أنور عبد العزيز ... ربيع القصّة القصيرة
حاوره: صلاح حسن بابان
ـ* نرجو أن تطلعنا على سيرتك الذاتية
سيرتي هي سيرة غالبية من الناس وحتى ممّن لم يحترفوا الكتابة... وهي في عمومها مراحل حياتيّة تمتّعت وتميّزت بخصوصيّة صاحبها ككاتب وأديب ... ثم هي موثّقة في عديد من اصدارات كتبي و (حوارات) سابقة لمن يهمّه أمر الاطّلاع عليها... وربّما كان المهم والأهم هو اصدارات الكاتب وما حظيت به من نقود وقراءات النقّاد والأدباء... نُشرت لي منذ سنة 1958 وحتى الآن (200) قصة قصيرة ضمتها ثمان مجموعات قصصية بالإضافة لما تناثر منها في منشورات الصحف .. وأوّل قصّة نشرت لي بعنوان(شروق) في جريدة (فتى العراق) الموصلية، ثم توالدت المجموعات القصصّية: (الوجه الضائع/الموصل1976)، (طائر الجنون/دمشق1993)، (النهر والذاكرة/بغداد 1998)، (طائر الماء/بغداد 2001)، (جدار الغزلان/بغداد 2003)، (ضوء العشب/بغداد 2005)، (مقاعد حجرية/الموصل2010)، بالإضافة لسبع مجموعات قصصّية مشتركة منذ صدور (قصص 69) في الموصل وحتى الآن... كما أصدر لي (مركز دراسات الموصل) بالجامعة كتاباً كبيراً في أكثر من (500) صفحة بعنوان: (أوراق العمر) اشتمل على (مشاهد حياتية) و (حوارات) و (سيرة ذاتية)... ولي قيد الطبع والاصدار كتاب نقدي لمجموعات قصصيّة ودواوين شعرية بعنوان: (مرآة الزمن الآتي)، وكذا مجموعة قصصيّة بعنوان: (فانتازيا الأفاعي) ، حظيت قصصي بأكثر من (80) مقالة نقدية لأساتذة أكاديميين ونقاد وأدباء... نشرت منذ سنة 1955 أكثر من (1000) مقالة في مجالات القصّة والنقد والموروثات الشعبية، منها (100) مقالة في النقد القصصي والشعري وكذا في نقد المسرح والتشكيل.. لم اقترب من النقد الموسيقي وأعني به نقد الموسيقى الغربية والاوبراليات والسمفونيات... وأنا كغيري من الكثيرين قد نتحسّس هذه الموسيقى شعورياً ولكن لا نفهمها بسبب ضعف واهمال التربية الموسيقية في مدارسنا ومؤسساتنا الثقافية والجامعية ، وكذا اهمالها من قبل البيت والاسرة عموماً... حظيت جهودي أيضاً – وبحمد الله – بأطروحتي ماجستير عن منجزي القصصي: الاولى بعنوان: (السرد في قصص أنور عبد العزيز القصيرة) للسيّدة (الدكتورة حالياً) نفلة حسن احمد العزّي والتي نوقشت في كلية التربية بجامعة الموصل في 19/5/2005 وحازت بها على درجة الماجستير ... كما يعدّ الباحث فلاح محمد محمود أطروحة ماجستير في جامعة الموصل بعنوان: (الشخصيّات الهامشية في قصص مجموعة ضوء العشب)...ـ
ـ* بمن تأثّرت في بدايتك، وهل كان لأحد تأثير في دخولك الوسط الادبي؟
الحياة كلّها تأثّر وتأثير ... ليس هناك من أحد تخصيصاً ... قد تكون الوراثة أو الموهبة أو الرغبة .. وقد تكون مزيجاً من المؤثرات الثلاثة ...ـ
ـ* إلى أي مدى يكشف أنور عبد العزيز عن معاناته الحياتية في قصصه؟
معاناتي هي معاناة كل الناس مع الحياة... وحتماً تنعكس هذه المعاناة – ليس في أغلبها – لتتداخل مع معاناة شخوص القصص... فالوجع الانساني هو واحد في جوهره والذي يختلف هو حالات هذا الوجع في تنوعها وقسوة احزانها ...ـ
ـ* الحرب والاحتلال كان لهما تأثير سلبي على حال الفرد العربي والعراقي خصوصاً، هل ترجمت هذا التأثير إلى قصص تحكي الوحشيّة التي خلّفتها لنا؟
حصل ذلك في عدد من قصصي... ولكن بشكل غير مباشر وباعتماد الرموز والاشارات والدلالات والنتائج المدمّرة لبشاعات الحروب ... أيّة حروب...ـ
ـ* ما المرتكز الذي ترتكز عليه في كتاباتك للقصّة القصيرة؟ وما هي صفات القاصّ الجيّد؟
المرتكز الرئيس هو الصدق في التعامل مع الحياة بتعقدها أو بساطتها ... بشراستها أو حميميتها ... بمسرّاتها وموجعاتها ... بوحشيتها أو جمالياتها الانسانية... أما صفات القاصّ الجيد فهي توفّره على خزين معرفي وثقافي مع التفاعل الحيوي مع هذا الخزين وضرورة استيعابه لأسرار وألغاز الحياة المخبوءة والمخفية ومع الاستئناس بما تطوف به الذاكرة النشيطة من ايام وسنين وتجارب مرّت وابتعدت من عمر القاصّ والناس معاً.ـ
ـ* ما هو تعريفك للحداثة في الأدب؟ وكيف يجب ان تكون؟
الحداثة هي لغة العصر وضرورتها ليس في مجال الأدب فقط بل في كل تلاوين الحياة... يجب ان تكون فاعلة ومؤثّرة مأنوسة ومقبولة ليس فقط في المشهد الثقافي عند ندرة من الأدباء بل أن تكون متاحة لكل الآخرين طالما – وكما قلنا – هي لغة العصر، فلماذا ندفع بالآخرين – وهم الغالبية والكثرة – لخارج العصر...ـ
ـ* في القرن الماضي ظهر اسلوب جديد في كتابة القصّة القصيرة وهو (السرد) الذي يعتمد على الوصف والرمزية بشكل دقيق مع سرد الأحداث والذي يفتقر الى الدراما نوعاً ما، كقاصّ ألا تعتقد أن هذا الأسلوب جعل القصّة القصيرة في مأزق خطير؟
من قال أن السرد يفتقر الى الدراما؟! الدراما هي روح القصة القصيرة وأيّ (نصّ) انساني... (السرديات) وازنت دائماً – الا في النادر – بين الدراما و (الوصف والرمزية)... هذا هو اسلوب السرديات في القرن الماضي بالاضافة لما حصل من تطورات اسلوبية حداثوية فرضتها طبيعة تقدم الزمن... ليس هناك اية اشكاليات ولا أيّ مأزق!ـ
ـ* كيف تقيّم أداء القصّة القصيرة في ربع القرن الأخير، مقارنة مع الأجناس الأدبية الاخرى؟
أستطيع القول أن الأداء كان ثريّاً فاعلاً ومؤثّراً في مضامينه مع اختلاف القدرات والأساليب، يضاف لذلك هذا السيل المنهمر من النتاجات القصصيّة عددياً عراقياً وعربياً... واذا كانت الكثرة ليست دليل عافية دائماً، فانها أيضاً مؤشر جميل على تسيّد هذا اللون من الأجناس الأدبية ومما يؤكد تقبّل المتلقين لفنونه الابداعية ... هذه الكثرة الملفتة للنظر في النتاج القصصي- عددياً – ليس شرطاً أن تكون ابداعية مع الأحكام النقدية، ولكن فيها أيضاً العديد مما يستحق أن يحتفي به النقّاد والقرّاء معاً...ـ
ـ* ألا تعتقد ان النقد في الأدب العربي هو في شبه غيبوبة، بل في حكم شهادة الوفاة... فمنذ خمسين عاماً وأكثر قلّما وجدنا أو سمعنا و قرأنا أن ناقداً يبحث عن كتاب ليكتب عنه ايماناً بضرورته وتأكيداً لدوره كناقد؟
الغالبية من النقّاد تنتظر اهداءات الادباء للكتابة عنها وقد لا يكتبون... وهذه أبداً ليست طريقة الناقد الحقيقي الذي يجب ان يبحث هو عن الاصدارات الجديدة ، خاصة مما يستحق النقد.. النقاد في غالبيتهم مزاجيون كسالى لهم نظرة مستعلية، لذا لم يستطع النقد ان يواكب ويلاحق النتاج الابداعي ليس في مجال القصّة فقط بل في كل مجالات الاجناس الادبية المختلفة وحتى في مجال التشكيل والمسرح والموسيقى...ـ
ـ* لماذا في أغلب قصصك تهتم بالماضي؟
مشكلة الزمن هذه عسيرة ومحيّرة... الأزمنة متداخلة، فاذا كان للماضي سطوته وتأثيره فسيكون مؤثراً – لدرجة كبيرة – في الحاضر أي سيصبح هو حاضراً أو جزءاً من الحاضر... وحتى عن المستقبل فإننا نجد في حاضرنا مؤشرات قد تكون دقيقة او اقرب منها لتصوّر المستقبل، أو أنها تجيء كإشارات منبّهة لما سيحصل في المستقبل... لذا فأنا عندما أتعامل مع الماضي في قصصي فإنني أراه مغروساً في تأثيره على الحاضر وقد يستشرف المستقبل القريب وحتى البعيد... المخيّلة الحافظة هي التي تحتضن الماضي بألفة ومحبّة عبر استذكاراتها المخزونة...ـ
ـ* لو عاد بك الزمن الى الوراء، عند أيّة محطّة تحطّ رحالك؟
كل محطّة هي جزء من سيرتي ومسيرتي حياتياً وأدبيا... كلها غالية عزيزة عندي.. وربّما كانت الطفولة هي الأحلى بحكم براءتها ومتخيلاتها وعوالمها الصافية النقيّة ومشاهدها المثيرة وهي تكتشف معاني ورموز الاشياء والشخوص وجنون الفرح لأبسط مسبّبات هذا الفرح...ـ
ـ* وأنت بهذا العمر وما تعانيه من آلام المرض، ومع هذا نراك في كل يوم تتصل بالادباء وتناقشهم وتهتم بشؤونهم وايضاً ما تزال تكتب اسبوعياً في أغلب الصحف الموصليّة وصحف ومجلاّت بغداد وخارج العراق، وتقضي ساعات طويلة في المطالعة والبحث ... ما هذا اللغز الذي يحفّزك على ذلك؟
ليس في الامر أيّ لغز... هو حبّ وعشق وجنون القراءة واوجاع الكتابة ومع اجواء العوالم الجميلة اللذيذة للكتب والصحف والاوراق والاقلام ومنذ ستين عاماً ... هذا هو قدري ... واذا رأى البعض في هذا الجنون مرضاً فأنا سعيد محتفٍ بهذا المرض الجميل...ـ
ـ* ما هو وزن المرأة في قصصك، وهل أنصفها الادباء في كتاباتهم؟
للمرأة حريّة الحركة بإنسانيتها في قصصي ... تراها في ثنايا قصصي، ولم أخصّص لها قصصاً بذاتها ... تظلّ عندي لغزاً ... هي صارت في السنوات الاخيرة (موضوعة) و (ثيمة) لمئات من القصص عراقياً وعربياً... منهم مَن أنصفها، ومنهم مَن عالج مشكلاتها بهامشية مقصودة، منهم مَن حاور المرأة في قصصه كمتفرّج لا غير دون أن يقول كلمته... في المحصّلة الأخيرة: لقد حصلت المرأة في السنوات الأخيرة ككاتبة ومتلقّية وموضوع على مساحة كبيرة من تسمية (الأدب النسوي أو الأنثوي) من المشهد الثقافي وخاصّة من فيض كتابات لنقّاد انصفوها أو لم ينصفوها... المهم هو هذا الاهتمام الكبير بموضوعة المرأة وحريتها وغموض واسرار حياتها وعوالمها وبخصوصيّة جالت في شأن حياتها كامرأة وكذا ككاتبة حصلت على تجنيس لإبداعها وبمسمّى (الأدب النسوي) رغم رفض بعضهن او عدم قبولهن بهذا (التجنيس) فالنتاج الابداعي هو هو سواء كتبه رجل او نقشته امرأة...ـ
ـ* لماذا الادب العربي يفتقر الى أديبات اذ وجودهن ضئيل جداً، وكما هو معلوم فان الادب العربي على مرّ العصور ظلّ محتكراً بيد الرجال اكثر من النساء؟
ليس هناك أيّ احتكار، فالمرأة – وخاصة الشاعرة – كان لها حضورها في مختلف عصور الحضارة الاسلامية ... وحالياً للمرأة اسهامات كثيرة في المشهد الثقافي وبخصوصية في مجالات القصّة والرواية والشعر وفي مجال الدراسات والبحوث النقدية...ـ
أما المسألة العددية والقلّة فهي بسبب مشغوليات المرأة – بالإضافة لعملها الوظيفي – بمسؤوليات البيت والاولاد، فمنهن مَن استطاعت التوفيق والتنظيم بين الواجب الاسري والاستجابة لرغبات الكتابة والتأليف، ومنهن مَن عجزن عن الحصول على هذا التوفيق، فهجرن الكتابة وضحّين بها لضرورات البيت وتربية الأولاد... وقد خسر الادب بغيابهن، اذ كان فيهن مبدعات...ـ
ـ* كتبت الكثير من القصص بطول الرواية وتفاصيلها تقريباً، لكن لماذا لم تكتب الرواية الى حدّ الآن مع أن قابليتك تسمح بذلك...ـ
أنا كاتب (قصّة قصيرة) ومعتز بهذا التوصيف، ولا تحمل روحي وقلمي وهواجسي (عقدة كتابة الرواية عند غالبية من القصّاصين) مع محبّتي وكل تقديري للمبدعين من الروائيين وليس للمغامرين في كتابة الرواية من العاجزين والجاهلين بشروط آفاقها ومساحتها وحوارياتها وشخوصها مع أزمنتهم وأمكنتهم في فضاء كبير وليس كما يحلم أو يطمح قصّاصون أطالوا ومطّطوا قصصهم لتصير (روايات) كتبوا غلافها (رواية) ولكنها ظلّت (قصصاً قصيرة) لا غير، لمجرّد الرغبة في الحصول على تسمية (روائي)... لماذا فعلوا ويفعلون ذلك؟! لا أدري...ـ
ـ* هل هناك كتّاب قصّة جيّدين صقلتَ أنتَ موهبتهم؟
الموهبة موهبة عند هذا وذاك من القصّاصين وهي تحمل خصوصيتها وتفرّدها عندهم... صقل موهبة الآخرين لا تأتي من تأثير فرد، فالموهبة المصقولة هي نتاج أكثر من عامل وسبب: تجارب الحياة، القراءة، التأثّر بالمقروءات، أما التخصيص فيظلّ مسألة شخصية...ـ
ـ*من هم كتّاب القصّة الجيدين في(الموصل، العراق، الوطن العربي)؟
لن أقع في الاحراج... أبارك وأعتز بكل ابداع... أنصح نفسي وكل كاتب أن يبتعد عن ذكر الأسماء لكي لا يقع في هوّة النسيان فيعتبرها من لم يُذكر اسمه إهمالاً مقصوداً ولتأكيد كلامي فأنا وفي (حوار) سابق ذكرت أكثر من (200) اسم ممن يشملهم المشهد الثقافي في الموصل ونسيت آخرين منهم اثنان من اصدقاء عمري ولأكثر من خمسين عاماً بالإضافة انهما من جيراني في الحّي السكني، وهما: سعد الدين خضر وطلال حسن، فلماذا تريد توريطي مجدّداً ... أما عن مستقبل (القصة في الموصل) فهو مفرح مضموناً وعدداً...ـ
ـ* بعد ان قضيت هذه الرحلة الطويلة مع الأدب، ماذا اعطاك الأدب وماذا قدّمت له؟
الأدب أعطاني الاحساس بقوة الحياة وجمالياتها ولذائذها رغم كل ما اعانيه وكذا غيري من الناس باحباطاتها وقسوتها ولا عدالتها ولا انسانيتها ومشاكلها المعقّدة الأليمة في كثير من الحالات... أما ما قدّمته له فهو عقلي وروحي وضميري وكل حياتي وما أزال... لن يسقط القلم من يدي ما حييت بإذن الله ... فان قارب على السقوط فذلك هو موتي الحقيقي لا موت الجسد... عند سقوط القلم يكون وجودي الحقيقي قد انتهى... ومع ذلك يظلّ الأمل الجميل هو الملاذ الأخير...ـ
ـ* البعض يقول: ان محمد خضيّر هو صاحب الحداثة في كتابة القصة القصيرة والبعض الاخر يقول: أن محمود جنداري هو صاحب الحداثة، أنت ماذا تقول؟
الحداثة ومع كل تفسيراتها وطروحاتها ليست ملكاً لأحد، وهي مشاعة للجميع... مع كل محبتي واعتزازي وتقديري للمبدعين الكبيرين .. .ـ
وما هي حكاية الاسبقية هذه ؟ ولمن الريادة ؟
... منذ ستين عاما واكثر كان قد بدأ ثم احتدم جدل الاسبقية والريادة للشعر الحر، وما يزال متواصلا ... هل الريادة للسياب ام لنازك الملائكة؟ وماذا نقول عن البياتي وبلند الحيدري ومحمود المحروق وشاذل طاقة واخرين دخلوا على الخط ايضا من العراقيين وبلدان عربية اخرى ...لا ادري ... هي كانت فروقات اشهر بينهم ليس غير ... وهل عدة اشهر قليلة تحرم هذا او ذاك من الريادة؟! لم لا نعتبرهم كلهم روادا ...! ان ولادة حركة شعرية فاعلة كبيرة ومؤثرة كالشعر الحر هي التي يجب ان يحتفى بها وبخصوصية الهزة الكبيرة التي احدثتها في عمود الشعر وما اعقبها بعد ذلك من تطورات سريعة اوصلتها لقصيدة النثر ... هذا هو المهم ... لم يكن من الضرورة النقدية ابدا تلك الخلافات الجامحة الحادة بحثا عن رائد واحد وحيد اصروا على تحديده خضوعا لفروقات اشهر وحتى لاسابيع محدودة قبل ان يتحسسوا اهمية ما افرزته تلك الحركة وذلك التجديد والتحديث على مستقبل الشعرية العربية
ـ* الكل يعرف ان لك قابلية على نقد الشعر، مَن هو الشاعر المميّز عندك في (الموصل، العراق، الوطن العربي)، ومن هو الشاعر الموصلي الذي يسلم دائماً من نقدك؟
مجدداً، أعتذر عن ذكر الاسماء، وخاصة لخارطة شعرية شملت الموصل والعراق والوطن العربي... انت تطلب مني ضمناً تأليف كتاب كامل وليس إشارات عابرة وهذا مما لا يحتمله أي (حوار)...ـ
ـ* هل لك من قصص حازت على جوائز على صعيد القطر والوطن العربي ، وما هي؟
لست من الراغبين أبداً في المشاركة بأيّة (مسابقات) لعدم قناعتي بجدواها ونتائجها... جائزتي الكبيرة هي قناعتي بما أنتجه وبمباركة العديد من النقّاد له، والأهمّ الأهمّ تجاوب القرّاء معه ومتابعة نشرياتي... حصلت على (تكريمات) كثيرة و(شهادات تقدير) من مؤسسات جامعية وثقافية ومن مؤسسات تربوية وصحفية... وهذا كثير ... المهمّ بأن يأنس القارئ ويتفاعل مع كتاباتي – خصوصاً القصصية منها – وأنا وبعد نصف قرن وأكثر من العطاء الثقافي بِتُّ مقتنعاً وبشكل مطلق بأن تكريمي الرائع هو ذلك الذي يصلني من القرّاء فأنتشي به وأتحسّس أن جهدي قد أثمر قبولاً في أعين القرّاء وقلوبهم وذائقتهم...ـ
ـ* كيف تقيّم الحركة الأدبية عند الشباب في الموصل، ومن يعجبك منهم؟
الحركة الأدبية للشباب في الموصل ما تزال في بداياتها وهي تحتاج الكثير من عمر الزمن في ارهاصاتها وتجاربها ومردودها الثقافي... أما عن اعجابي فهو للذين يتعاملون معها بجديّة وجهد كبيرين ومن غير الحالمين بقفزات العجلة واستعجال النشر قبل استكمال ادوات ومحركات الابداع من تجارب وقراءات متنوعة والتزام بجماليات اللغة العربية العالمية وقوانينها واسرار علاماتها ودلالاتها ورمزياتها وحركاتها واشاراتها ومعرفة ولو اليسير من ضرورات نحوها وقواعدها واساليبها وبكل تقديس وكما تفعل كل شعوب الارض مع لغاتها وعدم الاستخفاف بآلياتها والتهاون الساذج أو المقصود في التعامل معها بسطحية كريهة...ـ
ـ* متى يستريح أنور عبد العزيز بعد هذه الرحلة الطويلة مع الادب والحياة؟
لا راحة ما دمت ألتقط انفاساً من الحياة، وتظلّ الراحة والنشوة مع قراءة كتاب جديد مثير بطروحاته... والاكثر مسرّة بعد كتابة قصّة جديدة أتحسّس أنني انجزتها بنجاح ، والا فأظلّ محزوناً عندما اشعر أن تلك القصّة لم تأتِ وكما خططت لها، فالكاتب هو أصدق ناقد لنفسه شرط ألا تضيّع تقييمه للقصة آفة الاعجاب بالنفس حتى لو جاءت في أدنى حدودها... وبعد الانتهاء منها يترك امرها لذائقة النقاد والقرّاء معاً، وهما معاً سيكونان الحكم الأخير...ـ
ـ* ماذا تعني هذه المفردات في قاموس أنور عبد العزيز: (أنور عبد العزيز/ التدريس/ سعد الدين خضر الليل/ الدوّاسة/ القصّة القصيرة/ الإعلام/ الأدب/ المرأة/ مسيرتك الأدبية؟
أنور عبد العزيز: يراه ويقول الآخرون عنه أنه وديع محبّ لكل الناس وهذا التوصيف هو أحلى وأثمن شهادة تكريم وتقدير نلتها في حياتي... إن ما يفزع أنور عبد العزيز هو هذا العذاب والانتحار الجماعي الذي تمارسه بجنون وحمق معظم شعوب العالم، وخاصة المنطقة العربية، فالى أين سيقود كل هذا الموت والقتل والتدمير وحرائق الحروب والحصارات وما تسبّبه من فقر وجوع وتسوّل وحفاء وعري وتيه وضياع... أية كارثيات هذه؟! وأيّة بشاعات؟! والى متى؟! وهل في الافق حلول؟ ولو اضاءة خافتة من حل مبشّر بالخلاص... هذا ما يضنيني ويلوّن روحي بسواد كئيب... وسنظلّ نأمل وننتظر عسى ان تغادر الجميع روح الكراهية لتسود المحبّة بكل خيراتها ومباهجها... ومما يفجعني ويؤذيني اكثر كشاهد بائس ولكنه عليم على هذا العصر المجنون وموت الأطفال قتلاً وجوعاً ومرضاً وتشرداً تمارسه الدول والشعوب معاً في كل اقطار الفواجع والنكبات والحروب ويبدو لي ان هذا العصر الاهوج لن ينتبه مطلقاً لما يفعله ويرتكبه من بشاعات وهو سادرٌ في غيّه وجرائمه حتى النهاية...ـ
التدريس: متعة العقل والروح عندما تشعر أنك تنقل وبأمانة ضوء المعرفة للاخرين ... وان هؤلاء الاخرين من الفتية والشباب هم من سيحتضن الامانة وهي تترى مزهوّة جيلاً بعد جيل...ـ
سعد الدين خضر: صديق العمر، المهموم ابداً بضحالة المشهد الصحفي العراقي الان وبعجز وخواء الحركة الثقافية... وبهذه الاصدارات غير الواعية وغير المسؤولة لمئات مئات من الكتب الفارغة من معانيها والمشوّهة للثقافة العراقية وسمعتها الرصينة فيما مضى، ولذلك الجهل اللغوي المخجل في التعرّف على اوليّات ومبادئ اللغة، ولأن الهدف منها عموماً هو الاعلان عن اسم لكاتب غير جدير ان تضمّ كتاباته أيّة مكتبة... وهم لا يملكون غير النقود التي يحوّلونها لكتب عساها ان ترضي نرجسيتهم المقزّزة الكريهة...ـ
الليل: حلم الحزانى وأنين المحرومين في ظلمة الحياة ومظالمها وعدوانيتها...ـ
الدوّاسة: صديقتي الأثيرة الغالية منذ سنة 1950..ـ
القصّة القصيرة: تاج وثريّا الابداع ... الفن الجميل الهادر في الروح..ـ
الاعلام: كان عندي صديق يقول: الاعلام... ما هو الاعلام؟! الاعلام يعني
ـ (سوّي خبصة)... هذا التعريف... أليس طريفاً وظريفاً وواقعياً؟!ـ
الأدب: خلاصة الروح الانسانية في تساميها ومضطرباتها...ـ
المرأة: شطر من الجنة مجاور للنار...ـ
مسيرتك الأدبية: ستون عاماً من الفرح والقهر وتعب العمر والكتابة والاصرار على التواصل مع منجزاتي الثقافية... ومع ذلك فكل ما حصل كان عيداً للعقل والروح...ـ
كلمة أخيرة: شكراً لأخي وصديقي القاصّ صلاح بابان على لطفه وثراء الاسئلة... مَن أتعبَ مَن؟ لا ادري ... والشكر الجميل للجريدة الناشرة مع محبّتي للعاملين فيها... وفّق الله الجميع...ـ
ملاحظة: ان المقابلة ارسلت الينا من قبل الأستاذ أنور عبد العزيز، علما أنها قد نُشرت سابقاً في جريدة الزمان في 1-7-2013
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
حاوره: صلاح حسن بابان
ـ* نرجو أن تطلعنا على سيرتك الذاتية
سيرتي هي سيرة غالبية من الناس وحتى ممّن لم يحترفوا الكتابة... وهي في عمومها مراحل حياتيّة تمتّعت وتميّزت بخصوصيّة صاحبها ككاتب وأديب ... ثم هي موثّقة في عديد من اصدارات كتبي و (حوارات) سابقة لمن يهمّه أمر الاطّلاع عليها... وربّما كان المهم والأهم هو اصدارات الكاتب وما حظيت به من نقود وقراءات النقّاد والأدباء... نُشرت لي منذ سنة 1958 وحتى الآن (200) قصة قصيرة ضمتها ثمان مجموعات قصصية بالإضافة لما تناثر منها في منشورات الصحف .. وأوّل قصّة نشرت لي بعنوان(شروق) في جريدة (فتى العراق) الموصلية، ثم توالدت المجموعات القصصّية: (الوجه الضائع/الموصل1976)، (طائر الجنون/دمشق1993)، (النهر والذاكرة/بغداد 1998)، (طائر الماء/بغداد 2001)، (جدار الغزلان/بغداد 2003)، (ضوء العشب/بغداد 2005)، (مقاعد حجرية/الموصل2010)، بالإضافة لسبع مجموعات قصصّية مشتركة منذ صدور (قصص 69) في الموصل وحتى الآن... كما أصدر لي (مركز دراسات الموصل) بالجامعة كتاباً كبيراً في أكثر من (500) صفحة بعنوان: (أوراق العمر) اشتمل على (مشاهد حياتية) و (حوارات) و (سيرة ذاتية)... ولي قيد الطبع والاصدار كتاب نقدي لمجموعات قصصيّة ودواوين شعرية بعنوان: (مرآة الزمن الآتي)، وكذا مجموعة قصصيّة بعنوان: (فانتازيا الأفاعي) ، حظيت قصصي بأكثر من (80) مقالة نقدية لأساتذة أكاديميين ونقاد وأدباء... نشرت منذ سنة 1955 أكثر من (1000) مقالة في مجالات القصّة والنقد والموروثات الشعبية، منها (100) مقالة في النقد القصصي والشعري وكذا في نقد المسرح والتشكيل.. لم اقترب من النقد الموسيقي وأعني به نقد الموسيقى الغربية والاوبراليات والسمفونيات... وأنا كغيري من الكثيرين قد نتحسّس هذه الموسيقى شعورياً ولكن لا نفهمها بسبب ضعف واهمال التربية الموسيقية في مدارسنا ومؤسساتنا الثقافية والجامعية ، وكذا اهمالها من قبل البيت والاسرة عموماً... حظيت جهودي أيضاً – وبحمد الله – بأطروحتي ماجستير عن منجزي القصصي: الاولى بعنوان: (السرد في قصص أنور عبد العزيز القصيرة) للسيّدة (الدكتورة حالياً) نفلة حسن احمد العزّي والتي نوقشت في كلية التربية بجامعة الموصل في 19/5/2005 وحازت بها على درجة الماجستير ... كما يعدّ الباحث فلاح محمد محمود أطروحة ماجستير في جامعة الموصل بعنوان: (الشخصيّات الهامشية في قصص مجموعة ضوء العشب)...ـ
ـ* بمن تأثّرت في بدايتك، وهل كان لأحد تأثير في دخولك الوسط الادبي؟
الحياة كلّها تأثّر وتأثير ... ليس هناك من أحد تخصيصاً ... قد تكون الوراثة أو الموهبة أو الرغبة .. وقد تكون مزيجاً من المؤثرات الثلاثة ...ـ
ـ* إلى أي مدى يكشف أنور عبد العزيز عن معاناته الحياتية في قصصه؟
معاناتي هي معاناة كل الناس مع الحياة... وحتماً تنعكس هذه المعاناة – ليس في أغلبها – لتتداخل مع معاناة شخوص القصص... فالوجع الانساني هو واحد في جوهره والذي يختلف هو حالات هذا الوجع في تنوعها وقسوة احزانها ...ـ
ـ* الحرب والاحتلال كان لهما تأثير سلبي على حال الفرد العربي والعراقي خصوصاً، هل ترجمت هذا التأثير إلى قصص تحكي الوحشيّة التي خلّفتها لنا؟
حصل ذلك في عدد من قصصي... ولكن بشكل غير مباشر وباعتماد الرموز والاشارات والدلالات والنتائج المدمّرة لبشاعات الحروب ... أيّة حروب...ـ
ـ* ما المرتكز الذي ترتكز عليه في كتاباتك للقصّة القصيرة؟ وما هي صفات القاصّ الجيّد؟
المرتكز الرئيس هو الصدق في التعامل مع الحياة بتعقدها أو بساطتها ... بشراستها أو حميميتها ... بمسرّاتها وموجعاتها ... بوحشيتها أو جمالياتها الانسانية... أما صفات القاصّ الجيد فهي توفّره على خزين معرفي وثقافي مع التفاعل الحيوي مع هذا الخزين وضرورة استيعابه لأسرار وألغاز الحياة المخبوءة والمخفية ومع الاستئناس بما تطوف به الذاكرة النشيطة من ايام وسنين وتجارب مرّت وابتعدت من عمر القاصّ والناس معاً.ـ
ـ* ما هو تعريفك للحداثة في الأدب؟ وكيف يجب ان تكون؟
الحداثة هي لغة العصر وضرورتها ليس في مجال الأدب فقط بل في كل تلاوين الحياة... يجب ان تكون فاعلة ومؤثّرة مأنوسة ومقبولة ليس فقط في المشهد الثقافي عند ندرة من الأدباء بل أن تكون متاحة لكل الآخرين طالما – وكما قلنا – هي لغة العصر، فلماذا ندفع بالآخرين – وهم الغالبية والكثرة – لخارج العصر...ـ
ـ* في القرن الماضي ظهر اسلوب جديد في كتابة القصّة القصيرة وهو (السرد) الذي يعتمد على الوصف والرمزية بشكل دقيق مع سرد الأحداث والذي يفتقر الى الدراما نوعاً ما، كقاصّ ألا تعتقد أن هذا الأسلوب جعل القصّة القصيرة في مأزق خطير؟
من قال أن السرد يفتقر الى الدراما؟! الدراما هي روح القصة القصيرة وأيّ (نصّ) انساني... (السرديات) وازنت دائماً – الا في النادر – بين الدراما و (الوصف والرمزية)... هذا هو اسلوب السرديات في القرن الماضي بالاضافة لما حصل من تطورات اسلوبية حداثوية فرضتها طبيعة تقدم الزمن... ليس هناك اية اشكاليات ولا أيّ مأزق!ـ
ـ* كيف تقيّم أداء القصّة القصيرة في ربع القرن الأخير، مقارنة مع الأجناس الأدبية الاخرى؟
أستطيع القول أن الأداء كان ثريّاً فاعلاً ومؤثّراً في مضامينه مع اختلاف القدرات والأساليب، يضاف لذلك هذا السيل المنهمر من النتاجات القصصيّة عددياً عراقياً وعربياً... واذا كانت الكثرة ليست دليل عافية دائماً، فانها أيضاً مؤشر جميل على تسيّد هذا اللون من الأجناس الأدبية ومما يؤكد تقبّل المتلقين لفنونه الابداعية ... هذه الكثرة الملفتة للنظر في النتاج القصصي- عددياً – ليس شرطاً أن تكون ابداعية مع الأحكام النقدية، ولكن فيها أيضاً العديد مما يستحق أن يحتفي به النقّاد والقرّاء معاً...ـ
ـ* ألا تعتقد ان النقد في الأدب العربي هو في شبه غيبوبة، بل في حكم شهادة الوفاة... فمنذ خمسين عاماً وأكثر قلّما وجدنا أو سمعنا و قرأنا أن ناقداً يبحث عن كتاب ليكتب عنه ايماناً بضرورته وتأكيداً لدوره كناقد؟
الغالبية من النقّاد تنتظر اهداءات الادباء للكتابة عنها وقد لا يكتبون... وهذه أبداً ليست طريقة الناقد الحقيقي الذي يجب ان يبحث هو عن الاصدارات الجديدة ، خاصة مما يستحق النقد.. النقاد في غالبيتهم مزاجيون كسالى لهم نظرة مستعلية، لذا لم يستطع النقد ان يواكب ويلاحق النتاج الابداعي ليس في مجال القصّة فقط بل في كل مجالات الاجناس الادبية المختلفة وحتى في مجال التشكيل والمسرح والموسيقى...ـ
ـ* لماذا في أغلب قصصك تهتم بالماضي؟
مشكلة الزمن هذه عسيرة ومحيّرة... الأزمنة متداخلة، فاذا كان للماضي سطوته وتأثيره فسيكون مؤثراً – لدرجة كبيرة – في الحاضر أي سيصبح هو حاضراً أو جزءاً من الحاضر... وحتى عن المستقبل فإننا نجد في حاضرنا مؤشرات قد تكون دقيقة او اقرب منها لتصوّر المستقبل، أو أنها تجيء كإشارات منبّهة لما سيحصل في المستقبل... لذا فأنا عندما أتعامل مع الماضي في قصصي فإنني أراه مغروساً في تأثيره على الحاضر وقد يستشرف المستقبل القريب وحتى البعيد... المخيّلة الحافظة هي التي تحتضن الماضي بألفة ومحبّة عبر استذكاراتها المخزونة...ـ
ـ* لو عاد بك الزمن الى الوراء، عند أيّة محطّة تحطّ رحالك؟
كل محطّة هي جزء من سيرتي ومسيرتي حياتياً وأدبيا... كلها غالية عزيزة عندي.. وربّما كانت الطفولة هي الأحلى بحكم براءتها ومتخيلاتها وعوالمها الصافية النقيّة ومشاهدها المثيرة وهي تكتشف معاني ورموز الاشياء والشخوص وجنون الفرح لأبسط مسبّبات هذا الفرح...ـ
ـ* وأنت بهذا العمر وما تعانيه من آلام المرض، ومع هذا نراك في كل يوم تتصل بالادباء وتناقشهم وتهتم بشؤونهم وايضاً ما تزال تكتب اسبوعياً في أغلب الصحف الموصليّة وصحف ومجلاّت بغداد وخارج العراق، وتقضي ساعات طويلة في المطالعة والبحث ... ما هذا اللغز الذي يحفّزك على ذلك؟
ليس في الامر أيّ لغز... هو حبّ وعشق وجنون القراءة واوجاع الكتابة ومع اجواء العوالم الجميلة اللذيذة للكتب والصحف والاوراق والاقلام ومنذ ستين عاماً ... هذا هو قدري ... واذا رأى البعض في هذا الجنون مرضاً فأنا سعيد محتفٍ بهذا المرض الجميل...ـ
ـ* ما هو وزن المرأة في قصصك، وهل أنصفها الادباء في كتاباتهم؟
للمرأة حريّة الحركة بإنسانيتها في قصصي ... تراها في ثنايا قصصي، ولم أخصّص لها قصصاً بذاتها ... تظلّ عندي لغزاً ... هي صارت في السنوات الاخيرة (موضوعة) و (ثيمة) لمئات من القصص عراقياً وعربياً... منهم مَن أنصفها، ومنهم مَن عالج مشكلاتها بهامشية مقصودة، منهم مَن حاور المرأة في قصصه كمتفرّج لا غير دون أن يقول كلمته... في المحصّلة الأخيرة: لقد حصلت المرأة في السنوات الأخيرة ككاتبة ومتلقّية وموضوع على مساحة كبيرة من تسمية (الأدب النسوي أو الأنثوي) من المشهد الثقافي وخاصّة من فيض كتابات لنقّاد انصفوها أو لم ينصفوها... المهم هو هذا الاهتمام الكبير بموضوعة المرأة وحريتها وغموض واسرار حياتها وعوالمها وبخصوصيّة جالت في شأن حياتها كامرأة وكذا ككاتبة حصلت على تجنيس لإبداعها وبمسمّى (الأدب النسوي) رغم رفض بعضهن او عدم قبولهن بهذا (التجنيس) فالنتاج الابداعي هو هو سواء كتبه رجل او نقشته امرأة...ـ
ـ* لماذا الادب العربي يفتقر الى أديبات اذ وجودهن ضئيل جداً، وكما هو معلوم فان الادب العربي على مرّ العصور ظلّ محتكراً بيد الرجال اكثر من النساء؟
ليس هناك أيّ احتكار، فالمرأة – وخاصة الشاعرة – كان لها حضورها في مختلف عصور الحضارة الاسلامية ... وحالياً للمرأة اسهامات كثيرة في المشهد الثقافي وبخصوصية في مجالات القصّة والرواية والشعر وفي مجال الدراسات والبحوث النقدية...ـ
أما المسألة العددية والقلّة فهي بسبب مشغوليات المرأة – بالإضافة لعملها الوظيفي – بمسؤوليات البيت والاولاد، فمنهن مَن استطاعت التوفيق والتنظيم بين الواجب الاسري والاستجابة لرغبات الكتابة والتأليف، ومنهن مَن عجزن عن الحصول على هذا التوفيق، فهجرن الكتابة وضحّين بها لضرورات البيت وتربية الأولاد... وقد خسر الادب بغيابهن، اذ كان فيهن مبدعات...ـ
ـ* كتبت الكثير من القصص بطول الرواية وتفاصيلها تقريباً، لكن لماذا لم تكتب الرواية الى حدّ الآن مع أن قابليتك تسمح بذلك...ـ
أنا كاتب (قصّة قصيرة) ومعتز بهذا التوصيف، ولا تحمل روحي وقلمي وهواجسي (عقدة كتابة الرواية عند غالبية من القصّاصين) مع محبّتي وكل تقديري للمبدعين من الروائيين وليس للمغامرين في كتابة الرواية من العاجزين والجاهلين بشروط آفاقها ومساحتها وحوارياتها وشخوصها مع أزمنتهم وأمكنتهم في فضاء كبير وليس كما يحلم أو يطمح قصّاصون أطالوا ومطّطوا قصصهم لتصير (روايات) كتبوا غلافها (رواية) ولكنها ظلّت (قصصاً قصيرة) لا غير، لمجرّد الرغبة في الحصول على تسمية (روائي)... لماذا فعلوا ويفعلون ذلك؟! لا أدري...ـ
ـ* هل هناك كتّاب قصّة جيّدين صقلتَ أنتَ موهبتهم؟
الموهبة موهبة عند هذا وذاك من القصّاصين وهي تحمل خصوصيتها وتفرّدها عندهم... صقل موهبة الآخرين لا تأتي من تأثير فرد، فالموهبة المصقولة هي نتاج أكثر من عامل وسبب: تجارب الحياة، القراءة، التأثّر بالمقروءات، أما التخصيص فيظلّ مسألة شخصية...ـ
ـ*من هم كتّاب القصّة الجيدين في(الموصل، العراق، الوطن العربي)؟
لن أقع في الاحراج... أبارك وأعتز بكل ابداع... أنصح نفسي وكل كاتب أن يبتعد عن ذكر الأسماء لكي لا يقع في هوّة النسيان فيعتبرها من لم يُذكر اسمه إهمالاً مقصوداً ولتأكيد كلامي فأنا وفي (حوار) سابق ذكرت أكثر من (200) اسم ممن يشملهم المشهد الثقافي في الموصل ونسيت آخرين منهم اثنان من اصدقاء عمري ولأكثر من خمسين عاماً بالإضافة انهما من جيراني في الحّي السكني، وهما: سعد الدين خضر وطلال حسن، فلماذا تريد توريطي مجدّداً ... أما عن مستقبل (القصة في الموصل) فهو مفرح مضموناً وعدداً...ـ
ـ* بعد ان قضيت هذه الرحلة الطويلة مع الأدب، ماذا اعطاك الأدب وماذا قدّمت له؟
الأدب أعطاني الاحساس بقوة الحياة وجمالياتها ولذائذها رغم كل ما اعانيه وكذا غيري من الناس باحباطاتها وقسوتها ولا عدالتها ولا انسانيتها ومشاكلها المعقّدة الأليمة في كثير من الحالات... أما ما قدّمته له فهو عقلي وروحي وضميري وكل حياتي وما أزال... لن يسقط القلم من يدي ما حييت بإذن الله ... فان قارب على السقوط فذلك هو موتي الحقيقي لا موت الجسد... عند سقوط القلم يكون وجودي الحقيقي قد انتهى... ومع ذلك يظلّ الأمل الجميل هو الملاذ الأخير...ـ
ـ* البعض يقول: ان محمد خضيّر هو صاحب الحداثة في كتابة القصة القصيرة والبعض الاخر يقول: أن محمود جنداري هو صاحب الحداثة، أنت ماذا تقول؟
الحداثة ومع كل تفسيراتها وطروحاتها ليست ملكاً لأحد، وهي مشاعة للجميع... مع كل محبتي واعتزازي وتقديري للمبدعين الكبيرين .. .ـ
وما هي حكاية الاسبقية هذه ؟ ولمن الريادة ؟
... منذ ستين عاما واكثر كان قد بدأ ثم احتدم جدل الاسبقية والريادة للشعر الحر، وما يزال متواصلا ... هل الريادة للسياب ام لنازك الملائكة؟ وماذا نقول عن البياتي وبلند الحيدري ومحمود المحروق وشاذل طاقة واخرين دخلوا على الخط ايضا من العراقيين وبلدان عربية اخرى ...لا ادري ... هي كانت فروقات اشهر بينهم ليس غير ... وهل عدة اشهر قليلة تحرم هذا او ذاك من الريادة؟! لم لا نعتبرهم كلهم روادا ...! ان ولادة حركة شعرية فاعلة كبيرة ومؤثرة كالشعر الحر هي التي يجب ان يحتفى بها وبخصوصية الهزة الكبيرة التي احدثتها في عمود الشعر وما اعقبها بعد ذلك من تطورات سريعة اوصلتها لقصيدة النثر ... هذا هو المهم ... لم يكن من الضرورة النقدية ابدا تلك الخلافات الجامحة الحادة بحثا عن رائد واحد وحيد اصروا على تحديده خضوعا لفروقات اشهر وحتى لاسابيع محدودة قبل ان يتحسسوا اهمية ما افرزته تلك الحركة وذلك التجديد والتحديث على مستقبل الشعرية العربية
ـ* الكل يعرف ان لك قابلية على نقد الشعر، مَن هو الشاعر المميّز عندك في (الموصل، العراق، الوطن العربي)، ومن هو الشاعر الموصلي الذي يسلم دائماً من نقدك؟
مجدداً، أعتذر عن ذكر الاسماء، وخاصة لخارطة شعرية شملت الموصل والعراق والوطن العربي... انت تطلب مني ضمناً تأليف كتاب كامل وليس إشارات عابرة وهذا مما لا يحتمله أي (حوار)...ـ
ـ* هل لك من قصص حازت على جوائز على صعيد القطر والوطن العربي ، وما هي؟
لست من الراغبين أبداً في المشاركة بأيّة (مسابقات) لعدم قناعتي بجدواها ونتائجها... جائزتي الكبيرة هي قناعتي بما أنتجه وبمباركة العديد من النقّاد له، والأهمّ الأهمّ تجاوب القرّاء معه ومتابعة نشرياتي... حصلت على (تكريمات) كثيرة و(شهادات تقدير) من مؤسسات جامعية وثقافية ومن مؤسسات تربوية وصحفية... وهذا كثير ... المهمّ بأن يأنس القارئ ويتفاعل مع كتاباتي – خصوصاً القصصية منها – وأنا وبعد نصف قرن وأكثر من العطاء الثقافي بِتُّ مقتنعاً وبشكل مطلق بأن تكريمي الرائع هو ذلك الذي يصلني من القرّاء فأنتشي به وأتحسّس أن جهدي قد أثمر قبولاً في أعين القرّاء وقلوبهم وذائقتهم...ـ
ـ* كيف تقيّم الحركة الأدبية عند الشباب في الموصل، ومن يعجبك منهم؟
الحركة الأدبية للشباب في الموصل ما تزال في بداياتها وهي تحتاج الكثير من عمر الزمن في ارهاصاتها وتجاربها ومردودها الثقافي... أما عن اعجابي فهو للذين يتعاملون معها بجديّة وجهد كبيرين ومن غير الحالمين بقفزات العجلة واستعجال النشر قبل استكمال ادوات ومحركات الابداع من تجارب وقراءات متنوعة والتزام بجماليات اللغة العربية العالمية وقوانينها واسرار علاماتها ودلالاتها ورمزياتها وحركاتها واشاراتها ومعرفة ولو اليسير من ضرورات نحوها وقواعدها واساليبها وبكل تقديس وكما تفعل كل شعوب الارض مع لغاتها وعدم الاستخفاف بآلياتها والتهاون الساذج أو المقصود في التعامل معها بسطحية كريهة...ـ
ـ* متى يستريح أنور عبد العزيز بعد هذه الرحلة الطويلة مع الادب والحياة؟
لا راحة ما دمت ألتقط انفاساً من الحياة، وتظلّ الراحة والنشوة مع قراءة كتاب جديد مثير بطروحاته... والاكثر مسرّة بعد كتابة قصّة جديدة أتحسّس أنني انجزتها بنجاح ، والا فأظلّ محزوناً عندما اشعر أن تلك القصّة لم تأتِ وكما خططت لها، فالكاتب هو أصدق ناقد لنفسه شرط ألا تضيّع تقييمه للقصة آفة الاعجاب بالنفس حتى لو جاءت في أدنى حدودها... وبعد الانتهاء منها يترك امرها لذائقة النقاد والقرّاء معاً، وهما معاً سيكونان الحكم الأخير...ـ
ـ* ماذا تعني هذه المفردات في قاموس أنور عبد العزيز: (أنور عبد العزيز/ التدريس/ سعد الدين خضر الليل/ الدوّاسة/ القصّة القصيرة/ الإعلام/ الأدب/ المرأة/ مسيرتك الأدبية؟
أنور عبد العزيز: يراه ويقول الآخرون عنه أنه وديع محبّ لكل الناس وهذا التوصيف هو أحلى وأثمن شهادة تكريم وتقدير نلتها في حياتي... إن ما يفزع أنور عبد العزيز هو هذا العذاب والانتحار الجماعي الذي تمارسه بجنون وحمق معظم شعوب العالم، وخاصة المنطقة العربية، فالى أين سيقود كل هذا الموت والقتل والتدمير وحرائق الحروب والحصارات وما تسبّبه من فقر وجوع وتسوّل وحفاء وعري وتيه وضياع... أية كارثيات هذه؟! وأيّة بشاعات؟! والى متى؟! وهل في الافق حلول؟ ولو اضاءة خافتة من حل مبشّر بالخلاص... هذا ما يضنيني ويلوّن روحي بسواد كئيب... وسنظلّ نأمل وننتظر عسى ان تغادر الجميع روح الكراهية لتسود المحبّة بكل خيراتها ومباهجها... ومما يفجعني ويؤذيني اكثر كشاهد بائس ولكنه عليم على هذا العصر المجنون وموت الأطفال قتلاً وجوعاً ومرضاً وتشرداً تمارسه الدول والشعوب معاً في كل اقطار الفواجع والنكبات والحروب ويبدو لي ان هذا العصر الاهوج لن ينتبه مطلقاً لما يفعله ويرتكبه من بشاعات وهو سادرٌ في غيّه وجرائمه حتى النهاية...ـ
التدريس: متعة العقل والروح عندما تشعر أنك تنقل وبأمانة ضوء المعرفة للاخرين ... وان هؤلاء الاخرين من الفتية والشباب هم من سيحتضن الامانة وهي تترى مزهوّة جيلاً بعد جيل...ـ
سعد الدين خضر: صديق العمر، المهموم ابداً بضحالة المشهد الصحفي العراقي الان وبعجز وخواء الحركة الثقافية... وبهذه الاصدارات غير الواعية وغير المسؤولة لمئات مئات من الكتب الفارغة من معانيها والمشوّهة للثقافة العراقية وسمعتها الرصينة فيما مضى، ولذلك الجهل اللغوي المخجل في التعرّف على اوليّات ومبادئ اللغة، ولأن الهدف منها عموماً هو الاعلان عن اسم لكاتب غير جدير ان تضمّ كتاباته أيّة مكتبة... وهم لا يملكون غير النقود التي يحوّلونها لكتب عساها ان ترضي نرجسيتهم المقزّزة الكريهة...ـ
الليل: حلم الحزانى وأنين المحرومين في ظلمة الحياة ومظالمها وعدوانيتها...ـ
الدوّاسة: صديقتي الأثيرة الغالية منذ سنة 1950..ـ
القصّة القصيرة: تاج وثريّا الابداع ... الفن الجميل الهادر في الروح..ـ
الاعلام: كان عندي صديق يقول: الاعلام... ما هو الاعلام؟! الاعلام يعني
ـ (سوّي خبصة)... هذا التعريف... أليس طريفاً وظريفاً وواقعياً؟!ـ
الأدب: خلاصة الروح الانسانية في تساميها ومضطرباتها...ـ
المرأة: شطر من الجنة مجاور للنار...ـ
مسيرتك الأدبية: ستون عاماً من الفرح والقهر وتعب العمر والكتابة والاصرار على التواصل مع منجزاتي الثقافية... ومع ذلك فكل ما حصل كان عيداً للعقل والروح...ـ
كلمة أخيرة: شكراً لأخي وصديقي القاصّ صلاح بابان على لطفه وثراء الاسئلة... مَن أتعبَ مَن؟ لا ادري ... والشكر الجميل للجريدة الناشرة مع محبّتي للعاملين فيها... وفّق الله الجميع...ـ
ملاحظة: ان المقابلة ارسلت الينا من قبل الأستاذ أنور عبد العزيز، علما أنها قد نُشرت سابقاً في جريدة الزمان في 1-7-2013
للعودة إلى الصفحة الرئيسة