدة في وقتنا الحاضر. وطالما أن البروفسور جاكوبسون لاحظ أن التنظيم في المجتمع السومري لم يكن الا نظاماً أوتوقراطياً (استبدادياً)فالسؤال الذي يطرح نفسه هو الكيفية التي وصل بها هذا النظام الى هذا التوصيف ؟ لقد تمت مناقشة هذه المشكلة في مقال مستقل يتسم بـ أهمية ملموسة ولذلك فأن مناقشة قصيرة لهذا الموضوع سوف لن تكون بعيدة عن جوهره ولابد من استنتاج نقطة واحدة مهمة وهي الفكرة الاوتوقراطية التي يجب أن تؤخذ على أنها لا تعني ضمنياً وجود مفاهيم سياسية دقيقة في تلك الفترة التي لم تشهد تطوراً حتى العهود الهلينية.
وحتى في يومنا الحاضر هناك تمييز دقيق يجب التأكيد عليه بين التعاريف الدقيقة للنظرية السياسية وأن تعابير مثل الديمقراطية
والاستعمار وغيرهما من التعابير تثير الكثيرمن الارباك والحيرة لانها غالباً ما تكون غامضة. ولكن يمكن أن نوجّه سؤالاً وهو هل هناك أنظمة متقدمة في استعمال المفاهيم السياسية وفهمها أكثر من الوقت الحاضر ؟
في الحقيقة أنهم غير قادرين على صياغة مثل هذه الانماط والنظم السياسية مثل الاوتوقراطية والديمقراطية فأن الملكية هي بصورة محتملة كانت تعد المؤسسة السياسية الاكثر تطوراً الا أن النواحي الدينية والدنيوية كانت هي الاخرى موحدة في أفكارهم. وهذا الخلط في الوظائف قد تم إيحاءه وتمت أيضاً صياغته بالجملة الاتية: (الملَكية تنزل من الالهة). ولذلك فأن الطبيعة البدائية للفكرة السياسية لم تكن من دون عواقب عملية. ومن الممكن أنها جعلت قلب المؤسسات الديمقراطية أكثر سهولة في المجتمع مما
كانت عليه في السابق كما أنها أكثر تعقيداً من الناحية السياسية لتنظيم المدينة الاغريقية. فإذا كانت هذه الاشارة صحيحة فأنها سوف تقدم لنا عاملاً آخر (وهو عامل سلبي) يساعد في اقامة النظام الاستبدادي في بلاد الرافدين.
ففي المراحل الاولى من تطور بلاد وادي الرافدين نحو النظام المركزي: أي الامبراطورية التي تحكم استبدادياً فأنه من المهم أن نميّز بين طريقتين نحو "تدمير" الديمقراطية في كل مدينة وكذلك نحو "تدمير" استقلالية المدن الفردية مهما كان حلمها داخلياً ويقع التعليق على هذه القضايا خارج نطاق جاكوبسون الا أنها تستحق المزيد من التفحّص. لذلك فأنه من الممكن أن نتوصل إلى افتراض أولي بأن المستوطنات الفردية ظهرت إلى الوجود قبل إنشاء الامبراطورية الاولى وهو ما نعرفه عن تنظيم المدن الاولية. ومن الواضح ان هنالك طرائق مختلفة مفتوحة بواسطتها يستطيع الفرد أو المجتمع أن يحصل على جزء من السلطة في المجتمع. ويمكننا أن نستنتج أن الهجوم ضد الديمقراطية جاء أولاً من القوى داخل المدن وأن وجود الامبراطوريات في الازمنة القديمة يبدو أنها كانت متماسكة ([2]) يجب أن نتوقع بأن القوى الداخلية والخارجية عملت بصورة مشتركة وقامت بدورها كدعامة أساسية للمؤسسات الديمقراطية التي لم يكن لها وجود آنذاك. كما أن وجود تهديد خارجي يعد سبباً جيداً لتخطي الحرية. ففي مثل هذا التصرف لابد أن يكون لممتلكات الامبراطورية اثاراً كبيرة جداً على المؤسسات الديمقراطية للمدينة الملَكية فأن فقدان الديمقراطية الداخلية لا يبدو أنه ناتج عن اختفاء الولاءات المحلية. وفي الحقيقة فأن الروح الوطنية كان لها دور كبير في الحفاظ على القوة العظيمة في بلاد سومر بعد ظهور الامبراطوريات. وتعدّ هذه إحدى أكثر العقبات خطورة والتي كان يتوجب التغلب عليها. فأن مثل هذه المشاعر كانت شعبية بصورة أساسية وكانت في الحقيقة تستغل الاستبداديين الطموحين ولعل ذلك شاهداً لازاحة لوكال زاكيزي
من اوما إلى الوركاء. ويعد أحد الاسباب المهمة لانبعاث مثل هذه المشاعر هو السبب السياسي فأن مساعي الاستبداديين الملكيين ونضالهم من أجل السيطرة على السلطة المحلية هي في الواقع ظاهرة مضادة للديمقراطية على الرغم من أنه حسب وجهة نظر المواطنين أن الاستبداد المحلي هو مفضّل على ذلك الذي يٍمارس من الخارج لانه يأخذ بنظر الاعتبار المشاعر العامة. فأن مثل هذه المشاعر المحلية يجب أن تكون عاملاً يساعد على الامساك بسلطات معتبرة إلى فترة متأخرة وبصورة مدهشة.
الاجراءات الخاصة بالجمعيات والعلاقات فيما بينها
نتيجة لقلة معلوماتنا لاحظ البروفسور كريمر قلة الاجراءات المتّبعة في الجمعيات في بلاد الرافدين. ولم يعالج جاكوبسون هذا الموضوع خارج نطاق ملاحظته تطبيق نظام "التصويت" الذي ينبغي استبعاده لانه يمثّل مفارقة تاريخية. ويبدو أن الاعضاء يتوصلون إلى قرار سائلين الواحد الاخر (بالطلب من واحد إلى أخر). وعلى الرغم من أنه لم يدرك ذلك فأنه من الطبيعي أن يجتمع الحكماء
Elders
الشيّاب(لمناقشة الموضوع ومن ثم تتم) تسمية المجلس. ففي كانيش كان هذا النظام سائداً أو كان يتم استدعاء الجمعية فقط في
ظروف معينة. وفي بعض الحالات إذا فشل الحكماء بالاتفاق (مقارنة ذلك مع الجمعيات في الوركاء في الازمنة القديمة) فإن كفاءة المجموعتين في كانيش يبدوا أنها كانت محدودة بقضايا قضائية. وليس من المؤكد أن نفترض وجود علاقة مشابهة بين الجمعيات في الوركاء تحت ظل ظروف مختلفة جداً كانت سائدة في المدينة القديمة (الوركاء) وان هذه المشكلة الصعبة جداً وقد تم توضيحها بأبيات أو أسطر معينة في كلكامش وأكا التي استعملها كريمر في طبعته المتكاملة، حيث ذكر جاكوبسون في مقالته بان كلكامش ذهب أولاً إلى جمعية الحكماء (الشيّاب) طالباً دعمهم لمقاومة طلبات (أكا) وقد أعطوا موافقتهم. وبعد ذلك أخذ هذا المقترح وعرضه أمام الجمعية العامة التي صادقت عليه. وفي طبعة أخرى يرفض الحكماء طلبه ويخضع المجلس لذلك. ومن جهته اشار كلكامش إلى مسألة الجمعية المتكاملة التي دعمت سياسته.
وباختصار كسب هذه النقطة طالما أن قرار الجمعية سار بصورة معاكسة لرأي الحكماء. ومن ناحية اخرى أقترح جاكوبسون أن وظيفة الحكماء كانت استشارية. وتعرض الطبقة الجديدة لنا أن الجمعية كانت لها صلاحية مطلقة وقادرة على إسداء مثل هذه النصيحة / النصائح وهذا موقف مختلف تماماً عما كان عليه الحال في كانيش حيث كانت هناك جمعية صغيرة ولكنها مؤثرة تستدعى في حالة فشل العظام في التوصل إلى قرار.
ولمناقشة طبيعة الاجراءات في جمعيات بلاد وادي الرافدين لابد من إجراء مقارنات مع تلك الجمعيات في اسبارطة وروما في العصور القديمة. والآن نعرف جيداً أن المدن القديمة عملت جاهدة على للحيلولة دون تطور المؤسسات الديمقراطية الفاعلة. ويبدو أن عواقب ذلك كانت مشابهة لما هو موجود في بلاد الرافدين. وتعرض لنا المقارنة بين الجمعيات الموجودة في الوركاء وكانيش وبكل وضوح كيف أن قطاع الشؤون العامة كان تحت السيطرة العامة ونجد أيضاً بأن الجمعية المتكاملة قد فقدت أرضيتها وأعطيت إلى الحكماء (الكبار) (أي: تقليص صلاحيات وسلطات الجمعيات).
وعلى الرغم من هذا التقليص للصلاحيات بقيت الجمعيات في كانيش ذات أهمية أولى تاريخياً حيث أنها تمتلك سمات مشابهة للجمعيات الاولية ولكن ليس لدينا معلومات أكثر حول الطريقة التي كانت تتم بها. ومن ناحية أخرى يجب أن ندرك الاختلاف
في الوظيفة ما بين المدينة والمستعمرة التجارية. والنقطة الاولى التي يجب ملاحظتها هي استعمال الارتباط مع كل الجمعيات في كانيش لما يعرف (بالاغلبية) وهو مفهوم ديمقراطي
وقد تم استعمال كلمة
(Madudum)
التي تنطبق على (العظيم أو الكبير)
ولربما استعمال هذه الكلمات الاخيرة يدل
((nam.edum
يدل على أن لها معنيين مختلفين. ولسوء الحظ لم يتم تحديد تعريف الاكثرية أو الاغلبية
(ipi-íša ma- du-dim)
حيث أن العبارة التي وردت اصطلاحية ولاتحمل أي مدلول ضروري للتصويت. ويشاهد في اللوح الثاني
ipi- i- we- dim
ولكن يبقى من الممكن أن الجمعية المتكاملة (الكاملة) تعبّر عن أرائها بهذه الطريقة وكذلك الطريقة التي يتم بواسطتها تحديد (العظماء) في اللوح الثاني إذا كانت ترجمة الاغلبية صحيحة على الرغم من كونها غامضة أيضاً.
ويبقى لدينا مسألة الاجراء الذي تواجهه الجمعية للعظماء في اللوح الاول. من الواضح أن الاجراء المتبع مختلف في هذه الحالة طالما ان الكاتب عمد إلى تقسيمهم إلى ثلاثة فأنهم يعطون أحكامهم ولكن ما سمة التواصل بين هذه المجاميع الثلاثة التي تنقسم إليها الجمعية وما هي وظيفتهم؟ تعدّ هذه أسئلة سهلة العرض ولكن صعبة الاجابة ولكن حسب معلوماتنا فأنه من المحتمل عدم
التوصل إلى إجابة نهائية حول الموضوع ولكن في الوقت نفسه يمكننا تقديم بعض التوضيحات :
1- المجموعة الاولى التي تقوم على أساس الانفتاح لمهاجمة كل ما يتضمن مفارقة تاريخية وأن هذه المجموعات الثلاثة تتضمن المعارضة والمؤيدة والممتنعة وأن هذه الطريقة للتصويت هي ذاتها المعتمدة في الجمعيات الحديثة مثل مجلس العموم أو مجلس السنت الروماني. وأن أصغر الاعضاء في هذه المؤسسة هو
(Perdarii)
طالما أنهم ليس لديهم فرصة لفتح أفواههم للتعبير عن رأيهم وعلى ضوء هذه الفرضية فأنه ليس من الضروري أن نفترض عداً للرؤوس في كانيشا فأن الاعداد هي أقل من أن تكون كافية لاتخاذ موقف واضح في الوهلة الاولى ولذلك فأن الجمعية تعقد اجتماعاً (بحضور القليل – الشباب والعظيم --- الشيّاب) وأن هذه النظرية مفتوحة لاعتراضات عديدة. فأن إجراء التصويت بالتقسيم يجعل المناقشة صعبة جداً ولذلك فان الجمعية سوف يتم تقليصها على المصادقة على الاحكام فقط. ولهذا فأنه من الممكن أن نجيب بأنه ليس من الصعب تماماً الاعتراف بتقييد وظائف السلطة القضائية وتحديدها للموافقة أو لاقرار قانون كما هي الحال في الجمعية السياسية.
والاكثر من ذلك، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الاجراء المتّبع في كلكامش وأكا يؤخذ حرفياً على أنه
gurus
سوف لن يقرر مع أو ضد أي قرار أو مقترح أمامهم. ومرة أخرى فأنه من الممكن أن كل ما هو مطلوب من العظماء في كانيش هو المصادقة على الحقائق والعقوبات التي تفرضها التشريعات أو الاعراف أما إذا كان هنالك تمييز فأنه يترك إلى
Galalim
الذي يُطلب منه الحضور. وعلى كل حال فأن هذه الصعوبة المشابهة / المماثلة يجب مواجهتها في حالة القرار المشار إليه للشيّاب والشباب ونعرف بأن هنالك يتم إتخاذ القرار (على فم الاغلبية) طالما أن الاعداد الحاضرة هي الاكبر ولكن المناقشات المفصلة ستكون أكثر صعوبة أيضاً ومن المحتمل أن يكون هناك توضيحات محتملة.
2- تغيير المجموعات الثلاثة المشار إليها على انها مؤسسات ليس لها أهمية خارج الجلسة التي تنعقد بحضورهم. وفي هذه الحالة فأن وجودهم يعمل على جعل المناقشة أكثر سهولة وأن كل مجموعة من هذه المجاميع الثلاثة يجب أن تعطي قرارها عندما يحين الوقت. وطالما أن هناك حالات عدم الموافقة يمكن مجابهتها فإنه يبدو أن لا تتم اثارة أي سؤال حول رأي المجموعتين الاخيرتين ، وهذه النظرية تعمل على التوصل إلى قرار جماعي وهو بمثابة تصويت بدائي، وفي الوقت الذي لا يعتبر فيه هذا الاجراء مألوفاً فإن من الممكن أن نوضح أن الجمعيات الرومانية الثلاثة استخدمت هذه الصيغة المتطورة.
3- وبصورة بديلة فأنه من الممكن أن هذه المجموعات الثلاثة الموجودة داخل الجمعية تشير إلى هيئات في المجتمع خارج الجمعية وليس من السهولة أن نقترح ماهيتهم فأنه من الممكن أن تكون هذه الجمعيات قبلية أو عائلية كما هي الحال في المدينة الاغريقية اوأن تكون مناطقية. وأن اعتراضاً واضحاً يمكن تقديمه هنا أن مدينة مثل كانيش لا يمكن أن نعتبرها مكاناً ملائماً نجد فيه مثل هذه التقسيمات. فأن مجتمعات أو مجتمع المستعمرات كانت صغيرة ومتجانسة نسبياً.
ومن الممكن أن هذه التقسيمات الثلاثة، كالجمعيات هي في الحقيقة انعكاس لما هو موجود في المستعمرة أو ربما في المدينة الام. ومن جهته اوضح جاكوبسون أن هنالك نقاط تشابه مهمة بين هذه الجمعيات والجمعيات التي كانت موجودة في الوركاء قبل ذلك. فإذا ما كانت هذه المؤسسات قد بقيت فترة طويلة من الزمن فأنه لا يوجد هناك أي صعوبة بأن نقرّ بأنها نقلت من المدينة الام إلى مستعمراتها التجارية. وثمة سمة غريبة لهذه التقسيمات وهي أنها تحدث فقط ضمن جمعية "الشيّاب" فقط ولكن كيف يمكن أن نوفّق هذا مع نظرية تشير إلى مؤسسة ضمن المدينة بأكملها ؟ هنالك مؤسسة واحدة معروفة لدينا من مصادر عديدة تتناول
الفترة نفسها والتي تعدّ مناسبة وهي
(bâbtum)
وعلى كل حال، هنالك ما يستدعي انعقاد جلسة للجمعية ولكن لا يمكن أن تكون هذه الجلسة من دون نتيجة. تاركين جانباً كل
الاراء المحتملة الخاصة بأصل هذه المجموعات الثلاثة فأن وجودها وملائمتها بطريقة أو بأخرى يكمن في الاضطلاع بمهمة التوصل إلى قرار يعدّ أمراً مؤكداً. والتفسير الطبيعي للنص يمكن لنا أن نتوصل إليه. أي انه بعد تشكيل هذه المجموعات الثلاثة تتوصل الى قرار يتفق عليه أعضائها ربما بالمناقشة. وأن هذا القرار يمكن أن يتخذ صيغة اجابة عن سؤال بسيط. وعندما يتم التوصل إليه يتم ابلاغ المجموعتين الاخيرتين فإذا ما أتفقت المجاميع الثلاثة فأن المسألة سوف يتم حسمها وإذا لم يتم ذلك فأنه في هذه الحالة يتم استدعاء الجمعية بكافة أعضائها للاجتماع. وكما ذكرنا فأنه من الصعب مقارنة الاستنتاج الذي ينص على أن هذا الاجراء يعني ضمنياً وجود تصويت جماعي بصيغة ما ولكن يجب أن لا نفترض بأن هذه الطريقة هي عبارة عن اجراء موجود في فترة (الديمقراطية البدائية). ونعرف بأن جمعيات كانيش تختلف في وظيفتها عن جمعيات الوركاء ومن غير المحتمل أن صيغتها
في الاجراء لم تتغير. ولربما أن تقييد الصلاحية للجمعيات الاخرى في القانون يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في حين أن السيطرة السياسية قد انتقلت إلى أيادي الملوك لذلك فأن أي تقدم واعد للطريقة أو المنهج السياسي سوف لن يكون مجدياً.
تشكيل المجالس
أن المسألة المتبقية التي تحتاج إلى مزيد من المناقشة هي تشكيلة مجلس الحكماء في كلتا المدينتين. ويبدو ان جاكوبسون أعتمد الفكرة التي تنص على أن قاعدة اختيار الجمعية العليا مختلف في المدينتين. فقد كتب عن الوركاء على ضوء المصطلح السومري
(abba)
حرفياً يعني اب) و
(abba uru)
أي " مدينة اب " في الاصل رؤوس العوائل الكبيرة المختلفة التي تشكل سكان المدينة. أما علاقتهم مع الملك فانها تقوم على أساس أنهم مستشارون. ويقومون بتقديم مثالاً لممارسة هذه الوظيفة. وأن هذه المشورة المقدمة من قبل" رؤساء العوائل الكبيرة " مشابهة لمجلس الشيوخ في روما والذي يطلق على أعضاؤه تسمية
Patres"
وتوضح هذه التعابير وبكل جلاء أنه لديه أفكار معينة ويبدو أن المكانة التي يمتلكها آباء المدينة مشابهة للموقع الذي كان يمثله الارستقراطيون الرومان والاغريق. أن المجالس من هذا النوع لها توزيع في اوقات مختلفة ولا تعتمد عضويتها على العمر. وفي الامثلة الكلاسيكية نجد أن الرجال الشباب لم يتم انتخابهم الا أن المؤهل الحقيقي هو المركز الاجتماعي ويتم استبعاد كبار السن من الذين يتمتعون بمنزلة دنيا من الناحية الاجتماعية.
وهذا يتعارض مع أفكاره بخصوص تشكيل المجالس في كانيش
(Kaneš)
وتخلى هنا عن فكرة التوزيع التي تقوم على أساس الفوارق الطبقية مثلما تم توضيح ذلك في أعلاه. ومن جهته ترجم
(Sahir rabi)
"الشباب والكبار " وليس بالصغار والعظماء. ولايوجد أي شك في أن البابليين استعملوا كلمة
Sihrum
لتعني كل من الشباب والصغار وكلمة
(rabûm)
تعني الكبار والعظماء وهكذا نجد أن الكلمات لا يمكن أن توصلنا إلى استنتاج محدّد. وطالما أنه من الواضح في النصوص التي
نحن بصددها فقد تم استعمالها بمعنى قانوني وربما فني ولكنه من المهم معرفة ما تعني في المصطلحات القانونية خاصة في تلك الفترة.
ويتضمن الجزء (22) من قوانين حمورابي مثالاً مهماً لاستعمال كلمة
Šum- ma a- wi- lum
a- wi- lim Ša e- li – šu ra – bu – ù im – ta - (rabûm)
وعلى ضوء كلمات
me- ih-ri-šn
في القسم (200) التي بكل وضوح تعني " من مرتبة مساوية لماله " وكلمة
(ki- ma-šn-a-ti)
في القسم (203) تعني " يشبه نفسه " فأنه لا مجال للشك هنا أن
(ša elišu rabù)
تعني " من مرتبة أعلى من مرتبته " وليس " "أكبر منه". وفي الحقيقة لاحظ كل من درايفر ومايلز أن هذا القانون يشير إلى وجود درجات (مراتب) مختلفة للرجال الاحرار في بابل. وهناك عدد من الوثائق القانونية من لارسا، في عهد ريم_ رسين ذكرت أشخاص تم وصفهم بـ
(rabium)
. وهناك اتفاقات حول الخدمات التي يقدمها المواطن الذي يتصرف بصورة جيدة... ومن جهته ترجمت
rabium
من قبل
Szlechter
بصورة عامة بكلمة " القوي" وهذا هو ما تسمح به المعلومات المتوفرة في حين نصت قوانين حمورابي على (ترك)
redŭm
"الى رجل قوي" والكلمة التي استعمل تهنا هي كلمة
" dannum "
التي ربما تكون أقل مستوى لغوياً واستعمالها هنا جاء بصورة متعددة. ويبدو من غير المحتمل أن الدائن أو بصورة خاصة الضامن يرغب في منح الحق اي حق اللجوء الى طبقة لم يتم تعريفها بدقة من ضمان معظم الاحكام الاخرى في الشرط الجزائي وهذه الاحكام واضحة تماماً. وبالنسبة لهدفنا هنا، فأنه من الواضح أياً كان
Rabiun
أنه في جميع الاحوال رجل أو شخص يتمتع بمرتبة عالية قادر على حماية المدين ضد غضب دائنه ليس بكل بساطة رجل عجوز.
تعدّ استعمالات لفظ
(sihum)
في القانون متعددة ويبدو أن المصطلح يشير عادة إلى أطفال صغار في حين قام ج.ر. دايفر بترجمته على أنه "طفل" كما ورد في واضيع عديدة. وبعبارة واحدة أو شرط واحد نجد أن الطفل وصف على أنه شاب إلى درجة بحيث أنه يصعب أن يرث ارضاً من والده–
ilku
طالما أنه غير قادر على تأدية الواجبات التي تنشأ عن ممتلكاته كما أنه صغير جداً بحيث أنه لايمكنه الزواج قبل وفاة والده وان اخوته قرروا بأن يتركوا له حصة من العقار ليقدمها هدية لزواجه مستقبلاً. وأوضح مثال على ذلك هو القانون الذي وضع شروطاً بموجبها تستطيع الارملة ذات الاطفال أن تتزوج ثانية : وأن الاموال الابوية (من جانب الاب) تبقى محفوظة للاطفال (وهنا يُقصد الزوج الاول) وعلى المرأة وزوجها الثاني تنشأة الاطفال. والعنصر المشترك لكل هذه الاستعمالات يدل على أن الشخص الذي وصف على أنه
Sihrum
ليس شاباً أو صغيراً ولكنه غير قادر على حماية مصالحه او ان يأخذ على عاتقه حقوق ومسؤوليات فرد متكامل في المجتمع. وفي الوقت الذي يكون ذلك نتيجة لسنواته القليلة (أي عمره) فأنه من المهم أن نلاحظ أن المسألة لا تتعلق بالشاب البسيط وانما بالقصر القانوني أي ان الامر يتعلق بالقاصرين.
وفي بابل يبقى الشخص شاباً (صغيراً) لسنوات عديدة إلى أن يبلغ سن الرشد ومن الممكن أن كلاً من المعنيين الصغير
والشاب يبقى ضعيفاً. وهذا الامر راسخ في عقول البابليين في مثل هذه الحالات. وبالعودة إلى كانيش لا يوجد عضو في المجلس المتكامل من الشباب بالمعنى الذي تضمنته هذه القوانين ولكننا على دراية من أن
(Sihrū)
كان يتمتع بسلطات محددة بدرجة أكبر من صلاحيات أو سلطات
(rabu)
وربما تعني كلمة ؤ "الرجال القصار" أي قصار القامة وإذا ما رجعنا إلى تعبير
Sahir rabi
على ضوء هذا الدليل فأنه يبدو أن ترجمتها الى"صغير وعظيم" افضل مما تكون "شاب وعجوز" "شيب وشبان".
وهناك دعم لهذه المناظرة من قبل القياس حيث أوضح جاكوبسون وجود تشابه كبير بين مؤسسات الوركاء وكانيش. وكما ذكرنا سابقاً، أن المجلس الاعلى في الوركاء كان ارستقراطياً في صبغته. وبناء على ذلك يمكننا أن نجد "العظام" في كانيش الذين يتم اختيارهم من المتنفذين في المجتمع. وعلى كل حال، لا تخلو هذه المناظرة من مخاطر ولذلك أتخذت موقفاً أخر مختلفاً فيما يتعلق بالمقارنة بين صفات المدينتين. ولعل الخطر الاقل المتأتي يكمن في المصطلح الذي نستعمله. فأن استعمال مصطلح "الحكماء" لوصف أعضاء هذه المؤسسة في الوركاء يجب أن لا يجعلنا نصاب بالعمى فيما يتعلق بشخصيتهم الحقيقية. فإذا لم يكونوا رجالاً كباراً في السن ربما لا يكون صحيحاً أن نقول أن نظرائهم في كانيش كانوا من أمثالهم. فإذا كانت نظرية القياس صحيحة فأنه من الممكن جداً أن نقول بأن هؤلاء الرجال كانوا من البارزين في المجتمع ومن الموظفين والتجار.
أن صورة كانيش كمدينة أو مستعمرة تجارية خارج المدينة أو البلدية قد واجهت تحدياً، فأنها تظهر بحجم معقول ومحترم كما أن عدد من الاشوريين استقروا هناك لفترات طويلة وتملكوا الأراضي. أن مثل هذا المجتمع أرسى قواعده على انموذج مدينة جامعة كالعاصمة، ومن ناحية أخرى يجب أن لا نتوقع وجود قبائل تقوم على أساس سيادة الاب على الرغم من وجودها في أماكن أخرى. فالمعيار الطبيعي لمثل هذا البروز يعتمد على الثروة والموقع الوظيفي أكثر مما يعتمد على العمر. ولابد من أن نختار بأي اعتبار يشبه الجمعية (المجلس) مع ما هو موجود في الوركاء اذ لابد من أن المجلس يتضمن كل أولئك الكبار، ومثلما اعتقد جاكوبسون أن لمجلس يتضمن الاعضاء البارزين في المجتمع. ففي الحالة الاولى، يكون المجلس أقل انتقائية مما هي عليه الحال في الوركاء وما العمر المطلوب كمؤهلات. وفي الحالة الثانية أن مؤهل العمر لا يعد مناسباً تحت وطأة الظروف السائدة. فالدليل المتوفر
لدينا والاحتمالات الواردة هي بكل تأكيد مع الخيار الثاني.
من الممكن أن تكون المحاولة التي جرت لايجاد متوازي بين
Sahirrabi
والمصطلحات اللاتينية القاصر غير سليمة إذا ما أخذنا هذه المصطلحات من وجهة نظر سياسية. فقد استعمل الرومان هذه المصطلحات التي تعني الشباب والشيّاب حتى في الحالات التي لا تثار فيها مسألة الحجم كما هي الحال بين الاخوة. وعلى سبيل المثال يمكن تطبيق ذلك على رجلين بالاسم نفسه حتى إذا كانا يعودان إلى أجيال منفصلة. أن لهذا الاستعمال معنى
خاص. ومن الممكن أن نأخذ مثالاً رومانياً حول شخص قام بتبني شخصاً أخر أفريقياً :
فالاكبر لم يكن يدعى لاي سبب كان أنه
(Minor)
أي قاصر. والارتباط هنا يكمن في أن هذه المصطلحات لا تستعمل في اللاتينية عندما يتم التمييز في الحقوق السياسية التي تعتمد على العمر. وهكذا الامر في
(Comitia Conturiata)
فأن
Centuries
يسمون
Seniores، iuniores
وهو عمر (46) سنة حيث يعتبر العمر الذي يتوقف فيه الانسان عن الخدمة العسكرية.
لنعود الآن إلى مسألة العضوية في الجمعية العامة (المجلس العام) وهي مسألة تتسم بالسهولة.
إذا تركنا الطبقة العليا والنساء والقاصرين والعبيد، سوف نترك مع البالغين في الرجال في المدينة وهذا التعريف البسيط صحيح على الرغم من انه يترك مسألة تعريف المواطنة دونما أي حل صحيح. والمسألة أكثر تعقيداً في طبيعة
guruš
وهو مصطلح يعني بكل بساطة "الرجل العامل"
وله أهمية كبرى في الازمنة الاولية. فقد عبّر جاكوبسون عن رأي مفاده أنه في الوركاء العضوية هي متماثلة مع المجلس الشعبي. وبالاضافة إلى الكبار أو الحكماء يضع
Gurus
وهم أعضاء المنظمة العسكرية والعاملين في دولة المدينة". وأضاف أنه " طالما أن المجلس يدعى من أجل اتخاذ قرار بالعمل أي بإتخاذ إجراء يؤدي إلى الحرب فأنه يتوقع أن يكون وبصورة أساسية تجميعاً للسكان الذكور الذين يحملون السلاح. وقد تم استدعاءه كفرصة للتعليق على طبيعة كلكامش و
Agga
يقدم ملاحظة أخرى وهي " في الوقت الذي تم فيه استخدام الناس الكبار في الزراعة (أو المهام الزراعية فأن
gurus
سوف يتم استخدامهم لشن غارات وحملات في الخدمة العسكرية. وهذا هو توضيح الوضع الذي ساد في الوركاء بناءً على طلب من
(Agga)
وأن النتيجة الفورية على ما يبدو هي تقديم العمل من أجل الري وهي في الحقيقة أعمال السخرة التي تتم وتعتمد عليها الحياة. ففي الاقتباس الثاني يحاول أن يميز بين
(gurus)
الرجال الذين يحملون السلاح والمواطنين الكبار الذين يمكنهم أن يقوموا بالاعمال الزراعية. وفي هذه الحالة لم يعد بالامكان أن نطلق على
(gurus)
أنهم المنظمة العسكرية والعمل في دولة المدينة وبناءً على ذلك وعلى ضوء الاختلاف في التفسير في الفترة بين (1943)، (1949) يمكن القول بأن المجلس يتضمن بصورة أساسية تجمعاً للسكان الذين يحملون السلاح من الذكور. وللخروج من هذا المأزق يفترض أن يكون الكبار في المجتمع هم الذين يعملون في الارض وليسوا أعضاءً في المجلس. وهذا يساعد في فهم حقيقة أن ضغط العمل يلقى عليهم في الوقت الذي يشارك الصغار (الشباب) في الانخراط للقتال في حروب كيش. ويمكننا أن نتوصل الى النظرة نفسها لعضوية المجلس أي مجلس الكبار في الوركاء مثلما أشترط جاكوبسون في كانيش. ولسوء الحظ سوف يتعارض ذلك مع النظرات التي تم التعبير عنها والتي تعتبر أن المجلس يتسم بالسمة الارستقراطية.
ويبدو من المحتمل إذا كان
(gurus)
هم أولئك الذين يحملون السلاح فقط فأنه لا يمكن أن يكون متماثلاًَ مع المجلس الشعبي. وحتى إذا تضمن فقط أولئك الذين يعملون في الارض يبدو من غير المحتمل وجود أية لائحة تنظيمية تمنع حضور هؤلاء الرجال حتى إذا كانوا كباراً. وعلى العموم أن التفسير الاكثر احتمالاً الذي لدينا هو أن المجلس الشعبي يتضمن كل المواطنين العاديين من الذكور في الوركاء بغض النظر عن العمر وأن نوع الخدمة المطلوبة لاعضائه يتم تقريرها حسب قدراتهم. وتحت ظل الظروف القديمة للحياة أن الرجال الشباب في عنفوان شبابهم سيمثلون الاغلبية الكبرى من دون شك ويمكننا أن نعّرف علاقة المجلس مع
(gurus)
بالقول أنه يتضمن الاعضاء الحاليين والسابقين. (أو أعضاء الحاضر والماضي)، ولدعم النظرة هذه الخاصة بـ
(gurus)
باعتبار أن المجلس يتضمن المقاتلين بالقياس مع الرومانية (اللجنة الرومانية) مساوية للسكان حاملي السلاح من الذكور يمكن أن نذكر أن الرومانية كمثال يستحق دراسة عميقة. وفي الحقيقة هناك ثلاثة
Comitia
رومانية
: (Tributa, Centuriata, Curiata)
وأول هذه الـ
(Comitia Curiata)
التي عضويتها تشمل خليطاً من المنظمات العائلية والمحلية وتقوم كل
(Curia)
بالتصويت كوحدة مستقلة والاغلبية هي التي تقرر. وهذه الطريقة في التصويت تعدّ سمة مميزة للممارسة الرومانية وتم تطبيقها في المجالس الثلاثة. فإذا لم يكن بـ
Comitia
وظيفة عسكرية أو أصل عسكري سوف تختفي لا محالة مع مرور الزمن وسوف لم نسمع عنها شيئا.ً أما فيما يتعلق بـ
(Comitia Tributa)
فهي صيغة متطورة تقوم بالاساس على نظام قبلي روماني تم إجراء تصحيحات عليه لكنه لا يلعب دوراً عسكرياً مطلقاً.
وهذا يعني أن
Comitia Centuriata
عسكرية في سمتها الا أن أي ترابط بين
Centuries
والجيش تتلاشى. وبسبب السمة المحافظة استمر الرومان في استخدام الفخخ العسكرية في المجلس- فعلى سبيل المثال، تم استدعاء المجلس للنظر في قضايا معينة.
من دون شك يعّد المجلس في الوركاء في زمن كلكامش بدائياً بدرجة كبيرة إذا ما قورن مع المجلس في روما ويكون قريباً من تشكيلات تضم رجال القبائل المسلمين. الا أن ذلك يمثل جزءاً من المدينة الحضرية الحقيقية مع فترة معتبرة للحياة المستقرة ولذلك فأنه من المعقول أنه أحرز تقدماً وأبتعد عن الصيغة الاصلية مثلما تم ذلك في المجتمع نفسه. والمثال الذي ورد ذكره يؤكد بوضوح أن المجلس الذي يبدو سطحياً أنه يحافظ على سمته العسكرية الاصلية يمكنه في الحقيقة أن يتطور ليصبح شيئاً مختلفاً تماماً.
استنتاجات
لقد كانت المناقشة طويلة واستطرادية لذلك فأنه من الاهمية بمكان اختصار الاستنتاجات التي تم التوصل إليها على الشكل الاتي:
تتضمن مجالس الوركاء في فترة كلكامش هيئة من الكبار مع سلطات استشارية متكونة من رؤوس المجموعات العائلة التي تتمتع بنفوذ كبير في المجتمع والتي بدورها تشكل الدولة والعديد منهم من دون شك هم من الكبار الا أن العمر بحد ذاته لا يعد أحد
المؤهلات الاساسية للعضوية وأن المجلس يتكون من كل الرجال الاحرار في المدينة، شيباً وشبّاناً ويتمتعون بسيادة كاملة. وربما يتصف هذا المجلس بأحد العيوب المهمة المتمثلة بالطريقة الاجرائية غير المناسبة.
ومن جهة اخرى أظهرت المجالس في كانيش بعد بداية الالفية الثانية (ق.م) إنحطاطاً عظيماً في السلطة وتغيير كبير في ميزان السلطات القانونية التي تم اعفاء المجلس منها وتم منحها للعظماء. وأن الأخيرين هؤلاء لا يتم اختيارهم بموجب العمر، الذي لا يعدّ المعيار الرئيس لمجلس الكبار حتى في الوركاء، وربما بسبب أهميتهم التجارية والرسمية ضمن المستعمرة (المنطقة)، وهنالك إشارات تدل على استخدام صيغة متقدمة للاجراء ضمن مجلس (العظماء) أكثر مما هي الحال في المجلس الشعبي. وفي حالة وجود أي فشل في الاتفاق فأن المسألة هنا تحال إلى المجلس بكامل أعضائه في المدينة. وربما يتطلب ذلك صيغة من التصويت أو التوصل إلى قرار بالمجموعات الا أن تدهور أهمية المجالس لاغراض سياسية منعت هذا التطور إذا ما كان هناك أي تجديد وكذلك الاهمية التي تتمتع بها والتي من الممكن أن تمتلكها للتطور السياسي.
[1]
Geoffrey Evans: Ancien Mesopotamian Assemblies,University of Sidney.pp.1-11
[2]
إن الاشارة إلى الامبراطوريات السومرية الاولى جاءت في المقدمة فإذا كانت الفكرة قد وضعت من قبل كريمر (أضواء جديدة على التاريخ القديم للشرق الادنى القديم 1948، 52، AJA. 156. 164) صحيحة فأن القصائد الشعرية الملحمية في بلاد سومر
تعني ضمنياً العصر البطولي السومري فإذا كان الامر كذلك فأنه من الضروري أن نستنتج وجود امبراطوريات في بلاد وادي الرافدين قديماً قبل وصول السومريين