حالة لا اخلاقية !
أ.د. سيّار الجميل
نعم ، انها حالة لا اخلاقية ، تضاف الى حالات اخرى سبقت ، بحيث يقوم البعض باستلاب مقالاتي وسرقة نصوص كتبتها ونشرتها في سنوات سابقة ، اذ تصلني بين حين وآخر ، عدة رسائل من اصدقاء باحثين ومثقفين تشير الى هذا الانحدار غير الاخلاقي ، او اقوم بنفسي في الكشف عن قيام البعض ممن يحملون اسماءهم ، او يظهرون بأسماء مستعارة بسرقة نصوص كاملة من مقالاتي وكتبي ، وخصوصا تلك المنشورة على موقعي الالكتروني او مواقع اخرى ، ويقومون بنشرها في الصحف العراقية والمواقع الالكترونية . ويقوم البعض بنشرها في رسائل الكترونية الى مجموعات واصدقاء ، فتنتشر بين الناس اما باسماء حقيقية او مستعارة او وهمية .. او تقوم بها بعض المواقع والجرائد بنسخ ما تحب سرقته من نصوص وفقرات ، وتقوم بنشرها دون ذكر صاحبها الاصلي .
جاءني رد عاجل من الاخ الاستاذ سعد السعيدي بعد ان ارسل لي مادة كنت قد نشرتها قبل سنتين ، ولكنها جاءت بعنوان فرعي دون ذكر صاحبها منقولة عن صحيفة عراقية . فأجبته بأن هذه المادة يمكن تفحصها في الاصل على موقعي الالكتروني ، فجاءني رده الكريم مباشرة يقول : "نعم هو صحيح ما ذكرته. لكن اظنها مناسبة لنشر مقال لتوضيح ملابسات الموضوع في المواقع العراقية. يتوجب عدم السكوت على هذا. فهذه ليست اول مرة نرى اعادة نشر مواد دون ذكر المصدر او الكاتب إذ هي عادة منتشرة للأسف. لذلك اكرر يتوجب عدم السكوت والبحث عن طرق لردع هذه التصرفات. تحياتنا لك .. " .
نعم ، انه واحد من الامثلة التي لا تعد ولا تحصى في استنساخ حرفي ان لم نقل سرقة لا اخلاقية لجزء من دراسة لي منشورة على موقعي الالكتروني نشرت تحت عنوان " النهايات الثلاث .. " ، فلقد نشرت جريدة عراقية هي " البينة الجديدة " نصا من تلك " الدراسة " بتاريخ 4/7/2012 ، واطلقت عنوان " صالح مهدي عماش لجمال عبد الناصر .. " ، من دون ان تذكر لا اسمي ولا مصدر النشر ! وبعد ايام ، قامت جريدة عراقية اخرى تسمى " المستشار " بنقل تلك المقالة واستنساخها بتاريخ 8/ 7/ 2012 ، ربما عن جريدة البينة الجديدة ، ولكن بعنوان " التصفيات والاعدامات الجماعية في شباط الاسود " وقد كتب في اسفل المقال ( اعداد شوقي حسن ) .. من دون ذكر اسمي أيضا كمؤلف للنص ، ثم جاءت وكالة النخيل للأنباء التي لديها موقع بهذا الاسم ، لكي تنشر ذلك المقال بالعنوان الذي استخدمته البينة الجديدة ، وذلك بتاريخ 9/1/ 2014، وطبعا من دون ذكر اسمي ايضا ككاتب تلك المادة التاريخية! فمن هو شوقي حسن ؟ وربما كانت هناك جريدة اخرى او اكثر من موقع قام بنشرها .. ومن تعاسة ( الثقافة ) ان يتم تداول " المقال " على الناس بإخفاء كاتبه الحقيقي وتتداوله المجموعات الافتراضية على الفيس بوك والتويتر وغيرهما وكاتبه الحقيقي حي يرزق ، فماذا لو رحل عن الحياة ازاء تفاقم العبث ودعارة اناس متطفلين على الثقافة والصحافة ؟
انني اطلب من كل القراء الكرام فحص اي سطر من المادة ليراها انها لي ، وان كل ما يتداوله الناس لا يعرفون من هو الذي كتب هذا الكلام ! لقد ولدت هذه " الحالة " السيئة منذ زمن ليس بالقصير ، ولكنها تفاقمت اليوم بشكل خطير لا يمكننا السكوت عليه أبدا . ويمكنني ان اقاضي اية جريدة او صحيفة او مجلة على ما تعبث به بحقوق الناس ، علما بـأنني لا استغرب حدوث ذلك ما دامت الحياة في العراق اصبحت فاسدة ومنتهكة في كل المجالات هذه الايام ، ولكن مع كل هذا وذاك ، لا يمكن ان يعدم العراق من اناس خيرين لهم امانتهم وحرصهم وصلابتهم في الوقوف ضد هذا الوباء الذي استشرى في وطن كان اهله قبل عقود من السنين ، مثالا للمصداقية والنزاهة والحرص على حقوق بعضهم الاخر .
لقد اكتشفت السيدة نجوى مسعد ، وهي مديرة اعمالي سابقا ، بعضا من سرقات كاتب يحمل درجة علمية لواحد من بحوثي التي قمت بنشرها مؤخرا ، فقامت السيدة نجوى بنشر ذلك الغسيل في مقال تدين عمله ، وكتبت لي متسائلة : هل وصلت الانفس الى هذا الدرك من الاسفاف ؟ واستطردت قائلة : انني بين فترة الى اخرى ، اكتشف بعض السارقين من كتاباتك القديمة والجديدة بحكم عملي الدائب في التحرير العلمي . فقلت لها : ان المشكلة ليست في هؤلاء السراق ، ولكن المشكلة في المواقع والصحف التي تنشر مواد مسروقة من دون فحصها ؟ والاخطر هو ما يكمن في المؤسسات الثقافية والاقسام العلمية والجامعات ( العربية ) التي باتت تمنح الشهادات العليا بقبولها رسائل واطروحات مليئة بالسرقات .. وكما هو حال هؤلاء من الجامعيين ، فهو حال البعض ممن يدعي انه من الاعلاميين والصحفيين الذين ليسوا كلهم من الاغبياء والمتسلقين ، بل ان بعضهم من الخصوم السياسيين الذين يهمهم استلاب مادة كتبها باحث يختلف عنهم في توجهاته ورؤيته ومنهجه ومشروعه !
ان ما تتعّرض له ادبياتي واعمالي من استلاب وسرقات لا يمكن وصفه باقل من كونه " عمل لا اخلاقي " ، وهو ما يتعّرض له غيري ايضا من كتاب وباحثين معروفين تتعرّض اعمالهم أيضا للسرقة والاستلاب ، وقد وصل البعض من الادعياء لأن يسرق حتى الهوامش والملاحظات ناهيكم عن الافكار والاستنتاجات .. ومما يؤلم حقا ان النقد والمواجهة والفحص والتدقيق في حياتنا الثقافية باتت كلها في حالة غيبوبة ، وان القراء يقرأون ما يصلهم عبر وسائل الاتصالات الحديثة من دون ان تثار لديهم اية اسئلة وهواجس وشكوك عن اصل تلك " المواد " ، ومن هم اصحابها الذين تعبوا في كتابتها والبحث عنها .
انني اهيب بكل الصحف والمواقع العراقية ان تتأنى في نشر كل ما يصلها من دون فحص المادة ، بل وان عملها باستلاب مادة نشرها أي باحث او كاتب او استاذ لتنشرها من دون ذكر اسمه يعدّ جريمة في قوانين المطبوعات في العالم .. ثم يأتي المهتمون ليقوموا بتبادلها عبر الانترنيت من دون ان يذكر كاتبها الحقيقي .. ان بعض المتطفلين يعرفون ويدركون جيدا انهم يسرقون " مادة " ، ويتقصدون عمدا لإقصاء اسم كاتبها لأسباب متنوعة ، ولكنهم اغبياء كونهم لا يعلمون ان باستطاعة ادوات هذا العصر ، كشف الحقائق بسرعة بالغة .. وانها حالة لا يمكن السكوت عليها ابدا . اتمنى مخلصا ان يشاركني القراء الكرام في الوقوف ضد فساد صحف ومواقع امتلأت باللصوص والمارقين والفاسدين والطفيليين الذين لا يفيد معهم الا القانون والتشهير الاعلامي .
نشرت في 17 كانون الثاني / يناير 2014 على موقع الدكتور سيار الجميل
للعودة الى الصفحة الرئيسة