متصرف لواء الموصل
ولد العميد الركن المتقاعد سعيد بن الشيخ محمد بن الشيخ احمد بن الشيخ نعمان بن يونس بن حسب الله بن حمزة العباسي في مدينة الموصل محلّة السراي عام 1918 وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها، وفيما يلي سيرته الذاتية التي وصلتني من أسرته الكريمة:
أزهر العبيدي
في عام 1949 دخل كلية الأركان وتخرّج برتبة رائد ركن ونسب كضابط ركن لصنف المدفعية الذي كان مقره وزارة الدفاع، وبعد سنتين نقل إلى منصب معلم في كلية القوة الجوية لتدريس التاريخ والجغرافية.
.وبعد سنتين نقل إلى مقر اللواء الأول الذي كان مقره في قضاء المسيب ورفع إلى رتبة مقدم ركن نسب بعدها إلى مقره في الناصرية، ومن بعدها نقل إلى منصب آمر فوج في لواء الملكة عالية وكان مقره في كركوك وشارك في عدة دورات عسكرية في داخل وخارج القطر منها دورة سانت هيرتس في انكلترا عام 1956
وبعد قيام ثورة 1958 ضد الملكية وفي أحد البيانات الأولى للثورة رفّع إلى منصب آمر اللواء الرابع عشر في كركوك والذي كان اسمه سابقاً لواء الملكة عالية، وكان آمر هذا اللواء المرحوم الزعيم الركن ناظم الطبقجلي، وكان وجود العقيد الركن سعيد الشيخ في هذا المنصب قد أتاح له التعرّف والانضمام إلى تكتل الضباط القوميين الذين كانوا يعارضون ميل الزعيم الركن عبد الكريم قاسم إلى القوى الشيوعية والتي نشطت كثيراً في محاولة منها للسيطرة على الحكم، وهكذا انضم المرحوم سعيد الشيخ إلى التكتل الذي قام بثورة الموصل (الشواف) القومية 1959
وكان قد نقل قبلها إلى مقر وزارة الدفاع كمدير للعقود والمبايعات في محاولة لإبعاده عن منصبه العسكري المهم. وبعد فشل ثورة الموصل (الشواف) القومية القي القبض عليه وأودع في السجن رقم واحد في معسكر الرشيد كتيبة الدبابات ضمن مجموعة الضباط القوميين ونال خلالها شتى أنواع التعذيب
وكان ضمن جماعة الضباط القوميين التي جرت محاكمتهم بما عرف في حينها محكمة المهداوي سيئة الصيت وحكم عليه بالإعدام، إلاّ أن الحكم خفف من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة ثم إلى عشر سنين قضى منها ثلاث سنوات إلى أن قامت ثورة 1963 ضد عبد الكريم قاسم
بعد قيام الثورة مباشرة عيّن العميد الركن سعيد الشيخ معاوناً للحاكم العسكري العام رشيد مصلح، إلاّ أن تعيين الأخير بمنصب وزير الداخلية أصبحت سلطاته أكثر من ذي قبل إذ قام بتشكيل لجان عديدة للتحقيق وإطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم، وكان لهذا التصرف الوقع الحسن والكبير لدى عوائل ذوي المعتقلين
عيّن بعد ذلك عام 1966 بمنصب متصرف لواء الموصل (محافظ نينوى) ويعدّ أول موصلي يعيّن في هذا المنصب، وقام بانجازات عديدة من خلال توليه هذا المنصب منها:
1. إضافة ردهات جديدة إلى مستشفى الموصل الجمهوري
2. الشروع في بناء المركز الثقافي الاجتماعي الذي أصبح لاحقا ضمن إدارة جامعة الموصل، وكان هذا بداية لإشعاع علمي مهم لمدينة الموصل
3. قام بالإشراف على منتجع حمام العليل وإنشاء مجاميع من الدور الصغيرة للذين يقصدونها من مختلف ألوية العراق لغرض الاستشفاء في منابعها المعدنية الشهيرة
4. قام بالاتفاق مع رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز بإنشاء أبنية جديدة للمدارس التي كانت تعاني من نقصها المدينة وساهم في تهدئة الأمور في الشمال بالتوسط لدى بعض الأطراف العربية.
(مع رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز وقائد الفرقة الرابعة)
5. كان له دور كبير في إنشاء وتوسيع منتزه الغابات في الموصل والذي تطوّر بعدها إلى مجموعة من الدور السياحية التي يقصدها العراقيون من مختلف أنحاء العراق
6. شجّع على تكوين الحزام الأخضر شمال مدينة الموصل وإلى الحدود التركية وكان يصبو إلى تشجير المنطقة بستة ملايين شجرة فستق لأن الأجواء في هذه المنطقة مناسبة ونسّق مع وزارة الزراعة ومع الجانب الألماني لتنفيذ المشروع
7. قام بتطوير سداد الجانب الأيسر في مدينة الموصل لدرء خطر الفيضان والتي كانت أساس لكورنيش الموصل الحالي
8. قام بإنشاء المجمع السياحي لمنطقة الشلالات في منطقة العباسية وتبليط الشارع المؤدي للمنطقة (صوره في الموصل)
10. شكّل لجان لدراسة واقتراح الجسور الجديدة بالتنسيق مع جامعة الموصل/ كلية الهندسة وبالجهود الذاتية
11. أما بالنسبة للأقضية والنواحي التي كانت تابعة للواء الموصل فإنه قام بزيارات عديدة للاطلاع على احتياجاتها وتلبيتها بقدر المستطاع بالتعاون مع الحكومة المركزية في بغداد والتي كانت برئاسة المشير الركن عبد السلام عارف.
وبعد عمله الدؤوب لمدة ثلاثة سنوات (1966-1968) في منصبه قدم طلباً بإحالته على التقاعد وأحيل برتبة لواء ركن مكافأة له.
وقد نال خلال خدمته عدد من الأوسمة والأنواط العسكرية منها ثمانية أنواط شجاعة، ونوط الإنقاذ بعد إنقاذ مدينة الموصل من خطر الفيضان الكبير عام 1966، ووسامي الرافدين من الدرجتين الثانية والرابعة من النوع العسكري.
كان رحمه الله من الضباط اللامعين في الجيش العراقي ومثال في النزاهة والاستقامة، وقد اجتاز مراحل صعبة وأزمات خلال مسيرة حياته إلاّ أنه اجتازها بقوة إيمانه وصبره وكان يردد دائماً قول الإمام الشافعي:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
أدى المرحوم فريضة الحج عام 1969 وكان ديّناً رحيماً بالأيتام والعوائل المتعففة ويمد لهم يد المساعدة دوماً.
انتقل الحاج العميد الركن سعيد الشيخ محمد إلى رحمة الله في السادس والعشرين من كانون الثاني 2005، وهكذا طويت صفحة ناصعة البياض لهذا الرجل الذي خدم الجيش العراقي والوطن خدمة جليلة ملؤها الفخر والاعتزاز وتبقى ذكراه العطرة وأعماله الصالحة ومواقف البر والإحسان خالدة. نسال الله عزّ وجل أن يجعلها في ميزان حسناته لتشهد له يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.