المشهد الثقافي ، والنقاد والشعراء والصور
بقلم : اسامة غاندي
بقلم : اسامة غاندي
كنت قد بدأت سلسلة مقالات في المشهد الثقافي في الموصل ، في الموقع القديم (( البيت الموصلي )) ، وانجزت منها ثلاثا ، نشرت في ذلك الموقع على أمل ان أكمل ما تبقى من السلسلة والمخطط لها بخمسة اجزاء ، وكان الجزء الرابع يتعلق بالمعرقلات الثقافية ، والخامس يدرس المدارس الفكرية والظواهر الثقافية في الموصل ، لكن الموقع القديم ووضعه (( الصحي )) انذاك ، حالا دون اكمال هذه السلسلة .
وجاءت مطالعة الاخ نديم العمري الاخيرة لموقع بيت الموصل ، لتستعجلني وتدفع الى الواجهة بعضا مما اردت قوله بشأن الجزء الرابع وهو المعرقلات الثقافية ،لاننا فعلا أمام وجودمعرقلات اجتماعية تعوق وصول الثقافة وتأثيراتها ونشاط وجهد المثقفين الى العامة وتٌفشِل كل جهودهم ( على كثرة المثقفين ) من ادباء وشعراء وقادة رأي ومفكرين ، تفشلها من أن تتحول الى طاقة ، أو نموذج في البناء والتنمية ،
وقبل أن أدخل في قراءة الكوميديا الالهية لنديم العمري ، أود أن اشير الى مداخلة وتعليق ورد من احد القراء ، و أتكأ في مداخلته على ما اروده السيد نديم العمري من ملاحظات ، واود أن اعلق باسطر قليلة على المداخلة ، تبيانا للاخوة القراء والمهتمين .
المداخلة كانت مغرضة ، وبقصد الاساءة فقط . وإذا كان للمتداخل ان يقارن نفسه مع العمري ، فأن العمري قد طرح فكرته على الطاولة ، ولكن المتداخل ( الشبح ) قد تقيأ عليها .
ولم يكن للمداخلة من هدف ، الا محاولة اثارة البلبلة والفتنة بين اعضاء هذا المنتدى ، وهي وسيلة رخيصة جدا ، وبدائية ايضا ( ومكشوفة ) ، واذا كنت تظن أنك تستطيع هز اركان ( مثل هذا البيت ) فانت واهم جدا . ولقد كنا كرماء جدا حينما سمحنا بنشر هذا التعليق ، لاننا نعرف اننا اكبر من ان تهز اسطرٌ او كلمات شعرةً من رؤوسنا ، وقد لا افشي سرا ، اذا قلت ان رئيس التحرير لم يوافق على نشر المداخلة وكذلك الاخ مشتاق الدليمي ، ولكن كانت نتيجة التصويت ، أن وافقتُ انا والدكتور احمد الحسو والاستاذ سالم الحسو ، على نشرها ، وتأخر وصول صوت الاستاذ ازهر العبيدي. وكان لكل منا تبريراته ، وكان أن طغى الرأي الذي يقول . اننا دعاة فكر ورسالة ثقافية ، يجب ان نستمع للجميع ، رغم ان اللوائح المعمول بها هي عدم نشر اي اساءة لاي شخص ، وباسم وعنوان وهمي ، واراني واخواني خالفنا العمل باللوائح ، لكي نوفر جو الحرية للبعض .
ولعل قليلا من التدبر ، أن يكتشف اننا لم نكن ( كومبارس ) كما تفضل الاخ الفطحل المستتر وراء حيطان خيباته وجمعياته الوهمية ، ومحاولته ان يكون نجما ادبيا في المجتمع دون أن يكون له القدرة على المناجز مع فرسان الكلمة والادب ، رغم جعجعة الشهادات والمؤتمرات ( التي فلقنا بها ) ،
وما كان لكلمة كهذه ، أن تخرجني عن صمتي ، ولا مداخلة أو تعليق على شاكلتها ، لكن الذي اخرجني عن صمتي ، هو الحاح الاخوة في هيئة التحرير ، لسبب بسيط ، أني كنت دائما اضغط عليهم باتجاه نشر كل التعليقات والمداخلات مهما كانت حادة ، وكان ينزلون على رأيي ، رغم ان لديهم تحفظات كثيرة ، وايضا لهم سابق تجربة وخبرة ببعض البشر ، في حين كنت اظن أننا كشجرة مثمرة ، يستظل بها البعض ، ويأكل من ثمارها البعض ، ويقف على اغصانها يغرد البعض ، ولكني لم اكن اتوقع أن ( يتغوط بها البعض ) واسمحوا لي لاول مرة بهذا التعبير ،
سمحنا ببعض الحرية كشيمة واريحية منا ، واكرر فان هذه المحاولة الفاشلة ، واي محاولات لاحقة ، لا ولن تستطيع أن تعطل مسيرتنا ، ولا ان تعكر صفونا ، ولا ان تثنينا عن تقديم هذه الخدمة البسيطة لقرائنا الاكارم .
وارى الا اطيل في التعليق على الموضوع ، لاني سأكون قد أعطيت المتداخل اكثر من حجمه ، وسمحت له بان يثير اهتمامي .
ولكن للقراء الكرام وزملائنا من الكتاب والادباء والشعراء ، الذين قرأوا مقالة السيد نديم العمري وعلق في وجدانهم بعض مما قال ، علي ان اجيب بعضا من تساؤلاته ، فاقول :
بعض المثقفين والكتاب وقادة الرأي في عالمنا العربي ، يريد ان يرسم للجمهور ، سقفا عاليا ، ويطلب من الجمهور ان يصعد اليه وهو بهذا السقف العالي ، دون أن يكلف نفسه عناء النزول بنفسه اليهم ، ودون أن يدرك أن الباقين غير قادرين على الصعود كما صعد هو ، لكنه قادر على النزول بنفسه الى مستوى يكون فيه قريبا ومنتجا وفاعلا ، وهذا ما نسمية الابراج العاجية التي يرقد بها وبوثيرها بعض المثقفين ، وينادوننا من هناك لنتسلم حصص الغيث الثقافي الذي يجودون به ، ولهذا كبرت الفجوة بين المثقفين ( هنا اقصد بالمثقفين من يصنعون الرأي العام ) وبين الجمهور ، وهي نقطة مهمة في مناقشة اشكالية العقل العربي ، بين نخب ثقافية خرجت عن جوهر مهمتها الرسالية في الحياة ، وبين جمهور عريض يريد ان يستمطر بقوة وشغف وظمأ هذا الغيث ، الذي يحجبه في كثير من الاحيان الاغتراب والحداثة والعالم البنفسجي الذي يرسمه المثقف .
وقديما قدمت بحثا في احد المؤتمرات اشرح هذه الاشكالية ، اشكالية اغتراب كل الفلسفات والتيارات بما فيها الدينية عن واقعها وانسلاخها عن مهمتها ، كان سببها الرئيس ، هو تعقيد الخطاب الثقافي او اغترابه او صعوبة ايصاله الى الفهم والتناول الشعبي ، أو بُعْد رسل الثقافة وقادة الرأي عن الجمهور واقترابهم من الكراسي والسلطة .
وضربت مثلا لذلك ، في ادبيات الفقة الاسلامي الاولية ، وغيابها الكامل عن الممارسة والسلوك الشعبي ، مما اوقع المزاج الشعبي الاسلامي في مزالق التطرف والاعرابية والسطحية ، ومناقشة التفاصيل الشاذة والباهتة . بينما نجد في ادبيات وتقنينات الفقهاء الاولين والاصوليين مادة دسمة ورائعة سبقت زمانها ، وكانت مثلا باهرا في الفكر الانساني ، لكنها اصبحت غير متاحة للعامة ، أما لانغلاق تعابيرها والفاظها ، وتوصيفاتها القانونية واشتمالها على بعض مفاهيم فلسفية ومنطقية ، وأما أن العامة لم يرتقوا ، أو لم يتهيأوا بعد لهذا الخطاب السامي العالي ، وهذه ايضا كانت اخطاء المثقفين في ذلك الزمن ، الذين لم ينزلوا بمفاهيمهم ومصطلحاتهم وتطبيقاتهم البسيطة الى مستوى العامة ، ليرتفعوا بهم الى اعلى .
من يتدبر القرآن الكريم ( الذي هو كلام الله تعالى ) وهو بشكل من الاشكال خطاب ثقافي للناس ، وما يصدر عن الله يكون كبيرا وساميا بدون نسبة ولا مقارنة ، لكن الباريء عزوجل ، سهل خطابه للناس لعلهم يعقلون ، (( وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم )) ومعنى بلسان قومه ، بما يفهمون وما يعتادون من امثلة ومفردات ، لذلك ارى في معرض ردي على الاخ نديم العمري ، الذي يريد ان يلزمني وزملائي واخواني القراء بقالب مسبق وفق توصيفات ومقاييس عالمية ، لما نصل اليها بعد ، أو أننا نحاول ذلك ، أو أن حالة الوصول الى الوضع القياسي الامثل في التحرير وصناعة الصحافة والاعلام ، لازالت بعيدة ، سيما واننا خارجون من حالة اجهاض تجربة كبيرة ودولة بكاملها ، حملنا بها وَهْنَاًعلى وَهْن ، وجاء الاحتلال الامريكي ومن معه ، واجهض الجنين والرحم معا ، وأننا بصدد بناء الرحم الجديد ، الذي لما نعرف الطريقة له ، ومع ذلك فاننا ننجب بعض الاحيان صدفة او بقدرة قادر ، الكثير من الأجنة الثقافية ، بمعجزة من الاله او رحمة منه .
بمعنى آخر دعنا نتكون ثقافيا اولا ، ومن ثم نذهب لنزن انفسنا بموازين وقياسات ، تفضل بها الاخ نديم العمري ، الذي أكن له كل الاحترام والتقدير ولخبرته الواسعة في مجال الاعلام ، والا فان الامر يصبح كمن يلقى رجلا في الصحراء ، أهلكه الجوع والعطش ، ثم يقترح عليه كوكتيل عصير .
نظرة عامة يمكن ان يلقيها القراء الى بيت الموصل من الداخل ، تكون لهم فكرة ، كيف تجري الامور فيه . ويوفر للبعض الاجابة عما يعتمل في انفسهم مستقبلا من تساؤلات وتعليقات وانتقادات .
البيت مؤسسة مستقلة غير ربحية لا تتبع احدا ولا تتحدث بلسان احد وتنأى بنفسها عن المنحدرات السياسية والطائفية والتطرف ، و هي غير ممولة من أحد ، ويجري الانفاق عليها من بعض اعضاء التحرير وليس كلهم وقد سدد مستلزمات السنة المالية الاولى مشكورا المهندس سالم الحسو . وهي كفكرة راودت الاخ الدكتور سمير حديد ، ونفذها لسبب انساني واجتماعي بحت وخدمة للموصل واعلامها ولجعلها محطة تواصل المغتربين العراقيين في العالم وسانده في ذلك الدكتور احمد الحسو وكاتب هذه السطور ( اسامة غاندي ) وأخرون وهو في غنى عن متاعبها ومتابعتها الكثيرة والشاقة ، يشاركه في هذا الجهد الفني الشاق الاستاذ سالم الحسو . الذي بدورة يشرف فنيا على اكثر من موقع ، ولكن حبه وشغفه في التواصل الثقافي والرحمي ( اقصد صلة الرحم مع مواطنيه تجوزا ) ، جعله يسترخص الوقت والجهد والمال ، وأجده يتصل بي احيانا بعد منتصف الليل ، ليبلغني فكرة او فقرة . زخم المتابعة والتنضيد والتوفيق هذا يتوقف على هذين الاثنين ، فيما يتواصل ويتواجد باستمرار ، الدكتور احمد الحسو ، للاشراف والمتابعة والتصحيح واعادة الصياغة عند الضرورة . وبيان الجدوى والاهمية من النصوص . احمد الحسو ( مع احترامي لكل القابه ) يدير موقعا تاريخيا ضخما ، وله مشاريع توثيق وكتابة وتأريخ . ويكفي ما أنفقه احمد الحسو من وقت في وظائف وتدريس ومناصب وحضور علمي اكاديمي ، يكفي لأن يعتذر عن مشروع اكبر من هذا بكثير ، لكنه ضمن توصيفي لاشكالية المثقفين ، آثر الرجل ان يكون مع الفاعلين والمشاركين . وكم يكون مؤسفا وثقيلا، عندما يُكلف بتصحيح نصوص تردنا لكاتب مبتديْ ، او هاو . ثم تراه يقوم بها بمودة واريحية ، احتسبها سموا ورفعة لرجل آثر أن يكون في الساحة الشعبية دائما ، وكذا الاستاذ المؤخ ازهرالعبيدي والاستاذ مشتاق الدليمي ، الذي اظن ظنا يشبه اليقين انه لم يجد الوقت الكافي ليرتاح . (( قل لا اسألكم عليه من أجر الا المودة في القربى ))
مسؤوليتنا تضامنية ، وموافقاتنا تتم بالمشاورة والاقناع ، ولسنا ( ديكور فارغ ) كما قال الذي شرف نفسه بمداخلته لنا ، ولانسمح لانفسنا ابدا يوما بان نكون ديكورا فارغا ، وليس عشم السيد رئيس التحرير بنا ، أن يجعلنا لعبة او ديكورا ، والا ما هو الداعي لتشكيل هيئة للتحرير ، واذا كان لابد لي من ان اقول بلا غرور، فاننا ومن يكتب في بيت الموصل ، جزء من المشهد الثقافي ليس في الموصل فقط ، وانما في العراق كله ، بل لنا صيت في العالم العربي أيضا .
أما كيف يحتوي الموقع على اشتات متفرقة من هنا وهناك ، كتابات لكتاب كبار ، مع مشاركات بسيطة ، لاتتناسب كما اشار السيد العمري ، اقول له :
نحن في بيت الموصل وعاء ثقافي ، لكن ان تريده انت من مادة الستيل او من الذهب والفضة ، ونريده نحن من الخزف او القش ، فربما كان هذا اختيارنا نحن ، لنستوعب جمهور هذه العائلة الموصلية ، وهذا الوعاء الذي يستوعب كتابا وشعراء كبار ، يستوعب ايضا بيوضا صغيرة تبحث لنفسها عن محتوى او إطار ، ومن الواجب الذي تمليه علينا الخدمة الاجتماعية ( التي هي مفقودة ونحاول توفيرها ما استطعنا ). من الواجب ان نستوعب الباقين ، وان نصلي بالناس صلاة اضعفهم ، لان فيهم الضعيف والمريض ومن هو في اول الطريق ومن يطالبنا بحقه في التعليم والارشاد ، وأن نأخذ بالشروط والحدود الدنيا من رسوم المشاركة ، لكي نحتوي الاخرين الذين فقدوا الحاضنة الثقافية ، وهي مهمة تعليمية ،واغلبنا من الوسط التعليمي .
الكثير من الكتاب والشعراء الكبار يخصوننا بمشاركاتهم ، ربما لانهم يريديون أن يبتعدوا عن التلوين والادلجة ، والتخندق في خندق طائفي او حزبي او قومي . كما أن الكثير من الكتاب والهواة المبتدئين ، يحبون أن يجدوا في الموقع نوعا من المنابر ، يشحذون به فنونهم ويحتكون بكتاب كبار او يتمرسوا نوعا ما في الموقع بشكل او بآخر ، فما المانع ، أن نكون نحن تلك الحاضنة ، وأن نكون تلك الفرصة الذهبية لهؤلاء .ولماذا لانكون كاولئك ، الذي يغربلون الرمال في صحراوات الذهب ،وهم الخبراء واصحاب المعرفة بالذهب ، الذين يغربلون اطنانا من الرمل علهم يجدون غراما واحدا من الذهب بين تلك الاطنان ، وقد وجدنا فعلا مواهب شابة واعدة ومشاريع كتاب واعدين .
واذا كان اختيارنا هذا يشكل بدعا من المعمول به ادرايا وبروتوكوليا ، في الانماط الاعلامية ، ( وفق تصور البعض ) ، فان هذه البدعة ، هي تماما ما يلزمنا من اشكال في هذه المرحلة .
((قال وما تلك بيمينك ياموسى ، قال هي عصاي ، اتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى )) .... هل نقول له لا ، اريدها وظيفة واحدة للقلم وشكلا واحدا ، ونسقا واحدا ، لان المعمول به في وسائل الاعلام كذا وكذا وكذا . فاين وجه الابداع والتطوير والاحتواء الامثل اذن . واين وجه الاضافات البشرية المتكررة لاصل المخترعات والمبتكرات .
ومن هذا المنطلق ايضا يأتي حضور الشعر والشعراء في الموقع ، اولا لاننا نستلذ فعلا بقصائد لشعراء كبار ممن لهم الحضور القوي وسابدأ اسمي الاسماء مثل الشاعر ( معد الجبوري ، وأمجد محمد سعيد ) مثلا ، او شاعرات من بلاد المغرب العربية العزيزة ، فطالما هو موقع ثقافي موصلي ، تريد ان تبعد عنه المحلية والقوقعة والرتابة ، فلماذا لايحتوي الشعر ؟ ووجود الشعراء الكبار وبكثرة يمنحنا فرصة الاستنارة ايضا بالسيطرة اللغوية والادبية على النصوص . وتنمية نوع من الذوق الادبي ، لان الشاعر كما تعرف يستخدم هذه الادوات على نحو صحيح .
في مسألة التراث اثارتك لموضوع التراث ، وانه نوع من السرد التاريخي . كلامك صحيح وفهمت المراد منه بالضبط ، لكن ليس هناك ما أخرج التراث عن أن يكون كذلك ، لان هيئة التحرير تضم باحثا متمرسا في قضية التراث وله حضور واهلية بذلك ، هو الاستاذ ازهر العبيدي ، وهو المسؤول عن مراجعة المقالات التراثية ، اضافة الى الاستاذ ازهر ، فوجود الدكتور أحمد الحسو ، كمؤرخ قدير ومتمرس ، يعتبر مصفاة ( فلتر ) اضافية ،لمثل هذه البحوث التاريخية ، ولا يمر عليه ثغرات من هذا النوع ، أما الشخصانية ، أو ما عبر عنه الاخ زاهد ( بالمزاج الشخصي لرئيس التحرير ) ، وأنا أُكْبِرُ وأُقَدِّرُ لرئيس التحرير سعة صدره لنشر هذا التعليق ، واؤيد نشر كل التعليقات مهما بلغت حدتها النقدية على ان لا تتضمن تشويه او قول فاحش .
ما تعتبره انت شخصانيا ، أعتبره انا نوعا من الاستجابة العاطفية اللاشعورية لاعتبارات اجتماعية كثيرة . أنا اتفهمه لاني داخل معمعته ، ساضرب لك مثالا بدون اسماء ، ورد الموقع مقال من احد الاخوة العرب ، وهو صديق حميم للدكتور سمير حديد ، ويجمعه به اكثر من اعتبار ، لكن لعدم مناسبة المقال لسياسة الموقع او عدم علاقة الموضوع ، اعترض الدكتور احمد الحسو على نشر المقال من باب مهني بحت ، واصبح الدكتور حديد بين ضغطين ، مهني ، وهو رأي الحسو ، وضغط آخر اجتماعي هو ضغط الصداقة ، ولجأ الدكتور حديد اليَّ متعشما موافقتي على النشر ، باعتبار اصوات غالبة ، ورُفض المقال فعلا ولم يُنشر، وتقبل ذلك بروح رياضية ورحابة صدر .
رئيس التحرير يتحرى الحيادية ، حيث الاحظ احيانا انه يحيل اليَّ المقالات التي يكتبها الاشخاص الذين يزكيهم الدكتور الحسو ، ويحيل له الاشخاص الذين ازكيهم ، ليتأكد بدون ( تخون أو شك ) من حيادية القرار ، واحيانا يستعين بخبرات من خارج هيئة التحرير وربما لانه استاذ جامعي ، حيث يعمل الجامعيون بهذا التقليد في الامتحانات والاشراف على نشر البحوث في الجامعات ،
غير ان هناك بعض المقالات لا تمر على هيئة التحرير ، بل تاخذ طريقها للنشر عبر بوابة رئيس التحرير ، اقول :هناك مقالات مثل مشاركات الاستاذ صبحي صبري ،في مقالاته الاستطلاعية التي تشبه الى حد بعيد الرسائل الاعلامية التي يبعث بها الاعلاميون للمحطات ، وهي مادة خفيفة مسلية ومحركة للوجدان ، كما أن الاستاذ صبحي صبري يعمل بشكل دؤوب ومحب وطوعي ، ويكاد يتصل يوميا هاتفيا من العراق للاتصال برئيس التحرير في الامارات حرصا على اغناء الموقع بآخر ثمار المشهد الثقافي في الموصل وبكتاباته عن ربيع الموصل وعن بعض مظاهر الحياة في الموصل ، ومناسبات الموصل ، وافراحها واتراحها . وكذلك مقالات الاديب الاستاذ نايف عبوش التي هي عبارة عن افكار وخواطر ممتعة اظهرت الاحصائيات ان القراء يحبونها لانها قصيرة وقراءتها لا تستغرق وقتا طويلا مع تركيزه على ادب الريف وشعره .
كما ان هناك مقالات لكتاب كبار او شعراء ، انتهينا من وصفهم بالكبير ، وهذا ليس تعاليا ، او اكبار بدون وجه حق . فهؤلاء لا يمرون في دورة الرقابة وتصحيح النص ، حيث لا يعقل ان تكون هناك قصيدة لمعد الجبوري بحاجة لتدقيق لغوي . ولا مقالة مثلا او قصة لمحمود سعيد ، القصصي المخضرم ، تحتاج منا الى استدراك او تعقيب او تخطئة . أو انور عبد العزيز ، كما لا يمكن كثيرا توهم الخطأ في دراسة طبية تاريخية لمحمود الحاج قاسم . او رؤية تاريخية للدكتور عماد عبد السلام رؤوف أو ا لدكتور سيار الجميل ، ولايمكن مثلا أن نناقش علمية شخص مُسَلَّمٍ بها ، أو لايمكن احيانا الا الاصغاء مثلا فيما يطرحه الدكتور حكمت الحلو في مجال علم النفس ، والاستاذ غانم العناز في صناعة النفط وتاريخه مثلا . وخاصة عندما يتحدثون عن اساسيات في التخصص . أنا مثلا ليس لدي اهلية ، أو لا أستطيع ان اضيف شيئا لمقالة في الرياضيات يكتبها الدكتور سمير حديد مثلا .
هذا بالاضافة الى أن لدينا مسؤوليات محددة ، يعلمها رئيس التحرير ، فهو يمرر موضوعا تراثيا مثلا الى الاستاذ ازهر مباشرة ، دون الحاجة الى المرور بي او بغيري ، اضافة الى هذا فان لرئيس التحرير هامشا من الحرية والصلاحيات ، ان يقرر نشر مادة يراها مناسبة ، وهذا الهامش لم يستخدمه الدكتور حديد الى الان فيما اعلم .
واذا كان لي ان انداح قليلا في كلماتي واستفيض بعض الشيء في شرح مسألة مهمة ، تتعلق بظاهرة التمجيد والاكبار ، يجب ان اقول ، أن الكتاب والشعراء والفنانين في الموصل لحقهم غبن كبير ، واجحاف طويل ونكران لجهودهم وابداعاتهم ، ليس في هذا الزمن المغبر فقط ، ولكن حتى الازمنة القديمة ، بحيث بتنا لا نسمع باحدهم الا في مناسبة حزينة او في عمر متأخر ، وهذا ما ولد جوعا كبيرا لدى البعض بان يحاول لفت الانظار والاهتمام اليه .
اقولها بصراحة متناهية ، حتى في ظل النظام القديم ، كانت الاولوية في الظهور والاستضافة والشهرة لمن كان في بغداد فقط ، قريبا من مراكز القرار وقريبا من السلطة . هذا الغبن ولنسمه التظلم ، ولعل مداخلة الاديب الكبير محمود سعيد ، على مقالته ، وقوله بان اتحاد الادباء ( الموقر ) قد نسي أن يضم في عضويته مثلا ، اديبة موصلية لامعة مثل الدكتورة سالمة صالح .
هذا الغبن والصحو على العمر المستهلك مع هذا الهم الذي أسميه الادب ، يملي علينا احيانا ، ولو من باب المروءة ، أن نسمع كاتبا يترجم لاخر منفي او ملقى في بلاد الاغتراب وقد أكل الدهر عليه وشرب ، ويقول عليه انه مجيد وملهم وجهبذ وما شاء أن يقول . نحن لم نمنح احدا شهادة علمية بهذه الادعاءات ، ولكن من يكتب يعتقد ان هذا الرجل عظيم ، وله ان يعتقد ذلك .
الا تجد في بعض الديانات من يمجد الشيطان ويمجد الوثن ، اذن فنحن لا نمجد شيطانا ولا وثنا ، ولكن نقول ما نراه جديرا بان يُقال عن شخص معين ، تقديرا لجهوده ومسيرته وخدمته الاجتماعية .
ربما كان هناك غلو او استرسال عاطفي كبير ، لكني لا الاحظه كثيرا في سياق الكتابات المنشورة في الموقع . وانني اذكر أكثر من مرة راجعني الدكتور سمير حديد بشأن مقالة لاحد كتابنا الدائميين الكبار ، والذي اعترض فيها السيد حديد على حجم ضحايا المجاعات في الموصل منذ عقود كثيرة ، الواردة في المقال ، رغم أن المقال موثق ومعزز بالبيانات والمراجع ، ما يعني اننا ندقق في قضايا الحجوم والنسب ،
هذا ابرز ما ورد في اعتراضات السيد نديم العمري ، وبقي أن اقول له ولغيره : من يعمل ويتعب ليس كمن لا يعمل ويجلس على شجرة يلاحظ العمال ، واحيانا (يتكرز ) الافكار ، والعمل بالادوات البسيطة المتاحة ، والتقدم ببطء ، خير من الجلوس وانتظار الكمال والجهوزية ، وقديما قالوا في الحث على الحركة أيام النهضة الصناعية في اوربا ( دعه يعمل دعه يمر ) ، واضرب لك مثلا بسيطا ، للعمل بالممكن والمتيسر ريثما يجهز المطلوب ، شركة فيات الايطالية ، وهي كبرى شركات السيارات في اوربا .، كان لديها بعد الحرب العالمية الثانية شحة شديدة في مادة المطاط والكاوتشوك ، لسبب او لاخر ، وهذا يعني انها لا تستطيع توفير اطارات للسيارت المصنعه ، فقامت بانتاج سيارات الفيات الايطالية وبيعها بدون اطارات
( تايرات ) ، وعلى الزبون ان يدبر حاله ويجد اطارات قديمة او يتصرف .
نحن لم نفعل هذا ، نحاول جهدنا اعطاء المادة الثقافية كاملة ما امكن الى المستهلك ، لانريد جزاءا ولا شكورا ، إننا نقدم المعلومة والجهد والصورة الفنية ( مجانا ) . هل يتصور هذا المتحامل علينا ، أن اجلس انا مثلا ساعات طويلة لاحرر لك مقالة (( تتونس بها )) ، ثم تأتي لتصفني بديكور ، اليس هذا اجحافا ووضعا متعمدا وخبيثا للعصي في دواليب عجلة تحمل لنا البضائع والافراد . ومثلي يفعل كتاب كبار ، واساتذة لامعون ،
(( فيا اخي خلينا نطبخ لك ، اقله انت كل بس (( ازقنب )) ، اي ما اكو طباخين بالموقع من امهر الطباخين الذين امضوا عقودا طويلة في الشعر والادب والفن ومواقع العمل وبالتدريس ،))
وعلى ذكر الموقع والمستوى الادبي والفكري له ، والذي اراد الاستاذ نديم ان يختصره بطرق عرض دعائي واعلامي ، هذه مشكلة أخرى ، في ملاحظة الشكليات والاعتناء بالمظهر اكثر من الجوهر .
على ذكر مستوى الموقع ، بحدود علمي وخبرتي البسيطة في تقييم الاداء الثقافي ، اقول أن الموقع يمتلك كادرا ادبيا جيدا ، ويتوفر على كتاب وادباء ومؤرخين وباحثين محترفين ،مشهود لهم بالكفاءة من مؤسسات علمية وثقافية ، وهذا الكادر يناظر كادر اي صحيفة كبيرة لامعة ،أن لم يكن يتفوق عليها ، لكن مع فارق واحد ، أن الصحف والمؤسسات الاعلامية مدعومة وممولة ومجهزة بمراسلين ومدراء متفرغين ، وادوات ودعم مالي ، ونحن نفتقد الى هذا كله ، ولازلنا نقف باصطفاف او نحاول ان نقف بندية ، وحقيقة وليس ادعاءا ، وهذا ما يغيض البعض الذي يريد ان يعرقل لا أن يعمل .
واذا كنا لانستطيع ان نلم بحجم الرسالة الثقافية واصدائها التي يبثها الموقع في العراق او العالم ، لكننا نستطيع القول وبثقة ، انه حاضر بقوة في مجتمع الموصل ، وهذا يكفي للقول بان جزءا مهما من رسالته قد وصلت الى الجمهور .
كانت رؤية الاخ نديم العمري رؤية اعلامية بحتة ، وكان يرانا من خلال شاشة تلفزيون ، لكن رؤيتنا رؤية نشر تراث وثقافة ووعي . وكان يريد لنا ان نستعرض من خلال صالات الاوسكار وستديوهات الجزيرة الواسعة ، ونحن آثرنا ان نقعد ونكتب من سرداب بيت موصلي قديم ، نتنسم الهواء العليل البليل الذي يبعثه المرمر الابيض ( الفرش ) ونكتب ببساطة عن مدينة كبيرة ومعقدة بالتفاصيل التاريخية .
ومن كمال المقال والحال أن نقول ، أن هذا كله لا يعني اننا قد بلغنا الكمال في كل شيء ، وأن الامور تسير على نحو اجود من الجيد ، لكننا دائما في هيئة التحرير نتناقش ونتبادل الاراء والافكار ، ولا زال هناك الكثير مما يتوجب علينا عمله ، كما اننا نغض الطرف احيانا لتمرير مقالات ليست مؤهلة للنشر تماما ، ولكن لاعتبارات عديدة ، نضحي بنشرها، لاجل ان يستمر هذا التعاون والتدافع الثقافي ، وتستمر الخدمة على افضل وجه .
وعود على بدء .
في الامثال الموصلية هناك مثل يردده الموصليون حول القطة (( بمكان ما تقلة بشت اكسغ غجله )) ، المعني بدل ان تقول للقطة التي جاءت تأكل طعامك (بشت ) اكسر لها رجلها ، )) اي خذ باقوى الاسباب والنتائج واحسم الامر ، فالى الاخ نديم العزيز ، بدل ان تقول لنا افعلوا او لاتفعلوا ، ساهم معنا في دعم المسيرة وصلح بمشاركاتك ما تريد اصلاحه ،
على ان هذا لا يمنعني ان اقدم شكري وتقديري لرأيك ، ورؤيتك ، اتفقنا معها ام اختلفنا .
واوجه دعوة شكر وتقدير وعرفان لكل من كتب في الموقع من كتاب وقرأ فيه وتابعه ومن يهتم لامره ،
وشكر خاص الى الاديب الكبير محمود سعيد ، الذي سال في ساحته هذه الدم وهذا القيح .
وعهدي به اديبا كبيرا يمتص هذا الشذوذ ليحوله الى دراما ادبية .
(( وقل اعملوا ، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون . ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )) .
عودة الى الصفحة الرئيســة