رمضان والفقراء
محاولة للتعبد بالفكرة في هذا الشهر الفضيل .ـ
أسامة غاندي
أعتاد الناس خلال شهر رمضان , أن يتعبدوا بالفريضة , سلوكا وأداءا . وأن يتوجهوا الى رب الناس بقلوب شفافة وخاشعة ليعينهم على حسن تمام هذا الشهر . ونحن معهم في هذا المنحى , ونسأل الله حسن القبول .ـ
ولكني سأحاول معكم , عبر سلسلة مقالات , ان أضيف الى هذا التعبد , محاولة التعبد بالفكرة ايضا , وهذا هو جزء من المبدأ الاسلامي الفكري الاول , الا وهو التفكر والتدبر (( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه , اولئك الذين هداهم الله , واولئك هم اولي الالباب ))ـ
موضوعنا الاول هو الفقر , ومحاولة التعبد بفكرة بسيطة وصعبة في آن واحد , وهي كيف نقضي على الفقر , الذي هو وجه من وجه الكفر الضار , لان الكفر بحد ذاته , احيانا لايكون مدمرا الا للعقيدة , ولكن الفقر يدمر العقيدة والحياة مجتمعين , بشكل مباشر ومؤلم .ـ
يستوقفنا دائما , عند الكلام عن الصوم في رمضان , قضية . أجمع عليها المفسرون والفقهاء والمربون والمفكرون . وهي أن الصوم يحقق للصائم فضيلة الشعور بشعور الجائع , وما يمليه هذا الشعور من عطف ومساعدة ونجدة ومساعدة , وما الى ذلك من نزوع اخلاقي تجاه الجوعى .ــ
لكن ماذا فعل هذا الشعور وهذا التحريض , في القضاء على الفقر . وأيضا اذا كانت هذه القضية قضية اخلاقية وانسانية , ومعروفة بداهة في الطبع البشري , وهي مما يُعرف في الاديان بالضرورة . فلماذا ياترى , يُخصص الاسلام فريضة كاملة , وشهراً كاملاً من السنة , لتحقيق هذا التمرين الاخلاقي في الفضيلة . الاترون معي , أن الشارع الحكيم , اراد بهذا كله برنامجا أكثر شمولا وأكثر ثراءا من مجرد سلوك وصوم زمني , واكثر من مجرد تكرار لهذا الشعور سنويا , بداية يجب أن نقرر , ان مباديء الاسلام الحنيف وتقنينات الفقهاء الاعلام الكبار في العصر الذهبي للتشريع ,كانت فوق هذا كله , وانها بعيدة بما يكفي عن التطبيق وعن الفهم لدى غالبية المسلمين , بدليل الخلل الكبير في اوضاع المسلمين , وبدليل أن العالم الاسلامي نفسه , يوصف في الادبيات الاقتصادية بالعالم الفقير , وأن اكثر الدول التي تعاني المجاعات والفقر هي دول اسلامية بحتة , وأن التفاوت المأساوي , بين الدخول والثروات في العالم الاسلامي , تشيء بوجود خلل كبير في تعاليم الدين . وهذا ما يدفع الى القول بجرأة , أن الصوم في معناه تحقيق المساواة والتعاطف والتكامل ,لم يعد أكثر من مجرد طقوس سنوية يمارسها المسلم مع بعض من مظاهر الصدقة والمساعدة , تتبخر بمجرد زوال هذا الانفعال الوقتي , أو تتلاشى .ـ
الشعور بالعطف على الفقراء والمساعدة .ـ
إتخذت المساعدة في الفهم الشعبي الاسلامي شكلا واحدا فقط , وهو تقديم وجبة طعام , او اسعاف فوري نقدي لبعض الفقراء , الذين بدورهم يلتقمون هذه الوجبة , ويبقى فقرهم ويبقى جوعهم . كما هو بمجرد ان تقذف المعدة هذا المأكول الى الامعاء الغليظة , وتعود الصورة كما هي , صورة مجتمعات فقيرة تنشد المساعدة والعطف , في دورة أخرى , وربما تأخذ هذه الدورة مزيدا من الافواه الجائعة , التي تتوالد عشوائيا , أيضا , وهكذا . بمعنى أننا نبقى نعيد انتاج نفس المشكلة ونفس الفقر , مع خسارة كل الاموال التي ذهبت للمساعدة سابقا , لانها ذهبت للبطون فقط . وللاستهلاك فقط .ـ
ظل هذا الاجراء هو الوحيد لمعالجة الفقر , نظرا لانعدام البرامج والرؤية الصحيحة للمشكلة , وايضا لعدم وجود فكرة لدى البعض لمعالجة الفقر على المدى البعيد , أو تأسيس لنوع من المعالجة يقلص على اقل اعداد الجوعى والوفيات بسبب المجاعات في العالم الاسلامي .ـ
هذه الاجراء الشعبي والسطحي والبدائي , لم يكن مقصود الشريعة الاسلامية , ولا منتهى نظرها ومقاربتها , بل وجدت نصوصا وتعاليم أكثر حنكة ونجاعة وأكثر تأصيلا , مما يٌعد بحق مفخرة للتشريع الاسلامي .ـ
الاسلام حدد الاصناف التي تدفع اليها الاموال كصدقة وزكاة ومساعدة ( بصيغة الواجب لا بصيغة التفضل ) .ـ
ثمانِ اصناف , هي اصناف من تذهب اليهم الزكاة والصدقة , وغيرها من المساعدات التي في حكمها , ولاتقتصر على الفقير الجائع الذي يريد أن يملأ بطنه من اللقيمة , ثم يعود جائعا كما كان , ويستنفذ المعونة , ويلزم تخصيص معونة أخرى للقمة أخرى , وهكذا تذوب القيمة والفاعلية في هذا التشريع وهذا الاجراء .ـ
هذه الاصناف حددها القرآن , وهي اصناف اذا ذهبنا لنشرحها ونشرح مساربها وما وراءها , تقودنا نهاياتها , الى تغذية مجتمع مدني صالح وسليم ومعافى اقتصاديا . وسامنح نفسي حق تسمية هذه الاصناف , بما يناسبها في الوقت الحاضر او يتماثل معها في المهمة , مع ايراد تسميتها النصية والتاريخية أيضا .ـ
ـ{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }ـ
الفقير : وهو من لا يملك شيئا ( هناك اختلاف بين الفقهاء حول الفقير والمسكين )ـ
المسكين : الذي يملك شيئا وموردا لكنه لا يكفيه , وهذا تشمله الرعاية الاجتماعية في النظام الحديث , وترتفع براتبه ليسد الكفاف ، او برامج التأهيل الحكومية التي تزوده بالمشورة والالات بما يحسن عمله ومن ثم يحسن دخلة , وهنا دخلنا في ترتيب المهن والحرف ,والرقابة على الاداء الاقتصادي العام في المجتمع .ـ
العاملين عليها : هم موظفو الزكاة والجباة , والمقسمون لها والناقلون لها , يماثله الان موظفو مؤسسات الضرائب , والبنوك والتأمين والمحاسبون , ودوائر التخطيط والمالية . قديما كان هؤلاء لا يتقاضون اجورهم باعتبارها فريضة ومهمة اخلاقية وشرعية . الان هؤلاء يشكلون جيشا من الموظفين متفرغين لهذه المهمة , ومسألة تخصيص رواتب لهم تعينهم على اداء الوظائف , وتعين المجتمع على حصول كل الاطياف على مستحقاتها لكي تعيش . ولك ان تسأل , اذا كانت الدولة توفر لهؤلاء الرواتب فلم الصدقة ؟ اقول , ان الدولة بحاجة الى موارد لكي تدفع للموظفين . وهذا المورد سيأتيها من الزكاة عبر هذه الطريقة .ـ
وفي الرقاب : ويقصد به زمن التشريع . هم العبيد الذين لا يملكون ما يشترون به حريتهم , فتقوم الصدقات بتمكينهم من هذا , ولنا ان نتوقف عند هذا قليلا , هناك اليوم في العالم الاسلامي عبيدٌ من نوع آخر , وهو مسترق لنوع آخر من العبودية , من لا يملك سكنا , هو عبد بمعنى من المعاني للملاكين , وعبد لمشكلة كبيرة لا يستطيع الفكاك منها , فهي في رقبته فعلا , ومن لا يستطيع الزواج فهو عبد للحرمان والاستقرار والمودة والعائلة . اذن فتمكين هذا الشخص من عتق رقبته بشراء مأوى له , يسكن فيه ويواري سوءته , تحرير له اكثر من تحرير العبيد . وتمكينه من تحصين فرجه ومنحه المتعة الضرورية في الزواج . هذا يقودنا عبر الزكاة والصدقة , الى تاسيس جمعيات تعاونية اسكانية , تُدفع لها اموال الزكاة لتوفير سكن مناسب ( هنا اتكلم عن مجتمع مدني يعين الدولة ) , او جمعيات خيرية خاصة بالسكن , وتشكيل جمعيات اجتماعية للتزويج وتقديم الاستشارات والخدمات الاجتماعية . ولا أظن هذا الا اكبر تحرير سوف نلحظه في الرقاب . وبالمناسبة فان المواطن الذي يدور في رحى دفع الفواتير والاستحقاقات اليومية , ويرزخ طول الوقت لمهمة التفكير كيف يوازي بين المدفوعات والاقساط . هو رهين لعبودية من نوع ما . واسترقاق دائم
المؤلفة قلوبهم : وهم بعض المسلمين الذين كانوا حديثي عهد بالاسلام , لم يحسموا أمرهم بعد , ويُشك في بقاء اسلامهم وولاءهم للدين , وقد رؤي , أن تدفع لهم بعض الزكاة والمساعدات لتمكينهم من الثبات , بدل أن يعملوا كبطانة او طابور خامس للمشركين , الذين سيدفعون لهم ان ارتدوا . هؤلاء وان انتفى الحكم الشرعي لهم الان , والغى حصتهم عمر بن الخطاب , الا أن التشريع لهم ابتداءا , يقتضي وقفة تأملية , وهؤلاء يمكن ان نسحب حالتهم , اليوم , على الصحفيين والاعلاميين من المجتمعات الاخرى , بغية كسب ولاءهم لقضيتنا مثلا , او تحييدهم على الاقل في معركة من معاركنا , لا نريد ان يربكوها باقلامهم , وهذه مسألة حساسة جدا , في الوقت الحاضر , ومفيدة جدا لضمان الامن الوطني , وقوة القرار السياسي للمجتمعات , وينسحب هذا على العملاء من الاجانب , الذين نريد شراء خدماتهم لصالح المجتمعات , في وقت يعتبر أمان الدول يتوقف على مالديها من معلومات . وايضا ينسحب على رجال المخابرات وخدمات التنصط , والجاسوسية بمعناها الايجابي وليس السلبي , يعني نحن بصدد تشكيل مجتمع محمي اجتماعيا وسياسيا , من الاشاعة والبلبلة والتغرير الاعلامي والتثوري والتحشيد واثارة الفتن والنعرات .ـ
إبن السبيل . وقالوا هو العابر للطريق والغريب المسافر . ولكن اغلب المفسرين مالوا الى اعتبار طلبة العلم ابناء سبيل . ولا شك ان طلبة العلم هم ذخيرة اي بلد و وقوام نهضته ومساعدته ,وهذا سيدفع المؤسسات العلمية الى القيام بواجبها التعليمي , وايضا توفير موارد اقتصادية وصناعية وعلمية للبلد . وهذا يشمل تزويد البعثات العلمية وتشجيع التحصيل العلمي , والتزويد من الطاقات والتخصصات الي لم تتوافر في البلد
وهنا لابد من فتح هذه الحاوية لنملأها أكثر بالاحتمالات والافتراضات لعلها تفيد , وهي فتح مؤسسات بحث علمي ومراكز دراسات بحثية , نحن فقراء بها لحد الاملاق , لايوجد لدينا مؤسسات بحثية رصينة , ومراكز دراسات نغذي بها حاجاتنا الماسة الى البحوت المبتكرة , وياليت شعري لو يقوم ثري واحد فقط بالعالم بفتح هكذا مؤسسة والانفاق عليها , وليجعلها من الصدقة فقط , وهذه المرة تفضلا لا استحقاقا .ـ
في سبيل الله : وهم من يحمي الثغور ويحمي الوطن والمجتمعات , وهم عز وشرف الوطن , ويشمل هذا الجيش والشرطة , وباقي القوات المسلحة , وليس هناك من يزرع الفقر والجوع الا المجتمعات المستباحة , التي لاتجد من يحميها .ـ
الغارمين : وهم المدينيين , بمعنى المديونين , لان المدين كلمة تطلق على الدائن والمديون , ولكن هنا كان المقصود منها هو المديون , فتصرف له مساعدة مالية قضي بها دينه . و من البديهي القول , أن المدين \المفلس , يشكل عالة اقتصادية على المجتمعات , بالتالي تفتقد المجتمعات بوضعه الى شخص منتج . وهناك اليوم في الدول الحديثة , مؤسسات كثيرة تعنى بشؤون هؤلاء و وتمنح لهم القروض او تجدول ديونهم , او ترفعهم مرة اخرى الى وضع الانتاج . وقد كان في العراق فيما سبق , نوعا من هذه المؤسسات .ـ
أذن فنحن امام نص قرأني حكيم , لم يحكتر الصدقة والمساعدة في فئة انسان جائع , لكنه وزعها على هذه الصورة , لتنتفي اصلا صفة الفقير من المجتمع , لكي لا يعود فقيرا .ـ
يعينه ذلك على التزام خط العمل والانتاج بهذه المعونة .ـ
هنا ماثلت كثيرا بين الزكاة وبين ميزانية الدولة , المجتمع الاسلامي كاي دولة حديثة , يلزمه موارد لكي يغذي كل هذه المؤسسات , والموارد لاتأتي الا من نشاط الاشخاط ومردوداتهم من هذا النشاط , والزكاة توفر هذه الموارد للدولة .ـ
وعلى أية حال , فما قصدته , هو أن نعين الفقراء ونحن نتفكر بحالهم , لكي ينهضوا وينتجوا , لكي يغادروا صفة الفقر بهذه المعالجة , وايضا هم بنهوضهم , سوف ينهضون بالمجتمع الذي سيتخلص تدريجيا من فقراء عالة يشكلون عبئا عليه , ليتفرغ المجتمع الى الخدمات والمستشفيات , و ايضا ينصرف الى خدمات ترفيه وتسلية وغيرها .ـ
فدعونا نتعبد ونحن في رمضان , بفكرة صغيرة , كيف ندفع الفقر عن مجتمعاتنا , دعونا نتعبد بالفكرة هذا الشهر , مجرد تفكير و ليفكر احدنا دقائق فقط . عله يجد فكرة جهنمية اقتصادية ولو بسيطة , كيف نعالج الفقر , في مجتمعاتنا ,ـ
في هذا الشهر الكريم , اذا كنت تقرأ هذه الدعوة قبل الفطور , واستجبت فقط الى المحاولة في التفكير , فسوف تكون قد تعبدت بالفكرة , واضفت الى حسناتك حسنة كبيرة , واذا كنت كذلك قبل السحور .ـ
فلعل الله يقدح في عقلك وقد شحذ بالايمان والصوم والتقوى , فكرة تفيد البشرية .ـ
والى لقاء آخر في نفس الموضوع , اتمنى لكم صوما مقبولا وفكرة قادحة .ـ
ملاحظة :ـ
هذه السلسلة تنشر بالتزامن في بيت الموصل , والمعهد العربي الاوربي للنمذجة .ـ
ارجو من القراء الاعزاء ممن يعترض على فكرة معينة في المقال , أو معلومة مخطوءة , ابداء الملحوظة في التعليق .ـ
عودة الى الصفحة الرئيسية
محاولة للتعبد بالفكرة في هذا الشهر الفضيل .ـ
أسامة غاندي
أعتاد الناس خلال شهر رمضان , أن يتعبدوا بالفريضة , سلوكا وأداءا . وأن يتوجهوا الى رب الناس بقلوب شفافة وخاشعة ليعينهم على حسن تمام هذا الشهر . ونحن معهم في هذا المنحى , ونسأل الله حسن القبول .ـ
ولكني سأحاول معكم , عبر سلسلة مقالات , ان أضيف الى هذا التعبد , محاولة التعبد بالفكرة ايضا , وهذا هو جزء من المبدأ الاسلامي الفكري الاول , الا وهو التفكر والتدبر (( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه , اولئك الذين هداهم الله , واولئك هم اولي الالباب ))ـ
موضوعنا الاول هو الفقر , ومحاولة التعبد بفكرة بسيطة وصعبة في آن واحد , وهي كيف نقضي على الفقر , الذي هو وجه من وجه الكفر الضار , لان الكفر بحد ذاته , احيانا لايكون مدمرا الا للعقيدة , ولكن الفقر يدمر العقيدة والحياة مجتمعين , بشكل مباشر ومؤلم .ـ
يستوقفنا دائما , عند الكلام عن الصوم في رمضان , قضية . أجمع عليها المفسرون والفقهاء والمربون والمفكرون . وهي أن الصوم يحقق للصائم فضيلة الشعور بشعور الجائع , وما يمليه هذا الشعور من عطف ومساعدة ونجدة ومساعدة , وما الى ذلك من نزوع اخلاقي تجاه الجوعى .ــ
لكن ماذا فعل هذا الشعور وهذا التحريض , في القضاء على الفقر . وأيضا اذا كانت هذه القضية قضية اخلاقية وانسانية , ومعروفة بداهة في الطبع البشري , وهي مما يُعرف في الاديان بالضرورة . فلماذا ياترى , يُخصص الاسلام فريضة كاملة , وشهراً كاملاً من السنة , لتحقيق هذا التمرين الاخلاقي في الفضيلة . الاترون معي , أن الشارع الحكيم , اراد بهذا كله برنامجا أكثر شمولا وأكثر ثراءا من مجرد سلوك وصوم زمني , واكثر من مجرد تكرار لهذا الشعور سنويا , بداية يجب أن نقرر , ان مباديء الاسلام الحنيف وتقنينات الفقهاء الاعلام الكبار في العصر الذهبي للتشريع ,كانت فوق هذا كله , وانها بعيدة بما يكفي عن التطبيق وعن الفهم لدى غالبية المسلمين , بدليل الخلل الكبير في اوضاع المسلمين , وبدليل أن العالم الاسلامي نفسه , يوصف في الادبيات الاقتصادية بالعالم الفقير , وأن اكثر الدول التي تعاني المجاعات والفقر هي دول اسلامية بحتة , وأن التفاوت المأساوي , بين الدخول والثروات في العالم الاسلامي , تشيء بوجود خلل كبير في تعاليم الدين . وهذا ما يدفع الى القول بجرأة , أن الصوم في معناه تحقيق المساواة والتعاطف والتكامل ,لم يعد أكثر من مجرد طقوس سنوية يمارسها المسلم مع بعض من مظاهر الصدقة والمساعدة , تتبخر بمجرد زوال هذا الانفعال الوقتي , أو تتلاشى .ـ
الشعور بالعطف على الفقراء والمساعدة .ـ
إتخذت المساعدة في الفهم الشعبي الاسلامي شكلا واحدا فقط , وهو تقديم وجبة طعام , او اسعاف فوري نقدي لبعض الفقراء , الذين بدورهم يلتقمون هذه الوجبة , ويبقى فقرهم ويبقى جوعهم . كما هو بمجرد ان تقذف المعدة هذا المأكول الى الامعاء الغليظة , وتعود الصورة كما هي , صورة مجتمعات فقيرة تنشد المساعدة والعطف , في دورة أخرى , وربما تأخذ هذه الدورة مزيدا من الافواه الجائعة , التي تتوالد عشوائيا , أيضا , وهكذا . بمعنى أننا نبقى نعيد انتاج نفس المشكلة ونفس الفقر , مع خسارة كل الاموال التي ذهبت للمساعدة سابقا , لانها ذهبت للبطون فقط . وللاستهلاك فقط .ـ
ظل هذا الاجراء هو الوحيد لمعالجة الفقر , نظرا لانعدام البرامج والرؤية الصحيحة للمشكلة , وايضا لعدم وجود فكرة لدى البعض لمعالجة الفقر على المدى البعيد , أو تأسيس لنوع من المعالجة يقلص على اقل اعداد الجوعى والوفيات بسبب المجاعات في العالم الاسلامي .ـ
هذه الاجراء الشعبي والسطحي والبدائي , لم يكن مقصود الشريعة الاسلامية , ولا منتهى نظرها ومقاربتها , بل وجدت نصوصا وتعاليم أكثر حنكة ونجاعة وأكثر تأصيلا , مما يٌعد بحق مفخرة للتشريع الاسلامي .ـ
الاسلام حدد الاصناف التي تدفع اليها الاموال كصدقة وزكاة ومساعدة ( بصيغة الواجب لا بصيغة التفضل ) .ـ
ثمانِ اصناف , هي اصناف من تذهب اليهم الزكاة والصدقة , وغيرها من المساعدات التي في حكمها , ولاتقتصر على الفقير الجائع الذي يريد أن يملأ بطنه من اللقيمة , ثم يعود جائعا كما كان , ويستنفذ المعونة , ويلزم تخصيص معونة أخرى للقمة أخرى , وهكذا تذوب القيمة والفاعلية في هذا التشريع وهذا الاجراء .ـ
هذه الاصناف حددها القرآن , وهي اصناف اذا ذهبنا لنشرحها ونشرح مساربها وما وراءها , تقودنا نهاياتها , الى تغذية مجتمع مدني صالح وسليم ومعافى اقتصاديا . وسامنح نفسي حق تسمية هذه الاصناف , بما يناسبها في الوقت الحاضر او يتماثل معها في المهمة , مع ايراد تسميتها النصية والتاريخية أيضا .ـ
ـ{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }ـ
الفقير : وهو من لا يملك شيئا ( هناك اختلاف بين الفقهاء حول الفقير والمسكين )ـ
المسكين : الذي يملك شيئا وموردا لكنه لا يكفيه , وهذا تشمله الرعاية الاجتماعية في النظام الحديث , وترتفع براتبه ليسد الكفاف ، او برامج التأهيل الحكومية التي تزوده بالمشورة والالات بما يحسن عمله ومن ثم يحسن دخلة , وهنا دخلنا في ترتيب المهن والحرف ,والرقابة على الاداء الاقتصادي العام في المجتمع .ـ
العاملين عليها : هم موظفو الزكاة والجباة , والمقسمون لها والناقلون لها , يماثله الان موظفو مؤسسات الضرائب , والبنوك والتأمين والمحاسبون , ودوائر التخطيط والمالية . قديما كان هؤلاء لا يتقاضون اجورهم باعتبارها فريضة ومهمة اخلاقية وشرعية . الان هؤلاء يشكلون جيشا من الموظفين متفرغين لهذه المهمة , ومسألة تخصيص رواتب لهم تعينهم على اداء الوظائف , وتعين المجتمع على حصول كل الاطياف على مستحقاتها لكي تعيش . ولك ان تسأل , اذا كانت الدولة توفر لهؤلاء الرواتب فلم الصدقة ؟ اقول , ان الدولة بحاجة الى موارد لكي تدفع للموظفين . وهذا المورد سيأتيها من الزكاة عبر هذه الطريقة .ـ
وفي الرقاب : ويقصد به زمن التشريع . هم العبيد الذين لا يملكون ما يشترون به حريتهم , فتقوم الصدقات بتمكينهم من هذا , ولنا ان نتوقف عند هذا قليلا , هناك اليوم في العالم الاسلامي عبيدٌ من نوع آخر , وهو مسترق لنوع آخر من العبودية , من لا يملك سكنا , هو عبد بمعنى من المعاني للملاكين , وعبد لمشكلة كبيرة لا يستطيع الفكاك منها , فهي في رقبته فعلا , ومن لا يستطيع الزواج فهو عبد للحرمان والاستقرار والمودة والعائلة . اذن فتمكين هذا الشخص من عتق رقبته بشراء مأوى له , يسكن فيه ويواري سوءته , تحرير له اكثر من تحرير العبيد . وتمكينه من تحصين فرجه ومنحه المتعة الضرورية في الزواج . هذا يقودنا عبر الزكاة والصدقة , الى تاسيس جمعيات تعاونية اسكانية , تُدفع لها اموال الزكاة لتوفير سكن مناسب ( هنا اتكلم عن مجتمع مدني يعين الدولة ) , او جمعيات خيرية خاصة بالسكن , وتشكيل جمعيات اجتماعية للتزويج وتقديم الاستشارات والخدمات الاجتماعية . ولا أظن هذا الا اكبر تحرير سوف نلحظه في الرقاب . وبالمناسبة فان المواطن الذي يدور في رحى دفع الفواتير والاستحقاقات اليومية , ويرزخ طول الوقت لمهمة التفكير كيف يوازي بين المدفوعات والاقساط . هو رهين لعبودية من نوع ما . واسترقاق دائم
المؤلفة قلوبهم : وهم بعض المسلمين الذين كانوا حديثي عهد بالاسلام , لم يحسموا أمرهم بعد , ويُشك في بقاء اسلامهم وولاءهم للدين , وقد رؤي , أن تدفع لهم بعض الزكاة والمساعدات لتمكينهم من الثبات , بدل أن يعملوا كبطانة او طابور خامس للمشركين , الذين سيدفعون لهم ان ارتدوا . هؤلاء وان انتفى الحكم الشرعي لهم الان , والغى حصتهم عمر بن الخطاب , الا أن التشريع لهم ابتداءا , يقتضي وقفة تأملية , وهؤلاء يمكن ان نسحب حالتهم , اليوم , على الصحفيين والاعلاميين من المجتمعات الاخرى , بغية كسب ولاءهم لقضيتنا مثلا , او تحييدهم على الاقل في معركة من معاركنا , لا نريد ان يربكوها باقلامهم , وهذه مسألة حساسة جدا , في الوقت الحاضر , ومفيدة جدا لضمان الامن الوطني , وقوة القرار السياسي للمجتمعات , وينسحب هذا على العملاء من الاجانب , الذين نريد شراء خدماتهم لصالح المجتمعات , في وقت يعتبر أمان الدول يتوقف على مالديها من معلومات . وايضا ينسحب على رجال المخابرات وخدمات التنصط , والجاسوسية بمعناها الايجابي وليس السلبي , يعني نحن بصدد تشكيل مجتمع محمي اجتماعيا وسياسيا , من الاشاعة والبلبلة والتغرير الاعلامي والتثوري والتحشيد واثارة الفتن والنعرات .ـ
إبن السبيل . وقالوا هو العابر للطريق والغريب المسافر . ولكن اغلب المفسرين مالوا الى اعتبار طلبة العلم ابناء سبيل . ولا شك ان طلبة العلم هم ذخيرة اي بلد و وقوام نهضته ومساعدته ,وهذا سيدفع المؤسسات العلمية الى القيام بواجبها التعليمي , وايضا توفير موارد اقتصادية وصناعية وعلمية للبلد . وهذا يشمل تزويد البعثات العلمية وتشجيع التحصيل العلمي , والتزويد من الطاقات والتخصصات الي لم تتوافر في البلد
وهنا لابد من فتح هذه الحاوية لنملأها أكثر بالاحتمالات والافتراضات لعلها تفيد , وهي فتح مؤسسات بحث علمي ومراكز دراسات بحثية , نحن فقراء بها لحد الاملاق , لايوجد لدينا مؤسسات بحثية رصينة , ومراكز دراسات نغذي بها حاجاتنا الماسة الى البحوت المبتكرة , وياليت شعري لو يقوم ثري واحد فقط بالعالم بفتح هكذا مؤسسة والانفاق عليها , وليجعلها من الصدقة فقط , وهذه المرة تفضلا لا استحقاقا .ـ
في سبيل الله : وهم من يحمي الثغور ويحمي الوطن والمجتمعات , وهم عز وشرف الوطن , ويشمل هذا الجيش والشرطة , وباقي القوات المسلحة , وليس هناك من يزرع الفقر والجوع الا المجتمعات المستباحة , التي لاتجد من يحميها .ـ
الغارمين : وهم المدينيين , بمعنى المديونين , لان المدين كلمة تطلق على الدائن والمديون , ولكن هنا كان المقصود منها هو المديون , فتصرف له مساعدة مالية قضي بها دينه . و من البديهي القول , أن المدين \المفلس , يشكل عالة اقتصادية على المجتمعات , بالتالي تفتقد المجتمعات بوضعه الى شخص منتج . وهناك اليوم في الدول الحديثة , مؤسسات كثيرة تعنى بشؤون هؤلاء و وتمنح لهم القروض او تجدول ديونهم , او ترفعهم مرة اخرى الى وضع الانتاج . وقد كان في العراق فيما سبق , نوعا من هذه المؤسسات .ـ
أذن فنحن امام نص قرأني حكيم , لم يحكتر الصدقة والمساعدة في فئة انسان جائع , لكنه وزعها على هذه الصورة , لتنتفي اصلا صفة الفقير من المجتمع , لكي لا يعود فقيرا .ـ
يعينه ذلك على التزام خط العمل والانتاج بهذه المعونة .ـ
هنا ماثلت كثيرا بين الزكاة وبين ميزانية الدولة , المجتمع الاسلامي كاي دولة حديثة , يلزمه موارد لكي يغذي كل هذه المؤسسات , والموارد لاتأتي الا من نشاط الاشخاط ومردوداتهم من هذا النشاط , والزكاة توفر هذه الموارد للدولة .ـ
وعلى أية حال , فما قصدته , هو أن نعين الفقراء ونحن نتفكر بحالهم , لكي ينهضوا وينتجوا , لكي يغادروا صفة الفقر بهذه المعالجة , وايضا هم بنهوضهم , سوف ينهضون بالمجتمع الذي سيتخلص تدريجيا من فقراء عالة يشكلون عبئا عليه , ليتفرغ المجتمع الى الخدمات والمستشفيات , و ايضا ينصرف الى خدمات ترفيه وتسلية وغيرها .ـ
فدعونا نتعبد ونحن في رمضان , بفكرة صغيرة , كيف ندفع الفقر عن مجتمعاتنا , دعونا نتعبد بالفكرة هذا الشهر , مجرد تفكير و ليفكر احدنا دقائق فقط . عله يجد فكرة جهنمية اقتصادية ولو بسيطة , كيف نعالج الفقر , في مجتمعاتنا ,ـ
في هذا الشهر الكريم , اذا كنت تقرأ هذه الدعوة قبل الفطور , واستجبت فقط الى المحاولة في التفكير , فسوف تكون قد تعبدت بالفكرة , واضفت الى حسناتك حسنة كبيرة , واذا كنت كذلك قبل السحور .ـ
فلعل الله يقدح في عقلك وقد شحذ بالايمان والصوم والتقوى , فكرة تفيد البشرية .ـ
والى لقاء آخر في نفس الموضوع , اتمنى لكم صوما مقبولا وفكرة قادحة .ـ
ملاحظة :ـ
هذه السلسلة تنشر بالتزامن في بيت الموصل , والمعهد العربي الاوربي للنمذجة .ـ
ارجو من القراء الاعزاء ممن يعترض على فكرة معينة في المقال , أو معلومة مخطوءة , ابداء الملحوظة في التعليق .ـ
عودة الى الصفحة الرئيسية