التي أريد لها ان تكون تاريخا
بقلم : اسامة غاندي
الحلقة : 1
هذه مقالة اجتماعية تاريخية جغرافية الى حد ما، حول اليهود في الموصل ، وهي قراءة غير سياسية وغير موجهة ولا تتبنى وجهة نظر معينة ، بقدر ما تقرأ واقع الموصل الثقافي والتراثي في حقبة زمنية معينة ،مع اقلية دينية عاشت في الموصل والقت فيها بعض حمولتها الاجتماعية والثقافية .
وهذه الدراسة تأتي ضمن حلقات ، تشمل مكونات اجتماعية ودينية وعرقية سكنت الموصل ، مثل الاكراد والشبك واليزيدية ، ستكون متاحة لاحقا بإذن الله .
*
في سوق الصوافة في باب الطوب ، وفي منتصف الشارع ، كانت نسوةٌ يهوديات يفترشن الارض ، على شكل سلسلة احداهن وراء الاخرى ، ويعرضْنَ خدماتهن في خياطة الثياب على نحو سريع يكاد يكون فوريا يقودهم رجل كبير في السن يهودي ايضا ، هو من يُفَصِّلُ قطعة القماش ، ومن يقيس القماش على الزبون الواقف ، الذي اشترى لتوه قطعة القماش من بزازين يقابلون هذه السلسلة البشرية وهو من يتحاسب عنهم ، وهو مَنْ يدير عملية الادارة برمتها . لكن كيف يعمل هؤلاء ؟؟ إنهن يعملْنَ بشكل تكاملي ، حيث يقوم هذا الرجل الكهل في المقدمة باخذ القياسات اللازمة للزبون الذي كان قد اشترى القماش لِتوِّهِ من البزاز المقابل ، ثم يُفصِل اجزاءه على البدن مباشرة ويقصه ، ثم يرمي بالاجزاء المفصّلة الى العاملات خلفه ، فيبدأن بحركة مكوكية سريعة، كلٌ منهن ، بخياطة ما يُلقى اليها ، من ردن ، والى الثانية الصدر، والتالية الردن الاخرى، والتالية الجيوب والاخرى الازرار ، وهكذا الاخريات يخطنّ الاجزاء الاخرى لتنتهي الاجزاء المخيطة الى عاملة جالسة في آخر السلسلة فتجمع الاجزاء المخيطة وتوحدها وتربطها كلها وتنهيها على شكل ملابس جاهزة ، يلبسها الزبون من فوره . وهكذا ترى هذا الزبون الذي اشترى القماش ودفع ثمنه ثم فصله وارتداه ، قبل أن يرتد اليه عقرب الربع أو النصف ساعة بالكثير .
كان هذا يحدث في الشارع الذي يمتد من (( الصَوَّافَة )) شمالا باتجاه ساحة باب الطوب الداخلية وسوق العطارين وخانات دبغ الجلود ، في هذا الشارع الذي يتقاسمه بائعو الصوف والوبر والخز وتجارُه ، وبعض البزازين بائعو الاقمشة الخفيفة والملونة ، يتوسط الصوافين والبزازين فيه بضع دكاكين لصاغة فضة ، من الجانب الايمن ، وبعض بقالين يبيعون الدهن الحر ( السمن البلدي ) ، في الجانب المقابل، ويفصل بين بقالي السمن البلدي فسحة هي عبارة عن مدخل( جانبي ) الى سوق اللحم القديم ( الشارع الموازي لشارع الصوافة ) .وهما شارعان ، لاتمر فيهما المركبات الكبيرة والسيارات .
زبائن هؤلاء العاملات يكونون عادة ، من ابناء الريف الذين ينزلون الى الحاضرة ( الموصل ) بعد فترات جني المحصول وتوفر السيولة النقدية ، ويتجهزون بالمواد الغذائية والتبوغ ، والشاي والسكر واليابسات ( البقوليات ) ، و يشترون ملابس لهم ولذويهم من الاطفال والنساء ، وبالمقابل ، فانهم ( اي ابناء الريف ) يجلبون ما لديهم من مشتقات حيوانية ، من صوف وسمن وشعر ماعز وبعض المحصولات البرية والاعشاب ، وما يمكن أن يكون سلعة قابلة للتسويق . ويتبضعون فيما يتبضعونه ايضا ، مخشلات ( عبارة عن اقراط او خلاخيل خفيفة وصغيرة تربط بها حبات خرز او غيرها ) ومصوغات فضية ، يطلبها ابناء الريف بوفرة ، فتكون في هذا السوق دورة اقتصادية شبه متكاملة يصرف ابن الريف ما عنده ويأخذ ابن الريف ما يحتاجه من بضائع وخدمات . وطبيعي ان يكون هذا الريفي ، لا يملك امولا سائلة مثلا ،ليدفعها الى هذا الخياط اليهودي وفريقه ، لكن ذلك لن يشكل عقبة ، لان مشتري السمن البلدي من الفلاح ، سيصرف لهذا اليهودي نقوده لقاء شراء السمن ، او أن الصواف سيضمن لهذا حقوقه ، أو أن صائغي الفضة اليهوديين الوحيدين في السوق ، واللذّين سيبيعان الفلاح اقراطا او خلاخيل فضة ، سيضيفان حساب الخياطة الى القائمة التي سيسددها الصواف او السمان مثلا ، الذي اشترى بضاعة هذا الفلاح ، ولان الصائغين المذكورين ، هما اصلا امينا صندوق ، لهذا الفريق( الخياط ) ، وحيث يحتفظان لديهما بالدخل ويعتمدان عليهم في الصرافة كذلك. وكذلك فان ابناء الموصل الحاضرة ايضا يستعينون بهذا الفريق : الخياط ، في خياطة الاثواب والملابس الداخلية الرجالية ، وحتى الملابس الجاهوية الفخمة الموشاة ( المطخمة ) بالابريسم والحرير ، والتي تتطلب مهارة ودقة في الصنع ، كما أن الخدمات تشمل ايضا ، عملية رثي الثياب ، وصيانة بعض العباءات المصنوعة من شعر الماعز ، وعملية صيانة العقال واعادة ضبطه وشده . ولازالت المنطقة لحد الان ، تحوي الكثير من الخياطين الذين يخيطون الخيم ، والعباءات الثخينة المبطنة بالفرو والتي تسمى ( الحورانيات ) وحاويات الماء القماشية القديمة ، وهو على اغلب الظن مما ترسب من بقايا تلك الخدمة .
هذه الرواية لصورة كانت في العشرينيات وما قبلها وبعدها بقليل ، رواها لي جدي المولود سنة 1890، والذي كان يمتهن تجارة المواشي والاغنام ، ويدخل في صلب اهتمامه التجاري ، ما يتفرع من المواشي من جلود واصواف ولحوم ، وتعلقات علف ورعي وما شاكل ذلك . والتي تنتهي جميعا الى صلب اختصاص هذا السوق ونوعية مرتادية ومتسوقيه .
اقول هذا لكي اثبت سند هذه الرواية في الوقت الذي لاتتوافر لدي من المراجع والمصادر الا هذه الرواية . وأظن ان الاسناد الصحيح لها سيوفر لها بعض المصداقية التاريخية .
هذه الرواية لصورة كانت في العشرينيات وما قبلها وبعدها بقليل ، رواها لي جدي المولود سنة 1890، والذي كان يمتهن تجارة المواشي والاغنام ، ويدخل في صلب اهتمامه التجاري ، ما يتفرع من المواشي من جلود واصواف ولحوم ، وتعلقات علف ورعي وما شاكل ذلك . والتي تنتهي جميعا الى صلب اختصاص هذا السوق ونوعية مرتادية ومتسوقيه .
اقول هذا لكي اثبت سند هذه الرواية في الوقت الذي لاتتوافر لدي من المراجع والمصادر الا هذه الرواية . وأظن ان الاسناد الصحيح لها سيوفر لها بعض المصداقية التاريخية .
غير بعيد عن هذا المكان ، تقبع خانات ومحلات دباغة الجلود ، ومعها جمع امعاء الحيوانات المذبوحة وجمع شحومها ، ويُعرف العاملون بدبغ الجلود ( الدباغين )، والعاملون في تنظيف وتجفيف الامعاء ، بالوتارين ، وهي مهنة سبق اليها اليهود وبقوا فيها ، أما جمع الشحوم ومعالجتها وتخزينها في حاويات صغيرة بعد تجميدها بمعاملة كيمياوية ، فظلت حكرا على اليهود حتى وقت قريب قبل أن تُنشأ مصانع الزيوت ، ومن خانات الجلود والوتارين ، الى سوق العطارين حيث يتصدر المشهد عددٌ من العطارين والعشابين والصيادلة اليهود . الذين يتفننون في هذه الصنعة الى جانب عدد من العطارين الاخرين الذين يتولون عملية بيعها وشرائها فقط . وهم الذين ادخلوا المعالجة الكيمائية الى عملية الدبغ ، بعد ان كان الدبغ يعتمد في مجمله على التجفيف فقط مع اضافة قشور فواكه مجففة وتغطيتها بالملح .
ومن العطارين الى سوق الصّاغة ، الذي يتولى ادارته الفنية الصّاغة اليهود ، ويتحكمون الى حد ما بعملية العرض والطلب .
هذه الدورة الاقتصادية التكاملية المتسلسلة . تتوسط الحالة الاقتصادية الكبيرة التي تقوم عليها مدينة الموصل انذاك . يكون اليهود فيها سداها ولحمتها ، مع ملاحظة شديدة الاهمية ، أن اليهود في كل هذا لم يكونوا ملاكين للعملية ، بمعني لا يملكون رأسمالها المادي والسلطوي ، وكذلك لم يكونوا في اسفلها ، اي خارج الموضوع او يمكن الاستغناء عنهم في ادامة وتكامل هذه الدورة الاقتصادية ، لذلك فهم لبنة اساسية فيها ، اذا خرجوا انهارت العملية كلها ، وارتبك التخطيط . وهذه هي الفلسفة القصوى المختصرة لكيفية ادائهم الاقتصادي ، وترتيب وضعهم الاجتماعي ، بحيث لا يكونون فوق الكل ، ولا تحت الكل ، لكن الكل لا يستغني في عملية اقتصادية سلسلة ومريحة ومحسوبة عن خدماتهم . ربما تثير هذه الفقرة بعض الالتباس والاعتراض نتيجة سوء الفهم ، وهو هل أن غير اليهود لم يكونوا فاعلين وناشطين وحاضرين في الحراك الاقتصادي ، الجواب بالتأكيد كلا ، ولكن العينة الصغيرة قيد البحث ، تحتاج الى هذا التركيز على نقطة معينة ضمن دائرة اوسع .
يُقال أن اليهودية دين اقتصادي بحت ، كما كانت المسيحية دينا اخلاقيا بحتا ، فان صحت هذه المقولة او لم تصح ، فإن اليهود قد قربونا من فهم هذه المقاربة كثيرا .
ومن العطارين الى سوق الصّاغة ، الذي يتولى ادارته الفنية الصّاغة اليهود ، ويتحكمون الى حد ما بعملية العرض والطلب .
هذه الدورة الاقتصادية التكاملية المتسلسلة . تتوسط الحالة الاقتصادية الكبيرة التي تقوم عليها مدينة الموصل انذاك . يكون اليهود فيها سداها ولحمتها ، مع ملاحظة شديدة الاهمية ، أن اليهود في كل هذا لم يكونوا ملاكين للعملية ، بمعني لا يملكون رأسمالها المادي والسلطوي ، وكذلك لم يكونوا في اسفلها ، اي خارج الموضوع او يمكن الاستغناء عنهم في ادامة وتكامل هذه الدورة الاقتصادية ، لذلك فهم لبنة اساسية فيها ، اذا خرجوا انهارت العملية كلها ، وارتبك التخطيط . وهذه هي الفلسفة القصوى المختصرة لكيفية ادائهم الاقتصادي ، وترتيب وضعهم الاجتماعي ، بحيث لا يكونون فوق الكل ، ولا تحت الكل ، لكن الكل لا يستغني في عملية اقتصادية سلسلة ومريحة ومحسوبة عن خدماتهم . ربما تثير هذه الفقرة بعض الالتباس والاعتراض نتيجة سوء الفهم ، وهو هل أن غير اليهود لم يكونوا فاعلين وناشطين وحاضرين في الحراك الاقتصادي ، الجواب بالتأكيد كلا ، ولكن العينة الصغيرة قيد البحث ، تحتاج الى هذا التركيز على نقطة معينة ضمن دائرة اوسع .
يُقال أن اليهودية دين اقتصادي بحت ، كما كانت المسيحية دينا اخلاقيا بحتا ، فان صحت هذه المقولة او لم تصح ، فإن اليهود قد قربونا من فهم هذه المقاربة كثيرا .
دراسة مكون اجتماعي موصلي
هذه الفذلكة تتيح لنا قراءة الوجود اليهودي في الموصل ، تاريخا واداءا وافرازات ثقافية ، وبالتأكيد لا تملك اقلية دينية ، هذا الحضور وهذه السطوة بمعناها الوجودي ، مالم تكن تستند الى منظومة اجتماعية وثقافية وحتى سياسية عبر تحالفات او هدنة او نوع من الحمايات، تتجسد في نوعية الخدمات والمهارات والحصون الكفائية ، ومالم تكن هذه الاقلية قد امتلكت الوقت الكافي لكي تبني هذا البناء الاجتماعي المغلق الى حد ما ، ومالم تكن تملك مضادات وخططا بديلة ، تداري فيها ضعفها وقلتها في محيط من ديانة مختلفة ، وفي بلد يشكل الاختلاف الديني فيه عروة متيسرة وجاهزة يتلمسها البعض لكي يطرحها مادة للاضطهاد والتنكيل .كل هذا حضر لليهود في الموصل وتراءى لهم ، كان موضع دراستهم وفحصهم ، لكن كيف عالج اليهود وضعهم في الموصل كاقلية دينية وكيف تعاملوا مع الظروف والمناخات المتغيرة والمتناقضة ، واحيانا اللامنطقية ، هذا ما سيكون موضع تفصيلاتنا اللاحقة ، والذي سيشكل تاريخ الموصل في حقبة معينة وهو ايضا وضع اليهود في الموصل واداؤهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني ، وخارطتهم الجغرافية ايضا .
حاخام الفرقة المجوقلة الامريكية 101، الرائد ( ستيفن سبيلبيرغ ) يقول عن زيارة له الى محلة اليهود في الموصل بعد الغزو الامريكي للعراق : رأيت خمسة معابد يهودية في العديد من المنازل اليهودية ، ويمضي بعبارات انشائية عاطفية يتذكر الاطفال اليهود ويتخيلهم وهم يتلون الصلوات في تلك المعابد و ويذرف الدموع على تاريخ الاباء والاجداد ، لكنه يقول عبثا بحثت عن المقبرة اليهودية في المدينة فلم افلح ، وكان معي من يوفر الوقت والحماية المناسبة لذلك . هذا الكلام نقله عنه الكاتب (سكريمنغ اياكلاس ) ، ونشره عام 2003 .
كل المصادر الحديثة الاجنبية نقلت عن هذا الرائد هذه المعلومة التي تختصر وجود اليهود في الموصل . ولم تتطرق الى المزيد ، وقصة هذا الرائد تقودني الى وقفتين ، الاولى هي : انه يُعّرٍف نفسه وهو جندي في الجيش الامريكي، بانه حاخام !!!! ولا ادري هل يُسمح لوظيفة روحية بحتة، أن تمارس نشاطا تعبويا في الجيش الامريكي، أو ان تقوم بمهمة دينية اثناء الواجب . ومنه يتفرع سؤال . هل ان الجيش الذي غزا العراق كان امريكيا جاء لتحرير العراق من الدكتاتورية ، أم انه جيش اسرائيلي مطعم . جاء لينقذ العراق من ورطته ( الحضارية ) ؟؟؟؟ ،والثانية : هي ان الفقر الشديد في المعلومات عن اليهود في الموصل ، جعل اغلب المصادر تنتشي وتعلن عن اكتشاف باهر بحديث هذا الرائد ، وهذا يقودني الى فرضيتين اثنتين ، الاولى : أن المصادر والروايات فعلا شحيحة حول هذا الموضوع ولا دلائل ولا اثباتات تعزز اية معلومة ولو على سبيل التكهن والاجتهاد . الفرضية الاخرى : أن التعتيم على هذا الوجود وهذا التاريخ كان مقصودا . ومدعوما بقرار سياسي كبير منذ هجرة اليهود من العراق الى اسرائيل ، وانتهاءا بفترة الاحتلال الامريكي للعراق . وهذا ما أميل الى الاعتقاد به ، لاني وجدت في كتاب ( اليهود في البلدان الاسلامية في العصور الوسطى ) لمؤلفه ( موشيه جيل ) الطبعة الاصلية الصادرة من جامعة تل ابيب 1997 . ما يفيد هذا المعنى . ووجدت شرحا له في احد المواقع الاسرائيلية الثقافية (( حل مشاكل اسرائيل )) يقول : أنه في عام 2003 قال محلل في وزارة الدفاع الامريكية (( هارولد رود )) ، أن القوات الامريكية كشفت مخبأ ، ضم العديد من الوثائق التاريخية في مقر المخابرات العراقية في سراديب غمرتها المياه قريبة من نهر دجلة ، وأن امريكا بعد ترميم الوثائق وصيانتها سوف تعيدها الى الحكومة العراقية ، لكن اليهود العراقيين اعترضوا بشدة على هذا الاجراء ( أ ه ) وهو فيما يبدو لي محاولة لسد مافي الوثائق من عورة في الرواية التاريخية الاسرائيلية بحق العراقييين الذين طردوا اليهود .
وكان قرار التعتيم من القوة والحزم بحيث اختفت تماما اية مراجع او اشارات او بحوث ودراسات حول وضع اقلية دينية سكنت العراق لاكثر من الفي سنة ، ولو على سبيل الدراسة والتاريخ ، كما ان اللافت ان التعتيم شمل الجميع ، شعبيا : حيث لا يُستحب من ناحية دينية (مُلقَنة ) الحديث بهذا الموضوع ، وسلطويا ايضا ، وشمل هذا غلق كل الملفات والحوادث التي تظهر بين فترة واخرى حول وجود دلائل اركولجية ( اثارية) وامتد ليشمل حتى مؤسسات البحث العلمي ، حيث لم تصدر دراسة في كل جامعات العراق عن الموضوع ، رغم ان بعض الدراسات الجامعية شملت حتى الاواني المستعملة في الطبخ في الاسرة الاتابكية في الموصل .
وأظن الان أن الحاجة قائمة من الناحية التاريخية والتوثيقية الى شرح بعض التاريخ الاجتماعي والنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ايضا للموصل من خلال شريحة من الناس سكنت الموصل فترة من الزمن .
وهي دراسة وفذلكة اجتماعية وتنوير للموضوع . وأظنني كنت موفقا في جمع شتات عن الموضوع تاريخ وجغرافيا وثقافة ( بمعنى مجموعة العادات والتقاليد ) ، وطابقت بعضا مما اعرفه على مشاهدات ودراسات ميدانية قمت بها سابقا من باب الاستطلاع والتحقيق .
كانت أمي رحمها الله ،حينما توقظنا صباحا قبل المدرسة ، ونحن اطفال ، لتبعث بنا الى واجب منزلي معين ، كأن نذهب لشراء الصمون ، او لجلب الحليب من محلة الجماسة ، وكان هذا واجبا ملزما أقوم به أنا على الدوام ، واحيانا نادرة تكلف اخي الذي يصغرني بثلاث سنين عند حصول طاريء ، كالعادة اتململ واحاول اللصوق بالفراش الدافيء خاصة في ايام الشتاء . وارد عليها بنعم ، لكني اتحين ذهابها ، لاعود واغوص في الفراش وفي الدفء . فكانت تعود اليّ ، وكأنما تقول لي قولا فصلا ، مفاده أن الواجب براسك براسك فمهما حاولت التلكؤ فستذهب ، فاذهب الان قبل ان يستيقظ ابوك واخواتك . ولكن تقول هذا بصيغة مثل ، حفظناه كتميمة من كثرة ما تردده رحمها الله . كانت تقول (( السبت بغقبة اليهودي )) ، يعني أن يوم السبت برقبة اليهودي وهو ملزم أن يؤدي ما عليه وان يلتزم في هذا اليوم ، ولا فكاك منه .
مثلها كان يفعل ابي . حينما كنا نرفض تناول الدواء المر ، أو شيئا مأكولا لا نستسيغه ، فكان يقول معقبا بصيغة مثل ايضا (( خوما لحم جمل )) وكان اليهود لا يأكلون لحم الجمل في الموصل . ويستحرمونه ، لنسك وطقس ديني متعارف .
هذه الامثال الحاضرة بهذا الشكل على اللسان ، والخاصة بابناء هذه الديانة ، تعني أن هناك دثارا ثقافيا من نوع ما تركه اليهود في الموصل ، سلبا او ايجابا ، وبمعنى أن الاحتكاك وصل الى درجة ادخال مصطلحاتهم ومفاهيمهم وبعضا من طقوسهم الى الحياة الاجتماعية في الموصل . وعلى ضوء تلمس تركتهم الثقافية والاجتماعية نستطيع أن نقدر حضورهم واعدادهم بدون احصائيات سياسية مغرضة ، كما ذكر بنيامين التطيلي ، الذي زار الموصل سنة 1165 ه ، في كتابه الذي ترجمه عزرا حداد ( رحلة بنيامين التطيلي ) ، والذي قال فيه أنه شاهد في مدينة العمادية وحدها 25 الف يهودي ، وهو رقم مبالغ فيه اذا عرفنا ان عدد نفوس الموصل انذاك هو قريب من 50 الف . مع عدم امكانية المقارنة بين الموصل كمدينة كبيرة وبين ناحية صغيرة كالعمادية ، والتي يشك أن مجمل سكانها انذاك لم يتعدَ العشرين الفا ، الا اذا كان كلهم من اليهود . وكان يسعى الى أن يؤكد مصداقية ما سيقوله لاحقا بتضخيم العدد .
تاريخ الوجود اليهودي في العراق
يعود تاريخ وجود اليهود في العراق الى زمن السبي الآشوري الاول الذي قام به شلمنصر الخامس حاكم اشور بعد غزوه لمملكة اسرائيل في الشمال 597 ق م ، واخذهم اسرى الى مملكته في نينوى ، والى السبي الثاني البابلي على يد نبوخذ نصر بعد هذا، وغزو المملكة اليهودية الجنوبية في يهوذا ، ومحاصرته لاورشليم واقتياد من فيها اسرى الى بابل سنة 586 ق م . لكن الوجود الاجتماعي والحقوقي الفاعل كان بعد هذا التاريخ بكثير . حيث بقي وضع اليهود ضمن الأسر الاشوري مقصورا على وصفهم أسرى مع ما يفرضه هذا الوضع من بقاء ضمن نطاق العبيد . في دولة توصف بالعسكرية مثل الدولة الاشورية . وانتهى الامر بآخر الملوك الاشوريين الى تفريق من تواجد من اليهود في جبال بعيدة نائية والتفريق بينهم . ليفرض عليهم عزلا سياسيا ، وبالتالي يجنب باقي رعايا الدولة تداعيات المشاكل التي كان يتسبب فيها اليهود ( كما يرى هو ) سيما وأن الدولة الاشورية كانت تستخدم الاسرى ،في السخرة والبناء فقط ، دون اية محاولة لادماجهم او تأهيلهم في المجتمعات ، على خلاف البابليين الذين ادمجوا اليهود في مجتمعاتهم ، ووفروا لهم فرصة الذوبان في المجتمع ، وكانت الدولة الاشورية وقت الراحة والسلم ، تواجه مشاكسات الاسرى وفراغهم الكبير وعطالتهم عن العمل ، على هذا فقط جرى تفريق ما لديها من أسرى يهود في الجبال ، وكانت الجبال الواقعة شمال نينوى هي الاقرب لتنفيذ هذا العزل ، ومن تلك الجبال التي احتوتهم جبل ( بيخير ) الذي يحتضن ناحية القوش القريبة من الموصل . وفي اسفل الجبل في منحدره الجنوبي ، يرقد ( ناحوم القوشي ) كما يسميه بعض السكان المحليين ، وهي بالاصل النبي ناحوم ، احد الانبياء الصغار في اسفار العهد القديم ، ورد ذكره في العهد القديم ، ويوجد باسمه سفر يسمى ( سفر ناحوم ) ، ويُقال انه اشترك مع حملة الميديين القادمة لا سقاط نينوى ، أو شهدها . ويذكر المطران يوسف بابانا في كتابه ( القوش عبر التاريخ ) أنه لا تزال هناك منطقة في مدخل الجبل بالقرب من قبر ناحوم تسمى ( مسبى اليهود ) . ويضيف البعض ان ناحوم بن القون ( وهذا اسمه ) ربما كانت هي التسمية القديمة لمدينة القوش ، التي تحرفت من القون الى القوش .
ويبدو انه من هنا بدأ تاريخ التواجد او الزحف الى الموصل من قبل اليهود ، وتأسيس وجود اجتماعي لهم في الموصل ، وأن الذين زحفوا من اليهود الى الموصل وعاشوا فيها كانوا من معزولي الجبال ، لان دراسة العقائد والطقوس والتقاليد الدينية ليهود الموصل ، وطريقة تعاطيهم الديني اختلفت نوعا ما مع اخوانهم من يهود بابل ، ( وهو بحث طويل ليس هذا محله ) . وان يهود الموصل اقرب الى الارثوذكسية اليهودية من اليهود البابلين الاكاديميين ( كما تسميهم بعض الدراسات المعاصرة )
وحسب المدونات التاريخية فان وجود اليهود في الموصل قديم ، وأن التشكيل الاجتماعي والكياني لهم قديم أيضا ، وهذا ما ورد على لسان ابن الفقيه الهمذاني الجغرافي ( ت 340 = 951 م ) ، يقول في كتابه مختصر البلدان ، أنه في منتصف القرن السابع الميلادي . كان هناك جالية يهودية تعيش في الحي اليهودي . وهذا يعني مرحلة متقدمة من التموضع ضمن نظم سياسية واقتصادية واجتماعية .
*
اقرأ : يهود الموصل - الجزء 2
*
عودة الى الصفحة الرئيسة
هذه الفذلكة تتيح لنا قراءة الوجود اليهودي في الموصل ، تاريخا واداءا وافرازات ثقافية ، وبالتأكيد لا تملك اقلية دينية ، هذا الحضور وهذه السطوة بمعناها الوجودي ، مالم تكن تستند الى منظومة اجتماعية وثقافية وحتى سياسية عبر تحالفات او هدنة او نوع من الحمايات، تتجسد في نوعية الخدمات والمهارات والحصون الكفائية ، ومالم تكن هذه الاقلية قد امتلكت الوقت الكافي لكي تبني هذا البناء الاجتماعي المغلق الى حد ما ، ومالم تكن تملك مضادات وخططا بديلة ، تداري فيها ضعفها وقلتها في محيط من ديانة مختلفة ، وفي بلد يشكل الاختلاف الديني فيه عروة متيسرة وجاهزة يتلمسها البعض لكي يطرحها مادة للاضطهاد والتنكيل .كل هذا حضر لليهود في الموصل وتراءى لهم ، كان موضع دراستهم وفحصهم ، لكن كيف عالج اليهود وضعهم في الموصل كاقلية دينية وكيف تعاملوا مع الظروف والمناخات المتغيرة والمتناقضة ، واحيانا اللامنطقية ، هذا ما سيكون موضع تفصيلاتنا اللاحقة ، والذي سيشكل تاريخ الموصل في حقبة معينة وهو ايضا وضع اليهود في الموصل واداؤهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني ، وخارطتهم الجغرافية ايضا .
حاخام الفرقة المجوقلة الامريكية 101، الرائد ( ستيفن سبيلبيرغ ) يقول عن زيارة له الى محلة اليهود في الموصل بعد الغزو الامريكي للعراق : رأيت خمسة معابد يهودية في العديد من المنازل اليهودية ، ويمضي بعبارات انشائية عاطفية يتذكر الاطفال اليهود ويتخيلهم وهم يتلون الصلوات في تلك المعابد و ويذرف الدموع على تاريخ الاباء والاجداد ، لكنه يقول عبثا بحثت عن المقبرة اليهودية في المدينة فلم افلح ، وكان معي من يوفر الوقت والحماية المناسبة لذلك . هذا الكلام نقله عنه الكاتب (سكريمنغ اياكلاس ) ، ونشره عام 2003 .
كل المصادر الحديثة الاجنبية نقلت عن هذا الرائد هذه المعلومة التي تختصر وجود اليهود في الموصل . ولم تتطرق الى المزيد ، وقصة هذا الرائد تقودني الى وقفتين ، الاولى هي : انه يُعّرٍف نفسه وهو جندي في الجيش الامريكي، بانه حاخام !!!! ولا ادري هل يُسمح لوظيفة روحية بحتة، أن تمارس نشاطا تعبويا في الجيش الامريكي، أو ان تقوم بمهمة دينية اثناء الواجب . ومنه يتفرع سؤال . هل ان الجيش الذي غزا العراق كان امريكيا جاء لتحرير العراق من الدكتاتورية ، أم انه جيش اسرائيلي مطعم . جاء لينقذ العراق من ورطته ( الحضارية ) ؟؟؟؟ ،والثانية : هي ان الفقر الشديد في المعلومات عن اليهود في الموصل ، جعل اغلب المصادر تنتشي وتعلن عن اكتشاف باهر بحديث هذا الرائد ، وهذا يقودني الى فرضيتين اثنتين ، الاولى : أن المصادر والروايات فعلا شحيحة حول هذا الموضوع ولا دلائل ولا اثباتات تعزز اية معلومة ولو على سبيل التكهن والاجتهاد . الفرضية الاخرى : أن التعتيم على هذا الوجود وهذا التاريخ كان مقصودا . ومدعوما بقرار سياسي كبير منذ هجرة اليهود من العراق الى اسرائيل ، وانتهاءا بفترة الاحتلال الامريكي للعراق . وهذا ما أميل الى الاعتقاد به ، لاني وجدت في كتاب ( اليهود في البلدان الاسلامية في العصور الوسطى ) لمؤلفه ( موشيه جيل ) الطبعة الاصلية الصادرة من جامعة تل ابيب 1997 . ما يفيد هذا المعنى . ووجدت شرحا له في احد المواقع الاسرائيلية الثقافية (( حل مشاكل اسرائيل )) يقول : أنه في عام 2003 قال محلل في وزارة الدفاع الامريكية (( هارولد رود )) ، أن القوات الامريكية كشفت مخبأ ، ضم العديد من الوثائق التاريخية في مقر المخابرات العراقية في سراديب غمرتها المياه قريبة من نهر دجلة ، وأن امريكا بعد ترميم الوثائق وصيانتها سوف تعيدها الى الحكومة العراقية ، لكن اليهود العراقيين اعترضوا بشدة على هذا الاجراء ( أ ه ) وهو فيما يبدو لي محاولة لسد مافي الوثائق من عورة في الرواية التاريخية الاسرائيلية بحق العراقييين الذين طردوا اليهود .
وكان قرار التعتيم من القوة والحزم بحيث اختفت تماما اية مراجع او اشارات او بحوث ودراسات حول وضع اقلية دينية سكنت العراق لاكثر من الفي سنة ، ولو على سبيل الدراسة والتاريخ ، كما ان اللافت ان التعتيم شمل الجميع ، شعبيا : حيث لا يُستحب من ناحية دينية (مُلقَنة ) الحديث بهذا الموضوع ، وسلطويا ايضا ، وشمل هذا غلق كل الملفات والحوادث التي تظهر بين فترة واخرى حول وجود دلائل اركولجية ( اثارية) وامتد ليشمل حتى مؤسسات البحث العلمي ، حيث لم تصدر دراسة في كل جامعات العراق عن الموضوع ، رغم ان بعض الدراسات الجامعية شملت حتى الاواني المستعملة في الطبخ في الاسرة الاتابكية في الموصل .
وأظن الان أن الحاجة قائمة من الناحية التاريخية والتوثيقية الى شرح بعض التاريخ الاجتماعي والنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ايضا للموصل من خلال شريحة من الناس سكنت الموصل فترة من الزمن .
وهي دراسة وفذلكة اجتماعية وتنوير للموضوع . وأظنني كنت موفقا في جمع شتات عن الموضوع تاريخ وجغرافيا وثقافة ( بمعنى مجموعة العادات والتقاليد ) ، وطابقت بعضا مما اعرفه على مشاهدات ودراسات ميدانية قمت بها سابقا من باب الاستطلاع والتحقيق .
كانت أمي رحمها الله ،حينما توقظنا صباحا قبل المدرسة ، ونحن اطفال ، لتبعث بنا الى واجب منزلي معين ، كأن نذهب لشراء الصمون ، او لجلب الحليب من محلة الجماسة ، وكان هذا واجبا ملزما أقوم به أنا على الدوام ، واحيانا نادرة تكلف اخي الذي يصغرني بثلاث سنين عند حصول طاريء ، كالعادة اتململ واحاول اللصوق بالفراش الدافيء خاصة في ايام الشتاء . وارد عليها بنعم ، لكني اتحين ذهابها ، لاعود واغوص في الفراش وفي الدفء . فكانت تعود اليّ ، وكأنما تقول لي قولا فصلا ، مفاده أن الواجب براسك براسك فمهما حاولت التلكؤ فستذهب ، فاذهب الان قبل ان يستيقظ ابوك واخواتك . ولكن تقول هذا بصيغة مثل ، حفظناه كتميمة من كثرة ما تردده رحمها الله . كانت تقول (( السبت بغقبة اليهودي )) ، يعني أن يوم السبت برقبة اليهودي وهو ملزم أن يؤدي ما عليه وان يلتزم في هذا اليوم ، ولا فكاك منه .
مثلها كان يفعل ابي . حينما كنا نرفض تناول الدواء المر ، أو شيئا مأكولا لا نستسيغه ، فكان يقول معقبا بصيغة مثل ايضا (( خوما لحم جمل )) وكان اليهود لا يأكلون لحم الجمل في الموصل . ويستحرمونه ، لنسك وطقس ديني متعارف .
هذه الامثال الحاضرة بهذا الشكل على اللسان ، والخاصة بابناء هذه الديانة ، تعني أن هناك دثارا ثقافيا من نوع ما تركه اليهود في الموصل ، سلبا او ايجابا ، وبمعنى أن الاحتكاك وصل الى درجة ادخال مصطلحاتهم ومفاهيمهم وبعضا من طقوسهم الى الحياة الاجتماعية في الموصل . وعلى ضوء تلمس تركتهم الثقافية والاجتماعية نستطيع أن نقدر حضورهم واعدادهم بدون احصائيات سياسية مغرضة ، كما ذكر بنيامين التطيلي ، الذي زار الموصل سنة 1165 ه ، في كتابه الذي ترجمه عزرا حداد ( رحلة بنيامين التطيلي ) ، والذي قال فيه أنه شاهد في مدينة العمادية وحدها 25 الف يهودي ، وهو رقم مبالغ فيه اذا عرفنا ان عدد نفوس الموصل انذاك هو قريب من 50 الف . مع عدم امكانية المقارنة بين الموصل كمدينة كبيرة وبين ناحية صغيرة كالعمادية ، والتي يشك أن مجمل سكانها انذاك لم يتعدَ العشرين الفا ، الا اذا كان كلهم من اليهود . وكان يسعى الى أن يؤكد مصداقية ما سيقوله لاحقا بتضخيم العدد .
تاريخ الوجود اليهودي في العراق
يعود تاريخ وجود اليهود في العراق الى زمن السبي الآشوري الاول الذي قام به شلمنصر الخامس حاكم اشور بعد غزوه لمملكة اسرائيل في الشمال 597 ق م ، واخذهم اسرى الى مملكته في نينوى ، والى السبي الثاني البابلي على يد نبوخذ نصر بعد هذا، وغزو المملكة اليهودية الجنوبية في يهوذا ، ومحاصرته لاورشليم واقتياد من فيها اسرى الى بابل سنة 586 ق م . لكن الوجود الاجتماعي والحقوقي الفاعل كان بعد هذا التاريخ بكثير . حيث بقي وضع اليهود ضمن الأسر الاشوري مقصورا على وصفهم أسرى مع ما يفرضه هذا الوضع من بقاء ضمن نطاق العبيد . في دولة توصف بالعسكرية مثل الدولة الاشورية . وانتهى الامر بآخر الملوك الاشوريين الى تفريق من تواجد من اليهود في جبال بعيدة نائية والتفريق بينهم . ليفرض عليهم عزلا سياسيا ، وبالتالي يجنب باقي رعايا الدولة تداعيات المشاكل التي كان يتسبب فيها اليهود ( كما يرى هو ) سيما وأن الدولة الاشورية كانت تستخدم الاسرى ،في السخرة والبناء فقط ، دون اية محاولة لادماجهم او تأهيلهم في المجتمعات ، على خلاف البابليين الذين ادمجوا اليهود في مجتمعاتهم ، ووفروا لهم فرصة الذوبان في المجتمع ، وكانت الدولة الاشورية وقت الراحة والسلم ، تواجه مشاكسات الاسرى وفراغهم الكبير وعطالتهم عن العمل ، على هذا فقط جرى تفريق ما لديها من أسرى يهود في الجبال ، وكانت الجبال الواقعة شمال نينوى هي الاقرب لتنفيذ هذا العزل ، ومن تلك الجبال التي احتوتهم جبل ( بيخير ) الذي يحتضن ناحية القوش القريبة من الموصل . وفي اسفل الجبل في منحدره الجنوبي ، يرقد ( ناحوم القوشي ) كما يسميه بعض السكان المحليين ، وهي بالاصل النبي ناحوم ، احد الانبياء الصغار في اسفار العهد القديم ، ورد ذكره في العهد القديم ، ويوجد باسمه سفر يسمى ( سفر ناحوم ) ، ويُقال انه اشترك مع حملة الميديين القادمة لا سقاط نينوى ، أو شهدها . ويذكر المطران يوسف بابانا في كتابه ( القوش عبر التاريخ ) أنه لا تزال هناك منطقة في مدخل الجبل بالقرب من قبر ناحوم تسمى ( مسبى اليهود ) . ويضيف البعض ان ناحوم بن القون ( وهذا اسمه ) ربما كانت هي التسمية القديمة لمدينة القوش ، التي تحرفت من القون الى القوش .
ويبدو انه من هنا بدأ تاريخ التواجد او الزحف الى الموصل من قبل اليهود ، وتأسيس وجود اجتماعي لهم في الموصل ، وأن الذين زحفوا من اليهود الى الموصل وعاشوا فيها كانوا من معزولي الجبال ، لان دراسة العقائد والطقوس والتقاليد الدينية ليهود الموصل ، وطريقة تعاطيهم الديني اختلفت نوعا ما مع اخوانهم من يهود بابل ، ( وهو بحث طويل ليس هذا محله ) . وان يهود الموصل اقرب الى الارثوذكسية اليهودية من اليهود البابلين الاكاديميين ( كما تسميهم بعض الدراسات المعاصرة )
وحسب المدونات التاريخية فان وجود اليهود في الموصل قديم ، وأن التشكيل الاجتماعي والكياني لهم قديم أيضا ، وهذا ما ورد على لسان ابن الفقيه الهمذاني الجغرافي ( ت 340 = 951 م ) ، يقول في كتابه مختصر البلدان ، أنه في منتصف القرن السابع الميلادي . كان هناك جالية يهودية تعيش في الحي اليهودي . وهذا يعني مرحلة متقدمة من التموضع ضمن نظم سياسية واقتصادية واجتماعية .
*
اقرأ : يهود الموصل - الجزء 2
*
عودة الى الصفحة الرئيسة