وتجربتة الرائدة في مجال تدوين التاريخ الشفوي
للاسر الموصلية في القرن العشرين
اجرى الحوار عبر شبكة الانترنت محرر صفحة تراثيات
مركز الحسُّــو للدراسات الكمية والتراثية
*****
يسعدني مع اول لقاء نُجْرِيهِ عبر شبكة الانترنت ان نتناول واحدة من التجارب الناجحة في مجال تدوين التاريخ الشفوي، ونعني بذلك رحلة مؤرخ تراث الموصل التي حملته من بيت الى بيت ومن شخصية الى اخرى، واتصل فيها وخلالها، لَيْلُهُ بنهاره ، بحثا عن معلومات عن أُسَرِ الموصل ابان القرن العشرين ...ـ
انه الاستاذ ازهر العبيدي الذي كان لنا معه هذا الحوار
ــ ولدت هذه الفكرة منذ أكثر من خمسة أعوام عندما تجمعت لديّ كميات كبيرة من أسماء الأسر ووجهائها وبخاصة بعد انتهائي من كتبي السابقة عن (جادة باب لكش) و(محلّة الباب الجديد) و(أسماء وألقاب موصلية) و(العبيد في الموصل)، فأصبحت هذه المعلومات بحاجة إلى التنسيق والإضافات القليلة لكي تصبح موضوعاً متكاملاً عن الأسر الموصلية ، كما أني أقول دائما أن أجدادنا الأوائل لم يتركوا لنا وثائق وأسماء كثيرة تعيننا في وصل أرحامنا ومعرفة أقاربنا !! فلماذا لا نترك نحن لأولادنا وأحفادنا مثل هذه المعلومات التي سيزداد حجمها وعددها سنة بعد أخرى ؟؟ ونحفظ للأسر أنسابهم وتماسكهم وصلة الرحم بينهم مهما طال الزمان، فقد تفككت العديد من الأسر الكبيرة إلى أسر صغيرة بسبب فقدان صلة ربطهم وهي أسماء أجدادهم الأوائل، لذلك فالكثير من الأسر لا تحفظ سوى أسماء عدد قليل من الأجداد، وهذه الموسوعة ستؤمن حفظ أسماء الأجداد الذين سيزداد عددهم جيل بعد جيل.ـ
ــ يفهم من عنوان الموسوعة انها معنية بالاسر الموصلية خلال القرن العشرين فماذا عن امتدادات هذه الاسر قبل القرن العشرين وبعده ؟
ــ يتم توثيق أسماء الأسر التي سكنت مدينة الموصل القديمة ضمن القرن العشرين وما قبله و استمرت في سكنها حتى القرن الحادي والعشرين.ـ
ولما كنت وما أزال من المهتمين بالتراث الشعبي الموصلي فقد ركزت على تدوين كل ما يخص الشخصيات التراثية من الأغوات والبكّات ورؤساء الأصناف والفتوّات وأصحاب المهن والحرف القديمة، وكذلك من المشاركين في الحروب القديمة مثل الحرب العالمية الأولى (السفر برلك) وحرب فلسطين وحركة مايس 1941 وثورة الموصل (الشواف) 1959، وأبرزت المعالم التراثية من أبنية وأسواق وخانات ومقاهي وحمامات ودور العرض السينمائي فضلاً عن توثيق أسماء المثقفين والموظفين كافة ومن ضمنهم النساء الفاضلات من المعلمات والطبيبات والمثقفات. وخصصت لكلّ أسرة كبيرة (5-10) أسطر ولكلّ أسرة صغيرة (3-5) أسطر من الورق A4 لكي أؤمن العدالة بين الأسر ولكي تضم الموسوعة أكبر عدد منهم وتظهر بحجم معقول.ـ
ــ ما هي الأسس التي اعتمدتموها في اختيار هذه الأسر ؟
ليس هناك اختيار للأسر كما عمل كتّاب آخرون من قبل بل التوثيق يشمل جميع الأسر المعروفة والغير معروفة والصغيرة والكبيرة وحتى المهاجرة، وتشمل المعلومات على اللقب والعشيرة واسم الجد والوجهاء الأموات والأحياء ومهنهم، وقد تبين كما هو معروف أن أجدادنا القدماء امتهنوا قبل الصناعة الزراعة وتربية الأغنام والجمال والخيول والتجارة ومارسوا الحياكة والحرف اليدوية كالصفّار والبزّاز والعطّار والشكرجي والقزّاز واليوزبكي وغيرها، في حين مارس الأبناء الوظائف الحكومية والمهن الميكانيكية والعلمية مثل الطبيب والموظف والضابط والمعلم والمدرس والأستاذ الجامعي والمهندس والمحامي وغيرها فضلاً عن علماء الدين الذين كان لهم الفضل الأول في التعليم منذ القرون السابقة، كلّ هؤلاء وثّقت أسماءهم ضمن أسرهم الكريمة.ـ
ــ من الواضح أن جانبا كبيرا من مصادر معلوماتكم تعتمد الرواية الشفوية ، وهو أمر بالغ الصعوبة. أرجو أن تحدثنا عن تجربتك وأنت تجمع هذه الروايات ؟
ــ بدأت عملي بجمع أسماء الأسر من مؤلفاتي السابقة والأعلام وكذلك ما كتب عن الأسر والأعلام في الكتب التاريخية القديمة والحديثة وموسوعات الأعلام كافة، وكان لابدّ من تدقيق هذه المعلومات من الأسر نفسها إذ وجدت فيها الكثير من المعلومات التي هي بحاجة للتغيير والتصحيح والإضافة لها مما سهى عنه أو استجدّ من المعلومات، وشكلت هذه الزيارات لمحلاّت العمل للوجهاء ولبيوتهم في الظروف الجوية المختلفة والظروف الأمنية السيئة عبئاً كبيراً على رجل بعمر تجاوز العقد السادس، ومع هذا فإني أجد في هذه الزيارات متعة كبيرة في التعرف على أصدقاء جدد وأناس كنت أشاهدهم في المدينة أو أشاهد صورهم في وسائل الإعلام دون أن أعرفهم شخصياً.ـ
ــ لقد وجدت التجاوب الكبير والترحيب الذي لا حدود له من جميع الأسر والشخصيات التي راجعتها، وقدم لي الكثيرون منهم الوثائق القديمة التي يمتلكونها وفيها أنسابهم وأسماء أجدادهم دون تحفّظ. والحمد لله أن ما يدفعهم لذلك ما يعرفوه عن كتاباتي السابقة التي اعتمدت فيها الدقة والصدق وخدمة أبناء مدينتي دون مقابل مادي. كما ساعدني عدد من الأصدقاء الأفاضل في الحصول على المعلومات من أصدقائهم ونسبائهم وسأقدم الشكر لهم ضمن صفحات الموسوعة. وقد أضطر لذكر أسماء الممتنعين في الصفحة الأخيرة لكي لا أنتقد لعدم ذكرهم وهم قلّة من المثقفين مع الأسف.ـ
ــ لقد أفادتني شبكة الإنترنت وصفحات (الفيس بوك) والمواقع الموصلية مثل (بيت الموصل) و
ـ (البيت الموصلي) و(ملتقى أبناء الموصل) بالاتصال مع أعداد كبيرة من الإخوة المغتربين من جميع أنحاء العالم ومعظمهم من المثقفين والنخب العلمية المهاجرة، وحصلت منهم على معلومات دقيقة عن أسرهم وتاريخها ووجوهها مع مهنهم ودرجاتهم العلمية، ومن المؤكد أن هذه النخب المثقفة لديها المعلومات الدقيقة أكثر من غيرها، ولهم شكري وتقديري الكبير. إن خدمة الإنترنت توفّر للباحث الكثير مما هو بحاجة له من الكتب البعيدة عنه في مواقع المكتبات، وتؤمن له الاتصال بكل الشخصيات المهاجرة والمغتربين أينما وجدوا الذين يتجاوبون بكلّ رحابة صدر عدا القليل الذين قد لا يستخدمون هذه الخدمة باستمرار.ـ
ــ ما هو منهجكم النقدي في التعامل مع ما حصلتم عليه من معلومات شفوية وبما يوصل إلى الحقيقة التاريخية أو يقترب منها على الاقل ؟
ــ أستطيع القول أن معظم المعلومات الشفوية الخاصة بالقرن العشرين دقيقة جداً وما قبلها أقل دقة بسبب البعد الزمني، واحتاجت مني إلى الكثير من التمحيص والمقارنة والتدقيق وهو ما سافصله في مقدمتي للموسوعة ، ولم تخل من الأخطاء ومبالغات البعض، على سبيل المثال وجدت عدة أسر تدعي بأن أحد أفرادها هو الذي عبر نهر دجلة ووضع الخنجر تحت مخدة (نادر شاه) الفارسي عند حصاره للموصل عام 1743م. وادّعت مجموعة كبيرة بأن أجدادهم وزعوا الطعام أثناء فترات المجاعة التي حلّت بالمدينة في العهد العثماني، وقد اقتضى مني ذلك عملية معقدة من النقد جرحا وتعديلا في محاولة للبحث عن الحقيقة دون ان ادعي انني تمكنت دوما من الوصول اليها ولكن حسبي انني لم ادخر وسعا في البحث والتنقيب وانا في ذلك مجتهد فان اصبت فذلك يسعدني وان اخطأت فانني اتطلع دوما الى غيري من الباحثين الافاضل فالحقيقة هدفنا وهي وحدها ما نتوخى. ـ
ــ هل في النية أن توثق الموسوعة بصور الأشخاص والأماكن ؟
ــ ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ... كنت أتمنى ذلك ولكن من الصعوبة بمكان جمع ونشر الآلاف من صور الأعلام والأماكن، فضلاً أن وسائل الطبع الحديثة تفتقر إلى الخبرة في نشر الصور الواضحة كما في السابق، فالصور الخاصة بالانترنت تشوّه ولا تظهر واضحة عند طبعها. لقد كانت وسائل الطبع قبل انتشار الحاسوب والإنترنت تظهر الصور عند الطباعة على أوضح ما يكون كما ظهرت في كتابي (الموصل أيام زمان) ، أما الآن فيقولون أن قوّة الصورة المأخوذة من الإنترنت ضعيفة ولا يمكن أن تظهر واضحة عند طبعها في كتاب، وهذه الحالة يجب أن تعالج فنياً من الخبراء المعنيين.ـ
كيف تنظرون إلى اقتصار الموسوعة على الذكور في كل أسرة دون الإناث؟
ــ لأول مرة في تدوين كتب الأنساب والأسر ذكرت أسماء العديد من النساء الفضليات من أوائل المعلمات والمدرسات والمديرات والطبيبات والمهندسات والمحاميات مما يظهر دور المرأة الموصلية منذ أمد بعيد، وقد لاحظت تجاوباً كبيراً في هذا الاتجاه لدى عدد كبير من الأسر الذين التقيتهم وإحجاما من أسر قليلة. وتوصلت إلى بعض الخيوط التي سوف توصلني إلى أسرة (أبو جاسم لر) الذي ثار ضد الوالي العثماني عندما حاول تسجيل أسماء النساء في العهد العثماني الأخير
ــ اما وانك ذكرت ( جاسم لر ) واظنه كان يلفظ هكذا ، هل تستطيع القول ان نظرته قد تغيرت اليوم في المجتمع الموصلي ؟
ان نظرة أهالي الموصل تغيرت نحو المراة في الوقت الحاضر وبخاصة في الأسر المثقفة فضلاً عن الأسر الأخرى من لديها موظفات أو أديبات أو تدريسيات أو طبيبات أو محاميات وقد جئت على أسماء ومهن العديدات منهن ضمن الموسوعة وبموافقتهن أو بموافقة كبار الأسرة.ـ
ــ ألا ترون أن ثمة حاجة ماسة إلى التوسع مستقبلا نحو موسوعة تظهر علاقات المصاهرة بين الأسر؟
ــ نعم قلت أن هذه الموسوعة ستكون الأساس لدراسات أخرى للباحثين والدارسين والمترجمين للأعلام ومن هذه الدراسات إظهار علاقات المصاهرة بين الأسر وهذا الموضوع يجر إلى رسم شبكات متداخلة من العلاقات تجد في نهايتها أن أهالي مدينة الموصل يرتبطون معظمهم إن لم أقل جميعهم برابطة النسب مع بعضهم والمثل الموصلي القديم يقول (أهل الموصل عمّك خالك). كما أن بالإمكان معرفة الأعداد التقريبية لأساتذة الجامعات والمربّين ورجال الدين والضباط والتجار والموظفين والمهندسين والمحامين وأرباب الحرف اليدوية بمساعدة الحاسوب.ـ
ــ متى نتوقع أن تصدر الموسوعة ؟
أتوقع إكمال عملي بعون الله في نهاية هذا العام وأكون بذلك قد شملت ما يقرب من 95% من الأسر بالنشر إذ تشير آخر دراسة قرأتها مترجمة للأستاذ صلاح سليم علي عن الرحالة (جون فيليب نيومان) بأن عدد الأسر الموصلية المسلمة في مدينة الموصل عام 1875م هو (2050) أسرة، وما جمعته الآن هو (1700) أسرة ولديّ ما يقرب من (400) أسرة تحت التدقيق، وبذلك أصل إلى أكثر من العدد المذكور إن شاء الله.ـ
شكرا لكم على ما تفضلتم بايضاحه عن مشروعكم العلمي الخاص بموسوعة الاسر الموصلية في القرن العشرين ، فهل لنا ان نقدم للقراء موجزا عن سيرتكم العلمية والشخصية.ـ
ولدت في مدينة الموصل في العراق عام 1946وانهيت الدراسة الثانوية عام 1961 ـ 1962
ثم دخلت الكلية العسكرية عام 1964 ـ 1966 ، ثم كلية الأركان التي تخرجت منها عام 1978، كما دخلت كلية الدفاع الوطني وحصلت على دبلوم عالٍ عام 1989
نشرت في صحف الحدباء ونينوى وفتى العراق وعراقيون وذاكرة مدينة عديدا من الدراسات
كما صدر لي عدة كتب ودراسات عسكرية وتاريخية وتراثية منها :الموصل أيام زمان ط1 1989 وط2 1998 وط3 2010 ....إمارة العبيد الحميرية 1993 وط2 2007 .....العبيد في الموصل 1993 وط2 2007.... أسماء وألقاب موصلية 1999 وط2 2007 .... جادة باب لكش 1999 وط2 2007 .... محلة الباب الجديد 2001 وط2 2007 ..... موسوعة الموصل التراثية بجزأين 2008 .... الموصل في القرن العشرين (صور فوتوغرافية) 2010 ....الموصل عبر التاريخ، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2011 ....حكايات الموصل الشعبية باللهجتين الفصحى والعامية بجزأين 2011 ، اضافة الى أكثر من 100 مقالة تراثية وتاريخية اما كتبي الجاهزة للطبع فهي : موصليات العبيدي الأعمال الكاملة و مجموعة قصص تراثية، وثمة مذكرات تحت الطبع وهي تضم اربعة اجزاء : العسكرية الحقيقية و الحرب العراقية ـ الإيرانية وحرب الخليج الثانية والعراق الجديد .ـ
ــ بعيداً عن أسئلتنا هذه ماذا يود الأستاذ أزهر العبيدي أن يقول لنفسه وللأسر الموصلية وهو على مقربة من انجاز عمله الكبير هذا ؟
ــ أنني فخور جداً بعملي هذا وأحمد الله وأشكره أن أعانني على هذا الجهد الكبير الذي سيوفر قاعدة معلوماتية هامة للدارسين والباحثين من بعدي، وسيخلّد أسماء الأعلام من المثقفين والحرفيين والمبدعين والأبطال والشهداء من أهل مدينتي التي تستحق كل الخير والذكر الحسن.ـ
وأنني من هذا المنبر اناشد من لم يقدم معلومات أسرته ممن خاطبتهم عن طريق الإنترنت وممن لم أخاطبهم أن يبادروا لتقديمها حفظاً لأسماء أسرهم وتخليداً لذكرى أجدادهم وكبارهم.ـ
ــ في ختام حديثنا هذا اشكرك على ما اثرته من تساؤلات موضوعية متمنيا لصفحة ( تراثيات ) التقدم في تحقيق اهدافها وبخاصة في مجال تدوين التاريخ الشفوي ، كما اتوجه بأسمى تحياتي وتقديري لمركز الحسّو للدراسات الكمية والتراثية وللأخ الكريم مدير المركز الأستاذ الدكتور أحمد عبد الله الحسّو وزملائه الافاضل وللقراء الأعزاء كافة
ــ ونحن بدورنا نتمنى لك التوفيق آملين ان نرى موسوعة الاسر الموصلية بين ايدي القراء في اقرب فرصة ممكنة.ـ
***
نشر الحوار بتاريخ / 8/09/2013 م
متزامنا مع نشره في موقع : بيت الموصل
الرجوع الى الصفحة الرئيســة