ماذا يفعل الموصليون في (الݘول) ؟
صالح الياس
أيُ امرئ يزور الموصل هذه الايام، يرى طوابير طويلة لسيارات محشوة بعائلات تيمم وجهها بعيدا عن اسوار المدينة. ولربما يتساءل احدهم هل ما يحدث هو نزوح جماعي بسبب كارثة او عارض ما؟!
عائلة ام يونس استعدت على مدى يومين للخروج. صباح الجمعة الماضية كانت حقيبة السيارة حبلى بأدوات الطبخ ومستلزماته وبسط كثيرة وخيمة صغيرة وكل ما يحتاجونه للإقامة في (الݘول) نهارا كاملا.
منذ شهر والناس يهربون بعيدا عن "الاسمنت والاسفلت وعوادم السيارات والضوضاء والاهم اصوات الانفجارات واعمال العنف بأنواعها"، قالت ام يونس لجارتها قبل ان تنطلق السيارة بهم صوب بحيرة سد الموصل.
بحلول موسم الربيع ينطلق في الموصل ماراثون ترفيهي لا مثيل له بمدن العراق الاخرى، انها تشتهر باسم (ام الربيعين) لطول موسم الربيع فيها، شباط واذار ونيسان ولأن خريفها يشبه ربيعها، واكتساب طبيعتها جمالا باهرا خلال الفصلين.
لعل اهم الطقوس الربيعية المتوارثة جيلا عن جيل هي السفرات الترفيهية. يتجه الاهالي في العطل الاسبوعية نحو (الݘول) اي المناطق المفتوحة الخالية من الابنية حيث الارض الخضراء المنبسطة والجو المعتدل والهواء المنعش، وتأتي على راس المناطق الجاذبة بحيرة السد الممتدة على مساحة تزيد عن 400 كم2، ومنطقة الشلالات السياحية والغابات، والمواقع الاثرية خاصة دير مار متي شمال الموصل وغيرها كثير.
بمجرد ان تجتاز حدود المدينة من اية جهة كانت، سوف ترى الناس تفترش بساط الارض الاخضر في مشاهد احتفالية؛ فالموصليون اليوم اشد تمسكا بالسفرات - يقول الاعلامي جرير محمد - اذ لم تمنعهم عنها التشديدات الامنية، تراهم يقفون في طوابير التفتيش عند مداخل ومخارج المدينة ساعات طويلة.
محمد يصف الاصرار بانه نابع من عادات متوارثة متأصلة في نفوس الاهالي لدرجة تجسيدها بأعمال درامية وفنية كثيرة، والاهم هو محاولة الهرب من جحيم اعمال العنف التي تصاعدت مؤخرا بنحو غير مسبوق.
السفرات انواع عديدة منها العائلية والشبابية، والاكثر تنظيما سفرات طلبة المدارس اذ بات لزاما على ادارات المدارس الابتدائية والثانوية تنظيم الرحلات الترفيهية.
على ربوة مطلة على بحيرة السد شديدة الزرقة، نصبت عائلة ام يونس خيمتها الصغيرة جوار عشرات العوائل الاخرى والمجاميع الشبابية الراقصة، هناك ترتفع اصوات الدبكات والاغاني وسط تصاعد اعمدة دخان اللحم المشوي وابخرة الطبخات الموصلية اللذيذة كالكبة، "كأن شيئا من العنف لم يكن. الناس تحب الحياة وتريد ان تحيا بسلام"، تعلق ام يونس متبسمة وهي تتابع ما يجري من حولها.
خصوصية الربيع نابعة ايضا من انعكاساته الايجابية على الحالة النفسية (السيكولوجية)، في الجو الغائم ترتفع نسبة الكآبة عند الإنسان وهذا يحدث خلال الشتاء في المناطق غير المشمسة، كبعض دول أوروبا بسبب ارتفاع الميلاتونين في جسم الإنسان، اما الصيف ذو درجات الحرارة المرتفعة فانه يبعث على الخمول، بينما فصل الربيع افضل طبيب نفسي، يحقق أفضل حالة نفسية للمرء؛ اللون الأخضر يبعث الطمأنينة في النفوس لذا هو لون ملابس الأطباء وغرف العمليات وغيرها، الكلام للطبيب جواد شبر.
الجزء المظلم في القصة يقع على منغصات كثيرة. المدينة تضم مليون و700 الف نسمة واكثر، وتمتاز بجمال طبيعتها وتنوع تضاريسها، لكنها تفتقر لأبسط البنى التحتية السياحية والمرافق القادرة على استيعاب الاعداد الغفيرة من الناس، فضلا عن تشديد اجراءات الدخول الى اقليم كردستان، ومرة اخرى يجعلهم يتمسكون اكثر بـ (الجول).
ثمة حلقات باتت مفقودة في الاواصر الربيعة للموصل، كانت فيما مضى على قدر كبير من الاهمية وطقوسا ملازمة للربيع لا فكاك عنها، انه مهرجان الربيع الذي اشتهرت به ام الربيعين منذ افتتاحه عام 1969. كان كرنفالا كبيرا للاحتفاء بموسم الربيع يشهد مشاركة واسعة من جميع انحاء البلد.
المهرجان كان ينظم بداية كل نيسان، حتى توقف تماما منذ عام 2003 ويعتقد البعض ومنهم الاعلامي جرير محمد ان السبب سياسي لان بغداد تحسبه على النظام السابق!
في اكثر من مناسبة وعد محافظ نينوى اثيل النجيفي بإعادة احياء المهرجان، لكن هذه الوعود لم تجد طريقها الى منطقة المنصة شمالي المدينة حيث كانت تحيى فعاليات المهرجان. الحجة دائما هي الوضع الامني.
الموصليون لا يستسلمون بسهولة، انهم يمارسون طقوس مهرجان الربيع كل عام، لكن افتراضيا على (الفيسبوك)، من خلال نشر صور المهرجانات السابقة، انه احتفال بأضعف الايمان.
صالح الياس
أيُ امرئ يزور الموصل هذه الايام، يرى طوابير طويلة لسيارات محشوة بعائلات تيمم وجهها بعيدا عن اسوار المدينة. ولربما يتساءل احدهم هل ما يحدث هو نزوح جماعي بسبب كارثة او عارض ما؟!
عائلة ام يونس استعدت على مدى يومين للخروج. صباح الجمعة الماضية كانت حقيبة السيارة حبلى بأدوات الطبخ ومستلزماته وبسط كثيرة وخيمة صغيرة وكل ما يحتاجونه للإقامة في (الݘول) نهارا كاملا.
منذ شهر والناس يهربون بعيدا عن "الاسمنت والاسفلت وعوادم السيارات والضوضاء والاهم اصوات الانفجارات واعمال العنف بأنواعها"، قالت ام يونس لجارتها قبل ان تنطلق السيارة بهم صوب بحيرة سد الموصل.
بحلول موسم الربيع ينطلق في الموصل ماراثون ترفيهي لا مثيل له بمدن العراق الاخرى، انها تشتهر باسم (ام الربيعين) لطول موسم الربيع فيها، شباط واذار ونيسان ولأن خريفها يشبه ربيعها، واكتساب طبيعتها جمالا باهرا خلال الفصلين.
لعل اهم الطقوس الربيعية المتوارثة جيلا عن جيل هي السفرات الترفيهية. يتجه الاهالي في العطل الاسبوعية نحو (الݘول) اي المناطق المفتوحة الخالية من الابنية حيث الارض الخضراء المنبسطة والجو المعتدل والهواء المنعش، وتأتي على راس المناطق الجاذبة بحيرة السد الممتدة على مساحة تزيد عن 400 كم2، ومنطقة الشلالات السياحية والغابات، والمواقع الاثرية خاصة دير مار متي شمال الموصل وغيرها كثير.
بمجرد ان تجتاز حدود المدينة من اية جهة كانت، سوف ترى الناس تفترش بساط الارض الاخضر في مشاهد احتفالية؛ فالموصليون اليوم اشد تمسكا بالسفرات - يقول الاعلامي جرير محمد - اذ لم تمنعهم عنها التشديدات الامنية، تراهم يقفون في طوابير التفتيش عند مداخل ومخارج المدينة ساعات طويلة.
محمد يصف الاصرار بانه نابع من عادات متوارثة متأصلة في نفوس الاهالي لدرجة تجسيدها بأعمال درامية وفنية كثيرة، والاهم هو محاولة الهرب من جحيم اعمال العنف التي تصاعدت مؤخرا بنحو غير مسبوق.
السفرات انواع عديدة منها العائلية والشبابية، والاكثر تنظيما سفرات طلبة المدارس اذ بات لزاما على ادارات المدارس الابتدائية والثانوية تنظيم الرحلات الترفيهية.
على ربوة مطلة على بحيرة السد شديدة الزرقة، نصبت عائلة ام يونس خيمتها الصغيرة جوار عشرات العوائل الاخرى والمجاميع الشبابية الراقصة، هناك ترتفع اصوات الدبكات والاغاني وسط تصاعد اعمدة دخان اللحم المشوي وابخرة الطبخات الموصلية اللذيذة كالكبة، "كأن شيئا من العنف لم يكن. الناس تحب الحياة وتريد ان تحيا بسلام"، تعلق ام يونس متبسمة وهي تتابع ما يجري من حولها.
خصوصية الربيع نابعة ايضا من انعكاساته الايجابية على الحالة النفسية (السيكولوجية)، في الجو الغائم ترتفع نسبة الكآبة عند الإنسان وهذا يحدث خلال الشتاء في المناطق غير المشمسة، كبعض دول أوروبا بسبب ارتفاع الميلاتونين في جسم الإنسان، اما الصيف ذو درجات الحرارة المرتفعة فانه يبعث على الخمول، بينما فصل الربيع افضل طبيب نفسي، يحقق أفضل حالة نفسية للمرء؛ اللون الأخضر يبعث الطمأنينة في النفوس لذا هو لون ملابس الأطباء وغرف العمليات وغيرها، الكلام للطبيب جواد شبر.
الجزء المظلم في القصة يقع على منغصات كثيرة. المدينة تضم مليون و700 الف نسمة واكثر، وتمتاز بجمال طبيعتها وتنوع تضاريسها، لكنها تفتقر لأبسط البنى التحتية السياحية والمرافق القادرة على استيعاب الاعداد الغفيرة من الناس، فضلا عن تشديد اجراءات الدخول الى اقليم كردستان، ومرة اخرى يجعلهم يتمسكون اكثر بـ (الجول).
ثمة حلقات باتت مفقودة في الاواصر الربيعة للموصل، كانت فيما مضى على قدر كبير من الاهمية وطقوسا ملازمة للربيع لا فكاك عنها، انه مهرجان الربيع الذي اشتهرت به ام الربيعين منذ افتتاحه عام 1969. كان كرنفالا كبيرا للاحتفاء بموسم الربيع يشهد مشاركة واسعة من جميع انحاء البلد.
المهرجان كان ينظم بداية كل نيسان، حتى توقف تماما منذ عام 2003 ويعتقد البعض ومنهم الاعلامي جرير محمد ان السبب سياسي لان بغداد تحسبه على النظام السابق!
في اكثر من مناسبة وعد محافظ نينوى اثيل النجيفي بإعادة احياء المهرجان، لكن هذه الوعود لم تجد طريقها الى منطقة المنصة شمالي المدينة حيث كانت تحيى فعاليات المهرجان. الحجة دائما هي الوضع الامني.
الموصليون لا يستسلمون بسهولة، انهم يمارسون طقوس مهرجان الربيع كل عام، لكن افتراضيا على (الفيسبوك)، من خلال نشر صور المهرجانات السابقة، انه احتفال بأضعف الايمان.