فيضانات كوردستان وقنوات الصرف الصحي التاريخية في فيينا
لفيينّا وجه اخر تحت الارض ومدينة كاملة للحياة
بدل رفو
النمسا\فيينّا
لفيينّا وجه اخر تحت الارض ومدينة كاملة للحياة
بدل رفو
النمسا\فيينّا
قبل فترة قصيرة اجتاحت الفيضانات مدن وقصبات وقرى اقليمنا الجميل الهادئ وكانت الصور التي نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي اشبه بافلام الكوارث ولكنها من نوع اخر والخسائر كانت بالارواح والاموال والممتلكات .البعض جم غضبه على حكومة الاقليم والمسؤولين والبعض الاخر اقسم بان لا يصلي ثانية صلاة الاستسقاء ان لم يهطل المطر بالمرة، والادباء شطبوا المطر من قواميسهم وكرهوا بدر شاكر السياب حين رددها مطر مطر مطر ولكن لا احد يلقي جم غضبه على الحكومات السابقة والى نشأة المدن والبنى التحتية لها من دون قنوات الصرف الصحي المتطورة والى اخطاء الحكومة العراقية الحالية والاعتراف ببعض المدن الصغيرة كمحافظات من دون العودة الى بناها التحتية .
بهذه المناسبة وحكاية الفيضانات تعمدتُ ان اكتب عن مدينة تحت الارض وهي مدينة فيينا عاصمة النمسا وقصة قنواتها التاريخية للصرف الصحي وربما تكون رسالة للحكومة المركزية وكذلك لشعبنا بان نتكاتف مع بعضنا اثناء الكوارث والشدة .
فيينا..عاصمة النمسا وهي ليست فقط مشهورة بالموسيقى وفن التصميم والمقاهي التاريخية ،بل شهرتها ترجع الى قنوات الصرف الصحي والتي هي خط حزام الامان لها ايام الحروب والكوارث .
قنوات الصرف الصحي في فيينا يرجع تاريخها الى القرن الاول الميلادي حين وصلت الاعداد الكبيرة من الجنود الرومان هذه الارض واول عمل قاموا به هو حفر قنوات الصرف الصحي وبعد 20 قرناً من الزمن تعد هذه القنوات من ارقى انظمة القنوات واما في العصور الوسطى فقد كانت فيينا مدينة نموذجية في مستواها الصحي وفي ذلك الوقت كانت العوائل تفصل النفايات عن بعضها ولكن الفيضانات لعبت دوراً كبيراً في نشر الاوبئة والامراض حيث كانت تأخذ النفايات الى نهر الدانوب واجتاحت الروائح الكريهة الدانوب. في القرن الثامن عشر ،اخذت فيننا وللمرة الاولى عبر تاريخها دوراً قيادياً في اوربا وكانت المدينة الوحيدة وقتذاك تملك القنوات بصورة متقنة داخل الاسوار وبعد ذلك اخذت المدن الاخرى الخرائط وعملت نفس التخطيط ، لكن القنوات لم تكن عائقاً امام الاوبئة والكوارث ومركز الثقل كان عام 1830 حين هاجمت الكوليرا المدينة وصرع اكثر من 2000 شخص وهذه الكارثة كانت العامل الرئيسي والحافز في انشاء قنوات الكوليرا ، وهي موازية لنهر فيينا ومنذ عام 1850 تملك فيينا نظاماً صرفياً صحياً يعمل بشكل جيد للغاية .اعتمدت النمسا بشكل كلي على تطوير القنوات والتحسين المستمر لغاية اندلاع الحرب العالمية الاولى ،واما قي عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي فقد تم اهمال الاعتناء بالقنوات نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي واما الحرب العالمية الثانية فقد خلفت اضراراً جسيمة في القنوات حين القيت عليها اكثر من 1800 قنبلة، و في عام 1950 بدأت قنوات فيينا عملها بصورة جيدة وفي عام 1980 إبتدأ فصل جديد ورائع في المناطق وبشبكات عملاقة. يعمل في هذه القنوات اكثر من 500 عامل من اجل رفاهية سكان فيينا.
فيينا وقنواتها لاتعيش على التاريخ وامجاد الماضي ولذلك تدعو الخبراء في مجال الصرف الصحي لتحديث الانظمة والقنوات والمشاريع الجديدة من مختلف العالم الى فيننا. من اجل حماية البيئة والماء ويتم استخدام انظمة تحكم ذكية في ادارة القنوات والسيطرة على الامطار الغزيزة ولتجنب الكوارث .
في القرن التاسع عشر وايام الفقر كان البعض يرقد في هذه القنوات وقد عاش صحفيان من فيينا مع الفقراء وكتبا كتابين حول الحياة في هذه القنوات بعنوان(تحت ارض فيننا)عام 1920.واما السينما فلعبت دورا كبيراً في ابراز صورة القنوات للعالم الخارجي بالاضافة الى البرامج التلفزيونية التي تعرض بين الحين والاخر واما قمة الافلام السينمائية التي تحكي قصة القنوات فقد كان فلم الرجل الثالث ،حين تم تصوير الفلم في القنوات ولم يتصور احد وقتها بان الفلم سيطرق ابواب العالمية ومن اجل تكريم الفلم وابطاله فقد كُرس لأبطال الفلم والفلم متحفاً باسم متحف الرجل الثالث في المنطقة الخامسة في فيينا ويعد المتحف الوحيد في العالم يخصص لفلم سينمائي.
لقد كان فلم الرجل الثالث اسود و ابيض (تعبيري) وكان في الفلم شخصان يركبان عجلة كبيرة دوارة كالتي تنصب هذه الايام في مدن الالعاب الكبيرة وكانت تسيطر على سطوح فيينا ..والمهم في الفلم ايضا الهروب عبر قنوات مياه مجاري فيينا والتفنن الكبير للمخرج بتصوير تلك القنوات وكانه العالم الاخر للنمسا والتي ظلت لاهالي النمسا خالدة وكذلك لمشاهدي الفلم.
لقد اعتبر اعضاء معهد الفلم البريطاني بأن فلم الرجل الثالث هو اروع واجود فلم في القرن العشرين من اخراج بريطاني..
خصصت بلدية فيينا رحلات للاجانب والزوار في هذه القنوات للاطلاع ومشاهدة فيينا تحت الارض وهي مدينة كاملة والذكرى رحلت بي الان الى مسلسل الحسناء والوحش ايام الثمانينيات في العراق ولا ادري ما مدى فائدة عروض المسلسلات والمقالات والصحافة ان لم ناخذ منها العبر؟؟ ... ببساطة فيينا مدينتان فوق الارض ساحرة وتحت الارض حلم لحماية المدينة.
*
الصفحة الرئيسية