الحرية والمال وسائل النهوض بالموسيقى
محيي الدين حيدر والسنباطي ومنير بشير ابرز معلميه
حاوره صالح الياس
يقضي فيها جل وقته ليتنفس فن السبعينات، ممسكا عروة زمن عمالقة الموسيقى والغناء، إذ لا طرب أشهى من المقام العراقي بصوت سيد إسماعيل الفحام الموصلي (رحمه الله). غرفة مختصرة يتسابق فيها غبار الزمن الى صور وآلات موسيقية مسمرة على جدرانها منذ عقود، جوار مقهى الصنف وسط مدينة الموصل، حيث قادتني الخطى بحثا عن عازف العود الكبير أكرم حبيب، لأقطع عليه خلوته مع عشيقاته (جوزات العود)، حاملا في جعبتي جملة أسئلة كانت محور هذا الحوار المختصر:
- متى كانت بداياتك مع الموسيقى؟
أنا مع الموسيقى منذ عام 1965 وما زلت، تنقلت في العمل مدربا في رعاية الشباب واتحاد النساء خلال الستينيات والسبعينيات، ثم أصبحت مشرفا موسيقيا في بيت المقام منذ عام 1994.
- من علم أكرم حبيب العزف؟
أول من علمني مبادئ العزف على العود الموسيقي الراحل محمد حسين مرعي ، كان ذلك في دورات مديرية تربية نينوى التي كانت تقام مجانا للطلبة في العطل الصيفية، وتشمل الرسم والموسيقى والمسرح والنحت وغيرها من المجالات الفنية، ثم درست على يد الموسيقار منير بشير شقيق جميل بشير، كذا الشريف محيي الدين حيدر (مؤسس معهد الفنون في بغداد) والملحن الشهير رياض السنباطي، بالاستماع إلى ألحانهما.
- من هم ابرز طلابك ؟
دربت عددا كبيرا من عازفي العود لكني اذكر منهم عازف العود الكبير خالد محمد علي ومعتز وعد وبلال وسيم ومحمد حبيب واخرون.
- لك قصة طويلة مع "عائلة العود" هلا أوجزتها لنا؟
العود أبو الكيتار وجد الماندولين والفيولنسيل، انتقل إلى أوربا عبر الدولة الإسلامية في الأندلس ، وما اشتق منه من الآلات موسيقية تطورت كثيرا خلاف العود الذي لم يتطور، لذا حاولت اجراء تعديلات عليه، فأضفت الى العود العادي عودا بصوت حاد واثنين باص (فيولنسيل بالريشة) فشكلت "عائلة عود" (تكنشن وتوزيع)، وقدمت به فعاليات في السليمانية وبغداد كانت الأولى من نوعها . أسست فرقة عام 1992 في بيت المقام الموصلي، وأكملت هذه العيدان بعد ثلاث سنوات وباشرنا التدرب عليها، لكن قلة العازفين الماهرين وضعف الدعم المادي اضطرني الى ايقاف المشروع وعدم الاستمرار فيه. وبعد مرور خمس سنوات على نشري المشروع في مجلة الأهرام الدولية، وجدته منسوبا الى احد العازفين السوريين !؟
- ما علاقتك مع الفنانين العراقيين كاظم الساهر ونصير شمة، وهل تتواصل معهما الآن؟
كاظم الساهر كان معلما في مديرية النشاط المدرسي في الموصل، وعمل معي منشدا ضمن كورس اتحاد النساء، اما ما يخص الملحن نصير شمة فكنا نجتمع كثيرا في شقة عازف العود خالد محمد علي ببغداد، وانقطع اتصالي بهما بعد مغادرتهما البلد خاصة وأنني ابتعد عمن يدخل مرحلة الشهرة والنجومية ليس حسدا، وإنما كي لا اتهم بالتنطع.
- كيف تجد واقع الموسيقى الموصلية؟
بعد الاحتلال تراجع النشاط الموسيقي كثيرا شأنه شأن جميع المجالات الفنية الأخرى، فالطلب تركز على الحاجات الملحة، الأمن والخدمات وتحسين مستوى المعيشة، أما الحاجات الكمالية فانها توارت خلف هذه المطالب.
- ماذا تحتاج الموسيقى لتنهض من جديد؟
أولا مؤسسة القادرة على دعم الموسيقيين ماديا، لدينا الآن نخبة من العازفين على مختلف الآلات بمقدورهم تقديم أعمال رائعة لو توفرت لهم الظروف المناسبة، ويمكن الاستعانة بالعازفين المغتربين في الدول العربية والمجاورة.
على سبيل المثال ، قبل أشهر أردنا ان نقيم حفلا موسيقيا بسيطا استذكارا لقارئ المقام الراحل سيد إسماعيل الفحام الموصلي ، لم نستطع تحقيق ذلك الا بدعم من جهة رسمية.
ثانيا يجب إصلاح المؤسسات العلمية المعنية بالفن والموسيقى تحديدا، فمعهد الفنون الجميلة يمنح شهادات فقط، ولا ينتج عازفين إلا نادرا، الموسيقى أصبحت هواية واجتهادات ومتابعة شخصية.
والاهم منهما، الحرية التي تمنح الفنان جوا مريحا وسط حب الناس واحترامهم.
- نسمع هنا وهناك، ان العازفين الموصليين يتجنبون حمل آلاتهم في الأماكن العامة، هل ذلك صحيح ولماذا؟
نعم. عن نفسي أتحاشى اصطحاب العود معي أمام الملأ والحال نفسه مع بقية الموسيقيين، تجنبا لانتقادات الناس ومضايقاتهم، في ظل موقف المجتمع السلبي من الفن .
أحيانا أعطيهم الحق لوجود موسيقيين غير ملتزمين وفضائيات هابطة أساءت للفن، وأضافت للموروث الاجتماعي والموقف الديني المناهض للموسيقى زخما كبيرا.
- بعد ان أمضيت نحو 48 عاما مع الموسيقى هل ندمت يوما على اختيارك سبيلها؟
عشقي للموسيقي جعلني امنحها كل وقتي وجهدي مما انعكس سلبا على وضعي المادي، ومع تزايد ضغوطات الحياة المعيشية عندما اصبحت لي عائلة، احيانا اقول في نفسي لو اخترت مهنة أخرى بائع شراب مثلا، لكنت أمنت حياة أفضل لأبنائي، فأنا أعيلهم الان من تدريب هواة العود على العزف لقاء ثمن بخس، فقد اضطرتني ظروف الى إغلاق محلي الذي كنت اعلم فيه الموسيقى وأصلح المعازف.
- لماذا اخترت هذه الغرفة الصغيرة جدا مقرا لك؟
هي جزء من محل نجارة لأحد أقاربي، كانت قبل عقود ورشة لصناعة العود، وكنت احضر هنا جلسات طرب خاصة للراحل سيد إسماعيل الفحام والعازفين وقتذاك، جدران هذه الغرفة وأثاثها وجوزة العود التي تجاوز سنها العشرين عاما، تحفظ ثناياها ذكريات جميلة.
اخيرا هل أنت متفائل ازاء مستقبل الموسيقى؟
الموسيقى نتاج حضاري وفكري لا ينمو إلا في بيئة اجتماعية مستقرة مع قدر كاف من الحرية الشخصية والدعم المادي والمعنوي واحترام الفن. متى توفرت هذا المقومات عندئذ سوف تنهض الموسيقى وتتطور.
ملاحظة: الحوار اجري في شباط 2012 و ينشر للمرة الاولى .
للعودة إلى الصفحة الرئيسة