مقال منشور قبل 10 سنوات يحذر من مصير المسيحيين العراقيين
بقلم المؤرخ الدكتور سيّار الجميل
نشر في الحوار المتمدن العدد 909 بتاريخ 29 تموز / يوليو 2004
هل نقرع الاجراس من اجل الدفاع عن المسيحيين العراقيين
ومصيرهم في وطنهم ؟
لا يمكن لأي منصف ذي عقل راجح ومنطق ناجح واسلام معتدل ومتسامح ان ينكر على المسيحيين العراقيين عراقتهم وقدمهم على ارضهم الحقيقية في العراق ، فهم بقايا السريان الاراميين ، واحفاد الكلدانيين والجرامقة الموصليين والعرب المناذرة العراقيين .. وليس من متعصب يجافي الحقيقة ويغالط التاريخ بإنكار حقوق (الاقليات) الاطياف الدينية ليس في العراق وحده، بل في كلّ الارض العربية الا ويكون مفتقد لروح المواطنة الحقيقية والاخلاق وقد جرفته التعصبات القاتلة والكراهية العمياء التي تزداد بشكل مفجع في بيئاتنا العربية باسم الاسلام والاسلام برىء من اية احقاد او تعصبات كما وان تاريخه الطويل لم يخبرنا عن اوضاع مأساوية وتعصبات جنونية تفتك بالناس باسمه من دون ان تتنبه مجتمعاتنا المتخلفة.. بل اجد العكس هو الحاصل، فثمة مباركات يطلقها العشرات من المثقفين العرب المتكلسين من ذوي الاتجاهات المتعصبة الاصولية والقومية الشوفينية على صفحات الجرائد..
دعوني اليوم اعالج " مسألة " لها خصوصيتها العراقية ولكن لها علاقتها ببيئات ومجتمعات عربية اخرى.. دعوني اقدم بعض الآراء التي ارى من المستحسن اثارتها ، خصوصا وانها تتعلق بأقلية دينية متنوعة جدا في اطارها الاجتماعي والثقافي.. دعوني ادافع عن مواطنين عراقيين قدماء جمعتني معهم المواطنة مع اختلاف الدين ، فالمواطنة اسمى رابطة في هذا الوجود! واذا كانت الاحزاب المسيحية العراقية تبحث لها عن حصة 3 او 5 في المئة او اكثر او اقل من الحكم، فهذا من حقها الطبيعي في ظل نظام سياسي ديمقراطي يحاول ان يحقّق العدالة السياسية مباعدة او مقاربة من نسب اطار المحاصصات الطائفية التي لا اعتقد ابدا انها قد ظهرت في اول تشكيل سياسي قام في ظل الاحتلال الامريكي للعراق بعد زوال حكم صدام حسين ! كيف؟
المحاصصات الطائفية من المخفي الى العلن!
من يقرأ تاريخ العراق المعاصر، سيجد ان الطائفية ومحاصصتها قد ولدت مع تشكيل اول كيان حديث للعراق على ايدي الانكليز، ولكن بشكل خفي مستتر! من يقرأ الوثائق البريطانية والعراقية ابان عهود الاحتلال والانتداب والملكي والجمهوري على امتداد تسعين سنة سيكتشف لعبة التوازنات الطائفية في العراق! من يقرأ اول تشكيل لوزارة عراقية على العهد الملكي التي ضمنت حتى لليهود العراقيين حصتهم! ومن يقرأ اول تشكيل لحكومة عراقية على العهد الجمهوري سيجد انها اعتمدت المحاصصة الطائفية والتي برزت بشكل واضح لدى رئيس وعضوي مجلس السيادة! واذا كان كل من فيصل الاول ونوري السعيد وعبد الكريم قاسم فوق الميول والاتجاهات الدينية والطائفية ويؤمنون بالعراق واعطاء كل ذي حق حقه برغم كل السلبيات، فان كلا من عبد السلام عارف واحمد حسن البكر وصدام حسين قد انتهكوا توازنات العراق ولعبوا على اوتار الطائفية بضرب هذه بتلك.. وتدلنا الوقائع التاريخية الموثقة ان عارفا ( يبدأ مناشدة شعبه بـ يا ابناء محمد ) كان اول من ارسى النزعة الطائفية في العراق وتوزيع الكراهية على هذه الطائفة أو تلك الملة او ذاك الدين!! وقد لحق به كل من الرئيسين البكر وصدام! اننا قبل ان ندين المحاصصات الطائفية.. لابد ان ندرك واقعنا الاجتماعي الذي اساء اليه حكام العراق وحكوماته المتعصبة او الفاشية على امتداد خمسين سنة.. فلا مراء من ان تستخدم اي طائفة او ملة او ديانة نفسها كي تجد لها ضالتها من اجل ان تحافظ على نفسها اساسا .
العراق: بودقة التعايش الديني
كتب الرحالة الامريكي جوستن بيركنس ( الذي قمت في العام 1990 بترجمة ونشر رحلته الى كردستان العراق والارض الكلاسيكية العراقية في منتصف القرن التاسع عشر ) قائلا: ان المجتمعات المحلية العربية والكردية يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود على افضل حال.. وان التعاون والانسجام سائد في المدن والارياف. اننا نشارك بيركنس رؤيته ولابد من القول بان المسيحيين العراقيين لا يمكن النظر اليهم نظرة استعلائية ، كما كان يجري على امتداد خمسين سنة مضت . اننا عندما نعلم كم هو قدم كل من المسيحيين واليهود والصابئة في العراق لعّد هؤلاء من العراقيين القدماء، وانهم هم الاصل في لعبة المعادلة الدينية التي يروّج لها كل الاصوليين من الذين لا يفهمون من الاسلام الا ايّاه في العراق.. وتكاد تتشابه مشكلات المسيحيين العراقيين مع مشكلات الاقباط المصريين باعتبار ان كلا منهما " اقلية" في وسط اكثرية مسلمة من دون ان يرى الاسلاميون الجدد بأن تاريخنا بطوله ارتبط بحياة الارض والجغرافية والبشر وواقعهم اكثر من ارتباطه بأي نص ديني.. ربما كان يساوره ويجاريه علنا ، ولكنه يتجاوزه سرا.. عاش المسيحيون العراقيون دهورا طوالا متعايشين مع المسلمين واليهود حسب مبدأ المشاركة الاجتماعية بل ، وان ثمة محاصصة سياسية وادارية بين زعماء مسلمين واداريين او ساسة مسيحيين جرت في العراق على امتداد عصور واحقاب متباينة..
ان المسيحيين العراقيين لم تفرقهم الخلافات العقدية والكنسية اجتماعيا، وربما كانت هناك تباينات في خصوصياتهم المحلية في الملة من مذهب الى آخر حتى على مستوى الزيجات والمواريث والتقاليد الكنسية لكل ملة.. ويمكن اعتبار العراق في مدنه الحضرية الاساسية: الموصل وبغداد والبصرة وكركوك هي التي يجتمع فيها المسيحيون العراقيون مع عشرات القرى والاديرة التي تقع على الضفة اليسرى من دجلة قرب الموصل.. وتكاد تكون مدينة الموصل مركزا حقيقيا للملل والمذاهب المسيحية القديمة في الشرق اذ ينتشر اليعاقبة والكلدان الكاثوليك والارثودكس والسريان الارثودكس وهناك كل من الآثوريين والتيارية والارمن.. وكل من هذه الملل يتبع كنيسته وتقاليده القديمة التي لم تحاربها ابدا سلاسل من الفاتحين المسلمين ولا الخلفاء الراشدين او الامويين او العباسيين ولا الخانات المغول والتتاريين ولا الاتابكة ولا السلاطين البويهيين او السلاجقة او العثمانيين.. فلماذا يريد المتعصبون الجدد ازالة هؤلاء الشرعيين من الوجود باستئصالهم علنا؟؟؟
الموصل مركز مسيحيي الشرق
ان الثقل الجغرافي الاساسي للمسيحيين العراقيين انما يتركز في شمال العراق، وخصوصا في مدينة الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية (3،3 ملايين نسمة) وينتشر المسيحيون في الاقضية والنواحي المرتبطة بالموصل وفي مقدمها بعشيقة وبرطلة والقوش وقره قوش وتلكيف وتلسقف وباطناية وبحزاني وسواها... كما وتنتشر اقدم الاديرة في محيط الموصل التي تعود الى المائة الميلادية الاولى ومنها: دير ( الشهيد ) مار بهنام ودير مار ميخائيل ودير مار كوركيس ودير مار اوراها ودير مار متى وغيرها من عشرات الاديرة والكنائس والكاتدرائيات التي لم تزل حتى يومنا تعج بالعشرات من القساوسة والمطارنة.. وهذا الوجود المسيحي العراقي متنوع ومتعدد اساساً، حيث يتوزع على شتى المذاهب والملل بدءا باليعاقبة والكلدان والسريان والآثوريين والتيارية الارثودكس والكاثوليك.. وصولا الى الارمن. ولم يكن الوازع السياسي او التنظيم الحزبي سائداً في حياة المسيحيين العراقيين ولم يعرف عنهم تحمسهم لأحزاب او تكتلات خاصة بهم ابدا كما ولم تعرف حياتهم الاجتماعية اسلوب الكيتوات كما هو حال اليهود كما ولم يعرف المسيحيون العراقيون العزلة عن المسلمين ابدا ، اذ كانوا مندمجين معهم حتى في السكن واساليب العيش ويحمل الجميع ثقافة عراقية واحدة فلم يؤسسوا لهم احزابا وجماعات وميليشيات ..
ما الذي ميزّهم؟
ولكن الذي ميّزهم بشكل واضح انجذابهم الى كنائسهم وتقاليدهم الدينية التي كانت من اقوى المرجعيات التي حفظت لهم ميراثهم العريق على مدى الفي سنة وكانت روابطهم الكنسية وتقاليدهم الثقافية من أقوى الروابط والتقاليد، وكلها مسالمة ووديعة لم يعرف عنهم الا المعروف والمعاملة بالحسنى.. ولكن كان هناك انجذاب بعضهم من الشباب في كل من الخمسينيات والستينيات الى بريق الاحزاب السياسية التقدمية والتحررية وخصوصاً الحزب الشيوعي العراقي، ثم انجذب بعض آخر من شبابهم الى حزب البعث العربي الاشتراكي بعد وصوله الى السلطة في العراق عام 1968 وفي كل من الحالتين، دفع المسيحيون بتأثير ذلك ثمنا باهضا اذ انعكس ذلك ضدهم سياسيا فكان ان سقط من متحزبيهم ورفاقهم العشرات قتلى اثر موجة الاغتيالات العارمة التي طالت قسما كبيرا من شبابهم فهاجرت المئات من العوائل هجرتها الداخلية من الموصل الى بغداد واستقروا بها، ثم كانت الهجرة الخارجية نحو العالم الجديد!
المسيحيون العراقيون بعيدا عن السياسة
وبالرغم من كل العواصف السياسية التي المّت بالعراق في الخمسين سنة الماضية، الا ان التقاليد المسيحية الكنسية العراقية لم تتدخل ابدا في السياسة العراقية منذ تشكيل الدولة العراقية وتأسيسها في العام 1921، وهذا عكس ما نجده في كل من مصر ولبنان وفلسطين ، اذ كان للمطارنة والاساقفة فيها ادوار معينة كأدوار البابا شنوده في مصر والمطران كبوشي في فلسطين والبطريرك صفير في لبنان.. اما في العراق ، فقد كان للمطران الراحل الدكتور روفائيل بيداويد دوره عن الكلدان العراقيين من خلال علاقة سرية ربطته بالسيد طارق عزيز! في حين يدلنا تاريخ المطارنة العراقيين في القرن العشرين انهم لم يكن لهم اي صوت او اي تدخل في الشؤون السياسية العراقية وفي مقدمتهم المطران صليبا في الموصل.
ولابد ان ندرك بأن المسيحيين العراقيين قاطبة قد عانوا من الاقصاء السياسي لا الاجتماعي، فالمجتمع العراقي يدلنا تاريخه وخصوصا في الموصل واطرافها قد تمّيز بتعايش الاكثرية مع الاقليات على نحو منسجم رائع ومسالم في شراكة تاريخية يندر وجودها ولم نسمع او نقرأ عن اي اضطهادات اجتماعية من قبل الاكثرية للأقليات الدينية والعرقية سواء في بيئات عربية او كردية.. ولكن بدأت تنبثق افرازات جديدة لما بعد الحرب العالمية الثانية التي حملتها المؤدلجات السياسية الماركسية والقومية والدينية لتبدأ سلسلة من حالات الاقصاء السياسي وتصل شحناتها القصية في العهد الجمهوري ومن خلال الصراع العقائدي الذي تأجج في العراق بين الشيوعيين من طرف والقوميين الناصريين والبعثيين من طرف آخر.. فلاحظنا موجة اغتيالات وتهديدات اعقبتها نزوحات جماعية من الموصل ومحيطها الى العاصمة بغداد وكانت الهجرات التي قام بها المسيحيون العراقيون الى العالم الجديد (الولايات المتحدة وكندا واستراليا..) قد بدأت منذ اعقاب الحرب الثانية وازدادت كثافة بعد 1958-1959، سواء على عهد عبد الكريم قاسم 1958 – 1963 او عهد عبد السلام عارف 1963- 1966 وازدادت قوتها على عهد البعثيين منذ 1968 وخصوصا عهد صدام حسين 1979 – 2003.. بحيث تشّكل مدينة ديترويت الامريكية اليوم معقلا للمسيحيين العراقيين الذين هجروا وطنهم القديم نتيجة الاضطهادات السياسية التي لاقوها على مدى خمسين سنة من حكم القوميين والبعثيين. نعم، لقد خسر العراق المئات من ابرز المثقفين والمختصين والعلماء العراقيين المسيحيين الذين كانوا قد هاجروا في ازمان وعهود متباينة الى العالم الجديد بدءا بالمؤرخ الاستاذ مجيد خدوري ( مدير مركز ابحاث الشرق الاوسط في جون هوبكنز ) الذي كان قد هاجر منذ مطلع الاربعينيات وانتهاء باشهر العلماء المسيحيين العراقيين الذين انتشروا في هذا العالم منذ اكثر من ثلاثين سنة وهم يحملون لوعة وحنينا الى مهاد العراق الاولى.
المشروعات الدينية المرعبة
ان اي مشروع ديني في العراق يخيف بل ويرعب المسيحيين العراقيين لأنهم يعتبرونه مشروع افناء حقيقي لهم.. ولكن قبل ان نتحدث عن مثل هذا " المشروع " الذي تزداد بشاعته في العراق، كان المشروع القومي على يد عبد السلام عارف والمشروع البعثي على يد كل من البكر وصدام قد عملا على تهميش دور الاقليات والقوميات العراقية على حساب احادية النظرة القومية الدينية.. وساهما مساهمة حقيقية في ضرب الوطنية العراقية الحقيقية في الصميم من خلال تربية المجتمع بطريقة خاطئة وزرع الاحقاد والضغائن.. صحيح ان الحكومات العراقية قاطبة لم تتدخل في الشؤون الكنسية الدينية، ولكن حكومات العهود القومية مارست وصاية من نوع ما على كل الاقليات التي لم تكن ترغب في اشارة منها الى اية مشاكل كونها تدرك بأن انعكاسات ذلك ستؤذيها.. وفي العهود البعثية، غدت الكنائس المسيحية وبقية المعابد الدينية تابعة لوزارة الاوقاف ، مما اثار غضب المسلمين والمسيحيين معا من دون ان يعترض احد على قرارات القيادة السياسية وقت ذاك .
هنا لابد من القول ان ليس اي مشروع ديني اسلاموي لدولة دينية يمكنه ان يقصي الاخر، فان صدام حسين تداول مشروعا شرسا جدا اقصى من خلاله الجميع.. يكفي انه لعب لعبة سياسية باسم العروبة وسلطوية باسم الدين اثمرت خطاياها في المجتمع الذي بات اليوم مزروعا بالأحقاد والكراهية وفي حالة فوضى عارمة! ان مجرد تبلور تيارات اسلامية سلفية تكفيرية انطوائية منغلقة لها شراستها في العراق وهي تتقاطع مع سلفيات وممارسات وتقاليد عربية تقر الارهاب ومشروعات القتل هو نتاج حياة سياسية مورست فيها الدكتاتورية والوحشية وكل موبقات الحكم باسم المبادئ والتاريخ والقيم العربية والبطولات والاسلام والاستبداد ( العادل ).. وعليه، فقد غدت للعراق حركاته الغريبة التي تتشابه في اساليبها وقد تتباين في مذهبيتها وطائفيتها، فهي التي بدأت في المحصّلة تهاجم المجتمع وتكون الاقليات الدينية من اول ضحاياها! نعم، انها تلتقي مع شظاياها في اطار مشروع نمط حكم يطالب بقيام دولة دينية اصولية تكفيرية مهما كانت تسميتها! وبدأت عمليات نزوح جماعية لمسيحيي البصرة نحو بغداد بعد ان مورست ضدهم اعمال عنف وتعرضوا لعمليات مسلحة في بيوتهم والشوارع ناهيكم عما تعرضت له فتياتهم من الايذاء.. لقد غزت البصرة جماعات مسلحة دينية من خارج المدينة ويقال انها جاءت من ايران ومارست شتى انواع التنكيل علما بأن مجتمع البصرة المحلي كان الى زمن قريب مجتمعا منفتحا وتتعايش فيه مختلف الاجناس والاديان بحكم تاريخه وجغرافيته.. ان هذه التيارات تشكل اليوم ضغوطات لا تحتمل على المسيحيين العراقيين وبطريقة مباشرة.. والخوف كل الخوف ان يغدو المسيحيين مشروع افناء وقتل.. ان من يدخل في اعماق المسيحيين العراقيين بكل مللهم وطوائفهم سيجدهم مزروعون بهواجس الرعب المدمرة..
وأخيرا: لابد من قرع الاجراس
وعلى اضواء كهذه لابد اليوم من التنبيه الى مدى ما يشعر به مسيحيو العراق من الخوف وما يفكرون به – والحق معهم - حول مستقبلهم ومصيرهم.. ولعل ما يصلنا من نداءات وكان آخرها التحذير الذي أطلقه بطريرك الكلدان من محاولة جماعات لم يعلن عنها تعمل على اجبار المسيحيين على مغادرة العراق ، وخصوصا اولئك الذين ينتشرون في اصقاع عراقية يشكلون فيها قلة قليلة وسط بحر من الاغلبية في محافظات الوسط والجنوب.. ولابد من القول ان المسيحيين العراقيين لم يشعروا ابدا في اي يوم من الايام بأنهم بحاجة الى ضمانات بقاء وعهود حياة، ولم يشعروا في اي يوم من الايام انهم يعيشون خارج ضمان هويتهم العراقية وثقافتهم الوطنية.. صحيح انهم يشعرون بعدم الاطمئنان لما قد تجرفه الاقدار السياسية.. ولكن المعضلة الاكثر تعقيدا ان تفردت عصابات وجماعات باضطهادهم تحت مظلة الاسلام، وسيشكل ذلك سابقة خطيرة في حياة المجتمع العراقي عبر العصور.
هنا، اهيب بكل شرائح مجتمعنا العراقي ان توّسع نظرتها الى الحياة وتحافظ على هذه الاقليات من الاطياف العريقة الامنة والمستقرة والاصيلة التي شاركت كل ما مضى من الاجيال كل السراء والضراء.. وعلى الحكومة العراقية المؤقتة او الحكومة الدائمة القادمة ان تتكفل برعاية كل الاقليات العراقية.. والمسيحيون العراقيون في مقدمتهم فهم جزء عضوي من مكونات النسيج الاجتماعي والثقافي.. وعليه يقوم ذلك التوازن منذ القدم، كما وانه يشّكل ركيزة حقيقية للانتماء الوطني والهوية العراقية بكل روعتها.. ولا ننسى ابدا ان المسيحيين العراقيين كانوا قد قدموا عبر العصور اروع الانجازات وابلغ الابداعات لحضاراتنا العديدة، فظهر منهم اعظم الشعراء والكتاب والمترجمين واللغويين والاطباء والرحالة والفلكيين والاداريين والتجار والمحاسبين والصرافين والبنائين والفنانين والمفهرسين والعلماء.. كما وشارك المسيحيون العراقيون بأذكى ابنائهم الذين غدوا جزءا لامعا من النخبة المثقفة العراقية المعاصرة.
نشر في الحوار المتمدن العدد 909 بتاريخ 29 تموز / يوليو 2004 وفي صحف عدة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=21299
ويعاد نشره على موقع الدكتور سيار الجميل
http://www.sayyaraljamil.com/Arabic/viewarticle.php?id=index-20140722-2144
عودة الى الصفحة الرئيسية